همسة

بقلم
شكري سلطاني
ذلّ الحصر وأقدار البشر
 لا تخلو حياة الإنسان ودنياه من صعوبات وأزمات وعراقيل وعقبات ومصائب إلى جانب أن البشريّة تجتاحها أحيانا كوارث طبيعيّة تقلق راحة النّاس وتؤلمهم وتحيلهم إلى وضعيّة مشكل وأزمة خانقة ضاغطة. فكيف يتصرّف الإنسان تجاه وضعه الصّعب؟ وكيف يواجه مصيره وأقداره ؟
يتعرّض الإنسان وجوبا في صيرورته وتاريخه إلى ظروف صعبة حرجة وأزمات عديدة وضغوطات نفسيّة ماديّة وعاطفيّة إذ لا غنى عنها ولا مهرب لتجعل حياته حينئذ منحصرة في زاوية الظّرف الضّاغط والقاهر لذاته الضّعيفة العاجزة نسبيّا أمام شتّى البلايا والرّزايا، وكما تواجه الإنسانيّة الثالوث المدمّر المنهك لقواها الفقر والجهل والمرض. فتختلف ردود أفعال كلّ إنسان وإستجابته إزاء وضعه الرّاهن الضاغط وما ألمّت به من ملمّات. وكلّ يواجه مصيره وأقداره حسب إستعداده وفكره وعلمه وخبرته وطاقة صبره وقدرته على إستيعاب الظّروف وتجاوزها أو التكيّف معها،  فيخيب من يخيب ويوفّق من أحسن التّفكير والتّصرّف.
إنّ الضغوطات والأزمات والقيود والعراقيل والعقبات التّي تعيق الإنسان وتقلقه وتؤلمه ظرفيّة ولحظيّة لا بقاء لها ولا ديمومة لها، إذ أنّها آنيّة  كظلمة اللّيل الدّاحس الذي يعقبه النّهار المشرق وكمرور السّحاب العابر، ولكن قلّة صبر الإنسان وجهله تجعل من الأزمة أوالمشكلة قارة مستقرّة ثابتة في فكره ومنغرزة في وجدانه، فتفقده صوابه وتصرّفه السّليم، فتراه يهذي ويشتكي ويتألّم، فيزيد بذلك من صعوبة الموقف وتأبيد وضعه الرّاهن الضّاغط. فليس التخبّط والشّكوى أوكثرة الكلام والقلق والضّجر أوالإنفعال المفرط والتسرّع هي الحلّ الأمثل للتعامل مع المشكل والصّعوبات . ومتى انحصر فكر الإنسان ووجدانه في دائرة الأزمة، وانشغل تفكيره بوقع المصيبة وانعكاساتها السلبيّة عليه، أعاق فعله الواعي فلا يثبت  أمام تصرّفات القدر .
إنّ إرتباط الإنسان بماديّته وعالمه الحسيّ لا يسمح له بالإفلات والفكاك من قيود وضغوطات ظروف وشروط حياته الماديّة والمعنويّة إذ أنّه في ذلّ الحصر.«فالدّنيا صَفوَتُها مَمزوجَةٌ بِكُدورَةٍ وَراحَتُها مَقرونَةٌ بِعَناءِ»، والكيّس الفطن من يستوعب ظروفه ويسعى لتجاوز دائرة الحصر، فيتعالى على الظرف الضّاغط بمعالجة الأسباب والمسبّبات، ويدرس الشّروط الموضوعيّة وإمكانيّاته الذّاتية خارج  إطار الوهم وسوء الفهم، ويستشرف المستقبل بثقة في النّفس وبهمّة عالية وقوّة إرادة ورجاحة عقل .
وسوداويّة الرّؤية وسلبيتها وحالة السّكون والضّجر والملل والقلق لعامّة البشر معطّلة للفعل مثبّطة للهمّة والعزيمة والإرادة الحرّة والتّصرف الحكيم. إذ لا فعل واع في البحث عن حلول عمليّة لتجاوز المصائب والأزمات والكوارث دون إدراك وعلم وإلمام بدائرة الحصر والضّغط والسّلب والقيود والمعوقات والأسباب.
فالأزمة أو المصيبة أو البلوى فرصة للتفكّر والتدبّر والتّجاوز والإعتبار، لأنّها حاملة لمعنى من معاني الحياة، فليست بالضّرورة عدميّة المنشأ، نقمة لوجود البشر. فكم من البشر يكثر هذيانه وتشكيّاته وضجره وألمه وملله عند مواجهة صعوبة ظروف حياته وأزماته، ومنهم من يسبح في تخميناته ويحلّق مع أوهامه ليلقي اللّوم على غيره لتحميله ما آلت إليه أوضاعه الصّعبة المعقّدة،  فلا يعتبر نفسه جزءا من المشكل ولا مصدرا للحلّ. ولكنّ قليلا من البشر من يفكّر في الحلّ والعبور إلى الخلاص بعقل المعنى التّجريدي المتعالي المتجاوز للظّرف لا عقل الحسّ والغبش المتماهي أصلا المنصهر في صميم المشكل والبلوى.
إنّ الأزمات والبلايا والمصائب معجونة بطينة الإنسان ودائرة حسّه ووجدانه فهي ضمن أقداره.فالدنيا «هِيَ حالانِ شِدَّةٌ وَرَخاءُ وَسِجالانِ نِعمَةٌ وَبلاءُ» ولا مناص ولا خلاص إلاّ بالتّجاوز بإلإيمان والصّبر  والعلم والفقه في أحوال المنازلات .
الأزمة جسر عبور إلى غدّ أفضل « وَالفَتى الحاذِقُ الأَريبُ إِذا ما *خانَهُ الدَهرُ لَم يَخُنهُ عَـزاءُ» كما قال الإمام علي ابن  أبي طالب عليه السّلام.