مرايا

بقلم
محمد عبد الشافي القُوصي
أسئلة (السّنوار) الحرِجة
 أثناء خُطبة الجمعة التي سبقت استشهاد المجاهد الفذّ (يحيى السّنوار)، أقسم (الشّيخُ) ثلاث مرّات- مِن فوق المنبر: أنّه رأى «السّنوار» في رؤيا مناميَّة- متكئاً على أريكة خضراء في بستانٍ لا حدود له، وعلى يمينه (حمزة بن عبد المطلّب) وعلى يساره (جعفر بن أبي طالب)! فانتفض أحد الحاضرين، وقال: واللّهِ واللّه لقد رأيتُ ذات الرؤيا!! فكبّر الحاضرون بملء حناجرهم: اللّه أكبر .. اللّه أكبر !! فاستبشرتُ بتلكَ الرّؤيا العظيمة، وقلتُ: هنيئاً لك يا (أبا إبراهيم)!  آنَ لكَ أن تستريح من هموم الدّنيا وغمومها ...!
* * *
أقول: منذ ذلك اليوم، و«السنوار» يَسكنني !! ومنذ ذلك اليوم، وأنا أتساءل بلا توقُّف: «لِمَ يا سنوارُ رحلتَ بلا استئذان!، لِمَ يا سنوارُ الآنَ وليس غدًا؟ هل هذا وقتُ رحيلٍ تزّاور فيهِ شمسُكَ عنّا، تتركنا لرِعاة الشاة الأعراب الجهلة، لمَن عبدوا الطّاغوتَ والنّفطَ السّائل فوق قلوبهمُ؟ مَن كرهوا ما أنزلهُ اللهُ .. وعبدوا آلهةً أخرى! 
هل «آلُ سَلولٍ» كانوا سببًا في ضَرِّكَ، حين لدارِ النّدوةِ سبقُوا واستبقوا.. وعلى خذلان قضيَّتك اتفقوا... أعلمُ أنهم قد طعنوا عزّتكم ..وأعانوا الظّالمَ والباغيَ والطّاغيَ! لِمَ لا تَنطِق –يا سنوار- وتَشفي قلبي ..؟ فعالمُنا –مِن غيركَ- يمتلئُ ضلالاً وفُسوقًا وفجورًا.
نَبئني –باللّه عليك- عمَّا أخفيتَ وراء الأكمةِ من أسرارٍ أوْ أستارٍ؟ بِمَاذا أوصيْتَ؟ ولِمَنْ أوصيْتَ؟ وما أسررْتَ؟ وما أعلنتَ؟ ومِمَنْ حذَرْتَ..؟! أينَ عصاكَ القُدسيّة يا سنوار؟ ومّن يُلقيها بعدكَ حتّى تتشظَّى «المِركافا» وتصبحُ مِزَقًا وتسيلَ النارُ عيونًا من قِطْرٍ لتطهّرَ أوطانًا، وتمسَّ قلوبًا تمتلئ مع الرّانِ نفاقًا كفرًا وضلالاً؟
لِمَ يا سنوارُ رحلتَ بلا استئذان ؟ فهل أحزنكَ سقوطُ البنيان .. فوقكَ وحواليكَ...وأنتَ كما أنتَ تقاتلُ حتى غرغرةِ الرُّوحِ؟! أتُرَاكَ مَلَلْتَ من الوَحدةِ؟ مِمَّا تحفرهُ أطنانُ فجورهمُ في أعماق الأفئدة وفي الأذهان! 
كيف وربُّكَ ما كان نَسِيًّا؟وجُنود اللّهِ المنتقمِ الجبّارِ ترافقُكَ صباحًا وعشيًّا، تَرمي معكَ وعنكَ ... تدكُّ صياصيَهمْ وقُراهَمْ، تسقط أبراجَ العجرَفَةَ الهمجيّة، أمْ أنّكَ لمقامٍ آخرَ اشتقْتَ .. كما اشتاق إسماعيلُ هنيَّة؟وعمَّا في عالَمِنا الأعمى أعرضتَ، وفيهِ زهدتَ .. وبصقْتَ دماءً ساخنةً فوقَ حضارتِهمْ ونجاستهِمْ، وسكبتَ اللَّعناتِ على مَن ظاهرَهمْ، ورحلتَ ...رحلْتَ ...رحلتَ إلى الأعلَى !
* * *
لِمَ يا سنوارُ؟ يُسائلُكَ يتامَى وأيامَى ونجومٌ وتخومٌ وسهول، يُسائلك الزعترُ والعرعرُ والزيتونُ وشيءٌ من أثْلٍ: «كيفَ تلقّيتَ على خطِّ الجبهة نيرانِ قذائفِهمْ؟ لِمَ لَمْ تهربْ للأنفاقِ؟ ومَن أبلغَ عن إحداثيّاتِ عرينِكَ: جاسوسٌ مِن قومكِ أعماه المالُ أمْ الوسطاءُ العربُ الخونةُ؟ هل زرعوا في حصنكَ أجهزةَ تَتبَعُ خطوَكَ؟ ألأنكَ حاربتَ الدجّالين المرتدّين/ أعداء صلاح الدّين، دخلتَ عليهم في السّابعِ من أكتوبرَ من باب الفتحِ، ومرَّغتَ رؤوسهم في الرَّدَغةِ، ما مرمغهمْ أحدٌ مِن قبلكَ مِن أزلام القوميّةِ والدكتاتوريّةِ والسلفيّةِ والعبثِ البعثيِّ وصهاينة منظمة التحريرِ الأفَّاكينِ المخمورين الإسرائيليّينَ جرابيعِ العلبِ اللّيليةِ.
  فضحتَ –بدون بيانٍ ثوريٍّ– ما زعمتهُ أبواقُ عروشٍ وجيوشٍ وكروشٍ نهبتْ تِبْرَ الأمّة وترابَ الأوطانِ لكي ترضيَ سيدَّها الصهيونيَّ الأمريكي، وَلَمْ تُحسنْ ظنًّا باللّهِ، ولا بالوعدِ الرّبانيِّ وَلَمْ تعِ تاريخًا ومواعظ قدسية!
أفِدنا يا سنوارُ: «ألأنكَ صدّقتَ الرؤيا ... فلبيّتَ الدعوةَ للمأدبةِ الربانيةِ في جنَّةِ خُلْدٍ،وعجِلتَ إلى ربِّك كيْ يرضَى، ونزلتَ بمنزلِ صدْقٍ، ودخلت -ونورُ أديمِكَ وضّاءٌ- مُدْخلَ صدقٍ، ترقى منهُ نحو مقاعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ، تختم في طيب المسكنِ مِسْكًا– رَوْحًا ريحانًا/ أمناً أبديًّا، واليوم ترى عجبًا مِن فيضِ عطايا المنَّانِ المُنعمِ. سترَى ما وعدكَ ربُّكَ حقًّا، جنَّاتِ الفردوسِ لكمْ باتتْ مأوى، نُزُلا وحياةً أخرى... وحدائقَ غُلْبًا... وستحظى فيها بالخيراتِ حِسَانًا: بَيْضًا مكنونًا... حورًا عِينًا مقصوراتٍ...وستنهل من أنهارِ من لبنٍ عسلٍ خمرٍ تتشعشعُ نورًا... وتفيضُ بعينِ اللذةِ، ثمّ المكْرمةَ الفائقةَ العظمى:  رضوانًا ومزيدًا وسلاماً وتحيّاتٍ مِن ربّ العرش الأعلى!