تأملات
بقلم |
![]() |
د.عبدالله البوعلاوي |
نحو قراءة تدبّرية لفقه السّنن الكونيّة من خلال القرآن الكريم (7) الإصلاح والإفساد وعلاقتهما بحركة ال |
أودع اللّه تعالى سننا كونيّة تسيّر نظام الحياة، وهي قوانين لا تحابي أحدًا بغض النّظر عن مكانته أو وضعه. فالأضداد مثل الخير والشّر، الصّلاح والفساد، والإصلاح والإفساد، والعدل والظّلم، كلّها محاور أساسيّة في حياة الإنسان الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسّياسيّة. والتّعامل معها بمنهج صحيح يتماشى مع الفطرة السّليمة والشّرع يؤدّي إلى السّعادة والفلاح، بينما الانحراف عنها يقود إلى الشّقاء والانحدار.
إنّ نعم اللّه تعالى موزّعة في الكون على الجميع، وقائمة على قوانين إلهيّة تتّسم بالتّوازن والابتلاء، حيث يُمتحن الإنسان بالخيرات والمحن، والفيصل هو كيفيّة تعامل الإنسان معها ،كما يشير قوله تعالى: ﴿ كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾(الإسراء: 20)، فالخلق كلّهم مشتركون في التّصرّف في نعم اللّه تعالى، ولكلّ واحد منهم الحظّ في النّيل منها بحسب قدرته في التّعامل معها. و«اللّه تعالى يمدُّ الجميع بمُقوّمات الحياة، فمنهم مَنْ يستخدم هذه المقومات في الطّاعة، ومنهم مَنْ يستخدمها في المعصية، كما لو أعطيتَ لرجلين مالاً، فالأوّل تصدّق بماله، والآخر شرب بماله خمراً. إذن: فعطاء الرّبوبيّة مدَدٌ ينال المؤمن والكافر، والطّائع والعاصي، أمّا عطاء الألوهيّة المتمثّل في منهج اللّه: افعل ولا تفعل، فهو عطاء خاصٌّ للمؤمنين دون غيرهم. وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾. أي: ممنوعاً عن أحد لأنّ الجميع خَلْقه تعالى، المؤمن والكافر، وهو الذي استدعاهم إلى الحياة، وهو سبحانه المتكفّل لهم بمُقوّمات حياتهم، كما تستدعي ضيفاً إلى بيتك فعليك أنْ تقومَ له بواجب الضّيافة. ونلاحظ هنا أنّ الحقّ سبحانه اختار التّعبير بقوله: ﴿ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾. لأنّ العطاء المراد هنا عطاء ربوبيّة، وهو سبحانه ربّ كلّ شيء. أي: مُربّيه ومتكفّل به، وشرف كبير أن يُنسبَ العطاء إلى الرّبّ تبارك وتعالى»(1).
إن تحقيق الفلاح في الدّنيا والآخرة مرهون بالالتزام بالمنهج الإلهي القائم على التّوحيد، والعدالة، والتّوازن. فالتّوحيد يرسّخ الإيمان باللّه ويمنح الإنسان تصوّرًا صحيحًا عن الحياة، والعدالة تضمن استقرار المجتمع ونشر قيم الإنصاف، بينما التّوازن يُرسي الاعتدال في العقيدة والسّلوك. كما وعد اللّه في قوله: ﴿... فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾(طه: 123)، فإنّ اتباع هدى اللّه يقي الإنسان من الضّلال والشّقاء، ويوفّر له سبيلاً للسّعادة الفرديّة والتّنمية الجماعيّة، ممّا يؤدّي إلى الفوز في الدّنيا والنّجاة في الآخرة. أمّا النّتائج الحتميّة، فهي مرتبطة بمدى التزام الإنسان بقوانين العدل والعمل الصّالح، ممّا يضمن له حياة متوازنة تحقّق السّعادة. أمّا إذا تخلّى عنها، فإنّه ينحدر إلى «أسفل سافلين»، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
ومن شواهد الواقع، نجد أنّ الحضارات التي التزمت بقيم الإصلاح والعدل ازدهرت، بينما التي تفشّى فيها الفساد والظّلم انهارت، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾(الإسراء: 16) . وعلى المستوى الفردي، فإنّ الالتزام بالمنهج المستقيم يُثمر سعادة شخصيّة وصلاحًا للمجتمع، بينما الابتعاد عنه يسهم في تفاقم الفساد الذي يعود بالضّرر على الجميع. فالأضداد والتّعامل معها تمثّل سنّة كونية ثابتة لا تحابي أحدًا. التزام الإنسان بمنهج اللّه هو السّبيل إلى السّعادة والفلاح، بينما الانحراف عنه يؤدّي حتمًا إلى الخسارة والانحدار.
يمثّل الإصلاح والإفساد سنّتين كونيّتين متضادّتين تجريان وفق مشيئة اللّه في حياة البشر والمجتمعات. فالإصلاح يرتبط بالبناء والانسجام مع الفطرة الإنسانيّة والسّنن الإلهيّة، بينما الإفساد يتمثّل في الانحراف عن الحقّ والقيم السّليمة لتحقيق مكاسب آنيّة وأنانيّة.
يتجلّى الإفساد في انحراف الإنسان عن الفطرة السّوية، مدفوعًا بهوى النّفس وشهواتها، ممّا يؤدّي إلى ترسيخ الأنانيّة: حيث تصبح «الأنا» محورًا لكلّ التّصرفات،واستغلال السّلطة؛ سواء كانت سياسيّة أو اقتصاديّة أو ثقافيّة، لتبرير الظّلم واستغلال الآخرين،وتدمير القيم عبر نشر قيم مشوّهة تتعارض مع الأخلاق والتّقاليد السّليمة. ورغم أنّ الإفساد قد يظهر قويًّا ومؤثّرًا، إلاّ أنّ استمراريته محكومة بالزّوال، لأنّ الباطل لا يملك مقومات البقاء. قال اللّه تعالى: ﴿.. كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾(الرعد: 17)،كما يذهب الزّبد ويتبخّر ولا ينتفع به فكذلك الباطل، فلا يثبت ولا يدوم، يقول اللّه تعالى: ﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾(الإسراء: 81).
والإصلاح على النّقيض، يهدف إلى إعادة الأمور إلى نصابها الصّحيح، متماشيًا مع الفطرة الإنسانيّة التي تميل إلى الحقّ والخير، ويعيد التّوازن بين الحقوق والواجبات، وأنّه يتوافق مع الفطرة فتسود القيم النّقيّة التي تتّفق مع المبادئ الإلهيّة والتّقاليد السّليمة. كما أنّ الإصلاح يحمل بذور البقاء، لأنّه يُرسّخ الحرّية المسؤولة والانسجام الاجتماعي. يرسّخ الإصلاح البنّاء، والعدل، والانسجام مع القيم الإلهيّة، بينما يقوم الإفساد على الهدم والتّدمير، ويناقض الفطرة، ممّا يجعله ظاهرة مؤقّتة وزائلة. هذا الصّراع بين الإصلاح والإفساد هو اختبار مستمر للحياة البشريّة.
الإصلاح والفساد من السّنن الكونيّة التي تتكرّر في حياة البشر وفي مختلف جوانب الكون. هذه السّنّة تعبّر عن قوانين وضعها اللّه سبحانه وتعالى في الوجود، والتي تحكم حركة المجتمعات والأمم على مرّ العصور، استنادًا إلى أعمالهم وسلوكيّاتهم، يقول الله تعالى: ﴿ ..إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...﴾(الرعد: 11)، هذه الآية تبيّن أنّ صلاح الحال وإصلاحه أو فساده وإفساده مرتبط بسلوك الإنسان وأفعاله، وهو دعوة للعودة إلى الإصلاح.
الإصلاح والفساد سنة كونية، وقانون السببية
إن الإصلاح والإفساد ليسا مجرّد مفاهيم عابرة، بل هما جزء من سنن كونيّة ثابتة تتبع قوانين السّببية، أي أنّ لكلّ فعل تأثيرًا يؤدّي إلى نتيجة معيّنة، سواء كانت إصلاحًا أو إفسادًا. هذه العلاقة بين الإصلاح والإفساد من جهة، وقانون السّببيّة من جهة أخرى، تستند إلى أسس واضحة في القرآن الكريم والواقع الكوني.
يشير القرآن الكريم إلى أنّ كلّ فعل له نتائج، وأنّ اللّه تعالى قد وضع قوانين تحكم الأحداث في الكون، بحيث كلّ إصلاح يؤدّي إلى نتائج إيجابيّة تنعكس على الفرد والمجتمع، وكلّ فساد يؤدّي إلى نتائج سلبيّة. هذه السّنن الكونيّة تندرج تحت قانون السّببيّة بشكل جليّ، يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا﴾(الإسراء: 84). تشير الآية إلى أنّ الجزاء يكون من جنس العمل، وسيجزي اللّه تعالى كل عامل بعمله.
يتَّبِع كلّ من العمل الصّالح والعمل الفاسد قانونًا مشابهًا في تأثيرهما ونتائجهما، حيث يُثمر العمل الصّالح نتائج إيجابيّة مباركة، بينما يُؤدّي العمل الفاسد إلى نتائج سلبيّة مدمّرة. فالعمل الصّالح يُثمر نتائج صالحة، ويتّسم بالنّية الطّيبة والهدف الشّريف، ويقود إلى نتائج إيجابيّة في الفرد والمجتمع. ففي الإسلام، يُعتبر العمل الصّالح مرتبطًا بالإيمان والتّقوى، وهو الذي يتوافق مع القيم الأخلاقيّة والشّرعيّة، ويُسهم الفرد في إصلاح نفسه ومجتمعه، ويعمل على تحسين الأوضاع في محيطه، ويُحافظ على العدل والمساواة.
إنّ الإصلاح يتجلّى في القيام بالأعمال الصّالحة، التي تُثمر في تحسين المجتمع وزيادة التّكافل بين أفراده، والإسهام في نشر العلم والمعرفة والفهم الصّحيح للقضايا المتعلّقة بحياة النّاس الدّينية والدّنيويّة التي تؤدّي إلى تنمية العقول وتساعد على بناء أمّة واعية وقويّة، كما يعمل الأفراد متّحدين على إقامة العدل وتحقيقه في الأنفس، ممّا يحقّق استقرار المجتمع وحماية حقوق النّاس على اختلاف طبقاتهم الاجتماعيّة.
نشير إلى أنّ الإصلاح والصّلاح مفهومان مترابطان لكنّهما يختلفان في مضمونهما وتطبيقاتهما. يشير الصّلاح إلى تحسين الذّات الدّاخليّة للفرد وتوجيهه نحو السّلوك الطّيب والمستقيم، بينما يرتبط الإصلاح بتغيير الأوضاع في المجتمع والنّظام الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي بما يتماشى مع مبادئ الحقّ والعدالة، ويتجاوز أثر الإصلاح الفرد ليشمل المجتمع ككل، ويسعى لتحقيق تغييرات جذريّة مستدامة تُحسّن من حال الأفراد والمجتمعات في شتّى المجالات، وتسعى إلى تصحيح الأوضاع المعوجّة، كنبذ الظّلم، والقضاء على الفساد، وتحقيق المساواة والعدالة. فالإصلاح عمليّة ديناميكيّة مستمرّة تتطلّب بذل الجهود لتصحيح مسار المجتمع، وبناء مجتمع عادل ومتوازن يتّسم بالحرّية والمسؤوليّة، وهو جزء من أمانة الاستخلاف التي كلّفنا اللّه تعالى بها. أمّا الصّلاح فيرتبط بالفرد نفسه، ويشمل تهذيب النّفس وتنقيتها من الرّذائل وتزكيتها بالأخلاق الحميدة والنّية الطّيبة، فقد يكون الشّخص صالحًا دون أن يكون له تأثير اجتماعي مباشر. ويمكن أن يحقّق الشّخص الصّلاح من خلال تحسين سلوكه وأخلاقه عن طريق الاجتهاد في العبادات، ولكن تأثيره في المجتمع قد يكون محدودًا إذا لم يُترجم إلى إصلاح شامل.
توجد علاقة وطيدة بين الإصلاح والصّلاح، حيث يعملان معًا لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع. ولكن إذا اختصر الأمر على الصّلاح الفردي فقط، فقد لا يتحقّق الإصلاح الجذري في المجتمع، لهذا نرى أنّ المجتمعات التي يفتقر فيها الأفراد إلى الصّلاح، يكون من الصّعب تحقيق الإصلاح الشّامل فيها. وعليه، فإنّ الصّلاح على المستوى الفردي هو البداية التي تؤدّي إلى الإصلاح في المجتمع، يقول اللّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ﴾(الأعراف: 170). هذه الآية تحتوي عنصرين اثنين،الصّلاح والإصلاح. فالصّلاح يتمثّل في التّمسّك بالأحكام الواردة في الكتب (القرآن الكريم)، ويظهر هذا التّمسّك بالعمل بالأوامر الواردة فيه واجتناب نواهيه، وهذا سبيل إلى صلاح القلوب ودوائها، ومن أعظم ما جاء بعد التّمسّك بالكتاب، إقامة الصّلاة لعِظَم شأنها ومنزلتها من بين العبادات، باعتبارها عماد الدّين، ومن ضيّعها فيكون لما سواها أضيع، ثمّ جاء قول اللّه تعالى: ﴿إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُصْلِحِينَ﴾أي لا يضيع اللّه تعالى أعمالهم، بل يحفظها سبحانه.
إنّ العمل الذي يحمل في طيّاته أوجه الفساد يؤدّي بشكل حتمي إلى انتشار الخراب في الأرض، إذ لا يقتصر أثره السّلبي على صاحبه فحسب، بل يتعدّى ذلك ليطال المجتمع بأسره. فمثل هذه الأعمال تنبع عادة من دوافع أنانيّة وشعور بالاستعلاء والظّلم، إضافة إلى نزعات استبداديّة تسعى لتحقيق مصالح شخصيّة على حساب المصلحة العامّة.
هذا النّوع من السّلوكيّات يتسبّب في تعطيل مسيرة التّنمية والتّقدّم، ويعوق تحقيق العدالة الاجتماعيّة والتّنمية المستدامة. وقد ينشأ الفساد أحيانًا بسبب سوء التّقدير أو انعدام الفهم العميق للواقع المحيط سواء على المستوى الدّاخلي أو الخارجي. كما قد يتأتّى نتيجة استسلام القائد أو المسؤول لنفوذ حاشيته التي تُضلّل الحقائق وتُشوه الرّؤى، ما يؤدّي إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة تضرّ بالمجتمع وتعمّق من مشكلاته.
في هذا السّياق، يظهر بوضوح أنّ غياب الفهم الشّامل والتّقدير الواعي للأحداث المحيطة، إلى جانب سيطرة الأنانيّة والتّضليل، يمكن أن يُنتج بيئة مؤاتية للفساد، فيتأثّر الفرد والمجتمع سلبًا. وعليه، يصبح لزامًا تعزيز القيم الأخلاقيّة والشّفافيّة في الحكم واتخاذ القرارات لتجنّب هذه الدّوامّة المدمّرة التي تعرقل تطوّر المجتمع وتشوه بنيته.
عندما يستغلّ البعض السّلطة لتحقيق مصالحهم الشّخصيّة على حساب الصّالح العام، فإنّ ذلك يُفضي إلى نتائج كارثيّة على مستوى الدّولة والمجتمع. هذا السّلوك يقوّض أسس العدالة والمساواة، ويُفقد مؤسّسات الدّولة نزاهتها ودورها الأساسي في خدمة المواطنين. فبدلًا من أن تكون السّلطة أداة لتحقيق الخير العام وتنظيم شؤون المجتمع، تتحوّل إلى وسيلة للثّراء غير المشروع وتعزيز النّفوذ الفردي. هذا الاستغلال يؤدّي إلى تدمير بنية مؤسّسات الدّولة، حيث تفقد قدرتها على أداء وظائفها بكفاءة وتصبح عرضة للفساد والترهّل الإداري. كما يُضعف ثقة المواطنين في النّظام السّياسي والقانوني، ممّا يهدّد الاستقرار الاجتماعي ويعزّز الشّعور بالظّلم والتّهميش.
على المدى البعيد، ينتج عن هذا النّهج بيئة من الاحتقان الاجتماعي وعدم الاستقرار،وهي سنّة مؤكّدة في المجتمعات حيث تنتشر مظاهر الفوضى والصّراعات الدّاخليّة. لذلك، يصبح من الضّروري تعزيز الرّقابة على ممارسات السّلطة عند البعض الذين غلب على طابعهم الأنانيّة وتحقيق الذّاتيّة، وترسيخ مبدأ المحاسبة والشّفافيّة لضمان أن تظلّ السّلطة أداة لتحقيق العدالة وخدمة للمصلحة العامّة، وليس لتحقيق الأهداف الشّخصيّة.
إنّ التّعامل مع الآخرين دون عدل واحتقار حقوقهم يُعدّ من أخطر السّلوكيّات التي تهدّد استقرار المجتمعات وتماسكها. فالعدالة هي الرّكيزة الأساسيّة التي تقوم عليها العلاقات الإنسانيّة، وغيابها يؤدّي إلى انتشار مظاهر الظّلم والقهر، ممّا يزرع بذور الحقد والكراهيّة بين أفراد المجتمع.فعندما يشعر الأفراد بأنّ حقوقهم مهضومة أو يتمّ التّقليل من شأنهم، فإنّ ذلك يولد لديهم شعورًا بالإحباط والرّفض، ممّا يدفعهم أحيانًا إلى التّصرّف بطرق انتقاميّة أو غير مسؤولة. هذا المناخ المتوتر يمهّد الطّريق لانتشار الفوضى والاضطرابات، حيث تُفقد الثّقة في المؤسّسات والأنظمة، وتصبح العلاقات الاجتماعيّة مشوبة بالتّوتّر والعداوة. لذلك، فإنّ تحقيق العدل واحترام حقوق الآخرين ليس مجرّد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة لبناء مجتمع يسوده التّآلف والاستقرار. فالمجتمع العادل هو الذي يُتيح لكلّ أفراده فرصًا متساوية، ويضمن أن تُحترم كرامتهم وحقوقهم، ممّا يعزّز من روح التّعايش السّلمي والاحترام المتبادل.
إنّ التّلوّث واستنزاف الموارد الطّبيعيّة على سبيل المثال يمثّلان تحدّيًا خطيرًا يهدّد استدامة الحياة على كوكب الأرض. فعندما تُستغل الموارد الطّبيعيّة بشكل جائر ودون مراعاة للتّوازن البيئي، تبدأ البيئة في الانهيار تدريجيًا، ممّا يؤدّي إلى تأثيرات سلبيّة مباشرة وغير مباشرة على صحّة الإنسان وجودة حياته.
إنّ التّلوث الأخطر؛ ليس فقط تلوث الطّبيعة المادّية مثل الهواء أو الماء أو التّربة، بل هو تلوّث الطّبيعة البشريّة الذي يمتد إلى أعماق الفكر والتّصوّرات. هذا النّوع من التّلوّث يعدّ أشدّ تأثيرًا وأعقد في معالجته، حيث يترك آثارًا عميقة يصعب معها إصلاح الأضرار التي تلحق بالمجتمع والأفراد على مدى سنين وأجيال.
ففساد الفكر والتّصوّرات لا يقتصر على التّأثير المادي المباشر، بل يمتد إلى المسائل النّفسيّة والاجتماعيّة التي تؤثّر بشكل بالغ على الإنسانيّة. ويُعدّ انتشار الأمراض النّفسيّة والأخلاقيّة نتاجًا طبيعيًا لهذا الفساد، حيث يصبح الإنسان أداة للفساد بدلًا من أن يكون قائدًا للتّغيير والإصلاح.
هذا التّلوث الفكري يجعل من الصّعب على أهل الإصلاح العناية بالأجيال القادمة، حيث تظلّ البيئة غير صالحة لنمو الإنسان بشكل صحّي وسليم. تصبح الأجيال القادمة عرضة لتحديات ضخمة، سواء في تحقيق العدالة الاجتماعيّة أو الحفاظ على الهويّة الإنسانيّة والقيم الأخلاقيّة، ممّا يؤثّر سلبًا في مسيرة التّنمية المستدامة والبناء الحضاري.
لذلك، إنّ معالجة تلوّث الطّبيعة البشريّة تتطلّب جهودًا شاملة تهدف إلى إصلاح الفكر والثّقافة وتعزيز القيم الإنسانيّة الرّفيعة، من أجل بناء مجتمع أكثر توازنًا واستقرارًا، قادر على النّهوض بسلامة لمواجهة تحدّيات المستقبل. لهذا السّبب، يحذّر القرآن الكريم بشدّة من الإفساد في الأرض ويؤكّد عواقبه الوخيمة، كما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾(الأعراف: 56)
هذه الآية الكريمة تعكس تحذيرًا شديدًا من التّسبّب في فساد الكون بعد أن أوجده اللّه سبحانه وتعالى في حالة من التّوازن والإصلاح. فعندما يكون الكون في حالة إصلاح وتوازن، فإنّ أيّ تلوث أو فساد يقوّض هذه الحالة المستقرّة ويعطّل سنن الحياة الطّبيعيّة. عند النّظر إلى هذه الآية، نجد أنّها تشير بوضوح إلى أنّ الإفساد في الأرض ليس مجرّّد فعل فرديّ أو محدود، بل يتعدّى ذلك ليشمل جميع جوانب الحياة على الصّعيد البيئي والاجتماعي والاقتصادي. فالفساد يؤدّي إلى تعميق الفوضى، وتدمير النّظم البيئيّة، وزعزعة استقرار المجتمع، ممّا يسبب خللًا في توازن الكون.
إضافة إلى ذلك، عندما يضيع الإنسان القيم الأخلاقيّة ويفقد وعيه بخطورة الفساد، يصبح أكثر عرضة للتّلاعب والاستهلاك المفرط الذي يهدّد استدامة البيئة ومصالح الأجيال القادمة. لذلك، يُركّز القرآن الكريم على ضرورة الحفاظ على هذا التّوازن من خلال الالتزام بالقيم الإنسانيّة النّبيلة، وتعزيز الأخلاق، والعمل الجادّ لتحقيق الإصلاح الشّامل في جميع مجالات الحياة.
يعكس الإفساد بعد الإصلاح تجاهل الإنسان للعهود التي أخذها مع خالقه بالسّعي نحو الصّلاح، ويؤدّي إلى تعطيل حركة التّطوّر الطّبيعي، وخلق بيئة غير مستقرّة تعيق مسيرة الحياة. وبالتّالي، يُعطّل ذلك استقرار الكون، ويترك تداعياته السّلبية على الأجيال القادمة التي ستجد نفسها أمام تحديات كبيرة تتعلّق بالصّحة والموارد الطّبيعيّة والحياة البيئيّة المتوازنة. لذلك، يعزّز تأكيد القرآن على هذا التّحذير من ضرورة الالتزام بسنن اللّه في الكون، والحفاظ على الأرض والعمل على إصلاحها بدلاً من الفساد فيها، تحقيقًا للعدل والاستقرار والرّفاهية للبشريّة جمعاء.
يُثمر العمل الصّالح استقرارًا وتقدّمًا مستدامًا، حيث يعزّز القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة مثل التّعاون والعدالة، ممّا يسهم في خلق بيئة اجتماعيّة صحّية. فالمجتمع الذي يحكمه العمل الصّالح يصبح أكثر قدرة على مواجهة التّحديات بوعي وفهم عميق، حيث يُشجّع الأفراد على المشاركة الفعّالة لتحقيق الصّالح العام. من خلال هذه الأعمال، يتحقّق التّوازن بين الحقوق والواجبات، ممّا يؤدّي إلى تحقيق تنمية شاملة تعود بالنّفع على جميع أفراده.
في المقابل، يؤدّي العمل الفاسد إلى تفشّي الفوضى والفساد في جميع جوانب الحياة، سواء كانت اجتماعيّة، أو اقتصاديّة، أو بيئيّة. هذا النّوع من الأعمال يعطّل مسيرة التّقدّم ويُضعف من قدرة المجتمع على التّطوّر، حيث يصبح الأفراد أكثر اهتمامًا بمصالحهم الشّخصيّة على حساب المصلحة العامّة. يعزّز الفساد الشّعور بالظّلم، والاستغلال، وانعدام الثّقة في المؤسّسات، ممّا يخلق بيئة غير مستقرّة تؤثّر سلبًا في الأجيال الحاليّة والمستقبليّة.
في النّهاية، يُبرز التّأثير المتبادل لهذا التفاعل بين الصّلاح والفساد، حيث أنّ العمل الصّالح يسهم في بناء العالم وتحقيق الخير، بينما العمل الفاسد يؤدّي إلى تدمير الأسس التي تقوم عليها المجتمعات، وهو ما يظهر بوضوح في الحياة اليوميّة من خلال التّأثيرات الإيجابيّة أو السّلبيّة التي تترتّب على الأفعال البشريّة.
يؤدّي الفساد إلى الهلاك، لأنّه يُعتبر عاملًا رئيسيًّا في زعزعة استقرار المجتمع وتدمير أسس التّنمية المستدامة. عندما ينتشر الفساد، سواء على مستوى الأفراد أو المؤسّسات، يصبح النّظام الاجتماعي مختلاًّ، حيث تُفقد العدالة، وتُهمش القيم الأخلاقيّة، وتتزايد الفجوة بين طبقات المجتمع. ولا يقتصر تأثير الفساد على الجانب الاجتماعي فحسب، بل يمتدّ ليشمل الجوانب الاقتصاديّة والبيئيّة، ممّا يؤدّي إلى تبديد الموارد وتعطيل عجلة الإنتاج، ويعيق التّنمية ويزيد من معاناة الفقراء، كما يؤدّي إلى سوء استغلال الموارد الطّبيعيّة ممّا يهدّد صحّة الإنسان واستدامة الحياة.
يؤدّي الفساد أيضا إلى فقدان الثّقة بين أفراد المجتمع، ويُضعف مؤسّسات الدّولة، ممّا قد ينتهي بانهيار النّظام الاجتماعي والسّياسي. ومن هنا، يُعتبر الفساد السّبب الرّئيسي للهلاك الذي يطال الأمم والحضارات، كما أشار القرآن الكريم في تحذيره الواضح من عواقب الفساد في قوله تعالى: ﴿ ...فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(آل عمران:11). فالفساد والإفساد في الأرض لا يقتصر تأثيره على الظّواهر المادّية فحسب، بل يتعدّى ذلك إلى تدمير الأنفس وتشويه الفطرة السّليمة التي جُبل عليها الإنسان. فالفساد يُفسد القيم الأخلاقيّة، ويعزّز الأنانيّة والجشع، ممّا يؤدّي إلى زوال روح التّعاون والتّكافل في المجتمع، ويُشيع الفوضى والظّلم.
قال محمد الغزالي رحمه اللّه: «وجد في الأمّة الإسلاميّة خطأ قديم، ولا تزال بعض أثاره باقية إلى اليوم، وهو شيوع فلسفة الجبر، وهي فلسفة عطّلت قانون السّببية تعطيلا كاملا، لقد عطّلته في السّنن الكونيّة فتخلّفنا في عمارة الأرض، وعطّلته في السّنن النّفسيّة فسادنا التّواكل وانطفاء الفاعليّة، هذا من أسباب انهيار الحضارة الإسلاميّة وعقديّة القدر التي كانت يوما ما سبب انطلاق أمّة إسلاميّة دون أن تهاب الإمبراطورية الضّخمة وقرعت أبوابها بآيات اللّه وهي لا تبالي، واستسلمت هذه الأمم أمام العطاء الرّوحي والثّقافي والحضاري للقادمين، تحوّلت هذه العقدية -عقيدة القدر- غريبة، مسخت الكتاب والسّنة، وأصبح النّاس ينظرون إلى أنفسهم على أنّهم ريش في مهبّ الرّيح، أو جيَفا مرميّة في البحر تتقاذفها الأمواج كما تشاء. كنت أدرّس يوما في المسجد فقلت للمسلمين: إذا كان اللّه يقول للإنسان كي يشهد على نفسه: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾(الإسراء: 14) أنت شاهد على نفسك بما قدمت، فيجيء واحد من النّاس ويأتيني بحديث يحفظه ولا يحسن فهمه ويقول: «وإن الرّجل يكون صالحا فيسبق عليه الكتاب فيفسد مستقلبه، أو يكون فاسدا فيسبق عليه الكتاب فيصلح مستقبله» والاستشهاد بمثل هذه المرويّات كثير، لكنّ المشكلة تبقى في النّظرة الجزئيّة والعجز عن فقه النّصّ، والتّحقّق بالنّظرة الموضوعيّة وليس الموضعيّة، فهذا حديث لم يتم فهمه على وجهه أبدا، وهو يوم يكون لا يتحمّل إلّا هذا المعنى، فلا بدّ من التّوقّف -وإنّ صحَّ سنده- وتبقى المحاولة قائمة لتأويله وشرحه ليتوافق مع النّص القرآني»(2).
وبالإضافة إلى نقده للفلسفة الجبريّة وتطبيقاتها في الحياة الإسلاميّة، أشار محمد الغزالي رحمه اللّه(3) إلى أنّه يجب على الإنسان إعادة النّظر في عدّة جوانب مرتبطة بالظّروف الفكريّة والشّرعيّة التي مرّ بها العالم الإسلامي في فترات معيّنة من تاريخه.
يشير الغزالي إلى أنّ الأمّة الإسلاميّة قد تبنّت فلسفة الجبر وعطّلت قانون السّببيّة، التي تؤمن أن الإنسان ليس له إرادة فعليّة في ما يحدث له في حياته، بل كلّ شيء مقدّر سلفًا من اللّه. وهذا التّصوّر أدّى إلى تعطيل قانون السّببيّة بشكل كامل، أي أنّ النّاس أصبحوا يعتقدون أنّ الأحداث والتّغيّرات التي تحدث في حياتهم أو في مجتمعاتهم لا تتعلّق بأسباب أو أفعال بشريّة قابلة للتّغيير، بل هي أقدار مُسلّمة لا دخل لهم فيها. فكانت النّتيجة هي توقّف الإنسان عن الفاعليّة، فبدلاً من أن يسعى الإنسان لتغيير واقعه، أصبح يعيش في حالة من التّواكل، حيث يعتقد أنّ الأحداث مُقدّرة ولا فائدة من العمل أو محاولة تغيير الوضع، ففسد المجتمع في سعيه نحو الإصلاح والتّنمية.
وأشار رحمه اللّه إلى العلاقة بين الجبر والفكر السّاكن، حيث اعتبر أنّ الفكر الجبري أدّى إلى التّخلّف في عمارة الأرض، لأنّ الإنسان الذي يعتقد أنّ كلّ شيء مكتوب مسبقًا لن يسعى جاهدًا لتحقيق التّغيير أو تطوير نفسه أو مجتمعه. كما أنّ هذا الفكر عطّل من قدرة الأمّة الإسلاميّة على الإبداع والابتكار والتّفاعل مع السّنن الكونيّة التي وضعها اللّه تعالى في الكون. في هذا السّياق، يظهر أنّ الفكر الجبري قد أسهم في الرّكود الحضاري والتّراجع العلمي والتّكنولوجي في الحضارة الإسلاميّة.
وممّا أشار إليه؛ التّأثير في الفاعليّة الشّخصيّة، حيث وضّح أنّ هذا الفكر الجبري أضرّ أيضًا بالنّفسيّة الفرديّة من خلال الرّكود التّواكلي، حيث أصبح النّاس ينظرون إلى أنفسهم كما لو أنّهم لا يستطيعون تغيير مصيرهم. كما قال عنهم: «أصبحوا ينظرون إلى أنفسهم كأنّهم ريش في مهبّ الرّيح أو جيَف مرميّة في البحر تتقاذفها الأمواج». هذه النّظرة السّلبيّة تجاه القدر جعلت الأفراد يعيشون حالة من اليأس والإحباط، ممّا انعكس على مشاركتهم الفاعلة في المجتمع وغياب التّحفيز لديهم لتغيير أوضاعهم.
أشار الغزالي أيضا إلى نقص الفهم العميق للنّصوص الدّينيّة، حيث تطرّق إلى فهم النّاس لحديث معيّن عن القدر واستخدامه بطريقة تبرّر العجز والسّلبية. فالنّصوص التي تتعلّق بالقدر يجب أن تُفهم ضمن سياقها العام ولا يمكن تفسيرها بمعزل عن السّنن الكونيّة التي تؤكّد على مسؤوليّة الإنسان في اتخاذ الأسباب وتحقيق التّغيير. فمثلاً، قوله تعالى:﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾(الإسراء: 14)يوجّه الإنسان إلى أن يكون شاهدًا على نفسه، وبالتّالي، لا يمكن تبرير الفشل بتفسير خاطئ للنّصوص، بل يجب أن يكون الفهم قائمًا على رؤية موضوعيّة تتماشى مع مفهوم السّبب والنّتيجة.
ومن الأمور التي ركّز عليها؛ إعادة تصحيح العقيدة، حيث أشار إلى أنّ عقيدة القدر التي كانت يومًا ما سببًا في قوّة الأمّة الإسلاميّة، قد تمّ تحريفها وتحويلها إلى فلسفة جبريّة تتناقض مع النّصوص القرآنيّة والسّنّة. كان الصّحابة والتّابعون يؤمنون بالقدر مع فهم مسؤول للإنسان ككائن فاعل في الكون، بينما تحوّل هذا الفهم لاحقًا إلى رؤية قَدَريّة سلبيّة تُعيق التّحرّك والفاعليّة. فالغزالي يدعو إلى إعادة تصحيح هذا الفهم، حيث يجب على الأمّة أن تدرك أنّ القدر لا يعني التّوقّف عن العمل، بل يجب على الإنسان أن يسعى ويعمل بما في وسعه ثمّ يتوكّل على اللّه.
يدعو الغزالي في آخر النّصّ إلى العودة إلى الفهم الصّحيح للقدر، ويوضّح أنّ النّظرة الجزئيّة التي تقتصر على فهم نصوص معيّنة دون تعمّق أو اجتهاد في التّأويل هي التي أدّت إلى سوء الفهم، وأنّ الفهم الصّحيح للقدر يتطلّب جمع النّصوص وتفهّمها بشكل متكامل يتوافق مع السّنن الكونيّة التي تبرز قدرة الإنسان على التّغيير والنّهوض بحياته. فهو يدعو إلى تطوير الفهم الدّيني ليواكب التّحديات المعاصرة.
ينتقد الغزالي فلسفة الجبر، ويرى أنّ فهم القدر بشكل خاطئ تسبّب في تعطيل قانون السّببيّة في الأمّة الإسلاميّة، ممّا أدّى إلى التّواكل وغياب الفاعليّة، فتراجعت الأمّة وتدهورت حضارتها. بينما يجب على المسلم أن يؤمن بالقدر مع الإيمان بأنّ له دورًا فاعلًا في تحقيق التّغيير والتّطوّر، فالإيمان بالقدر لا يتعارض مع العمل والسّعي نحو الإصلاح، بل يجب أن يكون دافعًا للإنسان لتحقيق الأفضل في حياته.إنّ الإصلاح والإفساد مرتبطان بشكل مباشر بـقانون السّببيّة في الكون، ويظهر هذا الارتباط من خلال فهم تأثير الأفعال البشريّة في الواقع، وكيف أنّها تعطي نتائج وفقًا لقوانين مسبّبة ونتائج معيّنة.
الهوامش
(1) تفسيرالشعرواي حول القرآن الكريم، لفضيلة الشيخ محمد الشعراوي، 14/7440-7441، اخبار اليوم، 1441ه1991م
(2) كيف نتعامل مع القرآن الكريم، في مدارسة مع الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، لعمر عبيد حسنه، ص، 66-67 المكتب الإسلامي،بيروت، دمشق، عمَلن، الطبعة الثانية 1460هـ 1999م
(3) نفسه ، ص: 66-67
|