حديقة الشعراء
بقلم |
![]() |
الشاذلي دمق |
الحِبْرُ عَلَى أَوْرَاقٍ خَلَوِيّة |
مِن وراء تُروس الوعي
ومِن خَلف مَنافذ الصَّحْو ..
وفي غفلة المُحاذِر،
وسِنَة الوَسْنان
اِجتاحني الإعصار
واكتسحتْ أنواؤه
ضِفافيَ المَحْظيّة.
***
كَماردٍ بالأنسجة الحيّة
تغلغل في الخلايا النّائمة
ونَفذ إلى تلافيفي النّامية
فَخَلخلَ قناعاتي
وبَلْبَل أنساقِيَ الفكريّة.
***
مثل الكَهَنوت
عَرّى إحجامي ..
تردُّدي وارْتيابي ..
حَذري وانْحِساري ..
واقتحم حُصونَ المناعة
مِن ثغورها الخلفيّة.
***
هو من كسّر حاجز خوفي ..
ورمَّمَ أحلامي،
ولَمْلم حُطامي،
ونفى عزلتي
وأسقط أقنعتي الخفيّة.
***
خاتلني في الزّمن الجاحد
وفُتور وِدِّيَ التّالِد ..
وللنّخاع والعظم ،
توغّل في جسمي كالشّظيّة.
***
وبداخلي، زرع ألغامه..!
وفَجّر
معجزة النّكران والنّسيان
لأعوامِيَ الغبيّة.
حين باغتَني،
كان بَلْقَعًا نابضي.
فَغَشيَني غَمْره
حتّى اِسْتوى
حُدوده السّويّة.
أقام نفسه شَمعدانا
تَمتْرس بأعماقي
لا شريك له،
يُبدِّدُ دُجْنةَ خافِقي
وأغْوارَ الطّويّة
***
ولأجلي ..
اِنتحَلَ المُعجزَ،
والمستحيل..
وطهّرَني
من وَثَنيّةِ الحُبّ،
ومِن عُقَدي
وتَهْوِيماتي الرّماديّة.
***
وأقْنعنِي
بأنّ كلّ شيء
في مَساري
خاضعٌ للنّسبيّة،
ولا أحد إلاّ هو
المُطلقُ في حياتي
والحتميّة.
***
عَرَج بِي سَنام الشّغَف ..
صار من الذّات نُبذة ..
ومِن الكيان فَلْذَة ..
ورفعني
فوق المَصاطب العَلِيّة .
***
وهَبَني لذّةَ الأمن
وُجوده ..
ونشوةَ الحُلم
حُضوره ..
وشهوةَ الطُّموح
جُموحُه ..
وعوالمَ زاخرةً
رأيتُها قُزحيّة .
***
جَذَلٌ وإيفاء ..
حُبورٌ وولاء ..
ونَوَالٌ،
وفُيُوضُ سُلُوٍّ،
ومَراتعُ نَعيمٍ مَخمليّة
***
جَرَفني طُوفانه ..
هَمَرَ في الأوردة والشّرايين
عُبابُه ..
وبكلّ ما فينا
من مواهب الإيلاف،
اِبتلعني وابتلعتُه
زُهاء العشرين حَجّة فَلَكيّة
***
سَلسبيلاً
تدفّق الوعيُ فينا.
وسَلِيلَ أنهارٍ،
وأوديةٍ،
وعيونًا نقيّة.
***
وبِحارٌ على شُطآننا
هدأت أمواجُها
وأثْباجُها العتيّة.
***
وصاغ الوجودَ حِلْفُنا،
فشكّل كِلانا في الآخَر
حضارةً مُذهلة
امتزجتْ بالفطرة
والذّات والهويّة.
***
في عُهدته هو،
طُقوسُ الاِجتياح
- الماجن والمقدّس - !
وليس في رَحْلِي
غير شعائر الانبطاح
بلا رويّة.
***
يااااااا لَلْجَبروت !!!
ويا لَدِيبْلُوماسيّةِ الاِكتساح
على مراحل ومنهجيّة !!!
***
استنزاف الحنين
لامتدادات الماضي،
واغتنام الفراغ،
فاقتناص لحظةِ الضّباب
ثُم تفعيل قانون الجاذبيّة.
***
زَعَمَ أَنّي
أيقونةٌ للفتنة الكاملة
تَسعى..
وأنّي ألَقٌ خُلّب،
وقَدٌّ يَتأوّد،
وظبيٌ أغْيَد
تطفح منه الصُّوَر الشّعريّة
***
وادّعى أنْ لا نظير لي
إلاّ في منازل الخُلْد
والحُور السّنيّة،
***
وأنّني فَيضٌ إلهيّ عارم،
مَرَّ عليه
مِن كلّ مَعابر البعث
والإحياء
بِمُنتهى العَفويّة.
***
الفؤاد والسّمع،
البصر والبصيرة
والسّجيّة.
***
و .. و .. و .. و ..
باختصار،
زهّدني في آماليَ القديمة
وأنْبتني في الغيم
قصّة أخرى ورديّة.
***
ليت التّاريخ يُعيد
نفس الحَكايا
والسّرديّة.
***
غَزواتُ القلب ..
فتوحاتُ الوجد ..
وملاحمُ النّصر
لطقوسنا البدائية.
***
كيف أُعيد الآن نقطةَ البدء؟
ومَركبُ الحياة
يُشارف مَراسِيَ الأُفول،
ومرفأَ الوصول
لآجاله المَقضيّة ..
***
لم يعد في العَقِبِ
وَعْدٌ أترقّبُه،
جُلُّ ما في الرَّوْع
أضغاثُ أمانٍ
وغَثٌّ وعَبَثيّة .
***
وبدون إشعار،
تركني
والفؤادُ كَسِيف ..
طَوقُه كالنّار،
والوَلَهُ فيه أَوار
والمآقي نديّة.
***
انفرط منّي
وتنكّر للعُهدة ..!
وخان العشيرة ..!
فمزّق الوصيّة ..!
وباع القضيّة ..!
***
وبسرعة فَرْقَدٍ آفِلٍ
ونجمٍ مُتَهاوٍ،
انسحبَ إلى خطّ التّماس
بين الصّحو والإغماء ..
بين الخلود والفناء ..
وتُهتُ أنا
في النّقطة المفصليّة .
***
إلهي
يَقْظةٌ جامحة كانت هذي؟
أم رؤى حالمة؟
بأشباح عابرة،
وملامح منسيّة؟
***
عِقدان تَشظّيا من عمري
وأنا في مَسعى القِيافة
شحّاذ يَروم ضالّته،
و لازالتُ إلى الآن
في مَتاهتي اللّولبيّة
***
بحثتُ عنه
في طَلل الوجوه العابرة..
في السُّحنات الغابرة..
في الملامح الحاضرة..
فما ظفرت بعين
أو أثرٍ له رمزيّة.
قيل أنّ
أطيافه تركض
من حَدقة لحدقة،
وعلى كلّ المرايا
سافرة وسخيّة
***
قلتُ إذًا :
انتهى الأمر
وأفلت «المِنيار»
من قضباني الواهية
وقبضتي الواهنة،
ولن يؤوب،
فالعودة تظلّ دوما
على الأَنُوفِ عصيّة.
***
فتَنَتْه الحُرّيّة ..
وأغرته الأضواء الملتهبة
وأغوته ذوائبَها الذّهبيّة.
***
والآن ، وقد أدبر
غير آبِهٍ بإدماني عليه،
يليق بي
الانقراض حتّى من خياله
فأعفو وأتعفّف
وأغفر له
رغم الأذيّة ..
|