نبذة عن كتاب

بقلم
بشير الجويني
ليبيا العميقة:حتحات على مافات؟ مقالات دراسات وآراء في الشأن الليبي
 خلال شهر أفريل المنقضي، صدر عن دار يس للنّشر، كتاب من 160 صفحة في إخراج سعى من خلاله الكاتب(*) أن يكون متناسقا مع موضوعه، فجاء الغلاف فسيفساء تجمع عددا من الصّور التي تؤرّخ لمختلف مراحل ليبيا قبل الاستقلال وبعده في مختلف الحقب التي طبعت البلد، مع إشارات إلى خصوصيّات كل المناطق التي تؤلّف الدّولة اللّيبيّة شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، بين الصّحارى الممتدّة والواحات العامرة والمدن التي تعود لعصور غابرة مرورا بشواطئ طاب على سواحلها مقام حضارات. 
جاء صدر الكتاب موشى بخريطة للقطر اللّيبي تميّزت بخطوطها المتعرّجة التي تعكس رؤية منفتحة لا تعالج النّازلة اللّيبيّة وفق منطق كولونيالي جامد أو وطني شوفيني، بل كانت أقرب للوفاء إلى تاريخ البلد وجغرافيّته المنفتحة على تخومه شمالا وجنوبا شرقا وغربا.
بين دفتي الكتاب مقالات تؤرّخ لمحطّات مهمّة شهدتها ليبيا والمنطقة ولازالت. وفيه دراسات موثّقة تناقش واقع ليبيا وآفاقها، سواء في جوارها المباشر أو الإقليمي اقتصاديّا واجتماعيّا وسياسيّا،  وتستشرف مآل أوضاع مضطربة في ظلّ رؤية ضبابيّة وتباين بين مصالح القوى الدّوليّة المؤثّرة وآمال الشّعوب.
مرّ الكاتب عبر مختلف الفصول التي شملها الكتاب على أحداث مهمّة، فجال بين المراحل التّمهيديّة للاتفاق السّياسي الذي حقن الدّماء، دون أن يغفل المرور على أحداث الصّدامات والمواجهات التي جمعت الإخوة الأشقّاء والتي كان للخارج فيها يد. وفي غضون ذلك تطرّق إلى العراقيل الماثلة أمام الحلول الممكنة والخيارات المتاحة من أجل تخفيف حدّة النّزاع وتجاوز الخلافات.
إلى ذلك زاد الكاتب اهتماما خاصّا بطبيعة العلاقات بين مختلف الفاعلين المحلّيين من أصحاب الرّؤى والتّصوّرات مرورا بالماسكين بالسّلطة والقوى الصّلبة نهاية بالتّركيبات الاجتماعيّة المدنيّة وتركيب علاقاتهم بين بعضهم البعض من جهة والعوامل الخارجيّة والإقليميّة سواء الدّوليّة أو المؤسّساتيّة من جهة أخرى.
في هذا الصّدد خصّ الكتاب أبرز الفاعلين الدّوليين بدراسات عادت إلى تركيب علاقاتها مع ليبيا وإقليمها، مركّزا على التّحديّات والمصالح المشتركة، مع استعراض أبرز المحطّات التي ساهمت عبرها في استدامة الأزمة والأخرى التي حاولت فيها الدّفع في اتجاه حلول تناولها الكاتب بالتّشريح من جهة تقاطعها مع المصلحة الفضلى لليبيا والمنطقة من عدمه.
أمّا فيما يتعلّق بجوار ليبيا المباشر، فقد خصّه الكتاب بدراستين:
* تناولت الأولى العلاقات التّونسيّة اللّيبيّة في أبعادها المختلفة مع تركيز خاصّ على البعد الاقتصادي وعودة مدقّقة بالأرقام والإحصايّات على مختلف المجالات والفرص المتاحة أمام الجانبين من أجل مزيد الاستفادة والتّعاون في إطار المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة، واستعراض شامل لأهمّ العقبات المسجّلة مع اقتراح عدد من الحلول التي تمكّن من تجاوزها.
*  أمّا الثّانية فعالجت الصّعوبات المتعلّقة بالمنطقة الحدوديّة بين البلدين، وجاءت جامعة بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي المؤثّرين في الدّيموغرافيا والعمران. حاول الكاتب فيها دراسة المشهد في المنطقة الحدوديّة من جهة التّحديّات الماثلة، مع دراسة الأسباب العميقة واقتراح عدد من الإصلاحات التي قد تساهم في تحسين أداء مختلف الأطراف المعنيّة بما يضمن مزيدا من النّجاعة عبر مقاربات إدماجيّة واندماجيّة تراعي المنطقة وخصوصيّاتها والاعتبارات السّياديّة ومتطلباتها.
خُتِم الكتاب بمجموعة من الفهارس الكرونولوجيّة، حاول من خلالها الكاتب أن  يؤرّخ لأهمّ الأحداث المتسارعة المتقلّبة والقضايا التي صبغت السّنوات الفارطة في ليبيا وتأثيرها في البلد وجواره القريب والبعيد. الكتاب مفيد جدّا لمن أراد أن يستشرف مستقبل بلد تتقاذفه الصّراعات والأجندات الدوليّة والإقليميّة والمحلّية بسبب جغرافيته وما تحمله من خيرات وثروات، وبسبب تنوّع جيرانه ومطامع القوى المهيمنة عالميّا.
الهوامش
(*)  البشير الجويني الأمين العام لمؤسسة إبن رشد للدراسات الاستراتيجيّة العربيّة الإفريقيّة، باحث في العلاقات الدّولية، خريج الجامعة التّونسيّة، وحاصل على شهادات عليا في العلاقات الدّوليّة والتّرجمة والفلسفة السّياسيّة ويشتغل على مواضيع واهتمامات متنوّعة تشمل الشّؤون اللّيبيّة والعلاقات التّونسيّة اللّيبيّة والمغاربيّة، ويشارك بانتظام على الوسائط المكتوبة والمرئيّة والمسموعة في المنطقة، وله عشرات الأبحاث والمقالات والدّراسات مع مراكز أبحاث تونسيّة ودوليّة، وحاضر في ندوات دوليّة ووطنيّة، وهو مستشار لدى عدد من المؤسّسات والمنظّمات الدّوليّة والإقليميّة.