في الصميم

بقلم
نجم الدّين غربال
سياسات للحدّ من الفقر من خلال نماذج التنمية في العصر الحديث
 وِفقًا لأحدث تقارير البنك الدّولي(1) وما لم يقع تصحيح المسار، فإنّهُ «بنهاية عام 2024، سيظلّ النّاس في بلد واحد من كلّ 4 بلدان نامية ونحو 40 % من البلدان منخفضة الدّخل أكثر فقرا مِمّا كانوا عليه قبل تفشّي جائحة كورونا في عام 2019» خاصّة مع استمرار ارتفاع تكاليف الاقتراض بالنّسبة للاقتصادات النّامية - وخاصّة تلك التي تُعاني من ضعف التّصنيف الائتماني، مع بقاء أسعار الفائدة العالميّة عند أعلى مستوياتها على مدى 40 سنة بعد استبعاد أثر التّضخّم.
  ومع ضعف النّمو الاقتصادي المُرتقب طيلة هذه العشريّة وارتفاع معدّلات الدّيون المُكبّلة لقدرات هذه البلدان، سيكون «من الصّعب للغاية توفير الغذاء لواحد من كلّ ثلاثة أشخاص تقريبا» ممّا سيُفاقم ظاهرة الفقر في العالم، ويُعرقل إحراز تقدّم في سبيل الوفاء بالعديد من «الأولويّات العالميّة» وفي مقدّمتها «تعزيز الرّخاء المشترك وإنهاء الفقر المُدقع» والّذي حدّد البنك الدّولي لتحقيقها هدفين، الأوّل تعزيز نموّ دخل نسبة أقل 40 % من السّكان في كلّ بلد، والثّاني، خفض النّسبة المئويّة للسّكان الذين يعيشون على أقلّ من 1.9 دولار للفرد في اليوم إلى ما لا يزيد عن 3 % بحلول عام2030 (2)           
ووفقا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الى حدود سنة 2026، الصّادر عن صندوق النقد الدّولي، وحسابات خبرائه، يُتوقّعُ استمرار التّباعد بين الاقتصاديات «المُتقدّمة» واقتصاديات الأسواق «الصّاعدة» والاقتصاديات «النّامية» على المدى المُتوسّط كما تُبيّنه الرّسوم البيانية التّالية:
 من جهة أخرى ومع اشعال نار الحرب في أوكرانيا، حدثت تداعيّات خطيرة، على مستوى الأسعار أدّت الى انهيار المقدرة الشّرائية لدى فئات واسعة من شعوب العالم واتسعت بالتّالي دائرة الفقر وما توضحه الرّسوم البيانيّة التّالية من ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب والمعادن بصورة حادة كفيلة بادراك ارتفاع معدلات التّضخم وبوتيرة سريعة:
أمام هذا الأفق القاتم، وانطلاقا من أن الفقر هو نتاج سياسات هيكلية بالأساس كما بيّنت في العدد السّابق من مجلة «الإصلاح»(3) قبل أن تكون نتيجة سياسات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية والّتي اجتهدت في أعداد ثلاثة سابقة من نفس المجلة(4) لإلقاء الضّوء عليها ولاقتراح سياسات بديلة للحدّ من الفقر، من الجدير بالذكر أنّ السّياسات الهيكليّة التي سادت ولا تزال في ارجاء العالم ما هي إلاّ ثمرة مُقاربة مادية نفعية فئوية، جعلت أغلب النّاس يتخبطون في دائرة الفقر مُتعدّد الأبعاد، فالفقر ما هو الاّ نتاج سياسات، وهو واقع جعل نماذج التّنمية الدّولية في قفص الاتهام، ولكن ماهي تلك النّماذج التي اعتمدتها عدّة دول من أجل التّمكين لكنّ حصيلتها كانت فقرا واسعا لأغلب سُكّان المعمورة مُقابل تَرَفِ قِلّةٍ قليلة منهم؟ 
استئناسا بما جاء في تفسير الشّيخ محمد الطاهر ابن عاشور للآية: ﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مْنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ﴾(النساء:59) نجد أنّ مصطلح التّمكين في الأرض قد جاء بما هو تقوية التّصرف في منافع الأرض والاستظهار بأسباب الدّنيا، بأن يكون في منعة من العدوّ وفي سعة في الرّزق وفي حُسن حال(5). 
ولتقوية التّصرف تحقيقا لتلك الأهداف، اختارت دول عدّة منذ قرنين نماذج ضمن مقاربة نفعيّة مادّية فئويّة، نماذج نعرضها تباعا مُبيِّنِين أثرها على مستوى عيش جلّ سُكّان العالم وما أفرزته من اتّساع مُتزايد لدائرة الفقر في العالم:
1 - نموذج عسكري احتلالي 
للتّمكين في الأرض، اعتمدت عدّة دول منذ القرن التّاسع عشر نموذجا احتلاليّا جغرافيّا للسّيطرة بالقوّة العسكريّة على الموارد الطّبيعيّة واليد العاملة والأسواق، ممّا أفرز دولا تمتلك الثّروة والقرار الدّولي وأخرى فقيرة مهمّشة على مستوى ذلك القرار، إلى أن وضعت الحرب الأوروبيّة (الّتي يُطلَق عليها إجحافا بالحرب العالميّة) أوزارها، خمسينات القرن الماضي، والّتي كان وقودها الكثير من أرواح سُكّان الأراضي المحتلة بما فيها سكان منطقتنا العربيّة والإسلاميّة، وتمّ الشّروع في وضع ترتيبات لاستقلال الكثير من الدّول.
ومن المُفارقات استمرار تبنّي هذا النّموذج المُتوحّش الى اليوم، من طرف الكيان الصّهيوني الغاصب للأراضي الفلسطينيّة، رغم رفضه من كلّ أحرار العالم، ووقوف القوى الاحتلاليّة سابقا وراعية النّظام العالمي القائم اليوم الى جانبه في تناقض صارخ مع كلّ المواثيق والأعراف الدّوليّة، ولا يخفى على أحد ما خلّفه هذا النّموذج من فقر مُتعدّد الأبعاد في الأراضي المحتلة شمل مختلف مجالات الحياة.
2 - نموذج اقتصادي مالي
بعد انتهاء ما عُرِفَ بالحرب العالميّة الثّانية ومنذ 1944، تمّت بلورة نموذج جديد للتّمكين لفائدة الدّول المنتصرة في الحرب، مُعتمدا على إطار عام عالمي للسّياسات الدّولية المُؤثّرة والموجّهة للسّياسات الهيكليّة في كلّ دول العالم، ومُساعدا لنموّ الاقتصاد الرّأسمالي العالمي، إذ سجّل متوسّط نسب النّمو لديه 4.5 % سنويّا، وعلى مدى أكثر من عقدين من الزّمن، وضارًّا ببقيّة الاقتصاديات، ومُتَرْجَمًا عبر اتساع دائرة الفقر في العالم. وما نقصده بالإطار العام للسّياسات الدّوليّة هو حركة التّجارة الدّوليّة ونوعية الصّادرات والواردات المُتدفّقة والتّقسيم الدّولي للعمل والأسعار العالميّة التّبادليّة والعلاقات والأسواق النّقدية والاستثمارات الخارجيّة...
وقد مكّن التّقسيم الدّولي التّقليدي للعمل دول المنظومة من الحصول على النّفط بأسعار بخسة للغاية وبيع منتجاتها الصّناعية بأسعار عالية، واعتماد محرّك الاستهلاك من خلال تدخّل الدّولة في النّشاط الاقتصادي للتّأثير في حجم الطّلب الكلّي الفعّال، كل ذلك وغيره جعل نسب النّمو الاقتصادي تكون مرتفعة لدى تلك الدّول.
كما فرض نمط تقسيم العمل الدّولي على البلدان غير المُمَكّنة، ضحيّة البلدان المُتمَكِّنة، نظرا لموازين القوى غير المُتكافئ، أن تتخصّص في إنتاج المواد الخام والمواد الأوّلية وتصديرها بأسعار منخفضة وأن تستورد في مقابل ذلك احتياجاتها من السّلع الاستهلاكيّة والانتاجيّة المصّنعة والمواد الغذائيّة بأسعار مرتفعة، مِمَّا أدّى الى الحدّ من امكانات التّراكم لدى تلك الدّول وتبعا لذلك الى الحدّ من امكانات التّقليل من الفقر والبطالة والتفاوت فيها، مما جعلها غير مُمكّنة أمام استئثار القُوى المُحدّدة للإطار العام العالمي بالتّمكين في الأرض. 
3 - نموذج نازل (TOP-DOWN)
ضمن الإطار العالمي، السّائد منذ خمسينات القرن الماضي، اتبعت دول الشّمال في المرحلة الممتدة من سنة 1960 الى السنة 1980 نمطا من التّصرف عُرِفَ بالنّموذج النّازل (TOP-DOWN) وكان القرار فيه مركزيّا وللقطاع العام فيه وللدّولة عموما اليد الطّولى، ومثّلت قوّة المال والاستثمارات الثّقيلة حجر الزّاوية فيه.
 ويعتمد هذا النّموذج، الذي يُوصَفُ بالتّقليدي طريقة تنازليّة، ويتنزّل تحليله الأساسي ضمن مُقاربة تعتمد على تحليل الاقتصاد الكلّي وجغرافيا مجموع القطاعات لتحديد الآفاق الاقتصاديّة المستقبليّة لمختلف القطاعات ومن ثمّة تحديد مواقع الاستثمار حسب البلد أو المنطقة أو الجهة أوالقطاع، وينطلق هذا النّموذج من المال ليُحقّق مزيدا منه مُسوّقا ذلك بأنّه الوسيلة الوحيدة لزيادة النّجاعة والانتاجيّة(6). 
وإن كان التّحليل الأساسي لهذا النّموذج ضمن تلك المقاربة، فإنّ التّحليل التّقني هو ضمن مقاربة تقضي بتحليل السّوق العام واستخراج القطاع الواعد أكثر وذلك لتحديد الأسهم الأكثر مردوديّة كوجهة للاستثمار (7)، ومع التّجربة ظهرت عيوب هذا النّموذج ممّا دفع الى بلورة نموذج جديد.   
4 - نموذج صاعد (BOTTOM-UP)
نظرا للتّكاليف الثّابتة الباهظة للنّموذج «النّازل» ومع تنامي دور المجتمع المدنـي ودعوات اللاّمركزيّة على مستوى القــرار، وانتشار ثقافة الموارد البشريّـة والتّنمية البشريّة ومحدوديّة الأثر الاقتصادي للدّولة مع تصاعد دور القطاع الخاصّ، تمّ طيلة العشريتين الأخيرتين للقرن الماضي، اتباع نموذج وُصِفَ بالصّاعد وعُرِفَ باسم (BOTTOM-UP) مرتكز على قـوّة الذّات والقطاع الخاصّ ومعتمد على التّكاليف التي تؤدّي الى متغيّرات مرتفعــة الأداء بدل التّكاليف الثّابتة المرتفعة.
وقد اتّبع هذا النّمط من التّصرف طريقة تصاعديّة، ويعتمد التّحليل الأساسي ضمن مقاربة مستقلة عن الظّرفيّة الاقتصاديّة تعتمد على التّنمية الذّاتية بوسائل خاصّة، أمّا التّحليل التّقني فيعتمد على مقاربة تركّزُ اهتمامها على بيانات أسواق الأوراق المالية للشّركات (8).  
5 - نموذج السّوق
وفي الأثناء برزت دعوات «النّيو ليبيرالية الجديدة» الى اعتماد السّوق للتّمكين لا غير، والنّظر الى كلّ شيء كسلعة تباع وتشترى، دون إعادة النّظر في موازين القوى المختل داخل السّوق، بما يجعل التّمكين للوافدين الجدد عليه أمرا غير ممكن واقعا، ويدفع بدائرة الفقر الى مزيد من الاتساع والتّمدد لتستهدف كلّ مجالات الحياة، وتجعل منسوب المخاطر للنّشاط والحياة عاليا جدّا وخاصّة مخاطر العدوى نظرا لما يشهده العالم من ارتباط وثيق نتيجة طفرة الرّقمنة وتشابك المصالح والهياكل والأسواق.
والنّموذج النّيو ليبيرالي مع ولوج الفقير الى السّوق، ووصوله الى موقع القرار يعني عنده أن يكون مندمجا في عالم العمل والاستهلاك أي أن يجد موقعا في اقتصاد السّوق، وهذا يعني أن يمتلك القدرة على قيادة وجوده بشكل عقلاني مستفيدا من الفرص التي يوفّرها له اقتصاد السّوق دون أن يضع هذا النّموذج موضع سؤال موازين القوى القائم في المجتمع وفي السّوق وفي المنظّمات الدّوليّة والمؤسّسات العالميّة السّياسيّة والاقتصاديّة والمالية، بما يجعل تمكين الفقير وهمًا وسرابًا يحسبه الظمآن ماء.
6 - نموذج الشّبكة (MODE EN RESEAU)
 منذ بداية الألفيّـة الثّالثــة، تمّت بلورة نموذج أطلق عليه تسمية الشّبكة، والذي اعتمدته الشّركات عابرة القارّات، في علاقاتهـا بفروعهـا المنتشرة في كافة أرجاء العالم، مستفيدة من الثورة التّكنولوجية الرقمية واعتمادا على قوة التقدير السّريع المنطلق من دقّـة المعلومة وتحيينها واهميتها ومُتجه بسرعـة قصوى نحو الدّوليّـة للحدّ من المخاطـر ومتّبعـة إدارة المعرفة وإدارة المعرفة في مجال التّصرف (9) .
7 - نموذج تمكين للمرأة وللفقراء عموما
يعود هذا النّموذج، الى أدبيّات البنك العالمي حيث برز مُصطلح جديد باللّغة الإنجليزيّة في تقاريره خلال العشريتين الأخيرتين هو «The empowerment»، وبمتابعة مضامين تلك التّقارير نجد أنّ تعريف هذا المصطلح، لدى البنك الدّولي والذي تمّ ترجمته للعربيّة بمصطلح «التّمكين» انتقل من مصطلح يُراد من خلاله التّعبير عن «مسار معقّد متعدّد الأبعاد يِؤكّد على الأبعاد الفرديّة والجماعيّة للسّلطة» الى مصطلح مرادف للقدرة الفرديّة النّاجزة والثّابتة مرورا بـ «التّمكين» المُحرّر وصولا الى «التّمكين» الحرّ المتمركز حول المصلحة الذّاتيّة (10). 
ولعلّنا حين نقرأ ما اعتبره البنك الدّولي من «أنّ تقوية أصول الفقراء هو السّبيل ليتمكّنوا من أن يصبحوا فاعلين ناجعين في السّوق»(11) يمكن القول بأنّ هذا البنك اعتمد على الفرضيّة القائلة بأنّ الوصول الى الموارد الماليّة يكفي للتّمكين الاقتصادي للمرأة والفقراء.
 واعتمادا على هذه الفرضيّة يرى البنك أنّ مضاعفة القروض الصّغرى وبنسق تصاعدي هي الآليّة الناجعة لتحقيق ذلك التّمكين، وفي ذلك اقتصار التّمكين في الممارسة في بعده الاقتصادي وبأداة المال وتجاهل واضح للأبعاد النّفسيّة والاجتماعيّة للتّمكين. 
إنّ اعتماد المحتاجين على هذه القروض يجعل تَحَقُّق التّمكين لهم بعيد المنال نظرا لأنّهم بمجرّد حصولهم على المال يشرعون في تحمّل أعباء العمل وضغط سداد ما عليهم من دين، ممّا لا يسمح لهم بالتّحصيل العلمي واكتساب الوعي الضّروري، الأمر الذي يعيق مسار تنمية قدراتهم الذّاتية، التي تُعتبر أحد أهمّ شروط التّمكين.
فهذه الفرضيّة تُبقي الحال على ما هو عليه دون أن يتحقّق جوهر التّمكين بما هو مسار تحوّل اجتماعي ينتج عنه تعديل في موازين القوى لصالح الفقراء وكلّ ما تؤدّيه هذه الفرضيّة للفقراء هو خلق بيئة تسمح لهم بولوج السّوق. 
8 - استنتاج عام:
ما يُلفت الانتباه، عند دراسة هذه النّماذج، الكيل بمكيالين في التّعامل مع الإنسان، في طُغيان في الميزان، ميزان التّساوي بين النّاس، ففي نموذج الاحتلال نجد إنسانا مُحْتَلّا وإنسانا واقعا عليه الاحتلال في عنصريّة مُخلّة بالمساواة بين النّاس، التي أقرّتها الشّرائع السّماويّة ورفعتها شعارا الثّورة الفرنسيّة التي أفرزت نخبة سياسيّة محتلّة لجيرانها من الشّعوب.
وفي النّموذج الذي عُرِفَ بالنّازل، تمّ الاعتماد على قوّة المال وكان التّعامل مع أغلب النّاس على أنّهم كلفة اقتصاديّة، أمّا في النّموذج المُسَمَّى بالصّاعد تمّ النّظر إلى النّاس على أنّهم موارد بشريّة وجب تنميتها، وفِي كِلا النّمُوذَجَين طُغيان في الميزان، ميزان الإنسان، فبدل ميزان الكرامة والتّفضيل والتّقوى في تقييم الإنسان تمّ اعتماد ميزان الأعباء الماليّة في الأوّل وميزان الإيرادات في الثّانية.
 أمّا في النّموذج النّيوليبيرالي الجديد، فقد نُظِرَ إلى الإنسان على أنّه سلعة تُباع وتشترى الى أن وصل بالنّموذج السّائد الآن الى الاعتماد على الإنسان الآلي مِمّا أخلّ بالنّظرة للإنسان من قيمة ثابتة معنويّة واجتماعيّة وهدف أي نشاط اقتصادي الى قيمة ماليّة مُتغيّرة ووسيلة للكسب المالي في النّشاط الاقتصادي لا هدفا له. 
 وبالنّظر الى اتساع دائرة الفقر في العالم وبتعدّد أبعاده وتفاقم حجمه كظاهرة عالميّة، يمكن استنتاج أنّ هذه النّماذج لم تعر النّوع البشري الاهتمام الذي يستحقّه ولم تحافظ على كرامته ولم تقرّ بأفضليته، ممّا يدفع الى البحث عن نماذج جديدة للتّمكين له، ليس فقط اقتصاديّا بل اجتماعيّا وذاتيّا أيضا، فكما الفقر متعدّد الأبعاد يحتاج الحدّ منه الى تمكين متعدّد الأبعاد للإنسان حتّى لا يقع فريسة لأيّ بعد من أبعاد الفقر، ولأنّ الفقر يستهدف الدّول والمجتمعات كما يستهدف الأفراد فنحن في حاجة الى منهجين في التّحليل لإدراك سلوك كلّ منهما والاهتداء الى كيفيّة تمكين كلاهما، الأول المنهج الجزئي والثّاني المنهج الكلّي.
وبما أنّ كلّ النّماذج السّابقة تعكس طُغيانا سافرا في ميزان الإنسان، علينا أن نبحث عن كيفيّة إقامة الوزن بالقسط حسب مقاربة جديدة نستخرج منها نماذج للتّمكين لعلّنا نهتدي لما يمنعنا من الوقوع فريسة لأيّ بعد من أبعاد الفقر، فما هي المُقاربة البديلة التي تحتاجها البشريّة لإفراز سياسات هيكليّة جديدة تكون مُحِدّة للفقر لا مُفاقمة له؟ وهل من نماذج أخرى يُمكِنُ تَقْديمَها لتمكين أغلب سكّان المعمورة، حدّا لظاهرة الفقر وحفاظا على كرامتهم وحريتهم؟ هذا ما سنراه في العدد القادم من مجلة «الإصلاح» إن شاء اللّه تعالى. 
الهوامش
(1) واشنطن، 9 يناير/كانون الثاني، 2024 
(2) www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2013/04/17/ending_extreme_poverty_and_promoting_shared_prosperity  
(3) راجع مجلة «الإصلاح» الالكترونية عدد 199 من الصفحة 38 الى 44 الصفحة، من خلال الرّابط التالي: www.alislahmag.com
(4) راجع العدد 196 من مجلة «الإصلاح» الالكترونية من الصفحة 46 الى الصفحة 51 والعدد 197 من الصفحة 32 الى الصفحة 37 والعدد 198 من الصفحة 42 الى الصفحة 48 من خلال الرّابط التالي: www.alislahmag.com
(5) «التّحرير والتنوير» للعلامة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور- الدار التونسية للنشر – تونس 1984-الجزء الثالث ص.ص59-60 
(6) https://www.google.fr
(7) http://www.abcbourse.com, Warren Buffet, Peter Lynch.
(8) المرجع نفسه
(9)                 « Strategie Internationale, Explorer les relais de croissance», JEAN MICHEL HUET- Juin 2015 DUNOND»
(10)      BM.2001-Noray 2004 – Alsop et Alii 2006
(11)    تقرير البنك الدولي لسنة2001-2002