-
بعدفشل الفكر الدّيني التّقليدي في تقديم موقف واضح من مسألة «الحرّية »، وتسبّب في ضياعها واختفائها بين طيّات مدوّنات تراثيّة تحوّلت بمرور الزّمن إلى نصوص مقدّسة. وبعد فشل التّيار الوضعي بشقيه الفردي اللّيبرالي والطّبقي الاشتراكي في تمكين الإنسان المسلم من حرّيته بعد تجربة قسريّة في مجتمعاتنا من خلال الاستعمار المباشر ثمّ الدّولة الوطنيّة ثمّ العولمة، وجب علينا كمسلمين إذا ما فكّرنا في عمليّة إصلاح حقيقيّة أن نبحث عن طريق آخر بعيدا عن طريق هذين التيارين يستطيع أن ينتج إنسانا حرّا قادرا على الفعل والإبداع وليس عبدا ذليلا تابعا.
الحلّ يكمن في العودة إلى المنبع الأصلي وهو القرآن الكريم وقراءته قراءة منهجيّة تفارق الاتباعيّة الفقهيّة والتّفسير التّجزيئي الذي يصادر مقاصد القرآن. العديد من المحاولات قام بها مفكّرون كانت لهم الجرأة في تجاوز القيود التّراثيّة المكبّلة، ليقدّموا لنا أفكارا جديدة في مبحث الحريّة. ما يميّز هؤلاء أنّ لكلّ واحد منهم منطلقاته ورؤيته للموضوع وكيفيّة معالجته لكنّهم جميعا ينطلقون أساسا من القرآن.
ارتأينا أن نقف في حلقات متتالية مع كلّ مفكّر من هؤلاء ونستعرض موقفه وكيفيّة معالجته للموضوع، عسى أن تتبلور لدينا ولدى القارئ الكريم صورة واضحة حول مبحث الحرّية في الإسلام من خلال القرآن الكريم وهو ما سنسعى لجمعه وتقديمه في حلقة مستقلّة بعد أن ننتهي من عرض ما قدّمه هؤلاء المفكّرون، نأمل أن يكون مضمونها نبراسا مساعدا على ولوج عمليّة الإصلاح الثّقافي والانطلاق في بناء أسسها من خلال أحد أهمّ محاورها ألا وهو «الحرّيّة». وبعد أن كانت البداية في العدد 191 مع محمد عبده، ثمّ مع ابن باديس، ثمّ مع محمد الطاهر بن عاشور، نخصّص هذه الحلقة لنستقرئ كيف عالج المفكّر السوداني محمد الحاج حمد مبحث الحرّية من خلال تفاعله مع القرآن الكريم.
فيصل العش
-
مع نهاية القرن المنقضي وبداية القرن الحالي صدر كتابان لكاتبين لبنانيّين معروفين بحثا كلٌّ بشبكة قراءته الخاصّة قضيّة الهويّة وكيف تحوّلت إلى مصدر اضطراب وفتن في العالم عامّة والعالم العربي الإسلامي خاصّة. نُشر أوّل الكتابين سنة 1998 بعنوان «الهويّات القاتلة» للكاتب والرّوائي «أمين معلوف»، الذي غادر لبنان سنة 1976 بعد اندلاع الحرب الأهليّة ليستقرّ في فرنسا حيث نشر عدّة روايات ودراسات لقيت نجاحا واسعا لما اتسمت به من رؤية إنسانيّة رحبة تجمع بين التعلّق بعبقريّة التّراث الشّرقي وبين تَمثُّلٍ حديث لقيم الحرّية وتقدير الآخر المختلف. ينطلق تساؤل «الهويّات القاتلة» من تجربة المؤلّف الذّاتيّة بصفته لبنانيّا - عربيّا امتحن في حياته وحياة أهله أشدّ امتحان ممّا دفعه إلى أن يهاجر بعيدا عن المذابح التي تُقترف باسم هويّات عرقيّة أو دينيّة أو إيديولوجيّة. غادر لبنانَه الشّهيد ملتجئا إلى فرنسا ليعيش فيها على إيقاع التطوّر المذهل لعالم الحداثة والتّقنية والاتصالات. لذا جاء الكتاب قراءةً في أعماق الهويّة وتعدّد مكوّنات الانتماء وفي العولمة وما ينسب إليها من نزوع نحو الوحدة البشريّة أو الإنسان العالمي. تتواتر أسئلة « معلوف» مشكّلة محور شهادته على العالم الواسع وما يحدثه التّطوّر فيه من اختراق وتعطّل لا يزيده التّخبط المنسوب إلى الهويّات إلاّ ضراوة، لذلك نجد المؤلّف يقف منكرا أن يُقتل الإنسان أو يَقتل باسم الهويّة؟ ثمّ نراه يبحث في معنى الهويّة ومكوّناتها وتفسيراتها وطرق توظيفها في إثارة فتن لا يعود ضررها إلاّ على المنافحين عن الانتماء المغلق أيّا كانت مشاربهم ومرجعيّاتهم.
احميده النيفر
-
«الاغتراب الميتافيزيقيّ» كما أصطلحت عليه، هو اغتراب وجودي عن العالَم الميتافيزيقي. وهو ضربٌ من الاغتراب يختلف عن اغتراب الوعي، والاغتراب الاقتصادي، والاغتراب الاجتماعي، والاغتراب النفسي، والاغتراب السّياسي. ينشأ هذا الاغتراب عندما يحبس الإنسانُ وجوده بالوجود المادّي الضّيق، فيختنق باغترابه عن الوجود الميتافيزيقي. وينتج عن ذلك تمزّق الكينونة الوجوديّة للإنسان وضياعها بتشرّدها عن الأصل الوجودي لكلِّ موجود في عالَم الامكان. يفتقرُ الإنسانُ في وجوده المتناهي المحدود إلى اتّصالٍ بوجودٍ غنيّ لا نهائيّ لا محدود، وعندما لا يتحقّق له مثلُ هذا الاتّصال الوجوديّ يسقطُ في الاغترابِ الميتافيزيقيّ. الاغترابُ الميتافيزيقي يعني أنَّ وجودَ الذَّات البشرية وكمالَها لا يتحقّقان ما دامتْ مغتربةً في منفى عن أصلها الذي هو الوجود الإلهي.
د. عبد الجبار الرفاعي
-
يهدف هذا المقال ـ الذي يأتي في سلسلة من الحلقات ـ إلى تسليط الضّوء على حدود مشروع عقلانيّة الحداثة الغربيّة، وإلى تطوير نموذج عقلاني آخر لا يقطع مع الإيمان التّوحيدي، بل يقصد بلورة مشروع الحداثة الإسلاميّة في أفقها العقلاني بمقدّمات توجيهيّة. وفضلاً عن ذلك، فإنَّّ موضوع هذا المقال يجد أسبابه في مظاهر النّقص والتّأزُّم في مشروع عقلانيّة الحداثة، التي منها: حذف القداسة عن المعرفة، ووحدة العقلنة والعلمنة، وهيمنة العقل الأداتي والحسابي. ومن جهة أخرى يرتكز مشروع عقلانيّة الإيمان التَّوحيدي على: تضافر العقل والإيمان من أجل ترشيد مسيرة الإنسان، ووحدة التّفسير والقيمة في قراءة الطّبيعة، والتَّّكامل بين الملكات الإدراكيّة.
قسّمنا المقال إلى خمس حلقات، تضمّنت الأولى (العدد 192) حديثا عن ترابط العقلانيّة بالحداثة الغربيّة وعن أقوى المسوّغات التي دفعت بنا إلى التّشاغل على مسألة العقل والعقلانيّة وحدود مرجعيتهما كما تبدّى لنا في سياق التّجربة الغربيّة. ثمّ تطرّقنا إلى أوّل عناصر الموضوع وهو «وحدة الحداثة الغربيّة والعقلانيّة: الظّروف والفضاءات» بصفة عامّة، وفي الحلقة الثانية (العدد 193) تحدثنا بشيء من التفصيل عن مختلف فضاءات العقلنة الغربيّة. و سنحاول في هذه الحلقة (الحلقة الثّالثة) تبيان نتائج عقلانيّة الحداثة الغربيّة ومآلاتها، على أن نخصّص الحلقة الرابعة للحديث عن العوامل التي تفرض المرور على المساءلة النّقدية لمشروع الحداثة العقلانيّة، قبل رسم الصّورة التي ينبغي أن تسلكها الحداثة الإسلاميّة المتّصلة التي تختلف عن تلك الغربية ذات المسلك الانفصالي والانشطاري لمكونات سيرورة الحياة، ونختم في الحلقة الخامسة بالحديث عن العقلانيّة الإسلاميّة ومرتكزات الحداثة المتّصلة.
د. عبدالرزاق بلقروز
-
الحُلمُ حاولَ مرّةً أو مرّتين ..
بَل حاولَ المَرّاتِ لكن ..
كيفَ يُسْعِفُهُ المَضيق ..؟
الآنَ تزدادُ المسافَةُ حُلكَةً
لا شيءَ يبدُو ..
غيرَ أعمدَةِ الدّخانِ
سالم المساهلي
-
لقد سميت هذا البحث مدخلاً إلى بناء الكون في المنظور القرآني، وهو لا يعدو ان يكون تمهيداً لبحوث شاملة ينفذها مجموعة من الباحثين المختصين بالعلوم القرآنية وبعلم الفيزياء الكونية (الكوزمولوجي)، وأحسب أن المعهد العالمي للفكر الإسلامي يقوم بمهمة كهذه من أجل ملء الفراغ في هذا الموضوع الذي تفرّقت به السبل ... هذا إلى تناوله من قبل العديد من الباحثين في سياق الفكر الإسلامي المعاصر.
إن أية مقارنة جادة بين معطيات القرآن الكريم بخصوص بناء الكون وبين كشوفات العلوم الفيزيائية والرياضية المعاصرة لابدّ أن تضع في حسبانها مبدأ إحالة هذه الكشوف على المعطيات القرآنية، وليس العكس بحالٍ من الأحوال، ذلك أن علم الله الخالق والمالك جلّ في علاه، هو غير معطيات الباحثين من علماء الفيزياء والرياضيات ...
في الحالة الأولى نجدنا قبالة حقائق مطلقة يتحتم التسليم بها، وفي الثانية قبالة علوم تزداد بمرور الوقت قدرةً على تجاوز ظنّيتها، والالتحام الجاد بالحقائق الكونية ... وفي هذه الحالة، كما أكد هذا البحث مراراً وتكراراً، سيكون اللقاء الحميم بين الدين والعلم ... بين ما أكده كتاب الله، وما كشفت عنه العلوم المعاصرة بعد رحلة متطاولة في فيزياء الكون.
أ.د.عماد الدين خليل
-
تعاني اليوم أغلب المجتمعات المعاصرة لاسيما المجتمعات الإسلاميّة تراجعا على مستوى القيم الأخلاقيّة في مختلف المجالات، ويظهر ذلك في ضعف الرّوابط والعلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة، وفي فقدان القدرة على التّواصل والانفتاح والتّعايش مع المخالف في الدّين والعقيدة والمذهب واللّون والعرق واللّغة، لذا فإنّ إثارة الحديث حول موضوع التّعايش السّلمي في التصوّر القرآني إنّما هو من قبيل بعث روح الأمل في النّاس، ومحاولة لإبراز مقاصد القرآن الكريم ومبادئ الإسلام الأساسيّة في الموضوع، وهي فرصة أيضا لبيان الرّؤية الكونيّة الكلّية الإسلاميّة للأنا والآخر في إطار مفاهيمي يعني بالنّظر إلى السّياق العامّ للقرآن الكريم. وهو ما حاولنا القيام به في هذا البحث على حلقات.
حدّدنا في الحلقة الأولى (العدد 189) بعد المقدّمة العامّة التي أبرزت أهمّية موضوع البحث، وضمن المبحث الأول مفاهيم البحث لغة واصطلاحا (التعايش، السّلم، القيم) وخصصنا الحلقة الثانية (العدد 190) لتحديد مفهوم الحضارة في الدّلالة اللّغوية والاصطلاحيّة، وفي الحلقة الثالثة (العدد 191) انطلقنا في معالجة المبحث الثاني حول التّعايش السّلمي في القرآن الكريم عبر التطرّق إلى مركزيته من حيث تأصيله القرآني وتحديد معالم منهج القرآن الكريم في تثبيت قيمته، ثمّ عالجنا في الحلقة الرابعة (العدد 192) مسألة المشترك الإنساني كأساس للتعايش السّلمي، واستعرضنا في الحلقة الماضية الأسس المنضوية في الأصل الإيماني العقدي للتعايش السّلمي، لنستنتج في هذه الحلقة السادسة والأخيرة أثر التّعايش السّلمي في ترسيخ القيم الحضاريّة (البعد الإنساني والبعد الاجتماعي والبعد الأخلاقي) ونختم بخلاصة وتوصيات.
عماد هميسي
-
قبل أن نُعدّد التّحدّيات التي تعترض أي جهد للحدّ من الفقر، عالميا ومحليا، معرفة بحجمها وما ينتظرنا من مُجاهدة لرفعها او التّقليل من إعاقتها وتمهيدا لمقال لاحق نتصفح من خلاله، إن شاء اللّه، ما هو متوفّر من فرص وإمكانات تُساعد على الحدّ من الفقر محليّا وعالميّا، نعرض مُقدّمات ضروريّة نبني عليها فُرَصَ الحدّ من الفقر وذلك طلبا للهداية الى سبيل الغِنَى، سبيل الغَنِيِّ الحَمِيد الذي يريد بالنّاس تمكينا لا استضعافا، إيواء لا يُتما، هداية لا ضلالا وغنًى لا عَيْلَةً، إطعاما من جوع وأمنا من خوف، كلّ ذلك تيسرا لحياتهم، وفي تناغم مع تكرِيمِه لهم منذ أن خلقهم، فماهي هذه المقدّمات؟
نجم الدّين غربال
-
قال تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ (الماعون: 1)
فمن هو الذي يكذّب بالدّين ؟؟.
الذي يكذّب بالدّين ليس فقط من يكفر بوجود اللّه، ولا الذي ينكر ركنا من أركان الإيمان أو الإسلام، وليس فقط من ينكر معلوما من الدّين بالضّرورة.
الذي يكذّب بالدّين وفق القانون الإلهي هو الذي يدعّ اليتيم.
هو الذي يهمّش فئة الأيتام الذين فقدوا من يعيلهم ويرعاهم؛
الذي يكذّب بالدّين هو الذي يهمّش الفقراء والمحتاجين، ولم يشرع قوانين تحميهم من الفقر والحاجة؛
د.محمد عمر الفقيه
-
أمران ممّا تعلّمت : أوّلهما أنّ الإسلام ـ خارج الإطار التّوقيفيّ : عقديا وتعبّديا ـ لا يحفل أيّ حفل بالأسماء والألقاب والعناوين. ومن ذلك أنّه لم يتعبّدنا بإسم هذا الكيان السّياسيّ الذي نحن ملزمون ـ تكافلا بالضّرورة ـ بإنشائه، أي الدّولة. لم يسمّه أصلا، هل يكون دولة أو خلافة أو ملكا أو إمارة. حتّى لو إستعملت مثل تلك العبارات فإنّها غير ملزمة من حيث أسمائها. كان ذلك منه لجعلنا محصورين كلّ الحصر فيما هو أهمّ وأبقى، أي مضمون ذلك الكيان ورسالته. كان هنا متشدّدا كلّ التّشدّد. لم؟ لأنّ أمر الرّسالة ومنهاج تحقيق الرّسالة أمر وحي وتعليم إلهيّ، ولذلك خصّص لهما آيتين متتاليتين في سورة النّساء، آية الرّسالة:﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا﴾(النساء:58) . وآية منهاج تحقيق الرّسالة وهي قوله سبحانه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾(النساء:59).
الهادي بريك
-
إذا تصوّرنا أنّ ممارسة الحرّية، هي فعل متجاوز للضّوابط والمعايير والقوانين الأخلاقيّة، أو أنّه فعل مسموح به قانوناً، وغير خاضع للأعراف، فإنّ ذلك التّصوّر مفض بلا شكّ للفوضى والعبث. لأنّ ممارسة الحرّية، لا تعني أنّ الإنسان حرّ في فضاء غير محدّد المعالم، فأيّ فعل مرهون بالظّروف والمواقف المحيطة به، بل إنّ الأفعال تكتسب دلالتها مما يحيط بها.
د. محمد المجذوب
-
اكتسب مصطلح الشّهادة هالة تقديسية في جميع الأديان . ففي اليّهودية نجد عبارة «قيدوش هاشيم» الّذي هو اسم الله المقدّس يطلق بمعنى الشّهيد وهو القتيل في الحرب ضد الرّومان بصفة خاصّة، ثمّ عُمّمت على كلّ قتيل في سبيل الله. وفي فضاء الثّقافة المسيحيّة، نُلفي مصطلح الشّهيد يُطلق على كلّ مؤمن معترف دفع حياته ثمنا وتضحية لنصرة عقيدته. وقد احتلّ الشّهيد مرتبة مرموقة في اللاّهوت الكنسي. وعليه تمّ الاحتفاظ برُفات الشّهداء، وتعظيم ذكرهم باستمرار، لأنّهم من سكان الملكوت السّماوي.
وقد ورثت الثّقافة الإسلاميّة كلّ هذه الأفكار حيث تمّ الرّبط بين مفهوم الشّهادة وفكرة الموت وذهب الفقه الإسلامي إلى التّفريق بين صنوف الشّهداء فمنها شهيد الدّنيا والآخرة وهي الشّهادة الحقيقيّة. ومنها شهيد الدّنيا فقط وهو المقتول مدبِرّا أو مُرئيا. ومنها شهيد الآخرة كالمطعون أو الغريق. والمفارقة الكبرى، الّتي رام هذا البحث كشف الغطاء عنها(عبر سلسلة من الحلقات المتتالية)، هي أنّ هذه المعاني لا تمّتُ بصلة لمفهوم الشّهادة الوارد في القرآن. وهذا البون يمثّل بوّابة لطرح أسئلة أساسيّة تدور حوْل مصادر الوعي الإسلامي فقها وتفسيرا وأصولا؟
ولمّا كان القرآن هو المصدر الأساسي للوعي الإسلامي، فإنّ الإجابة عن هذا السّؤال لن تكون بديهيّةإذا وقف الدّارس على أشياء تُخالف النّصّ المنطلق، كإدماج الموت في مفهوم الشّهادة، وهو أمر لا أثر له في القرآن. ممّا يؤكّد قيمة البحث والتّنقيب للكشف عن أوجه المعقوليّة في المفاهيم والمصطلحات المستخدمة في التّعبير عنها، ومن أهمّها مفهوم «الشّهادة».
ناجي حجلاوي
-
إنّ اللّه سبحانه وتعالى كلّ يوم هو في شأن، أمّا سعي البشر فهو متعدّد الإتجاهات والأوجه. التجليّات الإلهيّة لا تنقطع، تتعاقب ليلا ونهارا، خلقا وإمدادا، ورزقا وزيادة ونقصا وسلبا، تمظهرات لحقائق الرّبوبية في الأرض ومجال عيش البشر. أمّا الأنساق البشرية وسياقاتها، فهي متواصلة إلى أمد وأجل، تتغيّر وتتجدّد، وتستمرّ دون كلل وملل، غالبا ما تنحرف عن فطرة وحقيقة وجودها، ونادرا ما تتوافق وتنسجم مع التجليّات الإلهيّة السّاطعة في الوجود.
شكري سلطاني
-
للمحنة العربيّة مظاهر عديدة ولها أسباب متنوّعة وهي بمثابة المرض العضال الذي أصاب الأمّة وضرب كل الأعضاء، السّياسية منها والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة. ويعمل الدكتور عبدالله تركماني في هذا المقال (في جزءين) على تفكيكها من خلال البحث عن أسباب فشل المشروع العربيّ وتحديد المعوّقات التي حالت دون تحقيق آمال الشّعوب العربيّة وطموحاتها ثمّ يقدّم بعض التّوصيات للتّعاطي بشكل مجدٍ مع التّحديات والمتغيّرات الدوليّة وتأثيراتها . وسيركّز في الجزء الثاني (العدد القادم) على حالة المواطنة في العالم العربي ويسلّط الضوء على أخطر الأوهام التي يجب أن نتخلص منها لتحقيق النّهوض المنشود
عبد الله التركماني
-
إن بدء الوحي بكلمة «إقرأ» يوحي بتحول مفاجئ في حياة الإنسان من حيث رعاية اللّه تعالى له ليرشده إلى نور هدايته، وظلال حكمته، وعنايته به حتّى لا يبقى فريسة لأهواء نفسه وتصوّرات منحرفة طارئة عليه، ولتستمر هذه الالتفاتة الرّبانيّة بالإنسان ليقرأ كلّ شيء باسم الرّب لتتجلّى له معاني العبوديّة للّه تعالى ويتجدّد له في كلّ حين العهد الذي قطعه اللّه عليه وهو عالم الذرّ قبل نزول هذا الإنسان على كوكب الأرض، إذ قال سبحانه : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ﴾ (الأعراف:172)، هذه الحقيقة يحملها كلّ إنسان في كيانه ويشعر بضعفه تجاهها، التي خلقت كلّ شيء وملكته وأتقنت تدبيره، يقول اللّه تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾ (السجدة:17). وكلما صفت روح الإنسان وزكت ووقع فيها شعاع الهداية لمست فطرته الأنوار الربانية لتصبح فضاء لاستقبال كلمات الوحي وإدراك معانيها.
عبد الله البوعلاوي
-
أثبت العلماء أنّ للمادة نقيضها سمّيت مادّة مضادة وأنّ الخلط بينهما يؤدّي إلى فناء كلّ منهما ويتحوّلان في الحال إلى طاقة. لم أنشغل لا بالجزيّئات المكوّنة للمادّة المضادّة ولا بنشأتها وعدم تماثلها مع جزيئات المادّة على الأرض، ولم أذهب أبعد من هذه المعلومة لعدم الاختصاص، ولكنّني توقّفت عند نظريّة اينشتاين التي تعتبر أنّ الكتلة والطّاقة صورتان لشيء واحد حيث يمكن تحويل المادّة إلى طاقة، كما يمكن تحويل الطّاقة إلى مادّة. توقّفت عند ما لمسته من تشابه بين نظريّة فناء المادّة والمادّة المضادّة وفرضيّة ازدواجيّة التّقاطع والتّناقض التي أصبحت من أسس العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة ترتكز عليها تناقضات الشّخصيّة الازدواجيّة بين علمي النّفس والاجتماع وازدواجيّة التّقاطع والتّناقض في إدارة الصّراعات وكذلك التّناقضات السّياسيّة عند الأحزاب وتضاربها في الوقت نفسه وفي المجتمع ذاته.
رفيق الشاهد
-
إنَّ تحرير النّفس هو أحد الرّكائز الأساسيّة في سياسة النّفس، فهو يهدف إلى تطوير الذّات وتحسين جودة الحياة النّفسيّة والرّوحيّة. ومن بين أهمّ أبواب التّحرير هو تحرير النّفس من الشّبهات والتّفكير السّلبي، حيث يساعد على تحويل العقل إلى وضعيّة إيجابيّة وصحيحة. وهذا يؤدّي بدوره إلى تحسين الصّحة النّفسيّة والعاطفيّة، وتعزيز الثّقة بالنّفس والإيمان بالذّات.
هبيري محمد أمين
-
إنّ موطن الخلاف بين دعاة الأدب الإسلاميّ وبين معارضيه أنّ الأولين يؤمنون بارتباط الأدب بالدّين، وهم يرون أنّ هذا الرّبط هو من صميم العقيدة والواقع، وهو بالتّالي ضرورة شرعيّة وفنّيّة وليس مجرّد مذهب فنّيّ في الأدب والنّقد فحسب. بينما لا يرى الآخرون هذا الارتباط، ولعلّهم قد يشعرون أنّ الأدب نشاط مستقل عن الدّين، في الطّبيعة والوظيفة. ويبدو لي - فيما اطّلعت عليه من آرائهم - أنّ الذي يحملهم على تبنّي مثل هذا الموقف أمران رئيسان:
أ.د.قصـاب وليد
-
في أنظمة الإحداثيّات المتحرّكة ما يظهر كحقيقة قد لا يكون كذلك، فالسّرعة النّسبيّة على السّطوح السّرعة الصّفريّة في نظام الأحداثيّات الدّوّارة تساوي صفرا بينما إذا رصدت من نظام إحداثيّات ثابت فلن تساوي صفرا أبدا. يقرّر أفلاطون في كتابه الجمهورية أنّ العالم المحسوس كهف، والظّلال هي المعرفة الحسّية، والأشياء الحقيقيّة التي تُحدث هذه الظّلال هي المُثُل(1). وعلى هذا فإنّ الفيلسوف - حسب أفلاطون - هو الذي يرتقي بنفسه ويفكّر في المُثُل الجوهريّة التي تكمن وراء المظاهر الخارجيّة، ويعرف الحقيقة ويميّز العَرَض من الجوهر(2). أي أنّ المعرفة المكتسبة من خلال الحواس مجرّد رأي، لذلك ينبغي على المرء من أجل الحصول على المعرفة الحقيقيّة أن يعمد إلى التّفكير الفلسفي (ومن وجهة نظري أنّ ذلك مستحيل ويكفي معرفة أنّ كلّ ذلك نسبي ويحتمل الصّواب والخطأ وحتّى بنسبة في كليهما).
فوزي أحمد عبد السلام
-
من مغالطات المؤرخين القدامى أو مُبالغاتهم واقعة نكبة البرامكة من طرف هارون الرّشيد ، وأنّ ذلك كان بسبب أخته العباسّة، وأنّ الخليفة هارون الرّشيد ما وافق على تزويجها لجعفر بن يحي بن خالد البرمكي إلاّ لأنّه كان في حالة سكر، وهي أيضا عرضت نفسها على جعفر لأنّها كانت فاقدة لعقلها بسبب الخمر، وذلك أغضب الرّشيد، فانتقم منهم أشدّ انتقام !
عبدالقادر رالة
-
يعدُ البحث الحالي أوَل أطروحة دكتوراه تناقش في تونس في اختصاص تعلُميّة الدّراسات الإسلاميّة. وهو يندرج ضمن مشروع يرمي إلى ترسيخ قيمة الحرّية، فباستطاعة القائمين على الشّأن التّربوي أن يسهموا في تحرير الفرد المتعلّم من النّماذج السّلبيّة الموروثة والسّائدة شريطة أن يقطع التّدريس مع التّعليم البنكي وينبني على التّعليم النّقدي(1).
محمد بوقرين
-
احترتُ فيما أكتب، عن شاعرتنا ابنة جنين القسّام ابنة المخيّم العرين، ابنة نابلس جبل النّار، الشّاعرة «صفاء غليون»، ولم أكنْ قد حسمتُ أمري ماذا سأكتب، لكنّني في اللّحظةِ الأخيرةِ تذكرتُ بعضَهم واتخذتُ قراري فقد فتحوا لي بابًا لنرجسيَّةِ شاعرتِنا .
هناك من يوصدُ بين بعض شعرائِنا وجمهورِ المُتلقّين أبوابًا، وأنا أعني ما أقول، إلاّ أنّني أتقربُّ منهم وأفتحُ لهم أبوابًا مشرَعةً علّهم يُصبحون أقدرَ منا.
خالد إغبارية
-
يخيّل إليك أنّك تفهم أخاك أو صديقك في حالة السّعة والرّخاء، وتعتمد عليهما عند حلول الشّدائد والأرزاء. تنبّه، واحذر إن تُصاب بالخيبة عند نزول الأقدار، فتحتار، ولا تدري كيف تختار المسار.
فلا يغرّنّك المديح والإعجاب وحسن الخطاب، وكثرة الوعود والأماني، ومعانقة الأحباب والأصحاب، فكثيرا ما تكون سحبا عابرة لا تحمل ماء يروي، ولا ظلاّ يُؤوي، ومن بنى أحلامه على الزّخارف والعواطف، سرعان ما تفاجئه الجوائح وتحلّ بداره العواصف.
محمد المرنيسي
-
ولد د.حسن صعب في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1922 في مدينة بيروت، عاش يتيما بعد أن توفي أبوه قبل ولادته بأشهر قليلة، ورغم ظروفه الصّعبة فقد شقّ طريقه بنفسه معتمدا على العلم سبيلا. ونتيجة لتميّزه في دراسته، تمّ اختياره في العام 1941 مع مجموعة من الشّباب، للإنتقال إلى القاهرة لمتابعة دراسته في العلوم الإسلاميّة، إلاّ أنّه سرعان ما تخلى عن هذا المسار، واتجه إلى دراسة العلوم المدنيّة، ليحصل في العام 1945 على الإجازة في الآداب وينتقل بعدها إلى فرنسا، لدراسة الحقوق لمدّة عام واحد، حيث خيّر الانتقال بعدها إلى جامعة توشكند في واشنطن، حيث نال في العام 1956 شهادة الدكتوراه في العلوم السّياسيّة .
التحرير الإصلاح
-
هذا الرّجل
يستحوذني ..
يلتهمني ..
يَزْدَرِدُنِي بلا هضم ..
و يبتلعني كالعادة
كيف أنجو منه؟
أينما ولّيْت ألْفيْته قِبلتي ،
حتى عبير حلمه ،
ينساه فوق الوسادة
الشاذلي دمق
-
من المعلوم أنّ الشّريعة هي الأحكام التي شرعها اللّه للمكلّفين بتبليغ من الرّسول ﷺ. وتنقسم الشّريعة الإسلاميّة إلى ثلاثة أقسام: قسم متعلّق بالعقائد وكبرى اليقينيّات الغيبيّة، ويدخل هذا القسم ضمن «علم الكلام»، وقسم ثانٍ متعلّق بالأعمال كالصّلاة والصّوم والزّكاة وسائر العبادات التي تندرج تحت «علم الفقه»، أمّا القسم الثّالث فهو «علم الأخلاق» الذي يضع المعايير لتقويم السّلوكات الإنسانيّة، ويضبط العلاقات بين ذواتنا والأخرين والمجتمع بأكمله.
عبد الحكيم درقاوي