حديقة الشعراء
بقلم |
الشاذلي دمق |
حُلم الدّراويش |
يأتي ..
أو لا يأتي ..
يكون ..
أو لا يكون ..
وَعْدٌ مثل العِهْن
فُقاعةُ هُراء على خارطة الوهم
تُحلِّقُ وتجوبْ
-2-
كلام يُقايض الصّمت ..
بَعضُه مَشارط على الجروح والعُطوب
وبعضه رغم فِصْحه
أَبْكمٌ يَنُوءُ بالصّمت والهُروبْ
-3-
آه يا ابن أبيك
ما أصبرك على زمن الكُدَى والبَهالِيل
واستجداء الوعد الكَذُوبْ
-4-
لك الله يا قلبا ارْتُهِنَ و تَرهّل
فنَخَرَتْك الصُّدوعُ والثُّقُوبْ
-5-
كُلّما سُدَّتْ كُوَّةٌ
جاء من يَخُدُّ فيكَ الخُدوشَ والنُّدوبْ
-6-
مُذ لَبِس العُمْر بُردةَ الوعْيِ
أنْهَكَنا الرَّتْقُ في الثَلْمات والعُيوبْ
-7-
كُتَلُ المواجع تتجدّد
في مُتُون الحياة راسية تتمدّد
في الهوامش والطُّرَر
وفي وَعْثِ الدُّروبْ
-8-
والسّؤال المُعضِل ،
كيف سأَنْبُضُ من جديد؟
والقلبُ نَأْمَة في قَيْد الغُيوبْ
-9-
كيف أُكابد ؟ وكم سأُرابض؟
والعُمر ذاوٍ ،
وللوَهْن رِدّة لها جُيوبْ
-10-
مازلنا نتربّص شُعاع لحظة
نَجْأَرُ فيها من هذه الكَأْداء
وهذا اللُّغوبْ
-11-
أَمِنْ مَخازي الدّهر يا ابن التّراب
صِرتَ درويشا تشتري الوهم ؟
فإلى متى وأنتَ على الوهم مَصْلوبْ ؟
-12-
فالدّهر من آدم
مُراوغ كالضّبع ، دائب لا يَكِلّ
على ظهر المجن دَؤوبْ
-13-
لَعَمْرُك يا ابن النَّسْل العَنُود،
إنّ الّذي تَرُوم لَكؤُود
ودهرَك لَكَنود،
فلا تَجْتَرَّ غُبْنَك،
حُلْم بلا طَوْل ولا حَوْل
عُمْر مهدور منك ومَسلوبْ
-14-
فما غَرّك بالأماني ؟!
جُلُّ الأماني يا ابن أُمّك غَواني
والزّمن جَهْمٌ،
عبوسُ الوجه قَطوبْ
-15-
ما غرّك بالمُنى وأغواك ؟
وما أطمع النّفسَ
بِنيل الغوالي وكلِّ محبوبْ !
-16-
في البَدْء كلّ شيء كان مُمكنا،
حتّى المُحال وَادَعْتُهُ بِصمت
فامْتطى عُمْري
صَهوةً للتّسلية والرُّكوبْ
-17-
هذا الحُلم ذبحتُه
سبعين مرّة ولَمْ يمت،
كلّما حاولتُ قطع أَوْداجِه
أَشْعل فِيَّ مُهجة يعقوبْ
وسَكَب عليَّ رُوحَ أيّوبْ
-18-
آهٍ كم فوق أَنْخاب المُحال
تناطحتْ كؤوس وكؤوبْ
-19-
فهل غيْرَ المنايا جَنَى المَرءُ
والإحَنَ مِنْ قَبْلُ وجَمَّ الخُطوبْ؟
-20-
كم تأرّقْتُ في سبيلِكَ
يا حُلمَ الدّراويش
كم نَجيعًا بين العين والقلبِ سَكوبْ
-21-
ما أغراني بك يا حُلما اعْتلَى فوق السّحابِ
ليس لِمُزْنِه نُضُوبْ
-22-
ما فَتَنَنِي بك يا حُلم الدّراويش
حتّى تَحلَّب لأجلكَ الرِّيق
فشابَنِي منك ما يشوبْ
-23-
لَأْيٌ ووَعْثاء وضَنْك وجَهْد
وضُرّ وصَبْر
وكُروب تتناسخ مِن كُروبْ
-24-
والنّفسُ أَضْحتْ
مِضمارا للوَغى
نَقْعُها مِنْ صَبْوة الأرواح
وأَرقِ السُّهْد ونَعْي القلوبْ
-25-
أَمِنْ عُهْر الوقت - وفي مطارح القُنوت -
غدا القلبُ يَستغفِرُ من أَراجيه
ويَتحلّلُ من أمانيه؟
فهل الأماني دَرْبٌ مُوبِقٌ
مِثل باقي الذُّنوبْ؟
-26-
كيف من حُلمي الآن أَنْجو؟
كيف من حُلمي أتوبْ؟
-27-
هذا الحُلم أَضْناني،
ثاوٍ خلف الرُّوح كَنَوْءٍ غَضُوبْ
وحِينًا يُراودني
كَشَدوٍ طَرُوبْ أو طِفلٍ دَعوبْ
-28-
كُلّما نسيتُه وقلتُ نَجَوْت
عاد بِيَ الطَّلَلُ للنَّصَبِ واللَّأْواء
فَأَتهاوَى ثُمّ أذوبْ
-29-
ما أَجْرَأَك على المَعالي ؟!
قد كانت سامقة وبسيطة أمانيك
رملٌ يُدغدغ الأخْمصَيْن
وعُشْب يملأ الكَفّيْن
وحُصَيّاتٌ لِلّهو وطِين وطُوبْ
-30-
والعُمْر كلّه
طفولة وديعة
عاقَرْتَها تحت فَيْءِ الخَرّوبْ
-31-
وأقصى الحنين شوقٌ
إلى نخلة البيت العتيد
ناصيةَ السَّعد كانت
قبل الهرم وزحف الغُروبْ
-32-
وبَعْد ،
ماذا بقي في العمر الآن؟
غير ما بقي في القِدْرِ مِن كُدادَة
وكلُّ شيء عند اللّه في اللّوح مكتوبْ
-33-
آهٍ كم أنا جَزوع !
بل كم فَزِعٌ أنا ومَرعوبْ
وحُروبٌ فِيَّ تتناسل مِن حُروبْ
-34-
أَتُراكَ أيّها الحُلم ..
أَبْقَيتَ لي خَردلة من أمل؟
أم آيِسٌ حظي؟
فَعَلَى أيِّ الجسرين أنا محسوبْ؟
-35-
يأتي ..
أو لا يأتي ..
يكون ..
أو لا يكون ..
وجَلالِكَ عَزَّ المُراد ربّي والمرغوبْ
لكنّني بِعِطر هذا الحُلم
مُضَمّخٌ أنا ومَخضُوبْ
وأنت الإله لا يُعجزك مطلوبْ
-36-
فَانْتَصِرْ لِحُلم الدّراويش
إنّي مغلوبْ ..
بل إنّني مغلوب ..ثُمّ إنّني لمغلوبْ .. |