فواصل

بقلم
د.عماد هميسي
التعايش السلمي في التصوّر القرآني وأثره في ترسيخ القيم الحضارية (الحلقة الثالثة : التعايش السلمي في
 مركزيّة التّعايش السّلمي في القرآن الكريم
أ: التّأصيل القرآني للتّعايش السّلمي في القرآن الكريم:
باستقراء وتتبع آيات القرآن الكريم نجد أنّ التعايش السلمي مقصد قرآني وقيمة حضارية رفيعة دعا إليها الذّكر الحكيم من خلال النّظرة الشّموليّة للنّص القرآني، ومن منطلق معرفي توحيدي يتبلور حول بيان علاقة الخالق سبحانه وتعالى بالإنسان. وذلك في إطار سياقات قرآنيّة مختلفة تحمل في مجملها معاني ودلالات واسعة وعميقة بشأن ترسيخ قيم التّعايش والتّعارف والتّآلف والسّلام والمساواة والتّعاون والإصلاح والتّسامح والرّحمة والرّفق(1)...  
ومن الملاحظ أنّ هذه السّياقات القرآنيّة المختلفة في مجملها سياقات دعويّة تحمل في طياتها قيما إنسانيّة حضاريّة عظيمة وعلى رأسها قيمة التّعايش السّلمي. كما أنّها لا تخصّ في أغلبها طائفة معيّنة من بني البشر على خلفيّة دينيّة أو عنصريّة أو قوميّة أو جنس أو لون... ونحو ذلك وإنّما هي دعوة عامة لكافة بني آدم، وإلى ضرورة انسجام المجتمع بكلّ أطيافه مهما اختلفت عقائدهم أو مذاهبهم والتّعايش في سلام وأمن واستقرار، كما تحضّ على التّعاون في بناء كلّ خير وبرّ وتقوى اللّه سبحانه. وفي المقابل تحذّر هذه السّياقات القرآنيّة من الفساد والإفساد في الأرض، ومن كلّ ما يدعو إلى الظّلم والخيانة والغدر، ولا شكّ أنّ تلك الصّورة الرّائعة والنّموذج الفريد الذي يرسمه القرآن الكريم نرى فيه ملامح التّعايش السّلمي واضحة بكل ّشفافيّة، وتعكس بكلّ رقيّ حضاري شكل العمران الأمثل الذي يصبو إليه الإنسان الحرّ العامل في هذه الحياة، لاسيما وأنّ الإنسان بطبعه يحّب السّلامة والعافية، ويكره القتل وما يؤدّي إليه. يقول اللّه تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرهٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة:216).
وهذا شأن الأفراد والجماعات والدّول، ومن ثمّ كانت العهود والمواثيق والأحلاف هي الأدوات الطبيعية للعلاقات الخارجيّة بين القبائل والدّول.
لقد استقرت دعوة السّلم في عقول المسلمين واتجاهاتهم وضمائرهم لكونها مبدأ من المبادئ التي عمّقت الشّريعة الإسلاميّة جذورها في نفوسهم حتّى صارت جزءا من كيانهم وعقيدتهم، ومن ثمّ كانت دعوة القرآن دائما قائمة على السّلم في الظّروف والملابسات العاديّة، في حين أنّه يأمرنا بالقتال في الظّروف والملابسات الاستثنائيّة المحتمة، فأبانت الآيات القرآنيّة أنّ الحرب ليست هي القاعدة إنّما هي استثناء وأنّ الإسلام لا يسعى إليها، عندئذ تكون الحرب ضرورة تقدّر بقدر أسبابها، ويجب أن تتوقّف فور انتهاء أسبابها. يقول اللّه تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الأنفال:61). 
ومن ثمّ يقرّر الإسلام مبدأ السّلم العالمي. يقول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ (البقرة:208) (2) 
ومبدأ السّلام والتّعايش لا يقتصر على الآخر الخارجي بل يشمل أيضا الآخر الدّاخلي الذي يعيش معنا، وسواء كانت تربطنا به صلات قرابة أولا. يقول اللّه تعالى:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (النساء:36) 
فالقرآن الكريم يأمر بالإحسان إلى الوالدين سواء كانا مسلمين أو غير مسلمين، بل حتّى ولو أمراه بالشّرك باللّه تعالى. يقول اللّه تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان:15) (3).  
ويفهم ممّا سبق أنّنا أمام رؤية جديدة في التّعامل مع مفهوم التّعايش السّلمي من حيث وضعه في إطار مقاصدي جديد، ذلك أنّ المقصد الأعلى من نزول القرآن الكريم هو تحقيق الصّلاح على المستوى الفردي والجماعي والعمراني. يقول الطّاهر بن عاشور: « إنّ القرآن أنزله اللّه تعالى كتابا بصلاح أمر النّاس كافة رحمة لهم لتبليغهم مراد اللّه منهم». (4) قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل:89) (5)   
فكان المقصد الأعلى من صلاح الأصول الفرديّة والجماعيّة والعمرانيّة. وانطلاقا من هذا التّأصيل الشرعي نقول أن مفهوم التعايش السّلمي قيمة محورية تندرج تحت المقصد العامّ من التّشريع وهو حفظ نظام المجتمع. واستدامة صلاح هذا النّظام مرهونة بصلاح المهيمن عليه وهو الإنسان، حيث أنّه أحد الأركان الأساسيّة لبناء الحضارة والعمران، لأنّ الأصل في القرآن الكريم السّلام وتأمين النّاس على أرواحهم وأموالهم، وهذا لا يتحقّق إلاّ في جوّ من العدل والحريّة والمساواة والتّعارف لتحقيق الخلافة الحقّة في الأرض، ولبناء حضارة إنسانيّة راقية تسعى إلى تحسين مستوى العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين الشّعوب مع بعضهم البعض (6). 
فهذا رسول اللّه ﷺ يفاوض اليهود ويعاهدهم، ويصالح المشركين في الحديبية- كما تفاوض الصّحابة الكبار مع أهل الدّيانات المختلفة فيما يخصّ دنياهم ومعاشهم، ولا يزال هذا الأمر موضع اتفاق، وقد زخر الفقه الإسلامي المؤسّس على الكتاب والسّنة بتراث ضخم في مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين، بل قد توفّي الرّسول ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي.
وفي ضوء ما سبق يمكن الإشارة إلى أنّ التعايش بين المسلمين وغيرهم ينبغي أن ينطلق من الثّقة والاحترام المتبادلين، ومن الرّغبة في التّعاون لخير الإنسانيّة وعمارة الأرض، والتّأسيس لبناء حضارة قيّمة رائعة في المجالات ذات الاهتمام المشترك وفيما يمسّ سيادة الإنسان من قريب أو من بعيد، وليس فيما لا نفع فيه ولا طائل تحته» (7). 
ب. معالم منهج القرآن الكريم في تثبيت قيمة التّعايش السّلمي
التّعايش قيمة مشتركة بين الإنسانيّة، وقد كانت هذه القيمة في الفكر الغربي الحديث المخرج الأول من الحروب الأهليّة، تلك الحروب التي استمرت عقودا من الزّمن بين المذاهب المسيحيّة، فكان الحلّ هو تكريس مبدأ التّعايش الدّيني والاجتماعي والتّقارب، وما لبث أن صار هذا المبدأ قيمة مدنيّة مناطها الحرّية الفرديّة. كما أنّ الأصل في التّعايش في القرآن الكريم السّلم والرّفق لا العنف، واللّين لا الشدّة، والرّقة لا الغلطة، ذلك أنّ الإسلام دين ينبعث من مفهوم إلهي كوني. وقد ضبط هذا السّلوك القرآن الكريم بكلّ ما يكفل كرامة الإنسان وينمّي وشائج التّواصل بين الجميع.
أولا: العفو عن المسيء: 
العفو من القيم الأخلاقيّة والمبادئ الإيمانيّة المتّصلة بمقاصد الدّين وقيمه وغاياته الكبرى، والتي تلزم المسلم الأخذ بها والتخلّق بمسلكها النّبيل، وينال بذلك ثواب اللّه ورضاه الكامل في الدّنيا والآخرة.يقول اللّه تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف:199)
وعن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: قال لي رسول اللّه ﷺ « اتق اللّه حيثما كنت، وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن».(8) 
وقد كان النّبي ﷺ حليما صبورا على الأذى في النّفس والمال. ومن أمثلة ذلك عفوه ﷺ على أشدّ خصومه يوم فتح مكّة حيث اجتمع النّاس في مكّة أمام رسول اللّه ﷺ وكلّهم في خوف واضطراب، ينتظرون موقفه ﷺ، فصدمهم رسول اللّه ﷺ بسماحته وكريم أخلاقه وعفا عنهم جميعا. 
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: لمّا فتح رسول اللّه ﷺ مكّة.... حتّى طاف بالبيت وجعل يمرّ بتلك الأصنام فيطعنها بسية القوس ويقول:«جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا». حتى إذا فرغ وصلّى، جاء وأخذ بعضادتي الباب ثم قال: « يا معشر قريش ما تقولون؟» قالوا نقول: «ابن أخ وابن عم رحيم كريم»، ثم عاد عليهم القول قالوا مثل ذلك. قال: فإنّي أقول كما قال أخي يوسف، لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم وهو أرحم الرّاحمين، فخرجوا فبايعوه»(9) 
وغير ذلك من الأمثلة الحيّة التي تظهر حقيقة التّعايش السّلمي في الإسلام وتظهر الصّفح والعفو من مكارم الأخلاق الرّفيعة.
والأنبياء كانوا على قدر وافر من الصّبر وتحّمل الأذى الواقع عليهم. ومع ذلك لا يردّون الكيل بالكيل كما هو الشّأن عند العوام. ولهذا كانوا قدوة حسنة من حيث العمل والتّوجيه حتّى يتعلّم أتباعهم طريق المحبّة والتّسامح وسبل العيش الرّغيد. كما يستفاد منه ضرورة الإعراض والعفو عن الجاهلين حتّى في أوقات الكرب والشّدة وهو قمّة التّسامح والصلح (10). 
لابدّ إذا من إظهار جماليّة التّعايش السّلمي من حيث المعاملة الكريمة وتبنّي قاعدة: « نصبر ولا نعاقب»(11). 
والعاقل من أدرك أنّ الحياة تسع الجميع، وأنّ المعرفة بجميع أفكارها قابلة للنّقاش والمناظرة، وأنّ العمر لا يمكن أن ينفذ في ظلال الخلاف ويضيع في التّناحر والتّنافر، والإسلام بعثه اللّه جلّ في علاه بتأطير خيرة الأنبياء والمرسلين الذين استطاعوا أن يؤلّفوا به القلوب ويجمعوا الشّعوب ويصلحوا به السّلوك، هذه هي روعة القرآن الكريم من أجل تقبّل الآخر والتّعايش معه استهداء بضوابط الإسلام وقواعده وسعة رحمته واتساع رقعته في المعاملة، واللّبيب من قام بحقّ الإنسانيّة وحفظ مكارمها لأبناء جلدته وقدّم للبشريّة قدوته مهداة في أخلاق الإسلام وعدالته الرّفيعة.
ثانيا: المعاملة الحسنة وحسن المعاشرة:
من معالم التّعايش السّلمي المعاملة الحسنة الطيّبة ووضع جسور الوّد والتّقارب بين النّاس. يقول الله تعالى:﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة:8) 
قال الإمام القرطبي في هذه الآية: « هي رخصة من اللّه تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم وأن يبروهم ويقسطوا إليهم، أي يعطوهم قسطا من أموالهم على وجه الصّلة»(12). 
والبرّ أعلى أنواع المعاملة، فقد أمر المولى عزّ وجل بالبّر في باب التّعامل مع الوالدين وبيّنه رسول اللّه ﷺ بقوله في حديث النوّاس بن سمعان الأنصاري. قال: «سألت رسول اللّه ﷺ عن البّر والإثم فقال: البّر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس (13). 
 وقد تجلّى التّسامح في حسن الخلق عند المسلمين في معاملتهم الرّاقية مع غيرهم في كثير من تشريعات الإسلام التي أبدعت العديد من المواقف الجيّاشة لمشاعر الإنسانيّة والرّفق الخلاّق. ولهذه الأمور كلّها وغيرها كثير وجب أنّ تكون معاملات أهل الدّين مع النّاس مبنيّة على أصل الخلقة والنّشأة والفطرة والكرامة الإنسانيّة وقائمة على الحرّية والمساواة والاختيار والحوار وعدم الإكراه ووحدة القيم والمثل العليا والحقوق المتبادلة (14). 
والإنسانيّة اليوم بأسرها محتاجة إلى التّسامح الفعال والإيجابي أكثر من أيّ وقت مضى نظرا للتّقارب الحاصل بين الثّقافات والتّفاعل بينها، وهو يزداد يوما بعد يوم بفضل التّقدّم الباهر في مجال المعلومات والاتصالات. والثّورة التّكنولوجيّة التي استطاعت أن تزيل كلّ الحواجز الزّمانيّة والمكانيّة بين الأمم والشّعوب حتّى أصبح الجميع يعيشون في قرية كبيرة كما يقال (15). 
ثالثا: قيمة الرّحمة:
إنّ الإنسانيّة اليوم في حاجة ماسّة إلى بثّ روح الرّحمة والمودّة من أجل تحقيق السّلام والتّعايش، وهذا لعمري من أهداف نشر الإسلام بين الشّعوب والأمم. والرّحمة أمر فطري في قطب كلّ إنسان، وبما أن الطّبائع من شيمتها التّغير في الأحوال، فلا بدّ لها من ضابط يقوّمها ويقوم سلوك النّاس ويجعل عليهم رقابة ذاتيّة تأمرهم بالخير وتنهاهم، لذلك يقول النّبي ﷺ: «ليس من أمتي من لم يجّل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقّه». (16) 
فرسالة الإسلام رسالة رحمة في مصدرها ومناهجها ورسولها وحملتها. يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ (غافر:7)
وقد وردت أحاديث كثيرة تحضّ المسلمين على التخلّق بهذا الخلق. عن جرير بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه ﷺ: « لا يرحم اللّه من لا يرحم النّاس» (17). 
فالرّحمة مطلوبة لجميع النّاس حتّى ولو كان بيننا وبينهم اختلاف أو عداوة، وقد كان هذا من شيم أخلاق رسول اللّه ﷺ الذي كان رحيما مع كلّ النّاس ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:107). 
ومن تجليات رحمته وسماحته ﷺ، وصيته لأصحابه الكرام عند خروجهم للقتال: بألّا يتعرّضوا للأذى لمن لم يقاتلوا من النّساء والأطفال والشّيخ الفاني والمريض وذي العاهة. 
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان الرّسول ﷺ إذا أمر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه في خاصّته بتقوى اللّه ومن معه من المسلمين خيرا ثمّ قال: «اغزوا باسم اللّه في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليدا» (18). 
يعتبر الإسلام الأسرى من الفئات الضّعيفة التي تستحقّ الشّفقة والإحسان والرّعاية مثل المسكين واليتيم، ويوجب معاملتهم معاملة إنسانية تحفظ كرامتهم وترعى حقوقهم وتصون إنسانيّتهم، وقد أورد القرآن الكريم تعبيرا غاية في الحضّ على التلطّف بالأسير وحسن التّعامل معه والبذل في سبيله، في سياق وصفه سبحانه للأبرار المرضيين من عباده المستحقّين لدخول جنّته والفوز بمرضاته ومثوبته. ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان:8). 
كان هذا الخلق الكريم الذي غرسه القائد المتسامح الرّحيم ﷺ في أصحابه قد أثّر في إسراع مجموعة من كبار الأسرى وأشرافهم إلى الدّخول في الإسلام، فأسلم أبو عزيز عقب معركة بدر بعيد وصول الأسرى إلى المدينة وتنفيذ وصيّة النّبي ﷺ مع السّائب بن عبيد. وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم يتحدّثون عن محمد ﷺ ومكارم أخلاقه وعن محبّته وسماحته وعن دعوته وما فيها من البرّ والتّقوى والإصلاح والخير. 
الهوامش
(1) السيد (عمر) : الآنا والأخر من منظور قرآني- دار الفكر- 2008م - سوريا - ص132 وما بعدها.
(2) شباط (فؤاد): الحقوق الدولية العامة: مطبعة جامعة دمشق- 1962م- ص393./ الطيّار (علي عبد الرحمن): مقومات السّلم وقضايا العصر- مركز النشر الدّولي- ط1- 1419هـ- الرّياض- 1/61 + 2/63.
(3) عبد الكريم (زيد): التسامح في الإسلام- من إصدارات الأمير نايف بن عبد العزيز العالمية للسنة النبوية- 1426هـ- السعودية- 61.
(4)  ابن عاشور: التحرير والتنوير – دار السداد التونسة- 2004م- تونس- 1/54.
(5) العز بن عبد السلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام – تحقيق محمود التلاميذ+ الشنقيطي- دار المعارف- 1998- بيروت- 1/7 ./ الحامدي ( عبد الكريم): مقاصد القرآن من تشريع الأحكام- دار ابن حزم للطباعة والنشر- 2008م- بيروت- ص21.
(6) ابن عاشور: التحرير والتنوير- 1/30 ./ زرمان (محمد): وظيفة الاستخلاف في القرآن الكريم- دار الأعلام للنشر والتوزيع 2002- 27 وما بعدها/ العوضي (عبد العزيز): القواعد الكبرى للتعايش السلمي من خلال القواعد الكلّية- دار الثقافة الجديد- مصر-ص 12. 
(7) القاضي (أحمد بن عبد الرحمن): دعوة التقريب بين أديان- دار ابن الجوزي- ط1- 1422هـ- الرياض- 1/348.
(8) الترمذي: السنن- كتاب أبواب البرّ والصّلة- باب ما جاء في معاشرة النّاس- الكتب الستة- دار الرّسالة العالمية- ط1- 1430هـ/ 2009م - حديث رقم: 1987
(9) أحمد :المسند- تحقيق شعيب الأرنوؤط وآخرون- مؤسسة الرسالة- ط1- 2001م. حديث رقم: 10961
(10) النّووي: المنهاج شرح مسلم بن الحجّاج- كتاب الجهاد- باب مالقي النبي ﷺ من أذى المشركين والمنافقين- دار إحياء التراث العربي- ط2- 1392هـ - 12/ص.ص155 إلى 157.
(11) أحمد: المسند- حديث رقم: 21267
(12) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن- تحقيق سمير البخاري- دار عالم الكتب- 1423هـ/ 2003م- السعودية 125/7.
(13) البخاري: الصحيح- كتاب الإيمان- باب الدين يسر وقول النبي ﷺ: «أحب الدين إلى الله الحنفية  السمحة»- رقم الحديث: 39
(14) مصطفى (حسن علي): فقه التعايش في السيرة النبوية- المركز الإسلامي الثقافي ط1- 1435هـ/ 2014م- ص13 بتصرف.
(15) المصدر نفسه - ص12 بتصرف
(16) الترمذي: السنن- كتاب أبواب البرّ  والصلة عن رسول الله ﷺ- باب ماجاء في رحمة الصبيان- رقم الحديث - 1920.
(17) البخاري الصحيح- كتاب التوحيد- باب قوله تبارك وتعالى: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰن َأَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ» الإسراء 110 - حديث رقم: 6982
(18) مسلم: الصحيح- كتاب الجهاد والسير- باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إيّاهم بآداب الغزو- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء التراث العربي- لبنان- رقم الحديث- 3364.