نافذة إعلاميّة

بقلم
محمد صالح بنحامد
التضليل الإعلامي وصناعة الكذب في وسائل الإعلام
 من أهمّ وظائف وسائل الإعلام على الإطلاق صناعة الآراء والاتجاهات لدى الرّأي العام المحلّي والعالمي، وهي وظيفة تتميّز عن بقيّة الوظائف الأخرى ( كالأخبار والتّرفيه وغيرها ) بدقّة الهدف وتحديد الغايات والأغراض الأساسيّة. وتفرض أخلاقيّات المهنة على وسائل الإعلام بأنواعها ضرورة الالتزام بالمصداقيّة والموضوعيّة والشّفافيّة إلى جانب صفات الأمانة والعدالة والشّموليّة والدّقّة والتّوازن. ولكن قد تغيب هذه الأخلاقيّات نهائيّا عن أرض الواقع وتأخذ مكانها أنواع شتّى من التّضليل الإعلامي المتعمّد نتيجة وجود صراعٍ للمصالح (سياسيّا وفكريّا وإيديولوجيّا واقتصاديّا وثقافيّا واجتماعيّا...).
* من وسائل التّضليل الإعلامي المتعمّد في بعض وسائل الإعلام الإنتقائيّة المتحيّزة في اختيار الكلمات والحقائق والمصادر مقابل تجاهل حقائق أخرى مرتبطة بها وإغفالها نهائيّا، إضافة إلى التّلاعب بالمعلومات وترتيب الحقائق  التي توحي بمعانٍ وانطباعاتٍ تخالف الواقع.
* يقوم التّضليل الإعلامي على إهمال خلفيّة الأحداث حتّى تكون مشوّهة وناقصة يتعذّر على المتلقي فهمها وتفسيرها، أو بالمزج والخلط بين طبيعة الأخبار من ناحية وبين طرح الرّأي والتّحليل والتّعليق من ناحية ثانية حتّى لا يتمكّن المتلقّي من التّمييز بين الخبر وبين رأي الصّحفي ووجهة نظره الخاصّة.
*  يبدأ التّضليل باقحام معلومات لا علاقة لها بالحدث على حساب الحقائق المهمّة والمؤثّرة في جوهر الموضوع باعتماد العناوين ومقدّمات الأخبار التي تعتمد أسلوب التّهويل والتّضخيم والمبالغة في الحدث والغموض النّاجم عن نقص المعطيات ليتعارض في الغالب مع محتوى المادّة الصّحفيّة ومضمون الخبر. 
* تعتمد وسائل الإعلام معلومات تضليليّة معيّنة تؤدّي مباشرة إلى إصدار أحكام بالإدانة على المواقف والأشخاص والأحزاب والجماعات أو حتّى الدّول بالتأييد أو بالمعارضة. ويعتمد في ذلك الإبهام والتّدليس في المصادر والمعلومات وعرض معلومات مضلّلة غير واضحة المصادر
* يكون التّضليل الإعلامي كذلك بادعاء التّوازن الشّكلي بين رأيين أو موقفين فقط، وتعمد تجاهل وإهمال وجهات النّظر الأخرى، أو باختيار قضايا ومشكلات زائفة لا تهمّ الجمهور بهدف إغراقه بمعلومات لا تعبّر عن مشاغله وطموحاته. ويطلق على هذا الأسلوب «النّفايات المعلوماتيّة».
* من وسائل التّضليل الأخرى إغراق المتلقّي بكمّ هائل جدّا من المعلومات لا يستطيع الرّبط بينها وتفسيرها، ممّا يوقعه في السّلبيّة والشّعور بالعجز. وأحيانا يتمّ لفت نظره عن قضيّة معيّنة وتسليط الأضواء على قضيّة أخرى بغرض تشتيت الانتباه عن القضيّة الأم والأصليّة.    
* يتمّ التّضليل عبر التّعتيـم عن قضيّة ما أو تغييبها أو حذف الخبر الذي يتعلّق بها وتجاهلها حتّى تكون خارج وعي الجمهور، ويتمّ أحيانا عبر التّضخيم والتّهويل لحدث أو مشكلة ليترك ذلك انطباعا زائفا عن الحجم الحقيقي لدى الرأي العام. وحينا آخر بالتّهوين وتقليل قيمة الموضوع رغم أهمّيته للجمهور وعلاقته بمصالحه الحيويّة. 
*  إنّ حصر النّقاش في جزئيّات صغيرة من الموضوع وقطعها عن سياقها الطّبيعي والإطار العام وعن صورتها الحقيقيّة هي إحدى وسائل التّضليل الإعلامي بواسطة التّجزئة والتّفكيك. أو قلب الصّورة حتّى يصل الأمر أحيانا إلى تصوير المجرم بأنّه الضّحيّة، وتصبح الضّحيّة هي المجرم المعتدي.
* يتحقّق التّضليل الإعلامي من خلال المصطلحات المنحوتة لترسيخ مفهوم معيّن يخدم مصالح من قام باستحداثه والتّرويج له لتغييب الحقائق وتزييف الوعي، قد تكون المصطلحات غير صحيحة وغير مقبوله لكنّها تستخدم عمدا وتضليلا في سياق خاطئ لا علاقة له بها.
* كما يعتمد على  اعتماد الإحصائيّات واستطلاعات الرّأي غير الحقيقيّة إمّا لأنّها لم تحدث أصلا أو لأنّها مليئة بالأخطاء الإجرائيّة التي ستؤدّي حتما إلى أخطاء في النّتائج. وفي بعض الأحيان يحدث التضليل بالقراءة المخادعة للاحصائيّات واستطلاعات الرّأي الصّحيحة التي يتمّ التّلاعب بطريقة عرضها وتفسيرها بالأرقام أو بالرّسوم البيانيّة.
* من باب التّضليل الإعلامي أيضا اختيار أضعف شخصيّة ممكنة وأسوئها لتمثيل قضيّة مصيريّة في حوار تلفزي أو منبر إعلامي فيتمّ تشويه تلك القضيّة وإسقاطها من خلال الآداء المهزوز والضعيف لتلك الشّخصيّة. أو من خلال حوار مشوه يتمّ فيه التّغييب الكلّي للقضيّة الجوهريّة.
* من أخطر أنواع التّضليل الإعلامي على الإطلاق الإصرار على تكرار الفكرة الخاطئة وترسيخها مهما كان مبلغ الخطإ فيها، من أجل تعزيز السّلوك المنحرف وترسيخه. فبالتّكرار المتواصل والمستمر تستقرّ في النّهاية الفكرة الخاطئة في وعي الجماهير.
ومع الأسف، انخرطت في السّنوات الأخيرة العديد من وسائل الإعلام العربيّـة والوطنيّـة التّونسيّـة في لعبـة ودوّامـة التّضليـل الإعلامـي ضاربـة عــرض الحائــط بكلّ القيم والمبادئ الإنسانيّة وأخـلاق مهنــة الصّحافــة في غيـاب ضعف المراقبـة والمتابعة القانونيّـة والزّجريّة.    
لأنّ عالمنا ليس عالما مثاليّا يعمّه العدل والمحبّة والسّلام، وإنّما عالم تميّزه الصّراعات، ولأنّ الإعلام سلاح ذو حدّين، فهو لا يخلو مـن تضـارب المصالـح، واختلافها يجعل من التّضليل الإعلامي سلاحا فعّالا في مثل هذه الصّراعات، خاصّـة وأنّـه يتمّ بأسلــوب «القوّة النّاعمــة» التي تؤثّـر ببطء وهـدوء على المدى الطّويــل بعيدا عن أنظار المراقبين. لهــذا وجب التّشهير بمستغلّيه وفضحـهم حتّى نحدّ من تأثيرهم على الجماهير.
المراجع
(1) كتاب التربية الإعلامية : كيف نتعامل مع الإعلام ؟  
(2) مصادر منظمة اليونسكو حول التربية الإعلامية.