الإنسان والسماء

بقلم
حسن الطرابلسي
الإستتباعات الدينية والفلسفية لإكتشاف سبع كواكب شبيهة بالأرض
 أعلنت الإدارة الوطنية للملاحة الجويّة والفضاء (National Aeronautics and Space Administration)، ناسا، في منتصف شهر فيفري 2017 عن اكتشافها الجديد المتمثل في وجود سبعة كواكب شبيهة بالأرض يمكن أن تحتوي على عوامل ملائمة للحياة. وبشر بعض الباحثين الفلكيين بأن هذا الإكتشاف هو أهمّ تتويج وتتمّة تشهده الإنسانيّة منذ الثورة الكوبرنيكيّة سنة 1543 م. فهذا الإكتشاف لا يعيد طرح مركزيّة الإنسان في الكون فحسب وإنّما يجيب على أسئلة كثيرة شغلت الإنسان منذ الحضارات المصريّة والإغريقيّة وغيرها وفي نفس الوقت يطرح أسئلة جديدة حول الإنسان والزّمان والمكان. ويستفزّ عقولنا فنتحدث عن أكوان موازية لنا تسكنها كائنات أخرى قد تزور كوكبنا الأزرق يوما ما، أو لعلّ هذه الكواكب تكون ملاذا لنا نفرّ إليه بعد أن ضاقت علينا الأرض بما رحبت وتجاوز عدد سكانها السّبع مليارات ساكن. ومع التّفاوت الكبير في توزيع الثّروات لم يعد هذا السّؤال مسألة تعالجها أفلام الخيال العلمي Science Fiction  فقط وإنّما غدت موضوعا يتداول بين كبار الفلكييين والفيزيائيين.
خلاصة الإكتشاف العلمي:
كشفت «الناسا» عن وجود سبع كواكب خارج المجموعة الشمسيّة شبيهة بكوكب الأرض، تدور حول نجم صغير اسمه ترابيست ـ 1 (Trapisst-1) ويبعد هذا النّجم 40 سنة ضوئية، وهو نجم يقارب في حجمه حجم المشتري وهو صغير السّن مقارنة مع نجم الشّمس. 
وتقع الكواكب الدّائرة في فلكه في منطقة تحتوي على عوامل تأمن الحياة ويعتقد باحثوا «الناسا» بوجود مياه في هذه الكواكب أو على الأقل في ثلاث منها. ويعتقد الفلكيّون أنّ الكوكبين القريبين من نجم «ترابيست ـ1» يظلّ نصف الكرة لكلّ منها مقابلا له كامل الوقت وهو ما يجعل حرارته مرتفعة، وأمّا النصف الأخر فإنّه يبقى في الجانب المظلم لذلك تشتدّ برودته. ولكن في المنطقة الفاصلة بينهما قد تكون هناك ظروف ملائمة للحياة. وأمّا الكوكب الثالث فهو يدور في منطقة ليست شديدة البرودة ولا مرتفعة الحرارة، أي في منطقة متوسطة، ممّا يرجح وجود الماء على سطحه. وهم يأملون أن تكشف السّنوات العشر القادمة عن حقائق جديدة تهم هذا النجم وكواكبه.
ما المقصود بظروف ملائمة للحياة؟
الظروف الملائمة للحياة التي نجدها على الكواكب حول نجم «ترابيست ـ 1» تشبه الظّروف «الملائمة للحياة» على كواكب أخرى مثل عطارد والزّهرة والمريخ. ففي عطارد تكون الحرارة مرتفعة جدّا أحيانا وتبلغ البرودة درجات دنيا في وقت آخر. وأمّا كوكب الزهرة فيحيط به غلاف جويّ مكوّن أساسا من غاز ثاني أكسيد الكربون  CO2 حيث تشكّل نسبته 96 بالمائة من غازات الكوكب. وبسبب هذا الغلاف فإنّ الزّهرة تعاني من الإحتباس الحراري ممّا يجعل درجة الحرارة على سطحه تصل درجة عالية جدّا. وأمّا المرّيخ، وهو من الكواكب الصّخرية، وهو أيضا شبيه بكوكب الأرض، فتوجد به صحراء قاحلة شديدة البرودة. وهكذا فرغم الشّبه بين هذه الكواكب وبين الأرض فإنّ إمكانية الحياة فيها شبه منعدمة. ووجود صخور أو صحراء وحدها لا يكفي للحياة وإنّما تحتاج الحياة إلى عناصر أخرى هامّة وأهمّها الماء والزّمن.
 إنّه لا يمكن الحديث عن نشأة للحياة بدون الماء لأنّ الله جعل من الماء شرطا للحياة «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» [1] وقوله سبحانه وجعلنا من الماء كل شيء حي لا يشمل فقط الحيوان «بل يدخل فيه النّبات والشجر لأنّه من الماء صار ناميا وصار فيه الرّطوبة والخضرة والنّور والثمر» كما يقول الرّازي.
ومع وجود الماء فإنّنا نحتاج إلى كثير من الزّمن، بل من الزّمن الطويل، حتى نستطيع الحديث عن وجود للحياة. ولهذا فإنّ الذي يشغل العلماء الآن ليس كما يروّج له الرّغبة في الهجرة إلى هذه الكواكب البعيدة كمجموعة الكواكب المحيطة بترابيست ـ1. فهذا النجم وإن كان يبعد عن الأرض أربعين سنة ضوئية. وهي مسافة قصيرة بالنسبة للفلكيين إلا أنّها بمقاييسنا البشرية غير قابلة للتحقيق، فلو فرضنا أن أحدهم أراد السفر إلى «ترابيست ـ 1» مثلا معتمدا على أسرع مكوك تمتلكه الناسا لاستغرقت الرّحلة مئات الآلاف من السّنوات. 
هل يمكن بالتالي الحديث عن رحلة إلى هذه العوالم؟
لقد عرفنا من نتائج العلوم أن الإنفجار الكوني العظيم والمعروف ب Big Bang قد حصل قبل 13,8 مليار سنة وأن الحياة بدأت على الأرض قبل 3,8 مليار سنة، ولكننا لا نزال نجهل الكثير عن كيفية نشأة الحياة. 
غير أن فضول الإنسان ورغبته في استكشاف عوالم أخرى جعلته ينشيء ملاحم خياليّة ليس فقط منذ ما نشر في كتاب « دراسات حول تعدد العوالم» «Entretiens sur la pluralité des mondes» للكاتب Bernard le Bouvier de Fontenelle، الذي صدر سنة 1686، وهو أقرب الكتب للخيال العلمي، وإنّمـــا دفعـــت أفـــلام الخيـــال العلمـــي بهـــذه الأحــلام الإنسانيـــة إلى أقصاها من خلال أفــلام مثـــــل (Star Trek (auf Deutsch: Raumschiff Enterprise وكذلك Star Wars الذين أثارا قضية غزو الأرض من مخلوقات خارج الكون أو بالفرار من الإرض بحثا عن مكان آخر للحياة. وكلاهما سوق لصورة سيئة عن عالمنا أو عن العوالم والأكوان المحيطة بنا رغم أنّهما أشبعا نهمنا من الخيال الممتد بلا حدود.
وأما نجم «ترابيست ـ 1» فإنّه حقيقة علمية ولا ينتمي إلى قصص الخيال العلمي ويقدر عمره بخمسمائة مليون سنة (500 مليون سنة) وهو بذلك يعتبر نجما صغيرا مقارنة مع عمر الشمس الطويل والذي يقدر بأربع مليارات ونصف (4,5 مليار سنة)، إضافة إلى أنّه نجم أحمر وهذا يدلّ على أنّه يستهلك المياه بنسبة أقلّ من الشمس، وهي النجم الأصفر ولم يبق من عمرها سوى خمس مليارات سنة وبعدها سوف تحترق. و«ترابيست ـ 1» يمكن أن يبقى لمدّة ترليون سنة أخرى على قيد الحياة. وبالتّالي فإنّ السّنوات القادمة هي التي سوف تكشف لنا عن العديد من أسرار هذا النّجم وكواكبه المحيطة به. 
كون أم أكوان؟ سماء أم سماوات؟ أرض أم أراضين؟
يقدّر العلماء أنّ مجرة «درب التبّانة» وحدها تحتوي على مليارات النّجوم، كما أنّ هناك أكثر من 100 مليون كوكب يمكن أن تحتوي على قابليّة وجود حياة بها. وقد سمح لنا منظار «كبلر» الذي أرسل للفضاء منذ سنة 2009 من التقاط صور فائقة الدّقة عن كواكب ونجوم جديدة لن يكون «نجم ترابيست ـ 1» والكواكب الدائرة في فلكه حتما هي الأخيرة.
ولا تعنينا أعمار النجوم والكواكب ولا عددها في هذا المقال كثيرا لإنّ هذه الأرقام يمكن العودة إليها في صفحة «ناسا» أو غيرها من مراكز بحث الفضاء وإصداراتها وإنّما الذي يعنينا في المقام الأول هو محاولة فهم وتفسير هذه الظاهرات وتأثيراتها على الإنسان في حاضره ومستقبله.
فالإنسان لم يكف عن التساؤل عن سرّ الحياة؟ كيف بدأت؟ ومتى بدأت؟ وعن موقعه في هذا الكون الفسيح؟
وتقدّم الفلسفة تفسيرا لهذا الوجود فتركز بعضها على أزليّة الزّمان ولانهائيته. فهي تنطلق من أنّ الزمان كمّ متواصل وآنات متتابعة، وفي خضم هذه الآنات اللاّمتناهية والأزليّة نشأت الحياة. في حين تركّز فلسفات أخرى على أنّ الكون والزّمان حادث وأنّه كما يقول الغزالي: «كان الله ولا زمان ثم كان الله ومعه زمان». 
وتسعفنا الأديان بقضية الخلق من العدم، وأنّ الله سبحانه خلق الإنسان من تراب ثمّ علّمه البيان وجعله خليفة له في الأرض ليعمّرها. وليكون هذا الكون منحة ربّانية لهذا المخلوق الخليفة.  وأنا في خضم هذا البحث تذكّرت قوله تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ»[2]، فتساءلت: «ما المقصود بهذه السّماوات السّبع والأرضين السّبع؟». ولم تسعفني بعض التّفاسير التي عدّت إليها بإجابة مقنعة تروي ضمئي وفضولي المعرفي ولكن استوقفني ما رواه الإمام البيهقي في «الأسماء والصّفات» عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: «خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» في آخر آية من سورة الطّلاق، قال: سبع أرضين في كلّ أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوح، وإبراهيم كإبراهيم، وعيسى كعيسى. ورغم أنّ البيهقي قال بعد رواية الحديث بأنّه شاذ.  ووافقه الإمام  السّيوطي في الحاوي على ذلك بقوله: «هذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنّه لا يلزم من صحّة الإسناد صحّة المتن، لاحتمال صحّة الإسناد مع أنّ في المتن شذوذًا أو علّة تمنع صحته».  إلاّ أنّ نتائج العلوم الفلكيّة المعاصرة تتحدّث عن إمكانيّة وجود عوالم أخرى محيطة بنا وأنّ هذا الكون منذ الإنفجار العظيم يتوسّع بشكل مطرد. 
وصدق الله إذ يصف هذا المشهد بشكل معجز في سورة الذّاريات بقوله سبحانه «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ»[3] وهكذا فإنّ هذه البحوث ونتائجها تستفزّ فينا العقل والفضول العلمي لطرح أسئلة جديدة قد تغيّر فهمنا للكون، وفي هذا الإطار لا يسعني إلاّ أن أتّفق مع ما قاله العالم ديميتار ساسسيلوف Dimitar Sasselov، أستاذ علم الفلك في جامعة هارفرد: «نحن على قاب قوسين أو أدنى من أن نختم بحوث كوبرنيكوس، لقد احتجنا إلى 400 سنة، حتى امتلكنا التقنية المساعدة على ذلك.»  إنّنا إذا لا نزال في البداية والطريق نحو البحث لا تزال في أوّلها.
الهوامش
[1] سورة الأنبياء - الآية 30 
[2] سورة الطلاق - الآية 12
[3] سورة الذاريات - الآية 47