خواطر

بقلم
شكري سلطاني
الأدب الخالص: طريق العبودية الحقيقية
 لن تستقيم معاملة العبد مع ربّه إلاّ باتباع قواعد سلوكيّة قويمة ونبيلة، تهدف إلى نيل رضا اللّه تعالى. ولن تكون عبادة العبد نافعة أو مُحدثة تغييرًا إيجابيًا في نفسه إلّا إذا تحلّى بأوصاف العبوديّة الحقيقيّة، وقدّم قلبه سليمًا خالصًا لخالقه. فالعبد الحقّ هو الذي يستسلم لمولاه، راضيًا بقضائه، صابرًا على بلائه، شاكرًا لنعمه الظّاهرة والباطنة. هو عبد مطيع لا يشكّ ولا يرتاب، ولا يُجادل في أمر اللّه، بل يلتزم بآداب العبوديّة وحقوقها بكلّ إخلاص.ومن القواعد السّلوكيّة التي تُعين العبد على تحقيق عبوديّته لربّه، والتي نذكرها على سبيل المثال لا الحصر:
1. الطّاعة لأوامر الله والخضوع التّام لها:
العبد الحقّ هو الذي يُسلم أمره للّه، ويخضع لأوامره بكلّ جوارحه. فالسّجود في الصّلاة، على سبيل المثال، ليس مجرّد حركة جسديّة، بل هو تأكيد وإقرار باللّسان والقلب والجوارح بصدق العبوديّة للخالق. يقول اللّه تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات: 56). فمن الحماقة أن ينكر العبد معروف ربّه، أو يُعاند قضاءه وقدره، أو يغترّ بحرّيته الدّنيويّة المحدودة. فعلى العبد أن يكون مسلوب الإرادة أمام مشيئة اللّه، مُقرًّا بأنّه لا حول له ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم.
2. التّسليم لعلم الله المطلق:
   علم اللّه عزّ وجل مطلقٌ لا حدود له، وهو الذي أحاط بكلّ شيء علما. أمّا الإنسان، فما أوتي من العلم إلاّ قليلاً، كما قال تعالى: ﴿ ... وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء: 85). لذلك، على العبد أن يتقبّل شريعة ربّه بكاملها، سواء فهم حكمتها أم لم يفهمها. فالأمر الإلهي يتجاوز إدراك البشر المحدود، ويجب على العبد أن يمتثل له بكلّ طاعة، حتّى لو لم يُدرك الحكمة الكامنة وراءه في الوقت الحاضر. التّلاوة المستمرة للقرآن، والذّكر، والتّسبيح، والاستغفار، كلّها وسائل تُعين العبد على تمثّل شريعة اللّه واستيعابها تدريجيًّا، حتّى تصبح العبادة مهارة يُتقنها بكلّ إخلاص.
3. الجِدّ والاجتهاد في العبادة
   العبد الحقّ هو الذي يتسارع إلى طاعة ربّه بكلّ حبّ وشوق، دون كسل أو ملل. فهو يعلم أنّ حياته ووجوده منحة من اللّه، الذي هو «رَبّ النَّاسِ، مَلِكُ النَّاسِ، إله النَّاسِ». من هنا، يبدأ العبد رحلته من ظلمات النّفس إلى نور الرّبّ، منتقلًا من عبدٍ هاربٍ من طاعة اللّه إلى عبدٍ عابدٍ له بكلّ إخلاص. هذه الرّحلة تمرّ عبر مراحل: من الاستسلام والرّضا بقضاء اللّه (الإسلام)، إلى الذّكر والتّسبيح (الإيمان)، وصولًا إلى العبادة الخالصة بالسّرّ والعلانيّة (الإتقان).
 4. العبوديّة الخالصة: من عبد الهوى إلى عبد الله
   ليكون العبد خالصًا لربّه، يجب أن يتحرّر من عبادة الأصنام المعنويّة، مثل الهوى والغرور، وأن يسلّم إرادته بالكامل لمشيئة اللّه. هذه العبودية تتطلّب ثلاثة أمور أساسيّة:
*الخضوع التّام (être soumis passif): أن يكون العبد مسلوب الإرادة أمام مشيئة اللّه.
*التكرار والتّدريب (être ruminant): أن يُجذّر عبادته بالتّكرار والذّكر المستمر.
*التّنفيذ العملي (être exécutif): أن يكون سريعًا في تنفيذ أوامر اللّه دون تردّد.
 الخاتمة:
إنّ طريق العبوديّة الخالصة هو طريق الفلاح والنّجاح، كما قال اللّه تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات: 56).. فمن خلال الخضوع التّام، والتّسليم لعلم اللّه، والاجتهاد في العبادة، يتحقّق العبد بمعنى العبوديّة الحقيقيّة التي لا يشوبها نفاق أو شقاق. هذه هي الطّريقة المثلى لمعاملة العبد مع ربّه، وهي المنهاج الذي يضمن له السعادة في الدّنيا والآخرة.