بحوث

بقلم
م.لسعد سليم
الكبائر في القرآن الكريم(5) عدم إقامة الصلاة، عدم إيتاء الزكاة، السرقة
 عدم إقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة
وقع جمع كبيرتي عدم إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة، لورودها مرتبطة ببعضها في جلّ الآيات القرآنيّة المكّية منها والمدنيّة ابتداء من أوّل مانزل من القرآن «المزمل» ثالث سورة في ترتيب النّزول بعد «العلق» و«القلم») وصولا إلى سورة «التّوبة» التي نزلت قبل «النّصر» آخر مانزل من القرآن: 
-﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(المزمل: 20)
- ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة: 71)
فكانت الآيات، ومنذ الأشهر الأولى من البعثة، تنهى عن هاتين الكبيرتين متوعّدة مرتكبها بأشدّ العذاب، ومبشّرة من يقيم الصّلاة ويؤتي الزّكاة بالثّواب والنّعيم:
- ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُواْ لَم نَكُ مِنَ ٱلمُصَلِّينَ * وَلَم نَكُ نُطعِمُ ٱلمِسكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَومِ ٱلدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ* فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾(المدثر: 38-48)
-﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ* وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلْأَشْقَى* ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ﴾(الأعلى: 10-15)
-﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ﴾(الماعون: 4-7)
-﴿فلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ * وَلَٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰٓ * أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰٓ ﴾(القيامة: 31-35)
-﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * ٱلَّذِى جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدهُ *كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِى ٱلْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ* نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى ٱلْأَفْـِٔدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾(الهمزة) 
من جهة أخرى يذكّرنا اللّه جلّ جلاله بوصيّته ووحيه للأنبياء والرّسل بهذا الأمر حتّى يكونوا قدوة لعامة النّاس:
- ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيف نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾(مريم: 29-33) 
- ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾(مريم: 54-55)
-﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً  وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ *وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾(الأنبياء: 69-73)
ويتواصل التّذكير في الآيات المكّيّة، وعلى فترات متساوية (كلّ 3-4 سنين(4)) تقريبا، بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة في افتتاح سورة النمل(السنة 4 للبعثة) ثمّ في سورة لقمان (السنة 8 للبعثة):
-﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾(النمل: 1-3)
-﴿الٓمٓ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ*أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(لقمان: 1-5)
مبيّنا أنّ ذلك هو طريق الفلاح للمؤمنين (أي النّجاح في الحياة، بلغة الحاضر) الأمر الذي يرد مرّة أخرى في سورة «المؤمنون» (السنة12) أي في آخر المرحلة المكّية، مطالبا هذه المرّة المؤمنين مع فعل الزّكاة، بالخشوع في الصّلاة والمحافظة عليها: 
-﴿قدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ*  الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾(المؤمنون: 1-4)
- ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(المؤمنون: 9-11)
و يعيد الله سبحانه التّأكيد على ذلك  بعد أشهر قليلة في سورة المعارج، حتّى تكون زادا للمؤمنين وهم مقبلون على الهجرة إلى المدينة: 
-﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ *ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾(المعارج: 19-23)
فإقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة هما أساس (وأمارة) الإيمان باللّه ويوم البعث ومحور كلّ الرّسالات. فالدّوام والحفاظ على الصّلاة يقوّي الصّلة بالخالق ويساعد المؤِمن على القيام بما فرض اللّه والابتعاد عمّا نهى عنه، خاصّة الفواحش كما قال عزّ وجلّ:﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾(العنكبوت: 45). فهي أداة فعّالة للذّكر والتّذكّر، تجعل المؤمن قريبا من خالقه حتّى يساعده ويسانده في الصّبر على المحرّمات والقيام بالفرائض.
بينما إيتاء الزّكاة يعود بالنّفع لمن تعطى لهم، فتزيل من حدّة فقرهم وحاجتهم، وبالتّالي إمكانيّة انحرافهم، فيستفيد من يعطيها بالعيش في محيط يسوده التّكافل والتّآزر فيكون أكثر أمنا وأمانا. وقد أدركت المجتمعات النّاهضة هذه القيمة، فحثّت عليها ووضعت القوانين اللّازمة لتشجيعها، لكنّها لم ترتقِ إلى مستوى الأمر الإلهي الذي جعلها حقّا للمحتاج لا هبة له، حتّى تحفظ كرامته (باستثناء بعض الأنظمة في فترات معيّنة :كالأنظمة الشّيوعيّة والاجتماعيّة) لذلك لخّص اللّه سبحانه الدّين كلّه في إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة:
-﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾(البينة: 4-5)
وإقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة هما أيضا جزء من الميثاق الذي أخذه اللّه من بني اسرائيل عندما إختارهم (فضلهم) وشرّفهم بهذه المهمّة وهي القيام بالإصلاح في الأرض حتّى تقوم (وتستديم) الحضارة، فتسعد البشريّة في الدنيا، وتفوز في الآخرة بالجنّة كما وعد اللّه جلّ جلاله: 
-﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾(المائدة: 12)
أمّا ماهية هذه الصّلاة التي أمر بها اللّه سبحانه، فهي قنوت (قيام) وركوع وسجود، وعلى هذا الأساس سمّيت أماكن عبادة الموحّدين (المسلمين) بالمساجد. فكلمة سجود ومساجد وردت في القرآن الكريم منذ أوّل السّور المكّية، دالّة بذلك على وجود فئة من النّاس كانت تسجد وتركع في صلاتها كما أمر اللّه عزّ وجلّ وذلك قبل بعثة الرّسول محمد ﷺ. فصفة الًصّلاة هذه، هي نفسها التي أمر بها اللّه عزّ وجلّ النّاس منذ أوّل الخلق والتي كانت الرّسل تدعو دوما إلى إحيائها بعد تركها من عامّة النّاس مع مرور الزّمن: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾(الأعراف: 29)
- ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾(الجن: 18)
- ﴿وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ..... قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰٓ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾(الكهف: 21)
 وهذا ما يؤكّده عهد اللّه لسيدنا إبراهيم بتطهير البيت الحرام للرّكع السّجود وأيضا أمره للسّيدة مريم بذلك (في جماعة):﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾(البقرة: 125)
و﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾(آل عمران: 43)
هذا في ما يتعلّق بالحركات، أمّا ما يذكر فالتّسبيح والحمد والدّعاء، وتلاوة القرآن: 
- ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ  وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(المزمل: 20)
-﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا* وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰٓ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾(الإسراء: 78-79)
-﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾(هود: 114)
- ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ﴾(آل عمران: 113)
ولا يجهر ولا يخافت في الصّلاة، بل يكون الصّوت وسطا أي يسمعه صاحبه، كما أمر اللّه بذلك رسوله محمد ﷺ: 
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا﴾(الإسراء: 110)
وهذا التّوسّط في قوّة الصّوت هو الذي يساعد على الخشوع (تمعّن ما يناجي به الإنسان ربّه) الذي حثّ عليه سبحانه المِؤمنين في السّورة التي تحمل نفس الأسم:﴿قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون﴾(المؤمنون: 1-2)،  
أمّا الزّكاة فهي إتيان المال، كما ذكر اللّه سبحانه وتعالى في قوله: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا يَصْلَاهَآ إِلَّا ٱلْأَشْقَى * ٱلَّذِى كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلْأَتْقَى * ٱلَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ﴾(اللّيل: 14-18)
 وهي حقّ معلوم للسّائل والمحروم، إضافة إلى ذي القربى والمسكين (الفاقد للسّكن) واليتيم وابن السّبيل أيّا كان دينهم أو انتماؤهم. ثمّ وقع توسيع دائرة الإنفاق في السّوّر المدنيّة بإضافة: السّائلين والفقراء الذين بالكاد يقومون بتغطية الحاجيّات الأساسيّة للحياة من مسكن ومأكل وملبس والجار والأسير(5) وفي الرقاب:﴿إِنَّ ٱلْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ * وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ﴾(المعارج: 19-25) 
-﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾(المعارج: 34-35)
- ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ  وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا * وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ﴾(الإسراء: 26-29)
-﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾(البقرة: 177)
-﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾(البقرة: 215)
-﴿وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾(الإنسان: 8-11)
وتكون الزّكاة نقدا أو عينا حسب الظّرف وحاجة من تعطى إليه الزّكاة، ويجب أن تعطى مباشرة بعد حصول صاحب المال على المنفعة والتّعجيل بها وإن تكون سرّا لتجنّب المنّ والأذى أو علنا للتّشجيع عليها، مع الأخذ بعين الإعتبار عدم الإسراف أو القتر كما أمر جلّ جلاله:
-﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينََ﴾(الأنعام: 141)
-﴿قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾(ابراهيم: 31)
ولم يقع تحديد نسبتها في القرآن الكريم بأمر اللّه عزّ وجل بل أمر سبحانه:
- ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾(الفرقان: 67)
ولم يحدّد سبحانه مقدارها ونسبتها في القرآن الكريم على عكس الفيء والغنيمة والمواريث، وفي ذلك حكمة بالغة. فتركت للمجموعة تحدّدها حسب اختلاف الزّمان والمكان والوضع، فنسبة الزّكاة زمن القحط لا يمكن أن تكون نفسها زمن كثرة المطر، ولا زمن الحرب كزمن السّلم إلخ، فكلّما تكون الحاجة أكبر كلّما وجب رفع مقدارها. فلا يعقل أن تكون ربع العشر والكثير من النّاس في حالة فقر مدقع، الأمر الذي يكون مقبولا عند الرّخاء(كما كان حال الجزيرة العربيّة وقت الفتوحات, القرن 2/3ه زمن ظهور المذاهب).
السّرقة
السّرقة هي فساد في الأرض ومن يقوم بها هو من الظّالمين، كما ورد في سورة يوسف: ﴿قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ *  قَالُوا فَمَا جَزَاؤهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ* قَالُوا جَزَاؤهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤهُ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينََ﴾(يوسف: 73-75)
وصفتا الفساد والظّلم دالّتان على كبر هذه الجريمة، فكلّ الأقوام التي دمّرها اللّه جلّ جلاله (قوم نوح، قوم هود، قوم صالح، قوم لوط، قوم شعيب) كانت توصف بالظّلم الذي ينتج تفشّيه (إباحته) حتما الفساد أي التّخلّف الحضاري، والآيات في الباب عديدة:
- ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ *َ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾(الشعراء: 176-177)
- ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(الشعراء: 183)
-﴿إِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾(الحجر: 78-79)
-﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِين *.... قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾(العنكبوت: 28-31)
لم يقع ذكر السّرقة في القرآن الكريم إلاّ 8 مرّات (5 منها نزلت في مكّة، كلّها في سورة يوسف). وعدم التّذكير والتّكرار للسّرقة مقارنة بالكبائر الأخرى هو أمر طبيعي، فالسّرقة هي الكبيرة الوحيدة التي تجرّم في كلّ زمان ومكان ولا تعمل المجتمعات على إباحتها مثل باقي الكبائر، وبما أنّ القرآن الكريم هو خطاب عملي (عكس نظري) فلا حاجة لتكرار أمر مفروغ منه وتستحيل إباحته. 
وفي سورة «المائدة»، أمر اللّه بقطع يد السّارق والسّارقة: ﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوٓا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(المائدة: 38)، وذلك كحد أقصى لعقوبة السّرقة، فسرقة الدّينار ليس كالألف أو ألف الألف، أيضا سرقة الغريب ليس كالقريب الذي أؤتمن على المال.
وهنا أيضا وقع التّلاعب بحكم اللّه على المستوين التّشريعي والتّنفيذي، من طرف الفقهاء الذين ابتدعوا جريمة «خيانة مؤتمن» ليفلت من يسرق من كبار المسؤولين من عقاب قطع اليد ولو سرق كامل خزينة الدّولة. بينما نكّل الحكّام بمن يسرق من عامّة النّاس بحجّة إقامة «حكم اللّه»، الأمر الذي كان آخر همّهم، مخالفين بذلك أساس من أسس الدّين: التّشدّد مع القويّ والغني والتّساهل مع الضّعيف والفقير والذي هو أساس العدل. فعمّ بذلك الظّلم والفساد بلاد الإسلام، فأصابها التّخلّف، وصارت بالتّالي لقمة سائغة للمستعمر.
بهذا نكون قد ختمنا الكبائر «الأساسيّة» الاثني عشر، التي أمر اللّه جلّ جلاله بتجنّبها منذ أوّل البعثة بمكّة، وأعاد تكرارها إلى ما بعد الهجرة. فتجنّب هذه الكبائر «الأساسيّة» واجب في كلّ زمان ومكان، وكلّ الرّسل كانت تدعو إلى ذلك. وسمتها الأساسيّة هي الفرديّة، فكلّ مؤمن مطالب بعدم القرب منها في كلّ الحالات، إن كان غنيّا أو فقيرا، ضعيفا أو قويا، الخ... فلا حاجة  لذلك إلى المجموعة أو إلى السّلطان للتّقيد والعمل بها، بعكس الكبائر المتعلّقة مثلا بأحكام الطّلاق والحدود (التي وردت في القرآن الكريم) والتي بيّنها اللّه عزّ وجلّ في السّور المدنيّة (والتي ستكون محور بحوثنا المقبلة إن شاء اللّه).
وجاء التّركيز على هذه الكبائر والتّذكير بها في العديد من السّور «لسهولة» ارتكابها وبالتّالي العمل على إباحتها والتّساهل مع مقترفيها (من طرف الفئة المسيطرة)(6) مع مرور الزّمن بعد الرّسل، ما عدا كبيرة «السّرقة» التي لم يقع التّركيز عليها كما ذكرنا، لاستحالة إباحتها من إيّ فئة في أيّ زمن.
فهي جلّها إن لم نقل كلّها، تتعلّق بالغرائز وبالتّالي يكون من الصعب على المرء الالتزام بتجنّبها (خاصّة في الحالات القصوى كدعوة امرأة العزيز لسيدنا يوسف للزّنا معها، فهي صاحبة البيت ويوسف شابّ جميل في خدمتها، مع ذلك قاومها رغم التّساهل مع الزّنا في البيئة نفسها). لكن يبقى هذا الالتزام بالابتعاد عن الكبائر ممكنا في كلّ الأحوال لأنّه كما ذكرنا يتعلّق بالغرائز لا بالحاجات العضويّة الثّلاث: المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتي يتضرّر الإنسان من عدم إشباعها ضررا يمكن أن يؤدّي به الى الهلاك. فعلى هذا الأساس استثنى سبحانه من التّحريم المضطرّ في أكل الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغيره، لأنّها حاجات أساسيّة وبالتّالي لا تبيح الضّروريات إلاّ الحاجات المحضورة لا غير، ولا تتعدّاها لإباحة غيرها من المحظورات.
فكانت دعوة اللّه للمؤمنين إلى الصّبر والتّحفيز عليه تتكرّر في الآيات القرآنيّة لمقاومة الرّغبة لإشباع هذه الغرائز بالطّريقة الخاطئة كالقتل والزنا وإشباعها بالطّريقة الصّحيحة التّقاضي/الزّواج مع الصّبر في حال عدم تيسّر الإشباع بالطّريقة الصّحيحة. 
إلاّ أنّ عدم الإشباع للغرائز وإن لم يؤدّي إلى الهلاك، إلاّ أنّه يجعل الإنسان في حالة قلق واضطراب، ويكبر هذا القلق والاضطراب كلّما وقعت إثارة هذه الغرائز أكثر من الخارج (مقابل الحاجات التي تثار من الدّاخل كالجوع والتّعب). فلذلك أمر اللّه عزّ وجلّ المرأة بعدم إبداء الزّينة (إلّا ما ظهر منها) وأمر الرّجال بغضّ البصر لتقليص مفعول إثارة الغريزة الجنسيّة حتّى لا يقع الإنسان في كبيرة الزّنا، فتهدم العائلة التي تمثّل الرّكن الأساسي لسلامة المجتمع.
في مقابل ذلك تقوم الفئة المسيطرة في الغرب (وفي الفترة الأخيرة في العديد من الدّول الإسلاميّة) بإثارة الغرائز عن طريق الإعلام مع التّغاضي على الزّنا وكلّ العلاقات الجنسيّة بما في ذلك الشّذوذ الجنسي، وذلك بعدما رأت هذه الفئة المسيطرة أنّ بتدمير العائلة يسهل عليها التّحكم في الأفراد والسّيطرة عليهم. نفس الأمر فيما يتعلّق بالتّحريض على العنف وجعله أمرا مقبولا من طرف المجموعة، لتلجأ إليه في غالب الأحيان لحلّ النّزاعات، وذلك بجعل أبطال الأفلام يلجؤون للقتل مع إظهارهم بمظهر إيجابي حتّى يقع التّأثير المطلوب. 
في نفس الوقت يقع تغيير القوانين (السّيطرة على المجالس التّشريعيّة)، فتخفّف عقوبة القتلة والمغتصبين والمرتشين، مع تشديد العقوبات على المتديّنين بحجّة «الإرهاب» وعلى من يتعدّى على المنظومة الماليّة بحجّة «تدمير الاقتصاد». فهؤلاء يشكّلون مع من ينتقد أو يعارض المنظومة البنكيّة الرّبويّة التي تسيطر على الدّول الغربيّة والعديد من الدّول الإسلاميّة، الفئة «الضّالة» التي يجب محاربتها. وحتّى يقع تحضير الأجيال القادمة لقبول هذه الأمور تمّت السّيطرة على التّعليم لتغيير المناهج حتّى تصير أبشع الأمور بالنّسبة للجيل السّابق طبيعيّة عند الجيل اللاّحق. 
فبالسّيطرة على التّشريع والإعلام والتّعليم، تمكّنت الفئة النّافذة من تغيير أفكار وممارسات المجتمعات وأبعادها عن التّديّن(7) «الصّحيح» وجعل الكبائر «صغائر» بحجّة التّطوّر والتّحديث. ولو نظرنا بعقلانيّة الى قضيّة الزّنا مثلا، لتساءلنا عن وجه «التّطوّر» و«الحداثة» في إباحته، ونفس الأمر بالنّسبة للرّبا، هل كان بنو إسرائيل «حداثيّين» على مدى العصور لإباحتهم الرّبا رغم تحريمه بأن قالوا: ﴿... إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا...﴾(البقرة: 275)؟.
الهوامش
(4) وقع تغييب هذا التناسق الزمني في التكرار/إعادة التذكير , بعدم ترتيب السور حسب النزول(الترتيل)
(5)في مقابل هذا الأمر من اللّه عزّ وجلّ بإطعام الأسير والإنفاق عليه، نجد المنظومة الفقهيّة التي ظهرت ابتداء من أواخر القرن الثاني تبيح قتله: «...فأمّا الأسارى إذا أخذوا وأتى بهم إلى الإمام فهو فيهم بالخيار، إن شاء قتلهم وإن شاء فادى بهم...» (كتاب الخراج لإبي يوسف، تلميذ أبي حنيفة وقاضي قضاة أبي جعفر المنصور، باب قتال أهل الشّرك والبغاة)، وذلك في تعارض تامّ أيضا مع الآية القرآنيّة التي تأمر بالمنّ أو الفداء بعد انتهاء الحرب: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا....﴾(محمد: 4)، والحجّة هي نفسها دائما «ثبت عن النّبي ﷺ أو الصّحابة فعلوا ذلك» وحاشا للنّبي أن يخالف محكم القرآن.
(6) انظر منهجية الفئة المسيطرة في تغيير قناعات الناس و العمل على نشر الفاحشة، الإصلاح عدد 201
(7) مع نشر الفاحشة عن طريق الإعلام خاصة، يقع أيضا التّشجيع على الإسلام «التّقليدي» (المذهبي) الذي يغيب الٌقرآن ويركّز على التّراث والمنظومة الفقهيّة المذهبيّة