أهل الاختصاص

بقلم
د. المعز العيادي
هل يكون الحليب الجديد «LAIT A2» حليب المستقبل وخيارًا مناسبًا لمزارع الأبقار ؟
 1.مقد مة
لا يختلف اثنان على أنّ للحليب الكثير من المنافع الصحيّة للإنسان، حيث يُعدّ من المصادر الغذائيّة الغنيّة بالبروتين الضّروري للعديد من الوظائف الحيويّة في الجسم، بما في ذلك النّمو والتّطوّر والإصلاح الخلويّ وتنظيم جهاز المناعة(1). وقد إرتبط شرب الحليب منذ فترةٍ طويلةٍ بالعظام الصّحيّة، حيث بيّنت نتائج العديد من الدّراسات أنّ انخفاض استهلاك مُنتجات الألبان يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض هشاشة العظام(2). وظهرت في الأونة الأخيرة  العديد من الدّراسات التي ترى أنّ الاستهلاك المفرط للحليب ومشتقّاته قد يضرّ بالصّحة، بل وقد يكون أيضا سببا لأمراض خطيرة مثل داء السّرطان وأمراض القلب والسّكّري(3). وبالرّغم من تضارب النّتائج حول هذا الموضوع، إلاّ أنّ العديد من البحوث العلميّة أكّدت عدم صحّة هذه الفرضيّة. وقد أكّدت نتائج دراسة حديثة أقيمت على أكثر من 135 ألف فردا من 21 دولة في 5 قارات(4)، على أنّ زيادة استهلاك منتجات الألبان (مثل الحليب واللّبن والجبن) ارتبط بانخفاض وفيّات أمراض القلب والأوعية الدّموية (السّكتة الدّماغيّة). وخلصت الدّراسة إلى أنّ «استهلاك منتجات الألبان يجب أن يرتفع». لسوء الحظّ، هذه الاستنتاجات قليلة ومعروفة بشكل ضعيف. ويقدّر المعدّل العالمي لإستهلاك الحليب ومشتقّاته للفرد الواحد بـ 250 لتر سنويا، حيث لوحظ تراجع في استهلاك هذه المنتجات في السّنوات الأخيرة، خاصّة في أوروبا في حدود 15-20 %(5)، ويمكن أن يكون هذا راجعا إلى إشكاليّة هضم ألاكتوز وبعض بروتينات الحليب، إضافة إلى توجّه المستهلك نحو المنتجات النّباتيّة البديلة (مثل حليب اللّوز والكتّان والصّويا...). لكنّ ظهور  نوع جديد من حليب الأبقار حول العالم يسمّى «Lait A2» في الأونة الأخيرة قد يغيّر هذا التوجّه خاصّة لدى المستهلكين الذين لا يستطيعون شرب حليب البقر دون مشاكل في الجهاز الهضمي وذلك لسهولة هضم هذا الحليب مقارنة بالحليب التّقليدي . 
2. ما هوالحليب الجديد «Lait A2» ؟
يعتبرالبروتين الموجود في الحليب بروتيناً كاملاً، حيث أنّه يحتوي على جميع الأحماض الأمينيّة التّسعة الأساسيّة والضّروريّة لجسم الإنسان، كما أنّ هناك نوعين رئيسيّين من البروتينات عالية الجودة الموجودة في الحليب، وهما الكازيين (Caseine)، والذي يُشكل 80 % من محتوى البروتين في الحليب، وبروتين مصل الحليب (Lactoserum)، الذي يُشكل حوالي 20 % من بروتينات الحليب. وهناك أنواع مختلفة من الكازيين، أحد البروتينات الرّئيسية الثّلاثة في الكازيين هو بيتا كازيين (β- Caseine), حيث أنه يمثّل أكثر من ثلث إجمالي الكازيين (11-9 جم / لتر) في حليب البقر(6)، وهو مهم بشكل خاصّ بسبب تأثيره على الجهاز الهضمي وعلى الخصائص التكنولوجيّة لمشتقات الحليب. وقد وُجد نوعان مختلفان من بروتين بيتا الكازيين  (A1 et A2). مع العلم أنّ هذه الأنواع من البروتينات لا ترتبط بتغذية البقرة، ولكن ترتبط ببساطة بالتّركيبة الجينيّة.  
وحسب التّكوين الجيني، فبامكان البقرة إنتاج حليب متكوّن من البروتين بيتا كازيين  A1A1، أو بيتا كازيين A1A2  أو بيتا كازيين A2A2. حيث أن الأبقار A2A2 هي الوحيدة القادرة على إنتاج الحليب الجديد «Lait A2» ، لأنّ الأبقار A1A2 ستنتج خليطًا من بيتا كازيين. وقد أكّدت العديد من نتائج البحث أنّ البروتين بيتا الكازيين يختلف حسب سلالة الأبقار(6)، حيث وُجد أنّ نسبة البروتين بيتا كازيين A1 عالية  (0,66-0,72) في أبقار سلالة الهولستين فريزين (Holstein-Friesien) والأيرشير (Ayrshire). أمّا البروتين بيتا كازيين A2، فنسبته عالية عند الأبقار من سلالة الجرزاي (Jersey) واللّيموزين (Limosine)  والشاروليه (Charolaise) وبعض سلالات الأبقارالمحليّة وكذلك الزيبو (Zebu) (7). 
وقد وُجد أخيرا أن نسبة الأبقار الهولستن في إسبانيا وإيطاليا التي تنتج حليب غنيّ بالبروتين بيتا كازيين A2A2 لا تتجاوز 35 % من مجموع الأبقار، وهذا ممكن إرجاعه إلى أنّ برامج الانتخاب التي طبّقت منذ أكثر من خمسين سنة  لتحسين إنتاجيّة الأبقار غيرت التركيبة الجينية لهذه السلالة. 
إنّ التخمّر والهضم المعوي لبروتينات الحليب ينتج الببتيدات (Peptides) النشطة بيولوجيا، حيث لوحظ أنّ هضم البروتين بيتاكازيينA1 في الأمعاء الدّقيقة (Intestin grêle)، ينتج بيتا كازومورفين7 (β-casomorphin7) بكميّة أكبر(0,4جم/لتر) مقارنة بالبيتاكازيينA2ب(0,09 جم/لتر) (8)، وهو ببتيد أوبيوويد (Opioide) مرتبط بصعوبة الهضم في المعدة وأعراض مشابهة لتلك التي يعاني منها الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمّل اللاّكتوز(مثل الغازات والانتفاخ والإسهال). حيث يعتقد بعض الباحثين أنّ «بيتا كازومورفين 7» وليس اللاّكتوز، هو الذي يسبّب هذه الأعراض لدى بعض الأشخاص. وقد أكّدت نتائج البحث في نيوزيلندا أنّ إستهلاك حليب غنيّ بالبروتين بيتا كازيين A2 مرتبط بتسهيل عمليّة الهضم، وانخفاض انتشار مرض السّكري من النوع1 وانخفاض معدّلات الوفيّات من أمراض القلب(9). 
على الرغم من الحصول على هذه النتائج المتميّزة، إلاّ أنّ هناك أبحاثا علميةً أخرى لا ترى أيّ فرق بين أنواع البيتا كازيين، لذلك ليس هناك أيّ تأثير إيجابي لاستهلاك البروتين بيتا كازيين A2 على صحّة الإنسان(10). وفي الأونة الأخيرة، اكتسبت دراسة متغيّرات البروتين بيتا كازيينA1 وA2  اهتمام الباحثين والمستهلكين على حدّ سواء، ممّا أدى إلى تعزيز اتجاهات سوق الألبان الجديدة وارتفاع أسعار الألبان في أستراليا ونيوزيلاندا والولايات المتحدة الأمريكيّة، ومؤخراً في أوروبا. وكتطبيق لمبدأ الوقاية، سيكون من الحكمة استهلاك الحليب الذي يحتوي على البروتين بيتا كازيين A2 لتحسين عمليّة هضم الحليب، خاصّة لدى المستهلكين الذين لا يتحمّلون الحليب التّقليدي. وقد ظهرت عديد من الشركات لتسويق الحليب الجديد“Lait A2”  من أهمّها الشركة النيوزلنديّة « A2 Milk Corporation» والتي تبيع هذا الحليب منذ سنة 2007.
  3. هل هناك إمكانيّة إنتاج الحليب الجديد «Lait A2» في تونس؟
يساهم قطاع تربية الماشية في تونس بـ %11  من قيمة الإنتاج الفلاحي و%25 من قيمة الإنتاج الحيواني  و %7  من قيمة منتجات الصّناعات الغذائيّة. و يعتبر هذا القطاع في تونس قطاعا استراتيجيّا بالنّظر إلى أهمّيته على المستوى الاقتصادي أوالاجتماعي، حيث يوفّر أكثر من مليون يوم عمل في السّنة ويشغّل بصفة مباشرة حوالي 112 ألف مربي أبقار، حسب إحصائيّات ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى(11). وقد قُدّر مجموع الأبقار في تونس بـ 402 ألف وحدة أنثى، منها تقريبا 60 % أبقار مؤصلة (Race pure) و40 % أبقارمحلية (locale) وشركي (locale-croisée ). 
وقد لوحظ أنّ حجم الضّيعات صغير في تونس، حيث  يملك 85 % من الفلاحين أقلّ من 20 هك و يملك 82 % من مربّي الماشية أقلّ من 5 أبقار. أمّا بالنّسبة لإنتاج الحليب، فقد قُدّر بـ 1424 مليون لتر في سنة 2018، حيث يستهلك المواطن التّونسي سنويّا في حدود 110 لترا من الحليب و 1,4 كغ من الأجبان و1,1 كغ من الزّبدة. 
وفي دراسة حديثة وأولى من نوعها حول تقييم إنتاجية ونوعية الدّهون والبروتينيات في حليب الأبقار بتونس، أظهرت نتائج البحث الأوّليّة أنّ الحليب المنتج من سلالة الأبقار المحلّيّة والشّركي تتميّــز بنسبة عالية من البروتين بيتا كازيين A2، إلى جانب الدّهــون غير المشبّعــة ذات روابط اللّينوليــك (CLA: Acide Linoléique Conjugué) المفيدة لجهاز المناعة في جسم الإنسان (12). وخلصت الدّراسة إلى إمكانيّة إنتاج وتسويق الحليب الجديد « Lait A2» بمنطقة الشّمال التّونسي حيث توجد مايقارب 87 % من مجموع الأبقار المحلية والشّركي (140 ألف رأس بقر) (11). ومن الرّغم من تأقلم وتكيّف الأبقار المحليّة (Race Brune de l’Atlas) للظّروف البيئيّة الصّعبة، إلّا أنّ إنتاجيّة  هذه السّلالة تبقي ضعيفة بمعدل إنتاج حليب لا يتجاوز 4-5 لتر/يوم (13). وأكّدت نتائج بحوث علميّة حديثة (14, 15) أنّ التّحسين في إدارة القطيع (ترقيم الحيوانات، توفيرتغذية جيّدة ومتوازنة ومياه نظيفة وكافية، وإدخال الحلب الآلي والرّفع في عدد الحلبات في اليوم، وتوفير التّغطية الصّحيّة...الخ) حسّنت في معدل إنتاج الحليب اليومي للأبقارالشّركي إلى 8,5 لتر (من 3,0  إلى 18,0 لتر/ يوم)، مع معدّل إنتاج حليب عالي في موسم الرّبيع (10,2 لتر/ يوم). 
 إنّ التّرويج لمنتجات الألبان المحليّة ذات جودة عالية شكّل، في المدّة ألأخيرة، هدفا مشتركا بين مختلف الجهات الفاعلة من مربّين وباحثين ومستهلكين. حيث أنّ التّنويع في منتجات الألبان، كإنتاج مشتقّات الحليب البيولوجية أوالحليب الجديد «Lait A2»، سيساعد في المستقبل على الحفاظ على سلالة الأبقار المحليّة بمنطقة الشّمال التّونسي واستدامة قطاع الألبان في هذه المناطق الرّيفيّة والجبليّة من خلال الحصول على منتجات ذات خصائص نشطة بيولوجيّا (Molecules Bioactives) ومسجلة(Appellation d’origine contrôlée). 
ويجري العمل حاليّا على بعث مشروع بحثي مشترك بين المعهد العالي للبيوتكنولوجيا بباجة -جامعة جندوبة بتونس وكلّية البيطرة بجامعة الأوتونوما ببرشلونة بإسبانيا، وكلية علوم الطبيعة والحياة بجامعة الطارف بالجزائر، وبعض الجمعيّات التّنمويّة في جهة الشّمال التّونسي، على غرار «جمعية تنمية إستثمار جندوبة 2050» حول تثمين منتجات الألبان وإنتاج حليب غني بالبروتين بيتا كازيين A2A2 من سلالات الأبقار المحليّة الإسبانيّة والجزائرية والتّونسيّة. 
4. الخلاصة
إنّ إنتاج وتسويق حليب الأبقار الجديد «Lait A2»  يمكن أن يكون حلاّ مفيدًا لتحسين عمليّة هضم الحليب، خاصّة عند الرّضع والمستهلكين الذين لا يتحمّلون الحليب التّقليدي. كما يعتبر الحليب الجديد خيارا للتّنويع في منتجات الألبان، خاصّة بالنّسبة للضيعات العائليّة صغيرة الحجم، حيث أنّ هذا المنتج الجديد سوف يساهم بصفة غير مباشرة في إستدامة مزارع الألبان.
 الهوامش :
(1): Health Benefits of Milk. www.healthyeating.org
(2) : Massimo Varenna, M. Manara, L. Galli, L. Binelli, F. Zucchi and Sinigaglia, L. 2013. The association between osteoporosis and hypertension: The role of a low dairy intake. Calcified Tissue International, 93:86–92.
(3): Campbell TC and Campbell TM. 2016. The China study: Revised and expanded edition. BenBella Books, Dallas, TX, USA.
(4): Dehghan M, Mente A, Rangarajan S, Sheridan P, Mohan V, Iqbal R, Gupta R, Lear S, et al. Lancet. 2018. Association of dairy intake with cardiovascular disease and mortality in 21 countries from five continents: a prospective cohort study. Prospective Urban Rural Epidemiology, 392: 2288- 2297.
(5): MAPA. 2019. https://www.mapa.gob.es/es/alimentacion/temas/consumo-y comercializacion-y-distribucionalimentaria/.
(6): Farrell HM, Jimenez-Flores R, Bleck GT, Brown EM, Butler JE, Creamer LK, Hicks CL, Hollar CM, Ng-Kwai-Hang KF and Swaisgood HE. 2004. Nomenclature of the proteins of cows› milk--sixth revision. Journal of Dairy Science, 87:1641- 1674.
 (7): Kaminski S, Cieslinska A, Kostyra E. 2007. Polymorphism of bovine beta-casein and its potential effect on human health. Journal of Applied Genetic. 2007; 48(3): 189- 98.
(8): Brooke-Taylor S, Dwyer K, Woodford K and  Kost N. 2017. Systematic review of the gastrointestinal effects of A1 compared with A2 β-Casein. Advanced Nutrition 8(5): 739- 748.
(9): Swinburn B. 2004. Report to the NZ Food Safety Authority: Beta casein A1 and A2 in milk and human health. Deakin University, Melbourne. 43 pp.
(10): He M, Sun J, Jiang ZQ and Yang YX. 2017. Effects of cow›s milk beta-casein variants on symptoms of milk intolerance in Chinese adults: a multicentre, randomised controlled study. Nutrition Journal, 16(1):72. 
(11): Office de l’élevage et des pâturages (Rapport annuelle). 2017. www.oep.nat.tn
(12): Ayadi  M.  2018. Développement de l’élevage bovin locale-croisée du Nord-Ouest de la Tunisie. Projet de collaboration entre Institut Supérieur de Biotechnologie de Beja, Université de Jendouba et la Direction régionale de l’Office d’élevage et de Pâturage (OEP) de Jendouba, Tunisie. 12pp. 
(13): Baccouche R., S. Bedhiaf, M. Haddad et Jemmali, B. 2014. Histoire évolutive de la population bovine locale en Tunisie.  Journal of New Sciences, 2(4), 27- 40.
(14): Ayadi M, Abidi S. Touati A. Bouazi M et Souli A. 2019. Etude des performances productives de la vache laitière de race locale-croisée du Nord-Ouest de la Tunisie. VIIeme Congrès International de Biotechnologie et de Valorisation des Bio-Ressources. 20-23 Mars 2019, Tabarka, Tunisie. pp. 24.
(15): Ayadi M., Abidi, S., Brahmi, E et Souli, A. 2020. Relation entre morphologie mammaire, production laitière et conduite de la traite mécanique de la vache locale-croisée du Nord-Ouest de la Tunisie. Journal of New Sciences (In press).