نقاط على الحروف
بقلم |
د.علي رابحي |
التكافل عقيدة وشريعة وسلوك |
لا ينكر إلاّ جاحد أنّ مجتمعنا الإنساني لا يزال يحتفظ في الضّمير العام بقيمه التّراحميّة المنتظمة في مجموعة من المفاهيم الأخلاقيّة كالتّعاون والتّآزر والتّضامن والتّكافل، المبنيّة على خاصّيات إنسانيّة ودينيّة وعرفيّة. ولا جدال أنّنا لا ولن نستطيع أن نعالج المشكلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة المعاصرة، من قبيل الجهل والفقر والفرقة، بدون استدعاء مثل هذه القيم الأخلاقيّة، من النّبع الصّافي الكامن في عمق الإنسان، ليعيش الفرد في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد.
من أجل التّأسيس لمجتمع متضامن، واستنهاض الهمم، والتّفكير سويّا، سأتساءل معكم في هذه الورقة عن قيمة التّكافل، وخصوصا في صلتها بعناصر بناء الدّين الثّلاثة: العقيدة، والشّريعة، والسّلوك:
- التّكافل باعتباره عقيدة، يؤمن به كلّ إنسان سليم الفطرة، ونلمسه خاصّة عند الأطفال في السّن المبكّرة. وتقره كلّ الملل والنّحل، حيث نجده في الشّرائع السّماويّة (الحنيفيّة واليهوديّة والنّصرانيّة والإسلام) وكذلك نجده في المذاهب الفلسفيّة والفكريّة وفي برامج الفرق والأحزاب السّياسيّة القديمة والمعاصرة ومشاريعها.
- التّكافل باعتباره شريعة، تقصُده النّصوص الشّرعيّة، وتقتضيه القوانين الوضعيّة، أعراف كانت أو تشريعات. وتنظّمه آليّات ومشاريع بادر إليها المجتمع المدني أو الدّولة أو الإثنان معا، على الصّعيد المحلّي أو الوطني أو العالمي.
- التّكافل باعتباره سلوكا، أي أسلوب حياة، وواجبات يُلتزم بها طوعا أو كرها، وحقوقا توفّر بكرامة، ينهجه الفرد الواحد نحو الجماعة وأفرادها/المجتمع، وتعتمده الجماعة في تعاطيها مع الفرد الواحد من أفرادها.
أولا. التّكافل عقيدة
أ. التّكافل عقيدة إنسانيّة
ما من حضارة إنسانيّة قديمة أو حديثة إلّا ولها في قيمة التّكافل نصيب، قائم ومشهود، قد يغيب فيه البعد الفلسفي والبعد الدّيني عن الخير، وقد يحضر. وقد جعلت الفطرة البشريّة الإنسان الذي يعيش عالما ذا فضاء علائقي ممتدّ، يبدع عبر مجال أوسع يشمل خيريّة ممتدّة زمانيّا ومكانيّا في إشاعة ومأسسة الإحسان إلى الذّات، وإلى الآخر القريب والبعيد، الموافق والمخالف، الصّغير والكبير، الذّكر والأنثى، الغنيّ والفقير، العالم والجاهل.
ب. التّكافل عقيدة إسلاميّة
التّكافل في الاسلام عقيدة تبثّ روح العطاء، أرسى قواعدها رسول اللّه ﷺ، وأسّس لها بحدث الهجرة إلى المدينة بفعل التّآخي الذي أقامه بين المهاجرين والأنصار.
وإذا كان فوكوياما Francis Fukuyama أبعد العقيدة من مجال التّكافل الاجتماعي، وحصر الطّرق التي تؤدّي إلى التّرابط الاجتماعي في ثلاثة: يستند الطّريق الأول إلى الأسرة وعلاقة القرابة، والثّاني إلى المؤسّسات الطّوعيّة خارج علاقات القرابة مثل المدارس والأندية والمنظّمات المهنيّة، والثّالث إلى الدّولة(1)، فإنّ عقيدة التّكافل في الإسلام هي التي جعلت صلاح الدّين الأيوبي ينفق أمواله كلّها على جهات البرّ، ويملأ البلاد الشّاميّة والمصريّة بالمؤسّسات الخيريّة، من مساجد ومدارس ورباطات وغيرها، دون أن يسجّل على واحدة منها اسمه(2). وعقيدة التّكافل هي التي جعلت الإمام أبي العباس السّبتي يؤسّس بمدينة مراكش مذهبا اجتماعيّا متكاملا مبنيّا على العطاء وأعمال البرّ والإحسان، صمد لأزيد من ثمانية قرون ولازال إلى يومنا هذا يخفّف من آلام فاقدي البصر، وما يزال الصّناع في مجموع المغرب، ولاسيما صناع الإسفنج والخبز، يتصدّقون بباكورة صنعتهم، ويسمونها «العبّاسيّة».
ثانيا. التّكافل شريعة
أ. التّكافل مقصد من مقاصد الشّريعة الإسلاميّة
من منهج المقاصديّين، الذين حدّدوا طرق التّعرّف إلى المقاصد العامّة للشريعة في أدلّة القرآن قطعيّة الدّلالة والسّنة النّبويّة المتواترة واستقراء الأحكام الشّرعيّة، نستنبط أنّ التّكافل مقصد عام وثابت من مقاصد الشّريعة بدلالة كثرة الأمر به والحضّ عليه ومدح فاعليه، وأنّ له في ذاته مقاصد أخرى. ذلك أنّ من مقاصده -التي تتفرّع عنه- نذكر التّنمية البشريّة الشّاملة والمستديمة، بدءا من تحرير الإنسان من التّبعيّة، ومعالجة المشاكل الاجتماعيّة من قبيل الجهل والفقر والفرقة، وتحقيق السّلم الاجتماعي، والإسهام في بناء المجتمع بصفة عامّة.
وتتّضح أهمّية هذا الطّرح بالتّذكير بما توصل اليه د. ابراهيم البيومي غانم في كتابه «مقاصد الشّريعة الإسلاميّة في العمل الخيري، رؤية حضاريّة مقارنة»، حيث تحدّث عن المقصد المتعلّق بالحرّية في الإسلام، وتوسّع في مفهوم «عتق الرّقاب» الذي كان يعني تحريرها من أسر العبوديّة، ليشمل فكّ الرّقبة من كلّ ما يقيّدها: من قيد الجهل، ومن قيد المرض ومن قيد الدّيون وحتّى من قيد الاستبداد. ونظراً إلى أنّ الأوقاف كانت تنفق في الماضي على فكّ الرّقاب من الأسر، وفكّ البشر من المرض والجهل بالتّعليم، فإنّ الأوقاف وغيرها من مؤسّسات العمل الخيري مدعوّة الآن أكثر للإنفاق في هذا المجال بسبب تزايد جيوب الفقر والمرض والجهل في العالم بأسره.
ب. التّكافل واجب كفائي.
يقسم الأصوليّون الواجبات الكفائيّة إلى قسمين: دينيّة ودنيويّة، ويقصدون بالأولى الواجبات العباديّة المحضة كصلاة الجنازة، وبالثّانية المصالح العامّة كالصّنائع التي يحتاج إليها. وذهب الإمام الشّاطبي في تقسيمها مذهباً آخر، وقسّم الواجب الكفائي إلى ما يختصّ بباب من أبواب الشّريعة كالولايات العامّة وتعليم العلم، وإلى ما لا يختصّ بباب من أبواب الشّريعة كالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. وتقسيم الشّاطبي يدلّ على عمق فهمه لمقاصد الشّريعة، حيث يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شاملاً لجميع أبواب الشّريعة ومكمّلاً لها، لا يختص بباب دون آخر؛ وذلك لأنّه يشمل نواحي الحياة كلّها، ليصبح علاجاً للنّوازل، ويكون قوّة دافعة نحو إتقان العمل والارتقاء بالأمّة.
إنّ التّكافل فرض كفائي اجتماعي شامل شموليّة الإسلام، يستغرق الحياة كلّها؛ من هنا يتبيّن أنّ الإسلام عوّل فعلا على حركة المجتمع، وفوّض إليها إنجاز الكثير من المهمّات، منها حفظ الهويّة، وإقامة المصالح العامّة، وتقديم المعونة لمن هم في حاجة إليها.
والتّكافل في المنظومة الاجتماعيّة الإسلاميّة متنوّع بتنوّع حاجات الإنسان والمجتمع، فمنه ما هو مؤصّل بأحكام الفقه مثل:
1. الصّدقة، وتلاحظ فيها حاجة فئة الفقراء المعوزين إلى العون، وحاجة المساكين أصحاب الهشاشة الاجتماعية إلى المؤازرة.
2. الزّكاة، وهي تلبي حاجيات اجتماعية عديدة، منها: توفير المواد الغذائية الأساسية للفقراء.
3. الهديّة، ويراعى فيها حفظ الود وتوثيق الصلاة الاجتماعية
4. التّبرّع بالعمرى والرّقبى، وهو يقصد تأمين السكن للمتبرع عليه مدة حياته
5. الإفقار، وهو يقصد تمكين المتبرع عليه من وسيلة نقل.
6. المنيحة، وهو تبرع بماشية تدر اللبن الذي يعتبر غذاء أساسيا للإنسان.
وقد أضاف المغاربة أنواعا أخرى من الأعمال الاجتماعية اقتضتها البيئة المحلية(3)، منها:
7. التّويزة، وهي تعاون جماعي على إنجاز مشاريع أو على القيام بأعمال فلاحيّة لصالح المجموع، أو لصالح النّساء الأرامل والقاصرين والشّيوخ والعجزة، ومن يشتغل بأمور النّاس كالأئمة ومعلّمي القرآن.
8. المشارطة، التي تعني توفير أجرة لمن يؤمّ النّاس ويعلّم القرآن ومبادئ الدّين.
9. الرَتبة أو المعروف، تعتمد لإطعام طلبة العلم الوافدين إلى القرى والمدن لحفظ القرآن الكريم ولتلقّي مبادئ العلوم.
10. العباسيّة، نسبة إلى سيدي أبي العباس السبتي(4)، الذي أقام مذهبه على فلسفة أن الجود ينفعل بالجود. وتعني تبرع أصحاب الحرف ومنتجي الأطعمة بأول منتج يعرف بالعباسية.
11. الفقيرة، وهو تبرّع البحارة ببعض ما يصطادونه من السّمك، لفائدة الفقراء المتّصلين بهم.
ومن أنواع التّبرعات:
12. تخصيص بعض المواشي التي تجب في الزّكاة، ومنحها الأسر التي لا عائل لها، والتّبرّع بريعها ضمن القطيع المشترك لساكنة القرى.
13. إنشاء بيوت متخصّصة تستقبل من المعوقين من كان منهم عديم المعين، كالمارستان الذي بناه المنصور الموحّدي والذي يحكي عنه صاحب «المعجب» (5)
14. الوزيعة: مؤسّسة اجتماعيّة يقوم أفرادها بوصفهم مجموعة متعاونة بالإسهام في شراء-دابّة مثلا- من أجل استخدامها لأغراض فلاحيّة من طرف الأعضاء المحتاجين.
15. أكادير: كلمة أمازيغية، تعني بناية تخزين المواد الغذائيّة الخاصّة بالإنسان والحيوان.
16. التَّمَسْجِدة أو التّمزكيدة: فقد كان من عادات القبائل الأمازيغيّة أن تخصّص خيمة من أجل استخدامها مسجدا ومدرسة ومنزلا للفقيه، إلاّ أنّ العناية بالخيمة يتطلّب رأس مال مشترك، ولهذه الغاية الدّينيّة والاجتماعيّة ترصد القطعان من الماعز والغنم والبقر، ويجعل ذلك في شكل مشروع يدار بشكل مشترك ويستخدم دخله لغاية مشتركة بين سكّان القبيلة على أن تعطى الأسبقيّة لمصاريف الخيمة.
17. الوقف أو الحبس في الاصطلاح المغربي، هو إحسان مستدام يتوجّه به الفرد إلى أشخاص معينين أو إلى المجتمع، ويقوم على قاعدة منع الأصل الموقوف من التّداول، فلا يباع ولا يشترى ولا يوهب ولا يورث، ويتصدّق بريعه على الجهة التي رصد إليها باستمرار.
ما من مؤسّسة من المؤسّسات التي أسهمت في صياغة الاجتماع الإسلامي تاريخيّا إلاّ واستطاعت أن تواكب مقتضيات هذا الاجتماع، وتستجيب له على امتداد تجربته الحضاريّة، كما فعلت مؤسّسة الوقف. ذلك أنّ الباحث في هذا المجال يقف على الأدوار بالغة الأهميّة التي استطاع الوقف أن يؤدّيها في سياق التّفاعل المستمر مع تطور مجتمعات عالم المسلمين، بتعدّد حاجاتها ومقتضيات نمائها وفعاليتها الحضاريّة. سواء كان في صورة مبادرات فرديّة أو مؤسّسات منظّمة.
وقد أدّى الوقف الذي اقتبسته ثقافات أخرى عن المسلمين وظائف منها:
- وقف المال على أصحاب المشاريع الصّغرى،
- وقف المال على مؤسّسات الاستشفاء والعجزة والمكفوفين،
- الوقف على مؤسّسات العلم من جوامع ومدارس وحلق علم متخصّصة، ومكتبات ومراصد ودور نشر المعرفة، ومعلّمين وما يحتاج طلاّب العلم من مرافق للإقامة والتّغذية والمراجعة. وكانت المكتبات والمدارس غالبا ما توجد بجوار المساجد الكبرى في المدينة، باعتبارها مؤسّسات أوّلية حاضنة للمعرفة وضامنة لاستمرار عمليّة التّعليم والتّعلّم، ومن أكبرها خزانة القرويّين المتّصلة بجامع القرويّين، وخزانة المسجد الأعظم بتازة، وخزانة المسجد الأعظم بمكناس... (6) .
هذا التّراكم في الخبرة الحضاريّة الإسلاميّة في مجال العمل الاجتماعي، استفاد منه الكثيرون وأسّسوا مشاريعهم الإصلاحيّة على أساسه، وانتقلوا به من المبادرة الفرديّة إلى العمل المنظّم. وقاموا بإحياء وظيفة الإحسان وتجديدها ومَأْسَسَتِها لتشمل صيغاً معاصرة تهتمّ بشؤون الإنسان، وتعالج قضاياه المجتمعيّة في كلّ المجالات.
ثالثا. التكافل سلوك
التّكافل في الاسلام سلوك عام تتعدّد صوره وتتنوّع أشكاله، يصنّفه أغلب الباحثين إلى تسعة أنواع هي:
1. التّكافل العبادي: وهو تكافل المجتمع وتعاونه في أداء الشّعائر الدّينيّة، كصلاة الجنازة وإقامة الجمعة، ومثل ذلك إقامة صلاة الجماعة في الأوقات الخمسة وأداء فريضة الحجّ وغير ذلك من العبادات التي تؤدّى جماعةً.
2. التّكافل الأدبي: الذي عبّر عنه رسول اللّه ﷺ بقوله «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى»(7)، وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»(8).
3. التّكافل العلمي: الذي حبّبه إلينا رسول اللّه ﷺ بقوله «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(9)، فما تصدّق النّاس بصدقة مثل علمٍ يُنشر.
4. التّكافل الأخلاقي: وخير دال عليه حديث السّفينة وكذلك قول رسول اللّه ﷺ «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»(10).
5. التّكافل الدّفاعي: ويطلق عليه كذلك التّكافل السّياسي ويطلق عليه البعض التّكافل في الحياة العامّة، وهو الذي حثّ عليه رسول الله ﷺ بقوله «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته»(11). وقوله: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(12).
6. التّكافل الجنائي: حيث اتفق الفقهاء على أنّ القاتل إذا قتل خطأ، فإنّ الدّية تجب على عائلته وهم أقاربه وعشيرته، وثبت هذا الحكم بالسّنة والإجماع.
7. التّكافل الاقتصادي: بالامتناع عن بعض التّصرّفات التي تلحق الضّرر بالنّاس، كالغشّ في المعاملات، والتّطفيف في الكيل، واحتكار الأقوات الضّروريّة، التي يحتاج إليها النّاس، واستغلال حاجة المحتاجين لإجبارهم على بعض المعاملات كالتّعامل بالرّبا.
8. التّكافل المعاشي: ويطلق عليه كذلك التّكافل المادّي، ويطلق عليه البعض اسم التّكافل الاجتماعي، أي كفالة الطّعام والشّراب واللّباس والمسكن. ونظرة الإسلام للتّكافل المادِّيِّ لا تتوقَّف بتوفير حدِّ الكفاف للمحتاجين، ولكنّها تَعَدَّت ذلك إلى تحقيق حدِّ الكفاية، قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: «كرِّروا عليهم الصّدقة، وإن راح على أحدهم مائة من الإبل»(13).
9. التكافل الحضاري: وهو جامع لغيره من الأصناف المتقدمة مستلهم من قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ (المائدة: 2).
وأختم بالقول، بأنّ العالم العربي والإسلامي اليوم بحاجة إلى تجديد مدركاته الجماعيّة، ومنها إحياء الحضور الفاعل لقيم التّكافل في حياة النّاس، وتجديد وظيفته ومأسسته ليشمل صيغاً معاصرة تهتمّ بشؤون الإنسان، وتعالج قضاياه المجتمعيّة في كلّ المجالات.
إنّ قيم التّكافل ضمانة للعلاقة السّويّة بين الفرد والجماعة، تؤسّس للتّقارب بين النّاس، على المجتمع بكلّ مكوناته العمل على استنباتها واعتمادها منهجا وأسلوبا، والحرص على استمراريّة ممارستها لوجودها عقيدة وشريعة وسلوكا، لا كشعارات مهجورة المعنى ترفع، ولا مجرد كلمات عديمة المقصد تردّد. وليكن البدء من حيث البدء، بالاسترشاد بالمقدّمات النّبويّة لتّأسيس مجتمع التّكافل؛ واستقراء تجارب الفعل التّكافلي ضمن واقع الخبرة الحضاريّة الإسلاميّة؛ والانفتاح على الحضارات الأخرى والاستفادة من تجاربها في هذا المجال؛ والانتقال من المبادرة التّكافليّة العرضيّة الفرديّة إلى العمل التّكافلي الجماعي المؤسّس.
الهوامش
(1) فوكوياما Francis Fukuyama في كتابه» الثقة- الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار»، ص84.
(2) أنظر كتاب «من روائع حضارتنا» لمصطفى السباعي، ص94.
(3) «دراسة في الحركة التعاونية»، أحمد البكاي، مطابع دار الكتاب، الدار البيضاء، ط 1، 1980م، ص:13.
(4) «هو أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي، مولده بسبتة عام 524ه...، كان جميل الصورة، أبيض اللون، حسن الثياب، فصيح اللسان، قديرا على الكلام، مفوها حليما صبورا، يحسن إلى من يؤذيه، ويحلم على من سفه عليه، رحيما عطوفا محسنا إلى اليتامى والأرامل، يجلس حيث أمكنه الجلوس من الأسواق والطرق، فيحض الناس على الصدقة، ويأتي بما جاء في فضيلتها من الآيات والآثار، تُناول له الصدقات فيفرقها على المساكين وينصرف» إظهار الكمال في تتميم مناقب سبعة رجال، 1/217، تحقيق أحمد متفكر، المطبعة والوراقة الوطنية سنة الطبعة الأولى سنة 2010م.
«توفي أبو العباس السبتي بمراكش عام 601/1205، ودفن خارج باب تاغزوت منها، ويتمتع بوزن اعتباري خاص، وقيمة رمزية فاعلة، وسلطة ولاية محترمة، مكنته من أن يكون واحدا من الرجال السبعة الذين تشدّ الرحلة إلى مزاراتهم في مراكش». معلمة المغرب، ج14، ص 4853.
(5)»المعجب في تلخيص أخبار المغرب»، عبد الواحد المراكشي، تحقيق محمد سعيد الويان، مطبعة الاستقامة مصر، ص:287.
(6) «تاريخ التراث العربي»، فؤاد سزكين، المجلد السادس.
(7) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، (4/ 1999)، برقم: (2586)، والبخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، (8/ 10) برقم: (6011)، بلفظ: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى».
(8) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه (1/ 14)، رقم: (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير (1/ 67)، رقم: (45).
(9) رواه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته 3/ 1255 (1631).
(10) أخرجه مسلم، كِتَاب الإِيمَانِ، بَاب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ..، برقم 73.
(11) أخرجه مسلم كِتَابُ الْإِمَارَةِ بَابُ فَضِيلَةِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ، وَعُقُوبَةِ الْجَائِرِ، وَالْحَثِّ عَلَى الرِّفْقِ، برقم (3516).
(12) أخرجه البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، برقم (2310).
(13) كتاب الأموال لأبي عبيد، تحقيق خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص 560.
|