همسة
بقلم |
![]() |
محمد المولدي الداودي |
صيدنايا..الوطن العربي |
ممتلئون بالفراغ والأماني الموؤودة والأحلام المقتولة في بلد الطغيان..ممتلئون بذلك الرّكام الممتدّ في صحراء أجسادنا وفي كلّ المدن..بقايا من هتاف المظلومين في سجون المستبديّن في المنافي البعيدة..بقايا من شعارات الشباب في الشوارع والساحات قبل رحلة المعتقلات السريّة في الصحاري والغابات..نحن الآن بقايا من ذكرى تائهة في وجوه الأحبّة في الزيارة الأخيرة لسجن بلا عنوان..
يفتح الجلاّد الجرح ويحصي خيوط السياط المرسومة على جسد السّجين ويصرخ:اعترف.
الاعتراف نافذة الحياة..
لا شيء يستحق الحياة..وهذا الجسد يستجدي موته..أحيانا يصير الموت في سجون الطغاة أمنية الأماني..يعلو الصوت ساخرا..لن نمنحك ذلك الشّرف ..ستظلّ هنا معلّقا بين الحياة والموت ونحن فقط من سيرسم معالم نهايتك..ترفع رأسك بجهد قاس وتفتح عينيك تبحث عن مصدر الصوت ..خيط من الدّماء يسيل من الجبين يغشي بصرك فلا تقدر على تبيّن الوجوه..أجساد متحفّزة تحيط بك ..ووعيد يعبر مسامعك فلا تهتز له وشتائم تقتل فيك ما تبقّى من روح..وحين يلعن السجّان أمّك تجمع قبضتي يديك فلا تقدر على الحركة ثمّ تنحسر الدنيا في عينيك
كلام كثير على إيقاع أزرار لوحة المفاتيح..يتوقف عن الكتابة ..يسأل ..فلا تقدر على الحديث..يتعالى ذلك الصوت يملي كلّ الكلام..تظلّ تسمع تفاصيل الحكاية وتعجب من أحداثها..لم تكن تعلم أنّك بطل القصّة التي يكتبون..ضحكات ساخرة تجوب الغرفة وعبارات بذيئة تزيد من الضحكات ..ثمّ يدفعك أحدهم إلى مكتب الرئيس ..يدعوك إلى الإمضاء..تمتنع..فليست قصّتك وليست حكايتك..تكاد تقسم ولكنّك تتمهّل ثم تصمت..يدعوك مجدّدا..ثمّ يطلب من أحد أعوانه جلب الملفّ يتثبّت من كلّ الأوراق يبحث عن شكل إمضائك ثمّ يجتهد في تقليده وحين ينتهي من كلّ ذلك يلقي بك مجدّدا إلى أعوانه.
|