في العمق
بقلم |
![]() |
د.عبدالله التركماني |
مرتكزات انتقال الدولة السورية الجديدة إلى دولة تنموية (2-2) |
مؤشّرات عامّة لتحديات التّنمية بعد التّغيير
تفاقم تراجع الاقتصاد السّوري، ومن مؤشّرات ذلك خسارة اللّيرة السّورية من قيمتها الشّرائيّة، حيث سجّلت هبوطاً مريعًا لقيمتها أمام العملات الصّعبة.
وفي حين أنّ الموازنة السّورية كانت قد « بلغت في مطلع عام 2012 نحو 24 مليار دولار، ولكن عاماً تلو آخر بدأت تنهار الدّولة من الدّاخل حتّى وصلت مطلع العام الحالي 2024 إلى ثلاث مليارات دولار فقط، وفق سعر صرف الدّولار في البنك المركزي السّوري ونحو مليارين وقليل على حسابات السّوق السّوداء»(16).
وهكذا، يتفاقم الوضع الاقتصادي في سورية نحو مزيد من التّدهور، ممّا يصعّب إمكانيّة عودة النّازحين والمهاجرين إلى ديارهم، دون الانخراط في عمليّة إعادة الإعمار. إذ «يمكن النّظر إلى إطار إعادة الإعمار بأنّه استكمال لعمليّة التّدمير التي أحدثت تغييراً كبيراً في الطّابع الدّيموغرافي للبلاد، حيث سعى النّظام السّابق، من خلال تمكين الرّأسماليّين المحسوبين عليه عبر عمليّة إعادة الإعمار لإحداث تحوّل في التّركيبة السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، بما يساهم في ترسيخ قبضته السّلطويّة على البلاد»(17).
لقد كانت ثقافة التّنمية الشّاملة تواجه عقبات على مستوى مؤسّسات مناطق سلطات الأمر الواقع الأربع (النّظام السّابق، تركيا في الشّمال الغربي، أميركا في الشّمال الشّرقي، هيئة تحرير الشّام في إدلب)، منها: أزمة مشاركة المواطنين في مناقشة الخيارات المتاحة، وضعف منظّمات المجتمع المدني ذات الصّلة بحاجات التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وضعف أدوار المجالس المحلّية واللاّمركزيّة الإداريّة. وكان من نتائج ذلك الضّعف محدوديّة مشاريع تنمويّة في البنى التّحتية وتلبية الحاجات الأساسيّة للمواطنين، والاعتماد على مساعدات الإغاثة الإنسانيّة، التي كانت ميداناً لسطوة ميليشيّات المناطق الأربع.
وهكذا، لا يمكن الشّروع في تنمية إنسانيّة شاملة بمعزل عن إعادة إعمار سورية، وذلك لن يتمّ بمعزل عن السّياق السّياسي الجديد، بما يقتضيه من انفتاح سلطة الأمر الواقع الحالية على القوى الحيّة في المجتمع السّوري، من نشطاء الشّأن العام، لتجسيد عمليّة انتقال حقيقي من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي، بما ينطوي على الانتقال إلى نظام يعتمد التّنمية التّشاركيّة في دولة تنمويّة.
كيفيّات انتقال سورية إلى دولة تنمويّة
إنّ طبيعة السّلطة التي تدير مؤسّسات الدّولة هو العامل الحاسم في السّياسات التّنمويّة، فإذا عبّرت سلطة الأمر الواقع بعد التّغيير عن مصالح المواطنين لتلبية حاجاتهم الأساسيّة في تأمين العمل والسّكن والصّحّة والتّعليم، وأقامت بنى تحتيّة تيسّر شؤون حياتهم، أو إذا كانت سلطة مستبدّة تسخّر الدّولة لخدمة مصالح مواليها. ومن المؤكّد أنّ تجربة السّوريين، مع ديمومة السّلطة المستبدة لستّة عقود، تجعل الخيار الأول هو الأمل الذي يطمحون إليه.
ونحاول هنا أن نستشرف دور الدّولة السّوريّة الجديدة في عمليّة التّنمية الشّاملة، والبحث عن الشّكل الأفضل لدورها في توازن السّياسات التّنمويّة، مستفيدين من تجارب دول انتقلت من الثّورة والحروب الأهليّة إلى الخيارات التّنمويّة النّاجحة، وتلك الدّول التي انتقلت من الدّولة التّسلطيّة إلى الدّولة التّنمويّة.
إنّ الأمر منوط بإعادة صياغة مسار التّنمية للتّعاطي المجدي مع التّحديّات التي أفرزتها السّنوات الأربع عشرة الماضية، وذلك من خلال توظيف الموارد الاقتصاديّة والبشريّة السّوريّة المتوفّرة، إضافة إلى مشاريع إعادة الإعمار التي يمكن أن تنخرط فيها دول إقليميّة ومنظّمات دوليّة. بما يتطلّب بيئة أمنيّة وسياسيّة مستقرّة، تحفظ حقوق الإنسان الأساسيّة وتلتزم بقيم العدل لكلّ المواطنين السّوريين، أي بناء الحكم الرّشيد القادر على إنجاز تنمية تشاركيّة، توظّف كلّ الإمكانيّات المتوفّرة بكفاءة. وفي هذا السّياق، فإنّ مجتمعاً مدنيّاً يسعى للحقّ في الشّراكة مع الدّولة والقطاع الخاصّ يمكن أن يصبح قوّة اقتراح لتحقيق السّياسات التّنمويّة، التي تستجيب لحاجات المواطنين.
ضرورة عمليّة الانتقال السّياسي
لا يمكن الحديث عن سياسات تنمويّة في ظلّ انسداد أفق تأمين شروط انتقال سياسي حقيقي، يضمن الانتقال من دولة تتسلّط عليها أسرة مستبدّة إلى دولة تفتح أفقاً نحو سلطة تضمن الحرّيات العامّة وحقوق الإنسان الأساسيّة، المضمونة في العقد الاجتماعي الجديد. إذ إنّ الحرّيات هي « أداة وضمانة وهدف للتّنمية الإنسانيّة التي تشتمل على الحرّيات السّياسيّة والمدنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وتتّصل بما يتوفّر للنّاس من فرص لتقرير من ينبغي أن يحكم ووفق أيّ مبادئ، وتشمل أيضاً القدرة على مراقبة السّلطات ونقدها، والتّمتّع بحرّية التّعبير السّياسي ووجود صحافة حرّة» (18). ممّا يضمن حكماً رشيداً يوظّف الموارد الاقتصاديّة والبشريّة بفعاليّة من أجل تنمية تشاركيّة، توفّر حاجات الشّعب السّوري، استناداً إلى سيادة القانون والشّفافيّة والمساءلة والشّراكة.
وهكذا، يبدو أنّ نقطة البداية للتّنمية الشّاملة هي التّنمية السّياسية لضمان إمكانيّة توظيف الموارد للسّياسات التّنمويّة الجديدة، وإطلاق مبادرات السّوريين للشّراكة في مشاريع التّنمية المستقبليّة، من خلال توسيع قاعدة الملكيّة عبر تعميم نموذج الشّركات المساهمة، وتقديم التّسهيلات للمشاريع الصّغرى والمتوسّطة، لتحقيق خياراتهم لتأمين مستوى لائق من المعيشة.
وفي سياق شراكة السّوريين لا بدَّ من تمكين المرأة والشّباب وضمان ممارستهما لكامل حقوقهما بصفتهما مواطنين أحرار، وبقدر نسب مشاركتهما سيتحدّد مصير التّنمية الشّاملة، لما يشكلانه من قيمة مضافة على مشاريع التّنمية.
دور الدّولة المعاصرة في التّنمية التّشاركيّة
ليست مهمّة سلطة الدّولة المعاصرة ممارسة السّيادة على مجتمعها فقط، وإنّما الأهم توظيف موارد الدّولة لتحقيق تنمية شاملة تلبّي حاجات المواطنين، بل تأمين الرّفاهية لشعبها، من خلال مساهمتها في تعظيم هذه الموارد من خلال الانخراط في مجتمع المعرفة المعاصر وما يرتبط به من اقتصاد المعرفة، بهدف تعظيم الإنتاج الوطني على مدى سنوات قليلة بعد التّغيير في سورية. إذ إنّ فجوة المعرفة تعدّ مؤشّراً مهمّاً على مدى قدرات الدّول على إنجاز تنمية شاملة لمجتمعها، وعليه فإنّ اكتساب المعرفة الحديثة وتوظيفها في تحسين أداء القدرات البشريّة، خاصّة التّعويل على دور الشّباب صاحب المعرفة والخبرة، يمكن أن يوجد مرتكزات دولة الرّفاهيّة التي توفّر الإمكانيّات لتأمين حاجات المواطنين، بوصفها حقوقاً لهم وليست عطيّة من سلطة الدّولة. إذ إنّ مثل هذه الدّولة « تتطلّب توازناً في أسلوب تقاسم السّلطة والموارد بين رأس المال وقوى العمل، لأنّ دعم دولة الرّفاهيّة ضرورة خوفاً من أن تنفلت الدّولة إلى الفاشيّة..» (19).
وهكذا، فإنّ دولة الرّفاهيّة المنشودة تتطلّب التّكامل بين مرتكزات التّنمية: السّياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثّقافيّة. ممّا يفرض تدخّلاً للدّولة في تحديد السّياسات التّنمويّة وتوفير مرتكزاتها، بالشّراكة المتوازنة مع القطاع الخاصّ ومنظمات المجتمع المدني، من خلال صياغة تشريعيّة وتنظيميّة، تضمن النّجاح في تحقيق أهداف التّنمية الشّاملة. وتبرز أهمّية منظّمات المجتمع المدني لإنجاز التّنمية التّشاركيّة إذا علمنا أنّ علاقتها مع الدّولة التّنمويّة هي «علاقة تكامل واعتماد متبادل وتوزيع للأدوار، باعتبارها أحد تجليات الدّولة الحديثة، التي تؤمّن شروط قيامها من خلال تقنين نظام للحقوق ينظّم ممارسات جميع الأطراف والجماعات داخل المجتمع» (20).
أي أنّ التّنمية الشّاملة ليست مهمّة الدّولة وحدها، تخطيطاً وتنفيذاً، بل اعتماد التّنمية التّشاركيّة من أجل تلبية حقوق المواطنين في حياة كريمة، ليس اعتماداً على الأجهزة الحكوميّة فقط، وإنّما بالتّشارك بين كلّ الأطراف الاقتصاديّة والمجتمعيّة المعنيّة بالتّنمية الشّاملة والمستدامة والعادلة.
ومن المؤكّد أنّ لسورية، بعد عمليّة الانتقال السّياسي، طريقها الخاصّ لتحقيق هذه التّنمية التّشاركيّة، مستفيدة من تجارب دول أخرى خرجت من كوارث الصّراع والحروب الأهليّة، إذ يمكن أن «تأخذ من رواندا تجربتها في الخروج من حرب أهليّة وكيفيّة تطبيق العدالة الانتقاليّة وطبيعة المصالحات التي أفضت إلى حالة الاستتباب الوطنيّة. كما تلفت التّجربة الرّوانديّة الأنظار إليها بسبب تقاطعها مع الحالة السّورية فيما يتعلّق بعدد الضّحايا الكبير، إذ صارت رواندا مثالاً للانتقال النّاجح من بلد الحروب والنّزاعات القبليّة إلى أرض السّلام والأمن والاستقرار، ومن الفقر والبؤس والبطالة إلى أحد أكثر عشرة بلدان أفريقيّة استقطاباً للاستثمارات، ومن أكثرها تقدّماً وانفتاحاً على العالم»(21).
كما يمكن الاستفادة من التّجربة اليابانيّة، حيث تعتبر المثال الأبرز في خيار التّنمية التّشاركيّة لدولة تنمويّة، إضافة إلى تجارب دول أخرى في شرق آسيا.
والمهمّ أن تتوفّر لدى السّوريين إرادة التّوافق الوطني بين كلّ الفعاليّات السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، بما يوفّر إمكانيّة انخراط كلّ ما يمكن من قوى للنّجاح في الخروج من آثار الكارثة السّوريّة. إذ لدى السّوريين موارد بشريّة هامّة، إن كان على صعيد الأيدي العاملة الماهرة أو الخبرات العلميّة، خاصّة لدى اللاّجئين السّوريين الذين صقلوا خبراتهم في بلدان المهجر.
وفي هذا السّياق، يبدو أنّ الحزم الخمس التي طرحها سمير سعيفان، قبيل عام 2011، يمكن الاستفادة منها في مشروع الدّولة السّوريّة التّنمويّة القادمة (22):
1 - وضع استراتيجيّة تنمّي القدرة الإنتاجيّة للاقتصاد السّوري، وتوسّع قاعدة إنتاج الدّخل، وتعتمد حرّية المبادرة الخاصّة والملكيّة الخاصّة وحرّية العرض والطّلب والمنافسة ومنع الاحتكار، وتطبق سياسة تنمويّة شاملة تشجّع الاستثمار، وتستهدف قطاعات ذات قدرة تنافسيّة ممّا يتوفّر لدى سورية، وتنمّي قطاعات اقتصاديّة حديثة ذات قيمة مضافة أعلى، بما يؤمّن تطوير البنية الهيكليّة للاقتصاد السّوري وتنويعها، ويؤمّن تأهيل قوّة عمل مدرّبة بإنتاجيّة أعلى، وعلاقة اقتصاديّة دوليّة متينة وتبادل اقتصادي متكافئ مع العالم.
2 - سياسات وبرامج تهدف إلى تنمية الملكيّة التّعاونيّة والشّركات المساهمة التّعاونيّة والملكيّة الصّغيرة وملكيّة النّقابات والبلديّات والجمعيّات، لتقف إلى جانب الأشكال المعروفة للملكيّة الفرديّة والعائليّة والمساهمة.
3 - تتعلّق بسياسة الأجور والرّواتب ورفع قدرة المشتغلين على الحصول على نصيب عادل من الدّخل وشروط جيّدة للعمل على نحو يرتبط بزيادة الإنتاجيّة وارتفاع الأسعار وخفض كلفة وحدة الإنتاج عبر تطوير المشاركة الإيجابيّة للمشتغلين في نجاح شركتهم.
4 - تتعلق بحزمة السّياسات المؤثّرة في توزيع الدّخل مثل الدّور الجديد الإداري والاقتصادي للدّولة، وسياسات الخزينة العامّة بجانبيها الإيراد والإنفاق، والسّياسة الضّريبيّة، وسياسات الأسعار ودعمها الرّشيد، وسياسة التّشغيل وسوق العمل وغيرها من سياسات تعزّز الملكيّة الجماعيّة ونموّها، وتعزّز التوزيع العادل للدّخل، وتعزّز العلاقة المتوازنة بين أطراف العقد الاجتماعي، الدّولة وقطاع الأعمال والمجتمع.
5 - تشجيع القطاع الخاصّ للمساهمة في برامج الرّعاية الاجتماعيّة، أسوة بالقطاع الخاصّ في البلدان المتقدّمة.
ومن أجل النّجاح في تحقيق هذه الحزم، فإنّ المسؤوليّة الرّئيسيّة تقع على السّوريين، من خلال تكوين وحدة الثّقافة والعمل لإنجاح عمليّة الإصلاح الشّامل، السّياسي والاقتصادي والاجتماعي والثّقافي، من أجل تحقيق آمال الشّعب السّوري في الحرّية والكرامة، من خلال تمكين قوى الثّقافة والعمل من المشاركة في صياغة مستقبل سورية، بحرّية ووعي واستقلاليّة، والمساهمة في تقرير الخيارات التّنمويّة، من خلال إجراء المقارنات بين التّكلفة والمردوديّة لكلّ منها. أي « يتعلّق الأمر بمقاربة قوامها تمكين المواطنين من المساهمة في بلورة حلول ملائمة لمشكلاتهم المتعلّقة بتلبية حاجاتهم الأساسيّة وبآلياتهم وأنماطهم الإنتاجيّة، في نطاق وضعهم كمسؤولين عن اتخاذ القرارات وتفعيلها ومتابعتها.
وبذلك يصبح المشروع التّنموي تلقائيّاً مدرسة للدّيمقراطيّة، تتعلّم فيها الدّولة وأجهزتها مراجعة أساليبها في اتجاه آفاق أوسع للشّراكة، ويتعلّم فيها أفراد الجماعة إنضاج شخصيّة جماعيّة مستقلّة ومبادرة مستعدّة للاضطلاع بمسؤوليّات التّغيير الاجتماعي والانخراط في تشخيص، وتحليل، وتقييم المعوّقات والمؤهّلات، واتخاذ قرارات أو اختيار حلول معيّنة تجاه المشروعات التّنمويّة المقترحة»(23).
إنّ هذه المقاربة التّشاركيّة تساهم بتقليص مساحات إقصاء فعاليّات يمكن أن تشكّل إضافة للمجهود التّنموي، بما أنّها تأخذ بعين الاعتبار حاجيّات الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.
إنّ تحقيق عمليّة التّنمية التّشاركيّة يحتاج إلى توازن بين الحرّيات ودور الدّولة التّنمويّة من جهة، وبين مصالح كلّ الأطراف الاقتصاديّة والاجتماعيّة المنخرطة في هذه العمليّة، في إطار من الحرّية التي تحفظ حقّ الدّولة في تحديد سياسة الضّرائب والخدمات الاجتماعيّة للمواطنين. أي أنّ خيار الدّولة القويّة والعادلة، في ظلّ سيادة القانون الذي تنعم بعدالته جميع الفئات الاجتماعيّة.
وطالما أنّ نجاح التّنمية التّشاركيّة مرهون بمجموعة واسعة من الفعاليّات، الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة، فإنّ المصلحة الوطنيّة السّوريّة تقتضي حواراً بين هذه الفعاليّات، للتّوصّل إلى أفضل الخيارات الممكنة في المستقبل. ولا شكّ أنّ رؤية سورية موحّدة بين هذه الفعاليّات سوف تساعد على انخراط المجتمع الدّولي في عمليّة إعادة الإعمار وتمكين السّوريّين من النّهوض من جديد، ووضع حدّ لانتهاكات حقوق الإنسان التي تُرتكَب باسم إعادة الإعمار، والحرص على عدم اتخاذ أيّ إجراءات من شأنها تمكين النّظام».
خاتمة
إنّ تفعيل سياسات تنمويّة تشاركيّة مرهون بإنجاز عمليّة الانتقال السّياسي، أي إنّ النّهوض التّنموي السّوري مرهون بالانتقال إلى السّلم الأهلي، أي إلى إعادة بناء الدّولة السّوريّة المستقرّة والآمنة، التي تستطيع أن تؤمّن أوضاعاً سياسيّة للانتقال الدّيمقراطي تطلق الحرّيات العامّة للسّوريّين، وبما يساعد على تشكيل الكتلة التّاريخيّة للثّقافة والعمل بهدف الانطلاق في مشاريع تنمويّة تشاركيّة، توظّف الموارد البشريّة والاقتصاديّة لتلبية الحاجات الأساسيّة للمواطنين في البداية، على أمل أن تفضي إلى دولة الرّفاهيّة في المستقبل.
ومن الصّعوبة بمكان تقدير مدى نجاح المرحلة التّنمويّة الأولى، نظراً لحجم الكارثة السّوريّة بعد أربعة عشر عاماً من الصّراع، إضافة إلى آثار ديمومة الاستبداد لـ 54 عاماً . ولعلَّ توّفر عوامل الأمن والاستقرار وسيادة القانون، وتحقيق مرتكزات تنمية تشاركيّة، يمكن أن تساهم في نجاح هذه المرحلة.
وهكذا، فإنّ الوصول إلى الدّولة التي تؤمّن الرّفاهيّة للمواطنين منوط بمدى استجابة سوريّة المستقبل لمتطلبات مجتمع واقتصاد المعرفة، من خلال تأهيل الأجيال الشّابة عن طريق المناهج التّعليميّة الحديثة لتأمين مناخ الإبداع والابتكار. وبذلك يمكن الحديث عن دولة تنمويّة قادرة على ضمان السّكن والعمل والصّحّة والتّعليم والرّفاه لمواطنيها بدون تمييز، وبما يحفظ كراماتهم.
الهوامش
(16) طارق علي: انهيار الموازنة السورية... بطون وجيوب فارغة – صحيفة « إندبندت عربية « 23 شباط/فبراير 2024، الرابط https://2u.pw/6KB1Zcsl، شوهد في التاريخ نفسه.
(17) سوسن أبو زين الدين وهاني فاكهاني: إعادة إعمار سورية بين التطبيق التمييزي والاعتراض المطوَّق - مركز « كارنيغي « 22 أيار/مايو 2020، الرابط https://2u.pw/AKpMOHia، شوهد بتاريخ 1 آذار/مارس 2024.
(18) التنمية في سورية ما بعد الحرب: مستقبل الشرق للدراسات والبحوث، 7 حزيران/يونيو 2016، الرابط https://2u.pw/SiFPC5FX، شوهد بتاريخ 9 نيسان/أبريل 2024.
(19) علي القادري: البنية الفكرية لمفهوم دولة الرفاهية، عن ندوة « دولة الرفاهية الاجتماعية «، مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت ط1 2006 ص 91، الرابط https://2u.pw/WcWQxI71، شوهد بتاريخ 1 آذار/مارس 2024.
(20) هويدا عدلي: دور منظمات المجتمع المدني في صنع سياسة الرفاهية الاجتماعية - المرجع السابق ص 498.
(21) تأثير المناخ السياسي على التنمية الشاملة والمتكاملة - سوريا نموذجاً – مركز حرمون للدراسات المعاصرة 29 نيسان/أبريل 2020، الرابط https://2u.pw/XP2GPZN، شوهد بتاريخ 8 آذار/مارس 2024.
وبرهان غليون: رواندا السنة العاشرة للثورة أو البحث عن السلام في سورية – صحيفة « العربي الجديد « 16 آذار/مارس 2020، الرابط https://2u.pw/HB8mZIY4 شوهد بتاريخ 2 آذار/مارس 2024.
(22) سمير سعيفان: قلق الناس تجاه عدالة توزيع الدخول، هل سيتزايد؟ - عن نشرة « كلنا شركاء في الوطن « 2 آذار/مارس 2008.
(23) عبدالله تركماني: نحو مقاربة تنموية تشاركية - موقع « الحوار المتمدن» – 26 أيار/مايو 2011، الرابط https://2u.pw/iWajeOYo، شوهد بتاريخ 12 آذار/مارس 2024.
|