وجهة نظر

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
الاستثمار في اقتصاد الخوف
 اللهم لطفك يارب 
حالة كونيّة من الذّعر والرّعب غير مسبوقة، كوكب خال من البشر، الكلّ في جحره وفي «حجره الصّحي» مذعور من فيروس لا يري إلاّ بواسطة المجهر الإلكتروني. خوف من أن نلمس بعضنا بعضا، العمل والإنتاج على ظهر الكوكب في حالة موت إكلينكي، لا أشكّ أنّ هناك اقتصادات دول ستُنهك، خصوصا النّامية منها، وربّما تحتاج إلى سنوات وسنوات حتى تتعافي من آثار الوباء. فهل هي خطة مدبّرة للحرب بين الدّولتين العظيمتين(الصين وأمريكا)، يصيبهما بعض غبارها، ويتلظّي بلهيبها بقيّة دول الكوكب؟ أم أنها جائحة تجتاح الكوكب دون تدبير من أحد؟ كلّ الاحتمالات واردة على طاولة البحث. دعونا نورد بعضا من هذه الأفكار، ولا نصادر غيرها، لأنّ أنظمة المخابرات قد تطوّرت جدّا بحيث أصبحت أشياء كثيرة تظهر فجأة على السّطح ولا يدري ما هي أسبابها الحقيقيّة الكامنة وراءها وربّما تظلّ كامنة لعشرات السّنين. تذكّروا أحداث 11 سبتمبر، وأسلحة الدّمار الشّامل التي تمتلكها العراق، والتّقارير الصّادرة عن الطّاقة الذّرية. يكفي مراجعة كتاب عقيدة الصّدمة[1]، وكتاب نظام التّفاهة[2] لترى أنّ كثيرا ممّا نظنّه حقائق ليس كذلك، وليس إلاّ لعبة كبيرة تلعبها الرّأسماليّة المتوحّشة دون رحمة.
فيلم Contagion 
في 2011 أنتجت السّينما الأمريكيّة فيلما يحكي ما نراه اليوم عن فيروس كورونا، اسم الفيلمContagion  «المعدي»، وفي الفيلم تلقى سيدة أعمال حتفها بسبب عدوى فيروس غامض وقاتل أثناء رحلتها إلى الصّين، انتقل إليها الفيروس من طاهٍ في هونغ كونغ، كان قد لامس خنزيراً مذبوحاً انتقلت العدوى إليه عن طريق الخفافيش، بعد أن صافحته الممثّلة في الفيلم. ثمّ تسافر إلى بلدها وتمرض بشدّة وتموت بعد ذلك بوقت قصير. وسرعان ما يموت ابنها أيضاً، ولكن تبيّن أنّ زوجها يتمتّع بنظام مناعي جيّد. أطلق على الفيروس في الفيلم اسم «إم إي في 1»، يقتل الفيروس الوهمي في الفيلم 26 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في غضون شهر واحد. وفي الفيلم أيضا، عندما يُشتبه في تفشّي الفيروس يُبعثُ موظفون من خدمة نظام معلومات استخبارات الوباء، وهي منظمة حقيقيّة تحاول تحديد الأشخاص المصابين وعزلهم، حيث وُضعت مدينة شيكاغو الأمريكية تحت الحجر الصّحي، وهو ما يعكس عمليّات الإغلاق الهائلة التي حدثت في الصّين. فلماذا الصّين؟.
الصّين تغزو بيوت العالم
لو بدأت الكورونا بالظّهور في بلد صغير، غير مؤثّر في التّجارة الدّوليّة، لكانت الضّجة أخفّ، ولكانت ردود الفعل الدّوليّة أقلّ حدّة وإثارة للجدل، ولكنّها بدأت في الصّين، وما أدراك ما الصّين. لا يوجد بيت على وجه الأرض ليس به عشرات المنتجات الصّينيّة، ملابس، لعب أطفال، أدوات كهربيّة والكترونيّة منزليّة، المواد الفعّالة في إنتاج الأدوية، حتّى أكياس البلاستيك تأتي معدّاتها وموادها الخام من الصّين. الأفراد في الصّين ليسوا سوى تروس في ماكينة والكلّ مراقب بشكل كامل، ولا تخرج كلمة من فم إنسان إلاّ في العمل وعن العمل، والرّئيس والحكومة هم أيضا تروس للعمل من زاوية أخرى. العديد من البلدان والشّركات العالميّة حتّى الأمريكيّة منها تعتمد في إنتاج سلعها كليّاً أو جزئيّاً على الصّين، لذلك فأقلّ هزّة في الاقتصاد الصّيني يتأثّر بها الاقتصاد العالمي كلّه. فهل ما يحدث حرب اقتصاديّة بين المعسكرين الصيني والأمريكي؟.
كل شئ قابل للاستثمار
في ميدان الصّراعات الدّولية «وفي الحضارة الغربيّة الحديثة»، لسان حال الرّأسماليّين المتوحّشين والسّاسة المرتبطين بهم، كلّ سلاح قابل للاستخدام، لا عوائق أخلاقيّة تعيق ذلك، كلّ شيء وبلا أيّ استثناءات قابل للعرض والطّلب والتّسييس، حتّى الأمراض والأوبئة، كما قال ماكينمارا في السّبعينات من القرن العشرين[3] . في الرّأسماليّة المتوحّشة تكون الحرب القذرة أحيانا هي الحلّ، مشيرا إلى نشر الأوبئة، وليس هناك ما يمنع أن يصاب بعض من نحب من جرّاء هذه الحرب، سنحاول إبراؤهم، نحن قادرون على كلّ شيء، لا داعي لوجود الإله في الكون كما قال لابلاس لنابليون عند تأليفه لكتاب الميكانيكا السّماوية. ليس هذا تهوينا من شأن فيروس كورونا، لكنّ الرّأسمالي المتوحّش، لا يملك دستورا للأخلاق، أهمّ شيء لديه أن تظلّ أنيابه دائما مغروسة في لحوم الفقراء، حتّى لو كانوا من بني جلدته. 
بعد هزيمة إسرائيل في 1973، آمن نيكسون «الرئيس الأمريكي» بأنّ المواجهة العسكرية مخاطرة، وأنّ التّفوق في التّسليح لا يعني ضمان النّصر، فألف كتابا [4]، فكرته الرّئيسة كانت كيف ننتصر بلا حرب، أي بلا ثمن، عن طريق إشعال الحروب دون تدخّل أمريكي مباشر. أحد الأسلحة الفعّالة حسب نيكسون هو  إطلاق حملة إعلاميّة مكثّفة ضدّ العدوّ. السلاح الآخر الذي لا يقلّ عن الأول أهمّية هو امتلاك ناصية العلم والتّكنولوجيا ومنع ذلك عن العدوّ، والعدوّ هنا هو من يرفض الطّاعة. لسان حال السّاسة الأمريكان يقول، أنّه إذا امتلكنا العلم وحرمنا منه غيرنا، حينها سنمتلك أجرأ و أقسى وأعنف قرار في التّاريخ وهو الحرب الجرثوميّة، حتّى وإن طال غبارها بعضنا، سنعرف كيف نعالجهم، حتى ولو ماتوا فهم شهداء المعركة، وسيموتون على أسرّتهم وبين ذويهم وذلك أخفّ وطأة بكثير من موتهم في ميادين القتال الكلاسيكيّة. أما المتخلّفون فسيتركون نهبا لتخلّفهم الحضاري ينحرهم الموت، في أسوأ قبر حفروه لأنفسهم منذ أن أخذوا قرارا بترك تحصيل العلوم الطبيعيّة.
لذلك يتحدّث البعض عن الكورونا كسلاح بيولوجي استعملته أمريكا ضدّ القنبلة الدّيموجرافيّة التّكنولوجيّة الصّينيّة[5]، أو ربّما استعملته الصّين ضدّ أمريكا. بعض المتخصّصين يقول إنّ كلّ جزء في الفيروس مصمّم بحيث يصبح سلاحا فتّاكا لدى دخوله إلى الرّئتين، لذلك ادّعى البعض أنّه قد تمّ تركيب ذلك الفيروس مخبريّا في 2003، وفي 2015 أخذ بعض العلماء الأمريكان براءة اختراع[6] على اكتشاف أحد أفراد عائلة كورونا، وتمّ تطويره في 2019 وتزويده ببعض الأحماض النوويّة المسبّبة لنقص المناعة، لكنّه ربّما يكون مثل السّحر الذي انقلب على صاحبه، فحين يظنّ السّاحر أنّه على كلّ شيء قدير، يتدخّل «القدير» ليعلمه بفداحة جرمه.
ضريبة على الكمّامات
أسّست الرّأسماليّة العالميّة منظومات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وتنظيميّة جديدة، مثل تطوير المؤسّسات الصّحيّة وتطوير عادات النّظافة، أدّت إلى مزيد من الهيمنة المركزيّة على الفرد على حدّ تعبير «ميشيل فوكوه».وتتحوّل الصّدمة التي تضرب الدّنيا اليوم إلى أداة اقتصاديّة في أيدي أنبياء الصّدمة من الرأسماليين المتوحّشين، فيستغلّون الإعلام لتهويلها وتضخيمها آلاف المرّات، وتتحوّل في أيدي السّياسيّين - المرتبطين عضويّا بالرّأسماليّة العالميّة - إلى أداة إداريّة تُفرض من خلالها تدابير وسياسات وتشريعات جديدة وضرائبَ التي من الممكن أن تشمل الأقنعة «الكمّامات» خصوصا عندما تعلم أنّ ثمن «الكمّامة» الواحدة  حسب موقع فوكس الألماني وصل سعره إلى 5 آلاف يورو، ومن يعترض على هذه التّدابير يكون مصيره مثل من يعترض على تصنيف جماعات معيّنة بالإرهاب.
صناعة  الخوف وبيعه 
كلّما أفادت المواقع الإخباريّة بأعداد الإصابات كلّما سيطرت حالة الهلع والخوف على النّاس، فتستغلّ الرّأسماليّة المتوحّشة تلك المخاوف، ويزداد الإقبال على شراء السّوائل المضادّة للفيروسات، ومنقّيات الهواء وأغطية المراحيض، وترتفع أسعارها لأرقام قياسيّة لندرة وجودها. فرغم أنّ كورونا لا ينتقل عبر الهواء لمسافة كبيرة ولا يستقرّ إلاّ على الأسطح، ورغم أنّ المبالغة في استخدام المعقّمات تقتل البكتريا النّافعة الحافظة للجلد، رغم ذلك وبسبب الرّعب ارتفع ثمن الكمّامة إلى 5 آلاف يورو، رغم أنّ غسل اليدين جيّدا وباستمرار بالماء والصّابون العادي كفيل بالوقاية، إلّا أنّ الخوف أدّى إلى ارتفاع صاروخي لأسعار المعقّمات. إنّها التّجارة الرّابحة والاستثمار في الخوف. تعاظمت أرباح شركات الأدوية التي تنتج الكمّامات، والقفّازات والمعقّمات في كلّ العالم، وجداول الطّلبيات على المنتج لا تنتهي، بعد أن توقّفت معظم مصانع الصّين عن الإنتاج، وهي أكبر منتج للكمّامات في العالم. وستستمر الرّأسماليّة المتوحّشة في هجومها على الناس من خلال وسائل الإعلام التي ستحوّل المسألة إلى سلوك شخصيّ في النّظافة، وستوجّه بذلك كلّ فرد نحو شراء سلع ومستهلكات للوقاية، وفي نفس الوقت سيتمّ الرفع في سعر المياه، ثمّ أنّها سوف تخيف الفرد من العدوى والخروج والاختلاط بالنّاس، فعليه البقاء في المنزل، وهذا وإن كان صحيحا، إلّا أنّه ليس كلّ النّاس موظفون، مع أنّ رواتبهم لا تكفي للمعيشة أصلا، فمن أين يأتي بالمال من يجلس في البيت حتّى ينفق على أبنائه. الرّأسماليّة الجشعة لا تفكّر إلاّ في الرّبح ولا ترى في الإنسان سوى مستهلك يجب دفعه نحو اقتناء ما تنتجه. لا يهمّها أن يموت النّاس بالوباء أو بالجوع أو بالعطش، ما يهمّها هو استغلال الفرص لربح أكبر، لهذا هي تصنع الخوف وتبيعه. 
الهوامش
[1]  نعومي كلاين، «عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث»، ترجمة نادين خوري، مراجعة فؤاد زعيتر،  شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، لبنان، 2011.
 [2]   ألان دو، «نظام التّفاهة»، ترجمة مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال للنّشر، بيروت، لبنان، 2020.
 [3]  روبرت ماكنمارا أحد أهم السّاسة والاقتصاديين الأمريكان في القرن العشرين، كان من متحمّسي حرب فيتنام، حتّى أنّ السيناتور الديموقراطي، واين مورس، سمّى حرب فيتنام «حرب ماكنمارا»، كان أحد منظّري الحروب النّوويّة المحدودة، وصف نفسه بأنّه مجرم حرب، ترأس شركة موتور فورد عام 1946، ليصبح أوّل رئيس للشّركة من خارج العائلة. تقلّد منصب وزير الدفاع في عهد الرئيسين كنيدي وجونسون. وعندما اختلف مع جونسون ترك وزارة الدّفاع ليتولّى إدارة البنك الدّولي من 1968 إلى 1981. 
[4]  ريتشارد نيكسون، نصر بلا حرب، ترجمة المشير محمد عبد الحميد أبو غزالة، مؤسّسة الأهرام, 1996.
[5]  تذكّروا الحرب على شركة«هواوي» الصّينيّة الخارجة عن الفلك الأمريكي.
[6]  براءة اختراع فيروس كورونا، وهي برقم  10130701 تحت الرابط
 https://patents.justia.com/search?q=Erica+Bickerton%2C+Sarah+Keep%2C+Paul+Britton