قبل الوداع
بقلم |
علي عبيد |
الاتحادالمغاربي ضرورة تاريخيّة |
منذ سقوط الخلافة العثمانيّة وتقسيم تركة الرّجل المريض بين الدّول الاستعماريّة الأوروبيّة حسب اتفاقيّة سايس بيكو نشأت فكرة الدّولة القطريّة وتزامنت مع هجمة استعماريّة شرسة مزّقت أوصال الأمّة وجعلت شعوبها تعيش تحت وطأة الامبرياليّة الغربيّة.
ولقد حاولت الدول الإسلاميّة والعربّية البحث عن صيغ جديدة للتعاون والوحدة فكانت فكرة الجامعة العربيّة سنة 1945 لتحتوي حركات التحرّر في مختلف دول العالم العربي، وتعزيز البرامج السّياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية عبر التنسيق بين أعضائها بالإضافة إلى التوسّط في حلّ النّزاعات التي قد تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطرافٍ أخرى. ثمّ جاءت فكرة رابطة العالم الإسلامي سنة 1962، وهي منظمة دوليّة مستقلة، أعضاؤها من كافّة الدّول والمذاهب الإسلاميّة، مقرّها مكّة المكرّمة، تُعنىٰ بإيضاح حقيقة الإسلام، وتعزيز الصّداقة بين الشّعوب. لكنّ الدول الاستعماريّة أبت إلاّ أن تزرع الفرقة بين الدول العربيّة والاسلاميّة لأنّ في وحدتها أو تعاونها خطرا كبيرا على مصالح الإستعمار فهي تريد أن تبقى الشعوب العربيّة والإسلاميّة مشتّتة ومقسّمة لا قوّة لها وبالتالي تضمن استغلال ثرواتها من دون إعتراض ولا مقاومة، ولتحقيق ذلك سارعت في تأييد تأسيس الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وزرعه في قلب الأمّة فأصبح كالسّرطان الذي ينخر جسدها ويعطّل وحدتها.
ومنذ نشأة هذا الكيان تطوّرت الأحداث في العالم العربي والإسلامي إلى الأسوء فمن حرب النّكبة سنة 1948 إلى حرب الإبادة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى يوم النّاس هذا، مرورا بحرب العدوان الثّلاثي سنة 1956 وحرب النّكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973 وما تلاها من اتفاقيات كامب ديفد وأوسلو ومدريد وصفقة القرن التي توّجت بعمليّة التّطبيع مع الكيان الصهيوني، وهكذا ازداد العرب والمسلمون انقساما وتفرّقوا إلى دول مطبّعة وأخرى ممانعة، ودول مع تركيا وأخرى مع إيران، ودول مع إسرائيل، وهكذا أصبح الحديث عن الوحدة العربيّة حلما من أحلام الماضي وأصبحت جامعة الدّول العربيّة جسما بدون روح.
أمّا في المغرب العربي، فقد ظهرت فكرة الاتحاد المغاربي قبل موجة استقلال جلّ الدّول العربيّة، وتبلورت في أوّل مؤتمر للأحزاب المغاربيّة الذي عُقد في مدينة طنجة بتاريخ 28-30 أفريل 1958، والذي ضمّ ممثلين عن حزب الاستقلال المغربي، والحزب الدستوري التّونسي، وجبهة التّحرير الوطني الجزائريّة. وبعد الاستقلال كانت هناك محاولات تعاون وتكامل بين دول المغرب العربي، مثل إنشاء اللجنة الاستشارية للمغرب العربي عام 1964 لتنشيط الرّوابط الاقتصاديّة، وبيان جربة الوحدوي بين ليبيا وتونس عام 1974، ومعاهدة مستغانم بين ليبيا والجزائر، ومعاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائر وتونس وموريتانيا عام 1983. ثمّ أعلن عن تأسيس اتحاد المغرب العربي في 17 فيفري 1989 بمدينة مراكش من قبل خمس دول هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا بهدف توحيد الجهود للنّهوض بالمنطقة اقتصاديّا وسياسيّا واجتماعيّا، غير أنّ المشاكل العويصة بين المغرب والجزائر، والأحداث الدامية في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وما حدث قبل الربيع العربي وبعده عرقلت مسيرته. بل يمكن أن نعتبر إتحاد المغرب العربي كصيغة لتجسيد الوحدة المغاربية المأمولة وبنائها قد فشل، لكنّ الدّارس للواقع العالمي السّياسي والاقتصادي لا يمكنه إلاّ أن يؤكّد فكرة حتميّة وحدة المغرب العربي، كما ذهب إلى ذلك المفكّر المغربي الاستشرافي المرحوم المهدي منجرة الذي أكّد من خلال مؤلفاته على أهمية الوحدة بين الدول المغاربية لتعزيز التنمية والنجاح في مواجهة التحديات العالمية.
وعلى المغاربة حكّاما ومحكومين أن يجتهدوا في وضع تصوّرات وطرق جديدة للوصول إلى وحدتنا المغاربيّة المنشودة، لأنّه لا مستقبل لمن يسعى للحفاظ على الدّولة القطريّة في زمن أصبحت فيه الدول برغم اختلافاتها السّياسية والايديولوجيّة تبحث عن صيغ للوحدة والتّعاون، ولنا في الاتحاد الأوروبي ومنظمة «البريكس» ورابطة دول جنوب شرق آسيا خير أمثلة.
الأمل في الوحدة المغاربيّة مازال قائما رغم كلّ الصعوبات، لأنّ أعمدة قيامها مازالت ثابتة، فبلدان شمال إفريقيا تمتلك ثروات طبيعيّة هائلة في النّفط والغاز والفسفاط ومعادن ثمينة، فضلا على مساحات فلاحيّة شاسعة وموقع جغرافي استراتيجي سياسيّا واقتصاديّا يمكن أن يجعلها قوّة يُحسب لها ألف حساب في المنطقة. |