قبل الوداع

بقلم
علي عبيد
«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ» من فريضة رمضان إلى إكمال العدّة
 من الأخطاء الشّائعة عند العامّة والخاصّة حصر عبادة الصّيام في شهر رمضان والتّغافل عن تعظيم هذه الشّعيرة في بقيّة أيّام السّنة، بينما يؤكّد القرآن الكريم أنّ الصّيام كُتب على المسلمين كما كُتب على الأقوام السّابقة قبل أن يكون فريضة تؤدّى في رمضان:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة: 183-184). وقد أخبرنا الرّسول ﷺَ أنّ نعم الصّيام صيام داوود عليه السّلام، كان يصوم يوما ويفطر يوما وهو ملك عظيم، فسُئل عن سرّ ذلك التّصرّف فقال: «لكي لا أشبع فأنسى الجائعين»، وصيام داوود يعادل نصف أيّام السّنة (حوالي 160 يوما)وعندما نتأمل سنّة الرّسول ﷺَ نلاحظ أن عدد الأيام التي حافظ على صيامها مع شهر رمضان تساوي أيضا نصف أيّام السّنة (حوالي 160 يوما) أهمّها الإثنين والخميس من كلّ أسبوع وستّة أيّام من شهر شوّال وثلاثة أيّام من أوسط كلّ شهر قمري وصيام عاشوراء وصيام التّسعة أيام الأوائل من ذي الحجّة، وقد حاول بعض المشتغلين بالميدان الصّحّي والطّبّ الوقائي ربط العلاقة بين الحديث النّبوي «صوموا تصحّوا» وتطبيق سنّة صيام نصف أيّام السّنة بمعدّل صيام يوم وإفطار يوم، باعتبارها من أنجع الطّرق للمحافظة على الصّحّة ووقاية الجسم من الأمراض.
إذن في الصّيام فائدتان عظيمتان، الأولى جاءت على لسان داوود وهي عدم نسيان الجائعين والثّانية جاءت على لسان الرّسول ﷺَ وهي ضمان صحّة البدن. ولكن بسبب تخلّفنا وعدم التزامنا بأبسط قواعد الحمية، وإسرافنا في الأكل والشّرب عند الإفطار في أيّام الصّيام، أصبح شهر رمضان في أوّله عسر واكتشاف أعراض الأمراض عوضا عن اليسر والرّحمة، وفي أوسطه إرهاق للبدن والميزانيّة العائليّة عوضا عن المغفرة وتخفيف الذّنوب، وفي آخره قيود وديون عوضا عن العتق من النّار. فكيف نجح النّبي الملك داوود عليه السّلام والرّسول محمد ﷺَ في تعظيم شعيرة الصّيام وفشلنا نحن في الاستفادة من ممارستها وسائر الشّعائر التّعبديّة؟ الإجابة عن هذا السّؤال تتطلّب بحوثا عميقة وجهدا كبيرا، لكنّني سأكتفي في هذه المصافحة بالإشارة إلى رابط عجيب بين شعيرة الصّيام والمسألة الاجتماعيّة، من حيث ضمان توازن المجتمع (التّقليل من نسبة الجائعين والتآزر بين أبنائه) وحيويته(صحّة أبنائه)، وهي ضرورة إكمال العدّة ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(البقرة: 185). وإكمال العدّة  يتطلّب صيام نصف أيّام السّنة، سواء حسب سنّة النّبي داوود عليه السّلام أو سنّة الرّسول ﷺَ. فمن استطاع إكمال العدّة بالصّيام فقد ضمن -بالإضافة إلى الأجر الرّبّاني - صحّة الجسد وحيويته، وأمّا من عجز عن فعل ذلك(أغلب النّاس)فإكمال العدّة يتمّ بالفدية وهي إطعام المساكين، فالقرآن الكريم يجعل بدل الصّيام المكتوب فدية طعام مساكين:﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾(البقرة: 184)، فلو يقدّم كلّ مريض وكل مسافر فدية طعام مساكين عن إفطار أيّام رمضان أو إفطار أيّام في غير رمضان (لإكمال العدّة) فإنّ نسبة الجائعين بالمجتمع ستتقلّص حتما(لأنّ الأمر لا يتعلّق برمضان فحسب)، وهذا مسلك من مسالك الأمن الغذائي للمجتمع وضمان العيش الكريم لكلّ المواطنين. ومن يضمن الأمن الغذائي لأخيه الإنسان في الدّنيا يضمن له اللّه الأمن يوم القيامة ويدخله الجنّة من أيّ باب من أبواب الجنّة شاء، وخاصّة من باب الرّيان الذي لا يدخله إلاّ الصّائمون حسب ما ورد في حديث رسول اللّه ﷺَ « إِنَّ فِي الجَنَّة بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يدْخُلُ مِنْهُ الصَّائمونَ يومَ القِيامةِ، لاَ يدخلُ مِنْه أَحدٌ غَيرهُم، ...» . نسأل اللّه أن يعتقنا من النّار ويدخلنا الجنّة ويجعلنا من الذين يعظّمون شعائر اللّه: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾(الحج: 32)