أهل الاختصاص

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
المختصر في دورة حياة النّجوم
 المعمل الأول 
إذا نظرت إلى السّماء ليلًا فسترى عددًا لا يحصى من النّجوم، وقد تكون شاعرا فتتغزّل، وقد تكون فنّانا فترسمها لوحة فنّية فريدة، أو تصوغها لحنا عذبا، وقد تكون عالما فترصد وتتأمّل وتسجّل بياناتها وتنمذج تفاعلاتها وحركتها وكلّ هذا لتتنبأ بمستقبلها، والذي بمعرفته ستصوغ حضارتك الأرضيّة، فالسّماء بالنّسبة للعالم هي المعمل الأول الذي أنشأه اللّه له ليدرس فيه ويتعلّم ويستنبط القوانين العامّة التي  سيعمّر بها الأرض بعد ذلك. ولا ينكر أحد ما لكتاب المبادئ الرّياضيّة للفلسفة الطبيعيّة من أهمّية بالغة على مجمل الحضارة البشريّة الحديثة، حيث صاغ نيوتن قوانين الحركة وحساب التّفاضل والتّكامل من دراسته لمدارات الكواكب (1). فهل فكّرت يوما في ماهية هذه النّجوم التي تزيّن السّماء فوقك وتتلألأ في الأيّام المظلمة الصّافية، أو التي يغيب عنك بريقها حين تتلبّد السّماء بالغيوم أو بالتّلوث الضّوئي؟. 
النجوم هي أجرام سماويّة ضخمة تتكوّن في الغالب من الهيدروجين والهيليوم، والتي تُنتِج الضّوء والحرارة من التّشكيلات النّوويّة المتفاعلة بداخلها. تتألّق بعض النّجوم أكثر من غيرها، وسبب سطوعها هو مقدار الطّاقة التي تطلقها ومدى بُعدها عن الأرض. يمكن أن يختلف اللّون أيضًا من نجمة لأخرى لأنّ درجات الحرارة ليست كلّها متشابهة. عادًة تظهر النّجوم السّاخنة باللّون الأبيض أو الأزرق، بينما تظهر النّجوم الأكثر برودة بألوان برتقاليّة أو حمراء.
في البدء كانت دخانا، 
ومن الدّخان تشكّل المفاعل النّووي النّجمي
عندما تبدأ سحابة نجميّة(2) لسبب غير معروف في التّكتل والتّجمّع والانكماش حول بعض جيوب هذه المادّة السّديميّة تحت تأثير قوّة الجاذبيّة، تزداد الكثافة وترتفع درجة الحرارة و تتصادم جزيئات الغازات فيما بينها بسرعات كبيرة، إلى درجة تسمح باندماج كلّ ذرتين من الهيدروجين في مركز هذه السّحابة النّجميّة المنضغطة «النّجم الوليد» لتكوّن ذرة هيليوم؛ أي أنّ النّجم صار مفاعلا نوويّا إندماجيّا طبيعيّا. وهذه اللّحظة تمثّل شهادة ميلاد أيّ نجم في السّماء، وقبل هذه اللّحظة  يصعب على علماء الفلك اكتشاف النّجوم في مراحلها الأوليّة، أي في مراحل تشكّله في الرّحم السّديمي، وذلك لأنّ الغبار السّديمي ليس شفافًا في الضّوء المرئي في أغلب السّدم. فهي تمنع الضّوء من العبور من خلالها بسبب كثافتها الشّديدة وتحجب بذلك كلّ ما وراءها، إلّا أنّه من الممكن ملاحظته باستخدام موجات الرّاديو.. 
وبمعرفة هذه الصّيرورة عرف الاندماج النّووي كأساس لصناعة القنبلة الهيدروجينيّة التي تطلق طاقة هائلة من اندماج الهيدروجين. يجعل الاندماج النّووي النّجم مشعّاً، والحرارة النّاتجة عن التّفاعل تزيد من ضغط الغازات بداخله التي تتواجد على هيئة بلازما (3)  فيصبح هذا الضّغط كافياً ليوازن القوّة الثّقاليّة، ويبقى النّجم مستقرّاً لفترة طويلة، ويحتفظ بحجمه لفترة كبيرة فيما يسمى بالاتزان الأديباتيكي «المكظوم»(4) . هذا مثلا هو عين ما يحدث في الشّمس، حالة الاتزان هذه بين ضغط الإشعاع وقوّة الجاذبيّة توقّف النّجم عن مزيد من الانكماش. عندما يصبح النّجم أصغر حجمًا، فإنّه يدور بشكل أسرع بسبب الحفاظ على كمّية الحركة  «الزّخم»، ويؤدّي الضّغط المتزايد إلى ارتفاع درجات الحرارة، وخلال هذا الوقت، يدخل النّجم ما يُعرف بمرحلة  ت - الثّور القصيرة نسبيًّا. 
تستغرق عمليّة نشأة النّجوم مليون عام تقريبًا منذ أن تبدأ سحابة الغاز الأوّليّة في الانهيار حتّى ينشأ النّجم ويتوهّج مثل الشّمس. تُستخدم المواد المتبقية من نشأة النّجم ربّما لتكوين الكواكب والأجسام الأخرى التي تدور حول النّجم المركزي. 
نجوم  ت - الثور  Tauri  - T   
نجم «ت - الثّور» هو  نجم متغيّر يقع في كوكبة الثّور، وهو أوّل نجم تمّ اكتشافه سنة 1852م من قبل «جون راسل». ويبدو النّجم من الأرض بين نجوم عنقود القلائص Hyadesا(5) ، ولكنّه في الواقع على بعد 420 سنة ضوئيّة وراء ذلك العنقود. وما إن يولد النّجم ويدمج الهيدروجين نوويّا ليصبح هيليوم، تتشكّل عادة رياح نجميّة قويّة على طول محور الدّوران، وبالتّالي فإنّ العديد من النّجوم الحديثة تمتلك تدفّقا ثنائيَّ القطب، ويكون تدفّق الغاز خارج أقطاب النّجم. 
هذه الميزة تُرى بسهولة بواسطة التّلسكوبات الرّاديويّة، ويسمّى هذا الطّور المبكّر من حياة النّجم بطور «ت – الثّور».  
يبقى النّجم في هذه المرحلة إلى أن يفقد مايصل إلى 50 % من كتلته قبل أن يستقرّ ضمن النّسق الأساسي للنّجوم (تصنيف للنّجوم حسب اللّمعان واللّون» وهي معايير للتّوهج، أنظر الشّكل 1 مخطّط هرتزسبرنغ - راسل)، وبالتّالي نحن ندعوه هنا بنجم ما قبل النّسق الأساسي، وتوجد نجوم «T-Tauri» دائمًا مترسّخة  في السّحب الغازيّة التي ولدت فيها.
التّسلسل الرّئيس (النّسق الأساسي)
عندما تستقرّ درجة الحرارة الأساسيّة بعد ملايين السّنين إلى حوالي 27 مليون درجة فهرنهايت (15 مليون درجة مئوية)، يبدأ الاندماج النّووي في كامل اللّبّ ويطلق المرحلة التّالية وهي الأطول من عمر النّجم، وتعرف باسم مرحلة التّسلسل الرّئيس. 
يتمّ تصنيف معظم النّجوم في مجرة درب التّبانة، بما في ذلك الشّمس، على أنّها نجوم متسلسلة رئيسة. وهي موجودة في حالة مستقرّة من الاندماج النّووي وتحويل الهيدروجين إلى الهيليوم وإشعاع الأشعة السّينية. تبعث هذه العمليّة كَمّيَّة هائلة من الطّاقة، ممّا يجعل النّجم ساخناً ومشرقاً.
كتلة النّجم أهمّ عوامل التّطوّر النّجمي
في النّهاية ينضب الهيدروجين شيئا فشيئا من النّجم، وكلّما كانت كمّية الوقود كبيرةً عند ولادة النّجم كان نضوبه أسرع، لأنّه كلّما كانت كتلة النّجم كبيرة، كانت حرارته عالية، حيث يعمل ضغطه الدّاخلي على مقاومة التّجاذب التّثاقلي الجبّار- الذي يريد جمع كلّ مادّة النّجم في نقطة واحدة - وكلّما كانت حرارته عالية كان أسرع استهلاكا للوقود. ولأنّ شمسنا من النّجوم المتوسّطة، فإنّه يوجد بها على الأقل وقود يكفي إلى نحو خمسة آلاف مليون سنة قادمة فقط.  
فإذا أخذنا عمر شمسنا كمثال، فهي تمرّ منذ نشأتها قبل نحو 4.5 مليار سنة بمرحلة يندمج خلالها الهيدروجين (البروتونات والديوترونات) إلى الهيليوم، ويستمرّ ذلك حتّى يقرب اندماج الهيدروجين على الانتهاء، حينئذ تنكمش طفيفا، فتعلو درجة حرارتها فيبدأ اندماج الهيليوم. يحتاج اندماج الهيليوم إلى درجة حرارة في قلب النّجم أعلى من درجة حرارة اندماج الهيدروجين (12 - 14 مليون كلفن). وعنما يقترب اندماج الهيليوم على الانتهاء تبدأ عمليّة احتراق الكربون (أي اندماج الكربون) عند درجة حرارة أعلى، ثمّ عمليّة احتراق الأكسجين، ثمّ عمليّة احتراق السّيليكون بالتّتابع - حتّى يتخلّق الحديد. يكون قلب الشّمس قد وصلت حرارته إلى نحو 2 مليار كلفن. ولا يستطيع الحديد بسبب خصائصه الفيزيائيّة على إمداد الشّمس أو النّجم بالطّاقة، لأنّه يحتاج طاقة أكبر لاندماجه عن الطّاقة التي يعطيها، فتكون الشّمس أو النّجم قد وصل عمره نحو 9 مليارات سنة وأصبح عملاقا أحمرا. 
تفاعلات الحديد في قلب النّجم لا تقوى على إمداد النّجم بالطّاقة وبالتّالي يبدأ قلب النّجم في الانكماش تحت القوّة الثّقاليّة، ويزداد الانكماش حتّى يحدث انفجار هائل يسمّى بالمستعر أعظم supernova ، تطرد فيه الشّمس طبقاتها الخارجيّة وتبعثرها في الفضاء، أمّا القلب الشّديد الكثافة فيتحوّل إمّا إلى قزم أبيضwhite dwarf  أو إلى نجم نيوتروني أو حتّى ثقب أسود، إذا كانت البقايا ضخمة بما فيه الكفاية والكثافة عالية جدّا. 
يحدث للقزم الأبيض ما يسمّى بضغط المادّة المتحلّلة. ونظرًا لأنّ بعض المستعرات الأعظميّة لديها نمط تطوّري يمكن التّنبؤ به وما ينتج عنه من لمعان، يمكن لعلماء الفلك استخدامها كأدوات قياس فلكيّة لمساعدتهم على قياس المسافات في الكون وحساب معدّل توسّعها.
ضغط المادّة المتحلّلة
تختلف المادّة المتحلّلة من نجم إلى آخر، ففي الأقزام البيضاء تكون المادّة المتحلّلة هي الالكترونات، بينما تكون النّيترونات في حالة النّجوم النّيترونيّة.  تقاوم الأقزام البيضاء انهيارها التّثاقلي من خلال ضغط تحلّل الإلكترونات، وتفسيره كالتّالي: 
من المبادئ الفيزيائيّة الثّابتة مبدأ الاستبعاد لباولي، والذي ينصّ على أنّه «لا يمكن لاثنين من الفرميونات المتطابقة (6) أن تشغل نفس المكان أي نفس الحالة الكموميّة، تحت الضّغط الهائل لإلكترونات يتمّ ضغطها بإحكام شديد، تقريبًا «تلامس» بعضها البعض، ويتمّ صدّها عن بعضها البعض بواسطة ضغط تحلّل الإلكترونات الذي يعمل ضدّ ضغط الجاذبيّة (الانهيار للدّاخل) ويمنع انهيار النّجم. بتعبير أكثر دقّة، الحالة الكموميّة هي أكثر من مجرّد موضع، فهي تتضمّن أيضًا الزّخم. 
يمكن أن يكون لديك إلكترونين يشغلان نفس الموضع في نفس الوقت، طالما أنّهما يتحرّكان بسرعات مختلفة. تنتج الآليّة المذكورة أعلاه جودة غير بديهيّة للغاية: كلّما زادت المواد التي تضيفها إلى الجسم المتحلّل للإلكترون، كلّما أصبح حجمه أصغر، حيث تضطرّ الإلكترونات إلى التّحرّك بشكل أسرع وأسرع. وهذا ينطبق على الأقزام البيضاء، فكلّما زاد حجم القزم الأبيض، قلّ نصف قطره. ومع ذلك، في مرحلة ما، يكون هناك الكثير من الضّغط والعديد من الإلكترونات التي تحاول احتلال نفس الموقع، ممّا يؤدّي إلى دفع سرعاتها إلى سرعات نسبيّة. 
هذه مشكلة، فهي تعني أنّ الحالات الكموميّة للتّعايش مع بعضها البعض تنفد، وفي نهاية المطاف سوف يفشل ضغط الانحلال الإلكتروني، ممّا يؤدّي في النّهاية إلى تشكيل نجم نيوتروني. تتكرّر نفس العمليّة مع النّجوم النّيوترونيّة، ولكن هذه المرّة مع ضغط الانحلال النّيوتروني.
الهوامش
(1)  إسحق نيوتن، المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية، (1729).London, Printed for B. Motte
(2)  حجم عظيم من الغبار الكوني معظمه من الهيدروجين وهو أشبه بالدّخان والتي تسمّى السُدُم
(3)  بلازما هي حالة متميزة من حالات المادّة يمكن وصفها بأنّها غاز متأيّن تأيّن شبه تام، تكون فيه كلّ الإلكترونات تقريبا حرّة وغير مرتبطة بالذّرة أو بالجزيء
(4)  في النظام المكظوم: لا يمكن تبادل المادة والحرارة مع الوسط المحيط بأي شكل من الأشكال أو بتعبير آخر فإنه يمكن تبادل أنواع أخرى من الطاقة عدا الحرارة
(5) عنقود القلائص Hyades ‏عنقود نجمي مفتوح يُشاهَد بالعين المجردة بجوار نجم الدبران، ألمع نجوم كوكبة الثور، ولكنها لا تنتمي إليه.
(6)  الإلكترونات في حالة الأقزام البيضاء، والنيوترونات في حالة النّجوم النيوترونية