أهل الاختصاص

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
معادلات الحركة الذاتية وغير الذاتية المفهوم والفلسفة والواقع
 تمهيد
تنشأ الجاذبيّة من فعل الكتلة بالفضاء، وكلاسيكيّا يُعرف مجال الجاذبيّة على أنّه المنطقة المحيطة بالكتلة «مصدر المجال» التي يظهر فيها تأثيرها، فماذا لو كان هذا المجال يتغيّر مع الزّمن بشكل مطلق، أي أنّ التّغيّر مع الزّمن ليس ناتجا عن دوران الكتلة غير متجانسة الكثافة. فلو تصوّرنا توقّف الأرض عن الدّوران سواء حول نفسها أو حول الشّمس، أو أيّ دوران آخر وكان المجال متغيّرا مع الزّمن، ماذا كان سيحدث؟ هذا المقال ليس معدّا للإجابة على هذا التّساؤل بل للإجابة على تساؤل تغيّر المجال مع الزّمن النّاشئ عن الدّوران، وهو أقلّ بكثير من التّساؤل الأول، والذي ربّما نحاول الاقتراب منه بالفحص في مقالات قادمة.
 تعريف معادلات الحركة ومتى تكون ذاتيّة أو غير ذاتيّة
إنّها معادلات رياضيّة تحتوي على معدّلات التّغيّر بالنّسبة للزّمن في المتغيّرات التي  تصف حالة نظام طبيعي، على سبيل المثال، تكون المتغيّرات التي تصف حالة حركة جسيمات تحت تأثير قوّة ما، هي السّرعة والموضع. ومعادلات الحركة في هذه الحالة من الممكن أن تكون القانون الثّاني لنيوتن أو معادلات أويلر-لاجرانج أو معادلات هاملتون. إذا كانت معادلات الحركة دوال في متغيّرات حالة النّظام فقط سمّيت معادلات ذاتيّة (أي أنّ ما يحدّد سلوك النّظام المستقبلي هو قيم متغيّرات حالته عند لحظة ابتدائيّة ما). وإذا دخل الزّمن بالإضافة إلى قيم متغيّرات حالته عند لحظة ابتدائيّة ما ضمن ما يحدّد سلوك النّظام المستقبلي، صارت معادلات الحركة غير ذاتيّة لأنّه قد دخلها متغيّر من خارجها.
هل النّظم الذّاتيّة موجودة حقّا؟
لنشرح ذلك على حركة قمر صناعي حول الأرض، فعند نقطة ما في الفراغ ثلاثي الأبعاد، من الممكن أن يتحرّك القمر الصّناعي في عدد لا نهائي من المسارات. نذكّر أنّ النّقطة في الفراغ يمرّ بها عدد لا نهائي من الخطوط المستقيمة، ولكي يأخذ القمر مسارا محدّدا بعينه لابدّ أن نأخذ قيم متغيّرات حالته عند لحظة ابتدائيّة ما (وهي ثلاثة قيم لموضعه وثلاثة أخرى لسرعته عند تلك النّقطة)، أي أنّ مستقبل الحركة يتحدّد وفقا لهذه القيم، أي أنّ النّظام ذاتي، والحقّ أنّه ليس كذلك بشكل مطلق، هو ذاتي وفقا للتّعريف فقط، وإلاّ فإنّ هذه القيم تتحدّد من خارجها وليست من ذاتها، تتحدّد وفقا للرّوح «أي الجهد» التي يبثّها الجسم المركزي «الأرض» الذي يدور حوله القمر، بالإضافة إلى السّرعة الابتدائيّة التي نعطيها إيّاه، إي أنّ الذّاتية الحقيقيّة غير موجودة حقّا. 
وقد يقول قائل إنّ السّرعة أيضا تعتمد على الموضع، لكن هذا صحيح فقط إذا كان المسار معلوما ومحدّدا تحديدا تامّا، أي أصبح للموضع دالّة وقاعدتها معروفة ومتغيّرها المستقلّ هو الزّمن، لكن إن كانت كلّ المسارات مازالت متاحة، فإنّ الموضع والسّرعة سيكونان مستقلّين تماما عن بعضهما، لأنّه ما يزال لدينا حرّية تامة للاختيار. لكن مع كونهما مستقلّين يظلاّن مترافقين. وبالمناسبة من الممكن أن نحدّد مستقبل الحركة بأخذ ثلاثة قيم لموضع القمر الصّناعي وثلاثة أخرى لموضعه أيضا لكن عند لحظتين زمنيتين مختلفتين، (فمن هاتين الرّصدتين نستطيع حساب السّرعة بمركّباتها)، وهو ما يذكّرنا بأنّه بين نقطتين لايوجد إلاّ خط مستقيم واحد. والخطّ المستقيم في حالتنا هذه هو المسار الذي يسلكه القمر الصّناعي، وهو خطّ مستقيم بالفعل في هذه الهندسة. 
مستقلّين لكن مترافقين
ربّما تكون قصّة الاستقلال والتّرافق قد نشأت من إمكانيّة خفض رتبة المعادلة التّفاضليّة، فالقانون الثّاني لنيوتن يمثّل معادلة للحركة من الرّتبة الثّانية. فإذا تمّ تعريف متغيّر جديد من متغيّرات الحالة وهو تعريف المشتقّة الأولى للموضع بالنّسبة للزّمن بأنّها السّرعة، فإنّ متغيّرات الحالة وإن تمّت مضاعفتها إلّا أنّهما مستقلّين تماما ومترافقين دوما، وقد أعطت هذه الحيلة فرصا هائلة لإمكانيّة الحلّ. ليأتي بعد ذلك العبقري هاميلتون ليصوغ لنا رائعته بدالته العبقريّة. 
فى هذه الحالة نحتاج أن نعرف حالة النّظام فى فضاء جديد يسمّى فضاء الطّور وهو يضاعف الأبعاد (عدد متغيّرات الحالة) مقارنة مع فضاء التّشكيلات. نِصف إحداثيّات هذا الفضاء هى بالضّبط الإحداثيّات المعمّمة. فكلّ إحداثيّة معمّمة يجب أن تكون مرفقة بكمّية حركة معمّمة، إذن لكلّ حالة فى فضاء الطّور نقطة أو بالأحرى متّجه مركّباته الإحداثيّات وكمّيات الحركة المعمّمة، حيث تعطي الأخيرة والتي تسمّى كمّية الحركة القانونيّة أيضا بالمشتقّة الأولى لدالة قياسيّة تسمى «اللاّجرانجيان» التي تُبنى بحرّية تامّة وهي دالّة حالة النّظام  وهي تمثل «الصّندوق الأسود للنّظام» الذي يحتوي على مخزن معلوماته. 
بعد ذلك نستطيع حساب دالة هاميلتون من تحويل لوجندر، وبدون تعمّق في دلالاته، هو طريقة رياضيّة عبقريّة للحصول على دالّة جديدة بمتغيّر جديد من مشتقّة الدّالة الأصليّة، بعد إعادة تسمية تلك المشتقّة بأنّها المتغيّر الجديد، بحيث تحتوي الدّالة الجديدة على كلّ معلومات النّظام قيد الدّراسة، كما نستطيع أيضا استعادة الدّالة الأصليّة من الدّالة الجديدة. ومن شأن هذه الدّالة الجديدة تسهيل الحصول على الحل.
حركة القمر حول نموذج شبه حقيقي للأرض 
نعلم جميعا أنّ الحركة التي ندرسها للقمر الصّناعي حول الأرض ما هي إلاّ دراسة لحركته حول نموذج نتصوّره للأرض، وإلاّ فالحقيقة التّامّة مستحيل الوصول إليها، فأجمل ما في العلم أنّه رحلة بغير وصول، ومن ادّعى الوصول فقد ادّعى الكمال لنفسه ولنموذجه ولحضارته، وهذا يدلّ على نقص في التّصور لإدراك الحقيقة، مثل الذي ادعّى نهاية التّاريخ، أو حتّى أولئك الذين يدّعون أنّ ما هم عليه هو تمام الفهم للدّين، وهيهات فما نتّبعه في الحقيقة هو فهمنا للنّصوص المقدّسة. 
لنعد إلى أبسط نموذج تصوّره العلماء للأرض وهو نموذج النّقطة المادّية أو ما يكافؤه تماما النّموذج الكروي حيث تعتبر الأرض تامّة الاستدارة ومتجانسة الكثافة في كلّ نقطة فيها، وفيه تتركّز كتلة الأرض في نقطة مادّية هي مركزها الهندسي، وذلك النّموذج  ليس حقيقة، لكنّه تقريب أوّلي للمفهوم، إذا درسنا حركة القمر الصّناعي في نموذج كهذا للأرض، فسنجد أنّ مستقبل حركته تحدّده إحداثيّات النّقطة التي تبدأ منها حركته (والذي يؤثّر في الحركة من هذه الزّاوية هو جهد الأرض عند هذه النّقطة والذي لا يتغيّر بدوران الأرض تحتها)، بالإضافة إلى سرعته عند هذه النّقطة (والذي يؤثّر في الحركة من هذه الزّاوية هو طاقة حركة القمر الذي يكتسبها من هذه السّرعة). أي أنّ النّظام ذاتي. 
نستطيع في هذا النّموذج أن نصوغ دالّة تعبّر عن الطّاقة الكلّية للنّظام وهي مجموع طاقة الوضع وطاقة الحركة، والحصول على هذه الدّالة يكون عن طريق معادلات هاملتون. لكن لنتقدّم خطوة للأمام نحو الحقيقة لانهائيّة الخطوات، ولنعتبر أنّ الأرض نتيجة لدورانها حول نفسها، طردت جزءا يسيرا جدّا من كتلتها ليستقرّ حول مستوي استوائها، وهو المستوي المتعامد على محور الدّوران والذي يقسم الكرة إلى نصفين متساويين تقريبا، وذلك متماثل إلى حدّ ما مع دوران السّائل الذي تجده قد تفلطح عند المستوي المتعامد على محور الدّوران. 
هذا النّموذج يقسم الكرة إلى جزءين متماثلين حول أي مستوي يمرّ بمحور الدّوران، وبالتّالي فجهد الأرض عند أيّ نقطة خارجها يعتمد أيضا على إحداثيّات تلك النّقطة فقط، ولا يتغيّر بدوران الأرض تحتها أيضا، إذ أنّ مستوي التّماثل الذي يحتوي محور دوران الأرض ويمرّ بتلك النّقطة التي نقيس عندها الجهد قد لاشى تأثير كلّ كتلة شرقي هذا المستوي بنظيرتها الغربية، ولم يبقَ غير تأثير الارتفاع والانخفاض عن مستوي الاستواء، وهو دالّة مثلّثيّة لخطّ عرض المكان والذي هو دالّة في الإحداثيّات فقط، أي أنّنا نجد مرّة أخرى أنّ مستقبل حركة القمر تحدّده إحداثيّات النّقطة التي يبدأ منها حركته بالإضافة إلى سرعته.
حركة القمر حول نموذج ثلاثي المحاور للأرض 
هذا النّموذج أعمّ من سابقه، ومع ضعف تأثيره في الحركة إلّا أنّ له تأثيرات واضحة عند دراسة مسائل معيّنة تخصّ حركة بعض الأقمار مثل GPS وغيرها. في هذا النّموذج نتصوّر الأرض ذات ثلاثة محاور مختلفة، أي أنّنا فقدنا التّماثل الموجود في النّموذج السّابق، وأصبحت النّقطة التي نقيس عندها الجهد تتأثّر بكلّ كتلة شرقيّة وبكلّ كتلة غربيّة لهذا المستوي واللّتان لا تتساويان بالضّرورة. هذا المستوي في الحقيقة هو مستوي الزّوال الذي يحدّده خطّ الطّول الأرضي أسفل القمر. 
ولحسن أو لسوء الحظّ ستكون إحداثيّات النّقطة التي نقيس عندها الجهد دالّة في الزّمن، فهذه النّقطة في الفراغ القصوري سيكون لها جهد مختلف في كلّ لحظة، لأنّه ستأتيها في كلّ لحظة مساهمات مختلفة من كتل مختلفة نتيجة لدوران الأرض تحتها، ومن هنا أصبح النّظام غير ذاتي، فمستقبله لن يحدّده الموضع والسّرعة فقط بل قد دخل الزّمن ليضيف بعدا جديدا على ديناميكا الحركة. فما هي حدود التّعقيد الذي يفرضه هذا الوضع الجديد؟ وكيف نتغلّب عليه؟.
حدود تعقيد دخول الزّمن وكيفيّة التّغلّب عليه
لتوضيح مدى الصّعوبة التي يفرضها هذا النّموذج الواقعي نسوق هذا المثال. لنفرض أنّنا نريد أن ندشّن قمرا صناعيّا، ولنفترض أنّ نقطة إطلاق القمر من على متن الصّاروخ الحامل له تقع فوق تونس مباشرة فوق خطّ طول 10 تقريبا شرق جرينتش، وقد تمّ حساب إحداثيّات تلك النّقطة بدقّة (تذكّر أن هذه الإحداثيّات تأخذ معناها من كونها تقع في المستوي الذي يحتوي خطّ الطّول المارّ بتونس) والسّرعة الابتدائيّة التي سنعطيها له هناك أيضا، ولكن ولأسباب فنّية تعذّر الإطلاق وتأخّر لمدّة ساعة، لذلك إذا تمّ تدشينه بالحسابات التي تمّت سابقا فسيسلك مسارا مختلفا عن المحسوب، لأنّ هذه النّقطة التي كانت تقع فوق تونس من ساعة واحدة أصبحت الآن فوق القاهرة فوق خطّ طول 25 تقريبا شرق جرينتش نتيجة دوران الأرض من الغرب إلى الشرق، فأصبحت دالة الجهد لهذه النّقطة مختلفة. 
ولحلّ تلك المشكلة الفنّية بشكل جزئي لابدّ أن ننتظر يوما كاملا حتّى تعود الأوضاع النّسبيّة كما كانت عليه بالأمس، وهذا تقريبي فلا تعود النّقطة إلى مكانها الحقيقي في الفضاء أبدا، لأنّ هناك عوامل كثيرة تمّ التّغاضي عنها مثل دوران الأرض حول الشّمس ودوران القمر الطّبيعي حول الأرض ووجود الكواكب المجاورة، وكلّ هذه تأثيرات ضعيفة جدّا جدّا لكنّها موجودة، وحينئذ يعمل العلماء بالنّظريّة النّبويّة «سدّدوا وقاربوا». لكن ولكي يتمّ التّعامل مع المسألة بشكل رياضي سليم، من الممكن أن نطلقه من فوق تونس الحبيبة لكن بعد إجراء تعديل في الحسابات (طرح/إضافة النّاتج الذي تسبّب به الدّوران في بعض متغيّرات الحالة)، والطّريقة المثلى لذلك هو ركوب إطار دوّار يدور بنفس دوران الأرض حول نفسها، وذلك تفاديا لوضع الزّمن وسرعة انسيابه كشروط إضافيّة على المسألة والتي تزيد في أبعاد المسألة بعدين جديدين. يكفي تضمين الزّمن فقط في متغيّر الحالة الذي سيتأثّر بهذا الدّوران فقط، أمّا سرعة إنسيابه فمن الممكن معايرتها بالوحدة. وهنا كأنّنا أضفنا للمسألة نصف بعد واحد. يذكّرنا الإطار الدّوار بما يرصده راصد متحرّك لجسم متحرّك، فإذا تحرّك الرّاصد بنفس سرعة الجسم المرصود مقدارا واتجاها، سيري الرّاصد الجسم المرصود ساكنا بالنّسبة له.