باختصار
بقلم |
![]() |
عبدالقادر رالة |
هارون الرّشيد من منظور الأديب أحمد أمين |
«هارون الرّشيد» كتاب ممتع ورائق ألّفه الكاتب المصري المعروف أحمد أمين بطلب من مجلة الهلال، وقد أسعده ذلك التّكليف وأدخل السّرور الى قلبه، لأنّه معجب بسيرة الخليفة هارون الرّشيد وبدوره في تاريخ الحضارة العربيّة الإسلاميّة ... وعن ذلك كتب يقول:«طلبتْ إلىّ دار الهلال أن أضع كتابا عن هارون الرّشيد، فاغتبطت بهذا الطّلب لأنّي أحبهُ، وربّما كان سبب حبّي له أنّه رجل عاطفي ذوّاق، يخضع للمؤثّرات الوقتيّة»... وأَحبّهُ أيضا «لأنّه أعلى من شأن الشّرق في الغرب، فكلّما ذُكر هارون الرّشيد تخيّل الغربيّون الشّرق بفتنته العجيبة، وجاذبيّته السّاحرة؛ والسّبب في ذلك كتاب ألف ليلة وليلة، وما أضفت عليه علاقته بشارلمان من فخفخة وإجلال، وتوالي الوفود منه وإليه، وحركة التّجارة بين الشّرق والغرب في أيامه...»
درس أحمد أمين الخليفة هارون الرّشيد وبحث سيرته وشخصيّته وعصره، والتزم في دراسته بتصويره كإنسان عادي، عاش في ظروف عاديّة، مثل بقيّة النّاس أو الملوك، فهو يُخطئ ويُصيب، يغضب ويسامح، وعلى المؤرّخين أن لا يرتفعوا به فوق الطّبيعة البشريّة الضّعيفة!..ولذلك كتب منتقدا هؤلاء قائلا: «إنّ بعض المؤرخين - كابن خلدون- نصبوا أنفسهم للدّفاع عنه وتصويره كأنّه نبيّ كريم لا يصحّ أن يُغني، ولا أن يشربْ، ولا أن يزّل..»!!... هذا النّقد صائب في جوهره، لكن فيه ظلم لابن خلدون، إذ كانت له حججه وتعليلاته المنطقيّة، إذ كان هارون الرّشيد أو غيره من الخلفاء العبّاسيين قريبين من العهد النّبوي والخلفاء الرّاشدين، وليس من المستحيل أن يظهر في التّاريخ الإنساني حكام أو ملوك ورِعون !..
ونوه أحمد أمين بدور «ألف ليلة وليلة» في خلود اسم هارون الرّشيد في الذّاكرة الجماعيّة المحلّية والعالمية، إذ كان بطلا لأكثر من ليلة من لياليها الممتعة « أشادت ألف ليلة بذكر هارون الرّشيد إشادة عظيمة في علمه وعدله ولهوه وغير ذلك»..
ولم يُغفل الباحث التّأثير الفارسي في الدّولة العباسيّة، وفي عهد هارون الرّشيد بالذّات فكتب: « أحيط الرّشيد بأبهة الدّولة ومباهجها ممّا أخذته الدّولة العباسيّة عن الفرس» و«انقلب النّظام الاجتماعي الأموي في العصر العباسي رأسا على عقب، فبعد أن كانت الدّولة الأمويّة تقيم نظامها على العنصر العربي والدّم العربي، أصبحت الدّولة العباسيّة تقيم أساسها على الدّم الفارسي والتّقاليد الفارسيّة»..
وبالطّبع كان لذلك التّأثير الفارسي نتائج سلبيّة على الدّولة والمجتمع، حسب د. أحمد أمين فكتب « يُضاف الى ذلك أنّ الرّجال - وقد قعدوا عن الجهاد - اتسع وقتهم، فتفرّغوا للشّهوات والإفراط في الشّهوات يُضعف الهمّة ويُقصر العمر!» و«انقسم النّاس الى طبقات لا تتعدّى إحداها الأخرى، وكان ذلك تقليداً للفرس في تقسيم الشّعب الى طبقات (...) كانت الحياة الاجتماعيّة في العصر العبّاسي جديدة تخالف الحياة في الحجاز والشّام والعراق قبل العبّاسيّين»...
أمّا عن صفات الخليفة فقد ذكر أنّ الرّشيد كان «مثقّفا ثقافة واسعة، وكان كبير العقل، عالي الهمّة كريم النّفس، ولكنّه من ناحيته العاطفيّة كان حادّ المزاج»...
من دون شكّ، فحينما يذكر هارون الرّشيد يتسارع الى الذّهن نكبة البرامكة، وفي هذا يعلّل الكاتب ما فعله الخليفة الرّشيد بهم باعتباره لا يعدو أن يكون إجراءً استباقيّا ضدّهم للحفاظ على العرش العباسي !..حيث «اشتد الرّشيد على البرامكة شدّة ليس فيها تسامح، ولا لين، ولا كرم، فقد نهى عن ذكر اسمهم، وعن وقوف الشّعراء ببابهم أو مقابرهم، وعن رثائهم، ولعلّ عذره في ذلك أنّ البرامكة كانوا قد قبضوا على زمام كلّ الأمور، واصطنعوا كثيرا من الشّعراء والفنّانين، وكان لهم أنصار من الفرس يأتمرون بأمرهم، وينتهون بنهيهم، ويعتزّون بعزّتهم، فلعلّ هذا كلّه يسبّب ثورة تطيح بعرش الخلافة نفسها» ...
نذكر أنّ المؤلف تحدّث في بداية كتابه عن قيام الدّولة العباسيّة الذي يختلف عن نشأة الدّولة الأمويّة. أمّا تولّى هارون الرّشيد للملك فخصّص له فصلا خاصّا بعنوان على أريكة الخلافة ..
|