في الصميم

بقلم
نجم الدّين غربال
احتياجات رفع التّحديات التّنموية المقال الخامس: الحاجة الى نظام مالي قوِي
 بعد أن حصرنا  أُولَى احتياجات رفع التّحدّيات التّنموية في مُقاربة تنموية بديلة تكون ذات أثر نفعي عالمي توحيدي، وبآليات تشاركيّة جماعيّة تشاوريّة وتهدف تغيير ما بالأنفس وتحرير العقول، ومن ثمَّةَ التّحرّر من النّظرة المزدوجة العنصرية للإنسان وإعادة النّظر في دوره في الوجود ككائن مستخلف فيما سخّرَ الخالق له لحمل أمانة الحفاظ على كرامته وإعمار الأرض والصّلاح فيها وتغيير نوعية العلاقة التي تربطه بأخيه الانسان، من علاقة استضعاف وبخل وعدوان الى علاقة تسخير وعطاء وبرّ، وكذلك تغيير نوعيّة علاقته بالأشياء من إهمال وتطويع وإفساد الى علاقة إحاطة وتأقلم وإصلاح بالإضافة إلى إعادة النّظر في المُمَكِّن وفي نهج التّمكين والمعنيين به(1). 
وبعد أن اخترنا التّنمية الشّاملة كثانِي تلك الاحتياجات، باعتبارها تشمل أوّلا كلّ مناحي حياة النّاس ضمانا لمكوث النّفع لهم والحفاظ على كرامة كلّ انسان فيهم وحرّيته ورزقه(2) وتشمل ثانيا، على مستوى الأهداف، مجالات متعدّدة كالمجال الاجتماعي من إدماج ومنع للإقصاء والتّهميش والمجال الاقتصادي من ضمان لديمومة الإنتاج(3)، وتوفير الكفاية لدى طالبيها والمجال البيئي من حماية المحيط والحفاظ على شروط حياة سليمة للأجيال القادمة. وبعد أن أكّدنا على ارتباط التّنمية الشّاملة بتوسيع الاختيارات لدى البشر(4)وعدم ارتكازها حصرا على النّمو الاقتصادي بل تتعدّاه لاعتماد النّمو الشّامل باعتباره أسّا من أسس سياسات تعميم التّنمية الّتي تهدف الى أن يستفيد منها الجميع دون استثناء(5).  
وبعد أن عرضنا مجموعة من السّياسات الّتي تحتاجها التّنمية الشّاملة، الهيكليّة منها ضمانا لإقامة الوزن بالقسط على مستوى الاقتصاد والسّوق والماليّة العموميّة، والاجتماعيّة تحقيقا لغايات تنظيميّة وتضامنيّة وتمكينيّة وحمائيّة والبيئيّة للاستثمار في الوقود الأخضر والاعتماد على الطّاقات البديلة وسياسة تشجيع تصدير الهيدروجين الأخضر لشمال المُتوسط(6)، وأخيرا وليس آخرا السّياسات الاقتصاديّة الّتي تحتاجها التّنمية الشّاملة لخلق الثّروة وتوفير الاحتياجات التّمويليّة اللاّزمة والضّرورية للاستثمار والإنتاج، كسياسات حماية العملة وتشجيع الاستثمار وقَوَامَةُ الإنفاق وتنويع الموارد وسياسة زيادة إنتاجيّة عوامل الإنتاج وسياسة التّسخير والإعمار.
  بعد كلّ ذلك، بقي علينا الاهتمام بالنّظام المالي القويّ كركيزة أساسيّة لتنفيذ تلك السّياسات على أرض الواقع رفعا للتّحديّات التّنموية، ولِتَتَحَقَّقَ التّنمية الشّاملة وذلك من خلال البحث في مُكوّناته أوّلا، ثمّ دراسة نظامنا المالي، حالته وأفقه، وصولا الى وضع الأسس الأخلاقيّة للنّظام المالي القويّ.
1. مُكوّنات النّظام المالي القويّ
من مُكوّنات النّظام المالي القويّ نذكر:
- جهاز بنكي ومصرفي قادر على تمويل النّشاط التّنموي في أبعاده المتعدّدة الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على قاعدة الشّراكة الاجتماعيّة والنّجاعة الاقتصاديّة والسّلامة البيئيّة بين المودعين والمموّلين والمنفقين لتلك الأموال.
- شركات تأمين مُؤهّلة لاحتواء المخاطر المتزايدة والمحدقة بالأشخاص والممتلكات والوسائل على قاعدة التّضامن والتّكافل بين كلّ المتدخّلين في مجال التّأمين وبحرص منهم جميعا على استمرار هذا النشاط.
- شركات إيجار مالي تقوم بتيسير إيجار الوسائل المطلوبة للأنشطة التّنمويّة في مختلف مجالات الحياة مع إمكانيّة امتلاكها في نهاية آجال عقود الإيجار، وتحويل جميع المخاطر والمزايا المتّصلة بالملكيّة الى المستأجر. 
- مؤسسات لتمويل أصغر قادر على دمج أكبر عدد ممكن من المقصيّين من التّمويل البنكي في الدّورة الاقتصاديّة دون أن تثقل كاهلهم بتحمّل تكلفة الأموال التي تقدّمها لهم أو أن تحول دون تمكينهم اقتصاديا واجتماعيا.
- هياكل تمويل جماعي ذات قدرة عالية على تفعيل عامل الثّقة وشبكة العلاقات وقيم التّعاون لجمع أكبر مبلغ ممكن من الموارد الماليّة لوضعها على ذمّة من هم في حاجة إليها، أفرادا كانوا أو هياكل للقيام بنشاطهم التّنموي، الإغاثي والإنساني والصّحّي وغيره.
- صناديق استثمار تحتوي على العديد من الأسهم والسّندات، تتميز بالتّنويع وذات قدرة على جذب أكبر عدد ممكن من المستثمرين بما فيهم صغار المستثمرين وأفضل الشّركات التي يمكن الاستثمار بها لضمان أفضل عائد ممكن ينفق لتحريك النّمو الشّامل وبالنّسق المُلائم في مختلف مراحله.
- سوق ماليّة لها جاذبيّة قويّة للأوراق الماليّة والمشتقّات الماليّة، وتسهل التّجارة بها توفيرا للاحتياجات التّمويليّة للنّشاطات التّنمويّة.
2. النّظام المالي التّونسي: الحالة والأفق
ما يمكن إدراكه من خلال تتبّع نسب النّمو الاقتصادي الثّلاثي ببلدنا في السّنوات الثّلاث الأخيرة (2021-2022-2023) أن هذه النّسب في تراجع كبير وخطير على التّنمية الشّاملة، ففي السّنة الأولى تراوحت نسب النّمو حسب الثّلاثيّة ما بين -1.3 % و16.3 % وفي السّنة الثّانية ما بين 1.8 % و3 % وفي السّنة الأخيرة ما بين 0.6 % و 1.9 % (7) وهذا التّراجع يعود أساسا الى عجز نظامنا المالي عن القيام بدوره في تمويل الاقتصاد ومن ثمّة تمويل التّنمية الشّاملة.
وحسب تقديرات البنك العالمي فإنّ احتياجات بلدنا التّمويليّة على امتداد المرحلة الممتدّة من سنة 2025 الى سنة 2050 لمواجهة المخاطر البيئيّة فقط، والتي تمثّل جزءا بسيطا من احتياجاتنا التّمويليّة للتّنمية الشّاملة، تبلغ 21 مليار دولار (67 مليار دينار) وهذا المبلغ لوحده يتعدّى بشكل كبير مواردنا الماليّة وأيضا قدرتنا على التّداين(8) ممّا يجعل عقد شراكات تمويليّة مع دول ومؤسّسات ماليّة دوليّة أمرا حيويّا لاقتصادنا وللتّنمية الشّاملة، خاصّة تلك التي تجمعنا بها نفس الأهداف الاستراتيجيّة ونفس القيم، قيم كرامة الإنسان وصلاح الأرض وعدم الفساد في البر والبحر.
وبالوقوف على حالة نظامنا المالي يمكن ملاحظة ما يلي:
- أنّ الجهاز البنكي والمصرفي اقتصر دوره على منح قروض الاستهلاك كما أنّ أدوات الدّفع المعتمدة خاصّة الالكترونيّة لدى مؤسّساته ذات نسبة منخفضة جدّا لا تتجاوز 8% (9)وذلك في انفصام واضح عن طبيعة عصرنا الحالي.
كما أن هذا الجهاز يقرض المؤسّسات الاقتصاديّة لتغطية النّفقات الجارية، لا الاستثماريّة، كنفقات الأجور والمساهمات الاجتماعيّة والضّرائب وأعباء الاستغلال(10)، وهذا يفسّر عدم قيام الجهاز البنكي والمصرفي بدوره الرّئيسي في تمويل الاستثمار ممّا يعطل محرّكين أساسيّين للنّمو الاقتصادي وهما الاستثمار والتّصدير.
وتوظّف البنوك التّونسيّة 8 % من مرابيحها في تمويل أصول التّمويل الصّغير بدون فائدة بهدف الإحاطة بالمؤسّسات الصّغرى والشّخصيّات الطّبيعيّة(11) ولكن غير المُشجّع لهؤلاء المحتاجين للتّمويل المرغمين عليه هو نسب الفائدة المرتفعة للقروض التي يأخذونها ممّا يجعل هذا النّوع من التّمويلات غير قادر على جعل هاته المؤسّسات قابلة للاستمرار أو على تحقيق النّمو، ورغم ذلك يشهد التّمويل الصّغير تطوّرا(12) ممّا يعكس ضعف فرص التّمويل ببلدنا واتساع مجال نشاطات الإنتاج الصّغيرة في هيكلة النّشاط الاقتصادي وهذا في حدّ ذاته لا يساعد على تحقيق التّنمية الشّاملة.
- لا يخفى دور الاستثمار العام في الحركية الاقتصادية ولإحداث التّنمية الشّاملة ببلدنا بما له من دور مُضاعف بارز ومُثبَت الّا أنّ هذا النّوع من الاستثمار وعلى امتداد الفترة (2022-2024) لم يتجاوز مبلغ 15.495 مليار دينار(13)وهو مبلغ دون الاحتياجات التّمويليّة بكثير.
3. الأسس الأخلاقيّة للنّظام المالي القويّ
انطلاقا من المسلّمة القرآنيّة أنّ «التّقوى والرّضوان أساس إقامة البنيان والظّلم مؤذّن بانهياره» الّتي يمكن لي أن استمدّها من خلال تدبّري قوله تعالى:﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾(التوبة: 109)»  أبحث في أسس نظام مالي قويّ وأحاول الإجابة على السّؤال التّالي: كيف للتّقوى والرّضوان أن يؤسّسا نظاما ماليّا قوِيّا حماية له مِن أن يتأسّس على الظّلم وحتّى نحمي اقتصادنا ومجتمعنا وبيئتنا ومختلف مناحي حياتنا من الانهيار؟
- كيف للتّقوى أن تؤسّس نظاما ماليّا قويّا؟
إذا أدركنا حقيقة معنى التّقوى أدركنا مكامن القوّة في هذه الصّفة:
فالتّقوى، أوّلا هي تقوى اللّه أي اتقاء كلّ ما من شأنه أن يُذِلُّ الإنسان المُكرَّم أصلا من اللّه ذاته(14) بما فيه ذُلّ التّداين والاقتراض الّذي يُلحقه التّعامل بالرّبا لما يعنيه من استغلال لحاجة الإنسان للمال، قُوَام أعماله، و تقوى اللّه هو اتقاء كلّ ما يُلحِقَ ضررا بالإنسان الّذي يُريد اللّه به اليُسر أصلا ولا يُريد به العُسر(15)بما في ذلك إرادة تيسير معاملاته الماليّة وعدم تعسيرها باعتماد الرّبا في المعاملات الماليّة أيضا أو أكل ماله بالباطل وما يتسبب فيه من غلاء الأسعار وارتفاع في نسب التّضخم وما يعنيه من ضعف للمقدرة الشّرائيّة وتعسير، تبعا لذلك، لحياة النّاس وعيشهم والّتي اكّدت جلّ الدّراسات تسبّب الرّبا في كلّ الأزمات الّتي ما فتئت تعصف بكلّ الأنظمة الماليّة المتحكّمة في العالم فضلا عن الأنظمة الماليّة التّابعة لها والرّهينة لديها. 
والتّقوى، ثانيا هي اتقاء العُلُوِّ في الأرض والفساد فيها(16) وعدم استعمال النّظام المالي للقيام بذلك ومعلوم لدى الجميع أنّ النّظام المالي العالمي القائم بناه من يريدون العلوّ في الأرض منذ نهاية الحرب «العالميّة الثّانية» ويتحكّمون فيه، وما وضعوه من اتفاقيّة «بريتون وودز» (BRETTON WOODS) وما بنوه من هياكل كصندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي للتّحكّم من خلالهما، منذ ذلك الوقت والى يومنا هذا، في المعاملات الماليّة والسّياسات الماليّة في العالم. وأثر ذلك النّظام على البشريّة في أغلبيّتها السّاحقة، كما هو بَيِّنٌ للعيان هو عدم تحقّق الرّخاء والتّنمية الشّاملة، بل جلّ ملامح حياتها ومعيشتها تُؤكّد على العسر وليس اليسر، ممّا يؤكّد أنّ عسر حياة النّاس وعدم تحقّق التّنمية الشّاملة سببه العلوّ في الأرض والفساد فيها والّذي أجمعت جلّ الدّراسات أنّ الفساد هو السّبب الرّئيسي في تعسير حياة الشّعوب وسقوط دول وعدم الاستقرار في أخرى، بمعنى آخر أنّ التّنمية الشّاملة أي يسر الحياة والعيش تمرّ حتما عبر التّقوى ودلالاتها عدم العلّو في الأرض ولا الفساد فيها. 
والتّقوى، ثالثا إتّقاء غضب اللّه من خلال اتقاء استغلال حاجة كلّ من يحتاج للمال لقوام أعماله وإتقاء عذابه يوم الحساب بعدم أكل أموال النّاس بالباطل وبالإنفاق فيما جعل النّاس مستخلفين فيه وفقا للهدي القرآني ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾(الفرقان: 67) 
-كيف للرّضوان أن يؤسس نظاما ماليّا قويّا؟
المقصود بالرّضوان رضا طرفي المعاملات الماليّة وفقا لما يُرضِي صاحب المال الأصلي وهو اللّه سبحانه، ولن يضمن ذلك الاّ مجموعة مبادئ سنذكر أهمّها وهي الضّامنة لإقامة نظام مالي قويّ يُمَكِّنُ من تحقيق التّنمية الشّاملة:
- إقامة الوزن بالقسط وعدم الطّغيان فيه
 أفرزت الماليّة التّقليديّة المعتمدة منذ عقود هوّة كبرى بين الدّائرة الماليّة والنّقديّة من جهة والدّائرة الفعليّة الحقيقيّة من جهة أخرى، وكشفت الطّغيان الحاصل في ميزان الاقتصاد العالمي لصالح المال وعلى حساب الإنتاج الحقيقي وما كان له من نتائج خطيرة عصفت بالأسواق الماليّة وما عرفته من زيادة المخاطر والمضاربات وتنوّع حجم المنتجات المبتكرة الخارجة عن المتابعة والمراقبة وتشعّبها، كلّ ذلك يجد عِلَّتَهُ في عدم ارتكاز العمليّات التّمويليّة على سلعة حقيقيّة أو عمل محدّد، وما لذلك من عدم توفّر ما تحتاجه التّنمية الشّاملة. لذلك فإنّ ما تحتاجه البشريّة هو نظام ماليّ متحرّر من الفائدة وأخلاقي ومسؤول اجتماعيّا، نظام يعتبر الإنسان القيمة الأساسيّة وحقّه في الكرامة مسألة جوهريّة، وأن قضاء حاجات النّاس هي مهمّته وليست مراكمة الثّروة لدى قلّة قليلة تتحكّم في رقاب الخلق، فبقضاء حاجات النّاس يتحقّق رضا جميع الفاعلين في النّظام المالي ويظفر الجميع برضوان اللّه صاحب المال وجاعل النّاس مستخلفين فيه وآمرهم بعدم آكل بعضهم لمال الآخر بالباطل، وبإنفاقه إنفاقا مؤطّرا حفاظا على كرامة الإنسان ورزقا له وصلاحا في الأرض وعدم الفساد في البرّ والبحر.
- تحليل البيع وتحريم الرّبا (انسيابيّة الدّورة الاقتصاديّة)
 ليس البيع مثل الرّبا ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾(البقرة: 275)، فالبيع يعطي معنى للعمليّة الاقتصاديّة وهو ضمن الأنشطة الاقتصاديّة الأساسيّة بينما الرّبا هو شكل من أشكال استغلال حاجة المحتاج وكذلك شكل من أشكال استغلال حاجة المجتمعات للتّمويل وهي تبحث عن موارد لإحداث التّنمية الشاملة في بلدانها، واعتماد نسب الفائدة في عمليّات الإقراض التي تقوم بها الجهات الماليّة المانحة يفوّت عن الدّول التي هي في حاجة للتّمويل الفرصة ويُمكّن المموّلين من إلتهام ثمار كلّ عمليّة تنمويّة يموّلونها، وتبعا لذلك يزداد وضع تلك المجتمعات سُوءا. 
ويعتبر الرّبا آليّة كسب بدون مقابل أي دون أيّ إنتاج فعلي، فهو طريقة ملتوية لتوزيع الثّروة قائمة على أخذ أموال النّاس بدون وجه حقّ، ممّا يحول دون رضا كلّ أطراف العمليّة التّمويليّة وبالتّالي عدم رضا اللّه صاحب المال الأصلي، كما أنّها تتعارض مع مبدأ انسيابيّة الدّورة الاقتصاديّة، وتبعا لذلك تتعطّل العمليّة الإنتاجيّة وفي أفضل الحالات تتعثّر، ممّا يحول دون تحقيق التّنمية الشّاملة، ولهذه الأسباب تمّ تحريم الرّبا كمبدأ في صيغة حكم لتتحوّل كقاعدة لمختلف التّقنيات المصرفيّة والمنتجات الماليّة ولمعاملات كلّ مكوّنات النّظام المالي إذا أُريد له أن يكون قويّا ومتماسكا ويُعتمد عليه لتحقيق التّنمية الشّاملة.
- المشاركة في الرّبح والخسارة
يعتبر مبدأ المشاركة في الرّبح والخسارة لا يظلم أحد الآخر ولا يُظلم ركيزة أساسيّة في المعاملات الماليّة وهو مدعاة لرضا كلّ الأطراف ومن ثمّة رضا اللّه نظرا لما يتبعه من دفع للمشاركين في العمليّة الإنتاجيّة من بذل الجهد لإنجاح مشاريعهم فضلا عن أنّها تحفظ المال من العبث وتحول دون إعطائه لمن لا يحسنون التّصرّف فيه انسجاما مع الهدي القرآني ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ...﴾(النساء: 5)  وبحفظ المال يتمّ الحفاظ على ما به نوفّر كلّ ما ينفع النّاس ﴿ ..فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ..﴾ (الرعد: 17)  
بهذا نكون أتممنا المقال الخامس وبه تتمّ سلسلة من المقالات أردنا أن تكون بحثا في احتياجات رفع التّحديات التّنمويّة عسى أن نساهم في بلورة ما ينفع النّاس، ونحتسبه عند اللّه سبحانه وتعالى.
الهوامش
(1) راجع مقالنا بمجلّة الإصلاح عدد 208 نوفمبر 2024 « احتياجات رفع التّحدّيات التّنمويّة، المقال الأول: الحاجة الى مقاربة بديلة»ص ص 38-43
ومقالنا بمجلّة الإصلاح أيضا عدد 209 ديسمبر 2024 «احتياجات رفع التّحدّيات التّنمويّة المقال الثاني: بلورة مقاربة بديلة» ص ص 26-31
(2) راجع مقالنا بمجلة الإصلاح عدد 210 جانفي 2025 «احتياجات رفع التّحدّيات التّنموية: الحاجة الى التّنمية الشّاملة» ص ص 26-31
(3) فرانسوا بيرو (سياسي اقتصادي فرنسي)
(4) عرّف البرنامج الانمائي للأمم المتحدة التّنميّة البشريّة على انّها «مسار توسيع الامكانات والخيارات المعروضة على الأفراد»( تقرير التنمية البشرية 1997 ص 15) وحدد أبعادها الأساسية مُتمثلة في «طول العمر والمعرفة ومستوى عيش لائق»  والمُتَضَمِّنَة في مؤشر التنمية البشرية
(5)  من ادبيات البرنامج الانمائي للأمم المتحدة وبالتّحديد تقرير التّنمية البشرية لعام 2016 
(6) راجع مقالنا بمجلة الإصلاح عدد 211 فيفري 2025 «احتياجات رفع التّحدّيات التّنموية المقال الرابع: الحاجة الى سياسات التنمية الشاملة» ص ص 28-36
(7)  L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024 p 16
(8)  L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024  p 58
(9)  L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024 p 92
(10)   L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024 p 96
(11)  L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024 p 44
(12) L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024 p 86
(13) L’ECONOMISTE MAGHREBIN SPECIAL FINANCE EDITION 2024 p 84
(14) ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾(الإسراء: 70)
(15)  ﴿...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...﴾(البقرة: 185)
(16) ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(القصص: 83)