باختصار شديد
بقلم |
محمد بن نصر |
»وفي أنفسكم أفلا تبصرون |
كم مرّة قرأنا هذه الآية الكريمة ومررنا أمامها دون أن ندقّق النّظر فيها. هذا الكائن المعقّد الذي أحسن الله خلقه عندما يكون في منتهى صحّته وكمال قوّته الإدراكيّة والجسميّة أحيانا، يتملّكه الغرور حتّى يشعر أنّه مكتف بذاته، فينسى خالقه، بل ينكر وجوده. يكفي هذا الإنسان أن يعيش لحظات أو ساعات أو أياما أو أسابيعَ حالات عطب مفاجئة لجزء بسيط من كيانه حتّى يختلّ كلّ نظام جسمه، فيتبين له عندها كم هو ضعيف بل كم هو مسلوب الإرادة. يصغي للطّبيب بكلّ انتباه ويطبّق تعاليمه بكلّ طواعيّة ليعود إلى حالته الطّبيعيّة التي خلقه الله عليها ولكنّه لا يتورّع عن جدال خالقه، فيرفض نواهيه ولا يأتمر بأوامره بل يلحد في آياته.
في الأيام الأخيرة كانت لي تجربة مع حصوة صغيرة لا يتجاوز حجمها الخمس مليمترات. آلام حادّة، تشعر وكأنّ جسمك يتقطّع بسكين حادّ. تجرّب معها كلّ وضعيات الجلوس والوقوف والإتكاء والإنحاء والإستلقاء، لا شيء ينفع معها. كلّ شيء يتغيّر مذاقه، الأكل والشّرب وحتّى الإمتناع عنهما. حصوة إن سكنت في مكانها آلمت وإن تحرّكت آلمت أكثر. ثمّ في غفلة منك تغادر وتذهب إلى حال سبيلها. تنسحب بصمت حتىّ يخيّل إليك أنّها لم تغادر.
أستشكل الإنسان على الإنسان هكذا تكلم أبو حيّان. غريب هذا الإنسان كيف يخشى إنسانا ضعيفا مثله ولا يخشى الذي خلقه؟ كيف يطلب الإطمئنان من فاقده ولا يطلبه ممّن يعطيه تكرّما منه؟ كيف لمؤمن أن ينسى الله الذي خلقه وخلق كلّ شيء و يتملّكه الرّعب من ذوي النّفوذ المالي والسّياسي، فيخضع لإملاءاتهم طلبا لرضاهم و طمعا في فتات يتصدّقون به عليه؟
|