من وحي الحدث
بقلم |
![]() |
الخامس غفير |
سوريا الجديدة بين إعادة بناء العلاقات وتجاوز أخطاء المراحل الانتقالية |
ما من شكّ أنّ التّباين في المواقف بين جميع الأطراف المعنيّة بمتابعة ملف سوريا أمرٌ طبيعيّ جدّاً. إلاّ أنّه من الضّروري التّركيز على خلق جسور التّواصل وقطع العلاقة مع أخطاء الماضي، وظلم بشار الأسد الذي ورّط الجميع في سوريا، وهرب وهو يجرّ ذيل الهزيمة وذلّ العار والجريمة.
الاعتراف بأخطاء الماضي فضيلة
لا بدّ من الاعتراف بأنّ بشار ورّط إيران وجعل حزب اللّه يدفع ثمناً غالياً جرّاء حضوره العسكري في سوريا، وساهم بشكل كبير في طعن ظهر المقاومة وإغراقها في وحل كراهيّة الشّعوب للحزب، وهي التي احتضنت مقاومته سنة 2006. تحدّثت تقارير صحفيّة مقرّبة من المؤسّسات الإيرانيّة أنّ الطّاغية السّوري المخلوع لم يستجب لنداءات القيادة الإيرانيّة وتوجيهاتها بشأن المواجهة مع الكيان الصّهيوني والأمريكي والمشاركة الميدانيّة في معركة «طوفان الأقصى» في ظلّ «وحدة السّاحات» التي طالما توعّد بها ما يعرف بمحور المقاومة بالمنطقة. بينما فضّل المخلوع الفرار بحياته وعائلته خارج الأراضي السّوريّة، قدّمت إيران قيادتها العسكريّة والاستشاريّة داخل الأراضي السّورية واللّبنانيّة الذين وجّهوا سهامهم وبنادقهم نحو الكيان الغاصب، وفي الوقت نفسه قدّم الحزب الصّفّ الأول من قيادته إسناداً لغزّة ودعماً لمعركة «طوفان الأقصى».
قناع الممانعة وخيانة السّفّاح للمقاومة
هذا يدلّ حقيقة على أنّ السّفّاح بشار لم يكن معنيًّا بالمقاومة أو بمقولة محور الممانعة بقدر ما كان مهتمًّا باستمراريّة حكمه ومؤسّساته الاستبداديّة والقهريّة. وما كان يهمّه هو المنصب والبقاء على كرسيّه. من الخلاصات التي قد يصل إليها المتابع للوضع السّوري والمختصّ في قضايا الشّرق الأوسط أنّ حاكم دمشق المخلوع ظلّ مختبئاً وراء اسم المقاومة وهو لا يؤمن بها أصلاً والّدليل على ذلك؛ أنّ رجال المقاومة ظلّوا ثابتين في الميدان رغم حجم التّضحيات، أمّا الدّكتاتور فقد هرب إلى روسيا حيث المحبس والاعتقال الاختياري انتظاراً لمحاكمته شعبيّاً وميدانيّاً على يد أحرار الشّعب السّوري.
إنّ الأصوات التي حزنت برحيل الطّاغية كان ينبغي عليها أن تكون منصفة للضّحايا والمعتقلين الذين عانوا لأكثر من 42 عاماً تحت حكم والده الجزّار الأكبر وما يزيد عن 24 عاماً تحت الحكم الجبري لبشّار. يجب استنكار ما جرى بسجون التّعذيب والقهر الذي يشيب من هوله الولدان. لا بدّ أيضاً من الاعتراف بأخطاء الماضي والعمل على تجسير سبل التّواصل بين القيادة السّوريّة الجديدة والمقاومة في المنطقة دون استعجال النّتائج؛ لأنّ ما هدّمه النّظام لأكثر من 50 سنة لا يمكن بناؤه وإصلاحه خلال شهور أو حتّى سنوات قليلة.
العمى الإيديولوجي نقيض للخطاب العقلاني
ما أخشاه هو أن يستبدّ بالبعض العمى الإيديولوجي ويتمّ التّعامل مع الوضع بانتقائيّة والتّوجّه نحو شيطنة مقاومة أصيلة خرجت من رحم الشّعب السّوري خلال مرحلة الرّبيع العربي ممّا يفوت علينا فرصة التّغيير الحقيقي الممكن بالمنطقة.
مقاومة التّغيير أمرٌ طبيعيّ لأيّ مجال حيوي كالأعمال التّجاريّة والشّركات الكبرى، ولكن عندما يتعلّق الأمر بمقاومة ضدّ عدوّ مجرم متعطّش للدّماء، فإنّ للأمر عواقب خطيرة قد تؤثّر سلباً على المنطقة بأسرها. نعم نراقب ونوجّه ونقترح ولا نقف عقبة أمام التّغيير المنشود الذي سالت لأجله الدّماء وأزهقت الأرواح.
إنّنا بحاجة إلى خطاب عقلاني وتحليل موضوعي بعيد عن الذّاتيّة، يستحضر معطيات التّفكير الاستراتيجي لتجاوز مخاطر المرحلة الحاليّة؛ لذا أدعو القارئ الكريم للاطلاع على ما اقترحه القيادي العراقي مقتدى الصّدر وحلول أخرى قدّمها مفكّرون ووطنيّون لتجنّب إعادة إنتاج ما حدث بليبيا ومصر واليمن.
لا شكّ أنّنا بحاجة أيضاً إلى فقه تدبير المرحلة الانتقاليّة والإيمان بأنّ الشّعب السّوري يعيش مرحلة ثوريّة تتطلّب العمل نحو تغيير جذري وهدم أركان الدّولة العميقة التي أوصلتنا إلى هذه النّقطة الحرجة، ولعلّ ما ستظهره الأيام قد يكون أشدّ وأصعب ممّا نتوقع.
تحصين الثّورة ومتطلّبات المرحلة
تعالت بعض الأصوات تنادي بفتح ملف الكيان الصّهيوني بعد فرار المخلوع بيوم واحد بدعوى أنّ الجولان يتعرّض للعدوان الصّهيوني الغاشم. والغريب هنا هو أنّنا شهدنا تجاوزات على الجولان المحتل قبل سيطرة المعارضة على العاصمة وقصفاً مستمرّاً بالآلة العسكريّة الصّهيونيّة، ولم نسمع عن مثل هذه الحماسة التي ظهرت فجأة للمطالبة بردود سريعة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ أو ضدّ تدمير مقدّرات الشّعب السّوري والتي بدأها الكيان الغاصب قبل السّابع من أكتوبر. ما ألفنا سماعه وشهدناه سابقًا هو حجم الدّعوات الرّامية إلى عدم التّسرّع في الرّد، على اعتبار أنّ المقاومة مسنودة من طرف النّظام، ولهذا لسنا في حاجة لفتح جبهة جديدة بسوريا، وفي المقابل نجد اليوم أصواتًا تطالب بردود فوريّة رغم علمها بأنّ قوى الثّورة لا تزال مُنهكة نتيجة صراع دام لأزيد من عقد ضدّ النّظام و «شبيحته» وداعميه.
على سبيل الختم
وفي الختام، أتمنّى النّجاح والتّوفيق لجميع الأطراف الحكيمة والعقلانيّة للعمل نحو المصالحة السّوريّة اللّبنانيّة وللاعتذار للشّعب السّوري، ولتوجيه البوصلة باتجاه العدوّ الحقيقي: الكيان الصّهيوني والإدارة الامريكيّة، الذي يشكّل تهديداً حقيقياً للأمّة وشعوبها وليس للمقاومة بمختلف أطيافها. ويتوجّب علينا الاستفادة ممّا علّمتنا إيّاه دروس التّاريخ والحاضر والجغرافيا، وبشكل أدقّ من دروس مرحلة الرّبيع العربي، والحذر كلّ الحذر من أعداء الثّورة مهما اظهروا من المجاملات والتّقارير التي تنوه بالمعارضة وانجازاتها، خاصّة من طرف من تآمروا على وأد ثورات الرّبيع العربي، ويبقى واجب المرحلة هو القطع مع كلّ ما من شأنه أن يقوّض حلم الأمّة العربيّة والإسلاميّة بالحرّية والكرامة والعدالة الاجتماعيّة بعيدا عن الفساد والاستبداد.
|