أهل الاختصاص

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
تطور نظريات الحركة الحلقة السادسة: إستقرار المدارت الثابتة مع الأرض
 مستوي لابلاس «المستوي الثّابت» 
اكتشف بيير سيمون لابلاس (1749-1827) مستوى متوسط يترنح حول محوره المستوي المداري اللّحظي للقمر الصّناعي، سمّي فيما بعد بمستوي لابلاس(1). يقع محور مستوي لابلاس في المستوي الذي يحتوي كلّا من (أ) محور دوران الأرض حول نفسها، و (ب) المحور العمودي على مدار دوران الأرض حول الشّمس، وأكثر تحديدا يقع بينهما. ينشأ مستوي لابلاس بسبب دوران مدار القمر الصّناعي حول محور دوران الأرض النّاشئ عن عدم إنتظام  مجال جاذبيّة الأرض، بينما تميل الإقلاقات النّاجمة عن الشّمس إلى التّسبّب في دوران القمر الصّناعي حول العمودي على مدار الأرض حول الشّمس. ينتج عن التّأثيرين اللّذين يعملان معًا موضعًا وسيطًا للمحور المرجعي لمدار القمر الصّناعي(2). يستقرّ المدار الثّابت بالنّسبة للأرض إذا وقع العمودي عليه في مستوي لابلاس، حيث يقع المدار بين عزوم جاذبيّات مختلفة أرضيّة وقمريّة وشمسيّة، والتي تعمل على استقرار المدار ذهابا وإيابا بين نقاط الاستقرار الناتجة عن هذه العزوم.
 إستقرار المدار
الاستقرار لا يعني الثّبات المطلق وعدم الحركة، فهذا غير موجود أصلا في الكون، فالكلّ في حالة حركة مستمرّة، لكن  الاستقرار يعني  بشكل غير تقني ثبات المنظومة الدّيناميكيّة وعدم انهيارها. ولا يوجد تعريف واضح لماهية المدار المستقر، إذا كانت كلّ المدارات تتحلّل في النّهاية، فهل يوجد ما يسمّى بالمدار المستقر؟ هل يمكن لجاذبيّة ما أن توفّر قوّة كافية لإبقاء جسم ما في مدار حول جسم آخر؟ كلّ هذه الأسئلة وغيرها كثير يتعرّض إليها الباحثون عند دراسة  إستقرار المدارات بشكل عام وإستقرار المدارات الثّابتة مع الأرض بشكل خاصّ. 
يترنح مدار القمر الصّناعي الثّابت بالنّسبة إلى الأرض تقريبًا حول المحور العمودي على مستوى لابلاس بفترة حوالي 53 عامًا، ويصل ميله إلى 15 درجة بعد 26.5 عامًا قبل أن يعود إلى خطّ الاستواء. إذا تمّ وضع مثل هذا القمر الصّناعي في البداية في هذا المستوى، فسيتم إصلاحه في المتوسط (المدار «الحقيقي»، بسبب انحدار العقد القمريّة، والذي لا يؤخذ في الاعتبار في النّظريات التّحليليّة، سيكون له في الواقع الميل المحدود بين 6 و 8.5 درجة، والعقدة الصّاعدة بين         ).  لتصحيح هذه الاضطرابات في المدار يلزم استخدام مناورات لتثبيت موقع المدار أو ما يسمّى بحفظ المحطّة، وتقدّر بتغير في السّرعة (Delta-V) يساوى 50 متر/ثانية كلّ عام. 
ثمّة تأثير آخر يجب أخذه في الاعتبار وهو تراجع العقدة الصّاعدة على خطوط الطّول، وسببه عدم انتظام جهد الأرض. وتؤثّر أيضاً كلاً من الرّياح الشّمسيّة والضّغط الإشعاعى بقوى صغيرة على الأقمار الصّناعيّة ممّا يؤدّى لتغييرات بسيطة في مداراتها. وفى غياب أيّة مهمّات صيانة من الأرض، أو استهلاك وقود الدّفع (المستخدم في صواريخ التّحكّم) لتثبيت مكان القمر الصّناعي، فإنّ ذلك يحدّد العمر الإفتراضى  للقمر الصّناعي، لأنّه في حالة الاستهلاك الكامل للوقود سينحرف القمر عن مكانه ولا توجد وسيلة لتصحيح الخطأ، فيصبح - في أغلب الأحوال - بلا فائدة حتّى ولو كانت المعدّات في حالة جيّدة. وحينئذ يكون قد فقد التّواصل مع المحطّات الأرضيّة المصمّمة لتلقّي الإشارات منه.
الحركة بين نقاط التوازن
لمثل هذه المدارات يوجد نقطتى توازن مستقرتين عند خطّي طول 75.3° شرق و104.7° غرب، ونقطتى توازن غير مستقرّتين عند خطّي طول 165.3° شرق و14.7° غرب. وبالتّالي فإنّ المدار الذي تقع نقطته الصّاعدة  بين نقطتي توازن سيتأثّر بعجلة «تسارع» صغيرة (بدون أيّ مؤثّر خارجي غير قوى الجاذبيّة) نحو نقطة التّوازن المستقر، ممّا يتسبّب بتغيّر مستمر في خطّ الطّول، وتصحيح هذا التّأثير يلزم مناورات للتّحكم في المدار بتغيير في السّرعة المداريّة بحدّ أقصى 2 متر/ثانية كلّ عام، اعتماداً على خطّ الطّول المطلوب.
تأخّر الاتّصالات
نظرا للارتفاع الشّاهق في المدار الثّابت بالنّسبة للأرض يحدث تأخّر ملحوظ في الاتصالات - يقدر بحوالى ربع ثانية خلال رحلة الشّعاع من محطّة الإرسال الأرضيّة إلى القمر ورجوعاً إلى المحطّة الأرضيّة مرّة أخري وحوالى نصف ثانية عند نقل الإشارة من محطة أرضيّة إلى أخرى أرضيّة ثمّ عودتها إلى الأولى مجدّداً. 
على سبيل المثال؛ بالنّسبة للمحطّات الأرضيّة بين دائرتى عرض 45° شمالا وجنوبا، وعلى نفس خطّ طول القمر الصّناعي، فإنّ الوقت اللاّزم لتسافر الإشارة من محطّة أرضيّة إلى القمر ثمّ رجوعاً إلى المحطّة الأرضيّة، يمكن حسابه باستخدام بعض القوانين البسيطة في حساب المثلّثات. هذا التّأخير يسبّب مشاكل في التّطبيقات الحسّاسة للتّأخير مثل الاتصالات الصّوتيّة وألعاب الكمبيوتر المباشرة على الإنترنت. 
ونظرا لأنّ هذه المدارات تكون فوق خطّ الإستواء مباشرةً، فإنّها تبدو في أقصى ارتفاع لها من خطوط العرض القريبة من الإستواء، لكنّها تقترب من الأفق كلّما ابتعدنا عن خطّ الإستواء وبالتّالي تصبح كفاءة الاتصالات صعبة وربّما مستحيلة بسبب عوامل عديدة مثل: انحراف الأشعّة عبر الغلاف الجوي، الإنبعاثات الحراريّة للأرض، الموانع المادّية عبر خطّ النّظر (الجبال، المبانى المرتفعة)، وانعكاس الإشارات عن سطح الأرض أو المباني. وفى دوائر العرض الأكبر من81° تختفى تلك الأقمار تحت خطّ الأفق، وبالتّالي لا ترى نهائيّاً(3). 
فضّ المنازعات حول المدار
تتواجد جميع الأقمار الصّناعيّة العاملة في المدار الثّابت بالنّسبة للأرض في حلقة واحدة فوق خطّ الإستواء تماماً، وضرورة الفصل بين هذه الأقمار لتجنب تداخل الموجات العاملة تعني أنّه يوجد عدد محدود من المواقع المتاحة في المدار، وبالتّالي لا يمكن تشغيل إلاّ عدد محدود من الأقمار في  مثل هذه المدارات. هذه القيود أدّت إلى نشأة صراعات بين الدّول المختلفة الرّاغبة في إمتلاك أقمار صناعيّة في مدارات ثابتة بالنّسبة للأرض في نفس خطّ الطّول وبنفس التّردّدات (الدّول التي توجد على دوائر عرض مختلفة ولكن نفس خطّ الطّول). هذه النّزاعات يتمّ حلّها عبر آليّة التّقسيم الخاصّة بالاتحاد الدّولي للاتصالات(4). 
في إعلان بوجوتا الصّادر عام 1976، أعلنت ثماني دول واقعة على خطّ الإستواء سيادتها على المدارات الثابتة بالنسبة للأرض الواقعة فوق أراضيها على اعتبارأنها ثروات طبيعية، ولما كان الحق لابد له من قوة تحميه فإن ذلك الإعلان لم يلق اعتراف دولي (5)  ويوجد حالياً معاهدات دولية لتقسيم الأماكن في المدار، وتقسيم الترددات كذلك. وبالنسبة للأقمار التي خرجت من الخدمة في نهاية فترة العمر المحددة لها (بمعنى انتهاء وقود الدفع الذي يصحح مسارها) إما أن يتواصل استخدامها في مداراتها الجديدة المائلة أو يتم دفعها بعيداً عن المدار الثابت بالنسبة للارض إلى مدار أعلى منه يطلق عليه «المقبرة» أو «مدار المهملات».
الهوامش
(1) Scott Tremaine, Jihad Touma, and Fathi Namouni (2009). «Satellite dynamics on the Laplace surface», The Astronomical Journal 137, 3706–3717.
(2) Jump up to:a b See P. Kenneth Seidelmann (ed.) (1992), Explanatory Supplement to the Astronomical Almanac, University Science Books, Sausalito (Ca), pages 327- 9
(3)  Scott Tremaine, Jihad Touma, and Fathi Namouni (2009). «Satellite dynamics on the Laplace surface», The Astronomical Journal 137, 3706–3717.
(4)  Jump up to:a b See P. Kenneth Seidelmann (ed.) (1992), Explanatory Supplement to the Astronomical Almanac, University Science Books, Sausalito (Ca), pages 327- 9.
(5) Oduntan, Gbenga. «The Never Ending Dispute: Legal Theories on the Spatial Demarcation Boundary Plane between Airspace and Outer Space» (PDF). Hertfordshire Law Journal, 1(2), p. 75.