الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 185
 لايزال تنظيم كأس العالم بالدوحة عاصمة قطر، يثير التساؤلات لا حول من سينتصر ومن سيغادر ومن سيربح الكأس في آخر جولة، وإنّما حول الصّراع الثّقافي بين الغرب والشّرق الذي ازدادت حدّته في الفترة الأخيرة مع محاولات نخب غربيّة فكريّة وثقافيّة وسياسيّة استغلال الحدث كأحسن ما يكون، لتمرير أفكارهم وفرض لون ثقافي معيّن على الجميع باعتبار الحدث ملتقى عالمي يجمع الملايين من البشر ذوي الثّقافات المتعدّدة.
بدأت حملة النّخب الغربيّة على قطر منذ فازت بتنظيم كأس العالم أي قبل عشر سنوات كاملة ولكن ازدادت حدّتها مع اقتراب الموعد ثمّ بعد انطلاقه. لم يكن المقصود قطر كدولة وإنّما ثقافتها العربيّة الاسلاميّة، لهذا كانت الحملة الشّرسة ذات طابع ثقافي عبّر عنه الاختلاف في المواقف بين قطر والدّول الغربيّة حول قضيّة المثليّة والسّماح بالإشهار لفائدتها من عدمه في المحفل الدّولي.
لقد  ظهر للعيان غطرسة الغرب من خلال محاولة إجبار منظميّ كأس العالم على التّراجع لفائدة المثليّين بجميع الوسائل، وهو ما دلّ على اعتقاد النّخب المهيمنة فيه بتفوّق حضارتها وثقافتها واحتقارها للثقافات الأخرى وعدم إيمانها بالتنوّع الثّقافي وتعدّده. إنّهم يعتقدون أنّهم أسياد العالم، وبالتّالي على الجميع أن يخضع لإرادتهم وهو ما يعني بشكل أو بآخر فرض ذوبان جميع الحضارات والثّقافات الأخرى في الثّقافة الغربيّة المعولمة.
من مآسي البشريّة في الوقت الراهن هذا التكبّر الغربي، تكبّر جوهره ثقافي ومنهجه الإملاء وفرض الانصياع، وآليّاته متعدّدة: اقتصاديّة وسياسيّة وعسكريّة، الهدف منه الهيمنة على البشريّة بدعاوى التّنوير والحداثة، ولن تنتهي هذه المأساة إلاّ بكسر شوكة الغرب وجره إلى حوار  متوازن ومتكافئ عماده احترام الخصوصيّات والإيمان بالتعدّدية الثقافيّة والدينيّة، وهذا يتطلّب جهدا كبيرا وصبرا لا حدود له وتوحيد الجهود والامكانيّات مع الثّقافات الأخرى التي تعاني هي أيضا من غطرسة الغرب.    
على النخب الغربيّة أن تدرك أنّها ليست أفضل من الآخرين (صينيّون ومسلمون وهندوس ويابانيّون وأفارقة وغيرهم) وأن التعددية الثّقافيّة والدّينيّة لا مفرّ منها، وهي تقتضي احترام خصوصيّات الشّعوب والأمم. إنّ تاريخ البشريّة لم يبدأ مع سطوع شمس الحضارة الغربيّة ولن ينتهي عندها، والحضارة الإنسانيّة اصطبغت عبر التّاريخ بألوان ثقافيّة متعدّدة، فلا داعي لهذا التكبّر ومحاولة فرض لون ثقافي واحد ومنظومة قيم أخلاقيّة لا يقبلها الأخرون. 
اذا كان المهيمنون في الغرب من سياسيين ومثقفين ورياضيين أيضا مصرّين على المجاهرة بالعلاقات المثليّة مثلا فهم أحرار ، لكنّهم مطالبون باحترام خصوصيّاتنا كعرب مسلمين، خاصّة إذا نزلوا ضيوفا علينا. فلا داعي لمحاولة فرض تصوراتهم علينا وعلى الآخرين.