تأملات
بقلم |
عبد الله البوعلاوي |
نحو قراءة تدبّرية لفقه السّنن الكونيّة من خلال القرآن الكريم (6) فقه السّنن الكونيّة ومهمّة الاستخلا |
يحتوي القرآن الكريم على حقائق علميّة تستدعي النّظر والبحث لاكتشافها واستغلالها لتحقيق المنافع الإنسانيّة وتعزيز التّمكين العلمي والحضاري. فهو لا يقتصر على الجانب السّلوكي والأخلاقي فحسب، بل يفتح الأفق للنّظر في الكون وفهم سننه وقوانينه، ليجمع بين خيري الدّنيا والآخرة. ثُمّ إن الرّؤية القرآنيّة تتميّز بخصائص الوسطيّة والواقعيّة في التّشريع والتّطبيق، حيث تجمع بين القيم التّعبديّة والأخلاقيّة لمعالجة ما علق بالنّفس البشريّة من أدران وتشوّهات، وتساهم في تطوّر العلوم وتقدّمها.
يسعى القرآن الكريم إلى توضيح السّنن الاجتماعيّة والكونية التي تحكم سير الحياة، ويدعو الإنسان للتّأمل في تاريخ البشريّة لتحقيق قدر كبير من المعرفة التي ساهمت في النّهوض الحضاري ومواجهة أسباب الهزيمة والتّخلّف. فالاستفادة من النّصوص القرآنيّة تتطلّب فهمًا عميقًا يتماشى مع مشكلات الإنسان المتجدّدة وتغيّرات الواقع. ولا يكفي الإلمام بالعلم الشّرعي وبيان المتشابه والمحكم وإثبات الإعجاز دون معرفة كونيّة متوافقة مع النّصوص القرآنيّة.
إنّ الاهتمام بالنّصوص القرآنيّة من حيث الحفظ والتّلاوة والتّفسير يُشكّل الجناح الأول، الذي يُمهّد لفهم مقاصد القرآن العليا. بينما الجناح الثّاني هو التّعامل مع الواقع ومتغيّراته وفهم السّنن الكونيّة، والذي يُمكّن الإنسان من الارتقاء في مسار النّهوض الحضاري، عبر دمج هذين الجناحين، يصبح الكون مُسَخَّرًا للإنسان بدلاً من أن يكون الإنسان مُسَخَّرًا للكون. إنّ الحفظ الحقيقي لآيات القرآن يتجلّى في الرّبط بين المعاني الرّوحيّة للنّصوص والواقع المادّي. بمعنى آخر، لا يمكن للإنسان أن يتصدّر التّفوّق الحضاري ويكون شاهدًا على النّاس في غياب فهم السّنن التي أرسى بها صاحب الرّسالة قواعد النّهوض الحضاري، حيث كان الوحي يوجّهه في تسخير سنن التّدريج في دعوة النّاس. فلم يبدأ بحمل النّاس على القتال أو تحريمه للخمر والرّبا مباشرة، بل اعتمد على سنّة التّدافع بين الحقّ والباطل بالحكمة والمجادلة بالتي هي أحسن، مُستخدمًا الأدلّة العقليّة والمنطقيّة ولين الخطاب.
لم يكن عمر بن الخطاب، في فترة الرّمادة، يقطع يد السّارق رغم حرصه الشّديد على تطبيق النّصوص القرآنية. ذلك لأنّه، كما فعل النّبي ﷺ، كان يتعامل مع النّصوص وفقًا لظروف الزّمان والمكان، مُراعياً الأحوال التّاريخيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والاجتماعيّة التي تمرّ بها الأمّة.
بينما كان المسلمون في غفلة عن إدراك كيفيّة استخدام الفكر القرآني لحلّ المشكلات الاجتماعيّة والتّربويّة، وافتقارهم إلى الاجتهاد واعتبار الحكم التّشريعي جامدًا، بالإضافة إلى إبعاد أحكام القرآن عن المجالات السّياسيّة والاقتصاديّة، انطلق آخرون في دراسة الكون وسننه وفهم قوانينه. لقد سخّروا كل ما في وسعهم لتحقيق تقدّم مادّي هائل وأصبحوا سادة العالم ووسعوا نفوذهم. لكن هذا التّقدّم كان مقصورًا على الجانب المادّي، حيث تطوّرت العلوم والفكر بعيدًا عن القيم القرآنية.
في مقابل الفكر المادي الذي استفاد من فهم السّنن الكونيّة، سادت أجواء التّقليد والتّمسّك الصّارم بالنّصوص القرآنيّة دون اجتهاد، واعتُبر النّصّ مقدّسًا لا يُمسّ. وقد وُصِف المجتهد بأنّه خارج عن الملّة، ممّا أوجد عوائق أمام العقل في إبداء الرّأي في النّصوص القرآنيّة، وحرم العقل من الاستفادة الكاملة من التّأمّل والتّفكّر في القرآن الكريم. «إنّ الدّعوة إلى محاصرة العقل، والحجر عليه، وقصر الفهم والإدراك والتدبّر لى فهوم السابقين هو الذي ساهم بقدر كبير في الانصراف عن تدبر القرآن، وأبقى الأقفال على القلوب وصار القرآن تناغيم وترانيم»(1).«وأورثنا مناخ التقليد الجماعي الذي عطّل فينا مَلَكة الاجتهاد والإبداع، والإنجاز لقرون طويلة نوعا من العجز المزمن دون سويّة التّعامل مع القرآن، وإدراك سننه في الأنفس والآفاق، والاقتصار على بعض مئات من الآيات نظر فيها الأقدمون على أنّها آيات الأحكام التّشريعيّة..»(2).
وضع القرآن الكريم منهجًا متكاملاً للتّعامل مع السّنن الكونيّة، محرّرًا العقل من القيود البشريّة والفكر السّكوني، ليتمكّن من التّدرّج في فهم السّنن الكونيّة الثّابتة وإدراك السّنن الاجتماعيّة المتغيّرة مع قضايا العصر. بهذا المنهج، وفقًا لقيم القرآن وتوجيهاته الشّموليّة، يعالج الإسلام القضايا الحديثة ويعزّز رؤية الإنسان كمستخلف في الكون، القادر على توظيف العلوم وتحريرها من قبضة الرّؤية المادّية الضّيقة، ليتناغم مع النّصّ القرآني الذي يوازن بين الرّغبات المادّية والطّبيعة الرّوحيّة للإنسان.
إنّ الفصل بين قراءة النّصّ القرآني وقراءة الكون يعتبر خروجًا عن الرّؤية القرآنيّة في إصلاح الكون والمجتمع. وأيّ محاولة لتطبيق النّصوص القرآنيّة دون مراعاة التّحوّلات الاجتماعيّة والواقعيّة أو فهم السّنن النّفسيّة والكونيّة تُعتبر إساءة للوحي، وإلغاءً للرّؤية القرآنيّة وعدم توافقها مع التّقدّم العلمي والحضاري. هذا الفصل يؤدّي إلى تهميش قدسيّة النّصّ القرآني، ويعتبر سقوطًا أخلاقيًّا، حيث أسفر التّقدّم العلمي والمعرفي في غياب القيم القرآنيّة عن إزهاق ملايين الأرواح في الدّول المستضعفة نتيجة الرّغبة في السّيطرة. و«توصّل العلم الأمريكي لاكتشاف الفضاء، لكن لكي تنتصر أمريكا فتهلك مليون شخص في اليابان، فهذا شيء لا يطاق.. الضّمير الأوروبي قد يكون قاسيا كالحجارة في معاملته للشّعوب التي بلغها. الفارق بينه وبين الإسلام، الفارق بين السّماء والأرض..فهو دمّر النّاس(الجنس الأحمر في أمريكا وفي أستراليا)، وبعمليّات صناعيّة اشمأز منها الأدباء الأوروبيّون وأصحاب الفطرة»(3).
إنّ الجمع بين فهمنا للوحي وفهمنا لسنن الكون يوفّر لنا فرصة للتّقدم واستعادة النّهوض الحضاري، والتّمكين في الكون وفقًا لقيم القرآن. إذ أنّ الوحي يرشدنا إلى فهم الكون، والكون يبرز لنا دلائل الوحي. فقد جعل اللّه تعالى الكون المعنوي، المتمثّل في القرآن، متطابقًا مع الكون المادّي.
ترتبط الرّؤية القرآنيّة الشّموليّة بكلّ جزء من الكون، حيث يتناغم الكلّ مع الجزء، ويرتبط الجزء بالكلّ، ممّا يخلق وحدة معرفيّة متكاملة تجمع الأجزاء بالمقاصد العليا. وبذلك، يتمّ قراءة كلّ جزء من الكون من خلال منظور قرآني، ممّا يجعل المعرفة الكونيّة موجّهة ومهذّبة بروح القرآن الكريم.
لقد وضع القرآن الكريم الأسس الرّئيسية للفكر الإنساني، محدّدًا القيم الرّوحيّة والمادّية اللاّزمة لعمارة الأرض وإصلاح الإنسان. كما أمر بالنّظر في مختلف العلوم الكونيّة وسرد القصص، سواء تلك التي تتناول الاستبداد السّياسي كما في نموذج فرعون(4)، أو الاستغلال الاقتصادي وتفريط الميزان كما في نموذج قارون(5)، أو الانحراف الأخلاقي كما في قوم لوط(6)، وغيرها من القصص التي تهدف إلى تربية النّفس وتزكيتها بالقيم القرآنيّة. الهدف هو صياغة فكر شمولي يستوعب الحركة الإنسانيّة وتطوّراتها المادّيّة والنّفسيّة.
إنّ النّصّ القرآني يُعرّف الإنسان بالكون بأدقّ تفاصيله، ويربط تفكيره بكلّ مكوناته، ممّا يجعل فطرته الرّوحيّة تتناغم مع الكون المادّي. هكذا، تصبح الحياة المادّية زينة تُبرز تجلّيات القدرة الإلهيّة، وتكشف العلاقة بين منطوق النّصّ القرآني والحال الكوني.
تساعد القراءة التّدبّريّة للوحي في فهم دور الإنسان في الكون، وتمكّن من الاستبصار بروح الوحي في كشف العلاقة بين عالم الغيب والإنسان والكون. بينما الثّقافة التي تنمو خارج هذه العلاقة تضرّ الإنسان والكون معًا، لأنّها ثقافة مادّيّة نشأت في ظلّ الحقد الكنسي، ممّا أنتج جيلًا معاديًا لعالم الغيب ومعتبرا كلّ فكر غيبي ديني تخلفًا وانهزاميّة.
للعودة إلى الشّهود الحضاري، يجب على الأمّة الإسلاميّة أن تعيد تطبيق حاكميّة القرآن في حياتها الاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، وتقوم بتصحيح جميع جوانب الحياة الإنسانيّة وتطويرها، روحًا ومادّة، وفقًا لخصائص القرآن الكريم.
نحن بحاجة إلى قراءة متبصّرة للنّصّ القرآني لندرك العلاقة بين الوحي والكون، « بحيث يكون النّصّ بمثابة مرآة تعكس الكون المادّي، ممّا يساعد على تصحيح الرّؤى والأفكار السّلبيّة التي تراكمت عبر الأجيال من خرافات وأساطير. يجب أن نسعى إلى خلق توأمة بين القرآن الكريم والكون، متجاوزين الفكرة المادّية التي تحدّد بداية الكون قبل حوالي 13.7 مليار سنة، والتي تفترض أنّ الذّرة الأولى انفجرت لتكون سحابة من الدّخان التي تشكّلت منها الأرض وبقيّة الأجرام السّماويّة»(7).
أمرنا اللّه بالتّأمّل في بداية الخلق، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت : 19) . ومعرفة كيفيّة بداية الخلق تتطلّب جهدًا فكريًّا وقدرات عقليّة متقدّمة، بما في ذلك ابتكار علوم مثل علم الحفريّات. هذا التّوجيه الإلهي للإنسان يدعونا لاستكشاف الكون بعمق، وتقدير القدرة المتصرّفة في خلقه. «وإنّما أمر بالسّير في الأرض لأنّ السّير يُدني إلى الرّائي مشاهَداتٍ جمَّة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحوِيَّاتها، ويمرّ به على منازل الأمم حاضرها وبائدها، فيرى كثيرا من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جَوَلاتًا لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات...فالسّير في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدّلائل، فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحِكمة»(8).
إنّ فهم النّصّ القرآني هو الخطوة الأولى لإعمال الفكر في تطبيق الأحكام الشّرعيّة واكتشاف السّنن الكونيّة المدرجة في القرآن. عند قراءة القرآن بهدف فهم رؤيته للكون، نجد أنّ النّصّ يقدّم منهجًا سليمًا للتّعامل مع الكون ومعرفة السّنن الفاعلة في عمليّة النّهوض الحضاري، مثل التّدرّج، الآجال، التّدافع، اكتشاف الذّات، المؤهّلات العلميّة والمادّية، التّسخير، معرفة الكون، والموارد البشريّة والطّبيعيّة.
تمتلك الأمّة الإسلاميّة دستورًا قادرًا على تحقيق النّهوض الحضاري على جميع الأصعدة من خلال قيم ثابتة لا تتغير، ممّا يمكّن الإنسان من استعادة دوره الاستخلافيّ في الأرض وتوازن حياته في ظلّ المتغيّرات الاجتماعيّة والكونيّة، مع تحقيق التّوازن بين الجوانب الرّوحيّة والمادّية.
«إن القرآن الكريم هو الذي يُحدِث التّغيير، ويُحقّق النّهوض، ويبني الحضارة، ويُقيم الأمّة الشّاهدة على النّاس، هو القرآن الذي يُزكّي النّفس ويُنقّي القلب ويُحرِّك المشاعر، ويلهب العواطف، ويُوقِظ الوعي، ويُلْهِم العقل، وليس القرآن الذي تحوَّل إلى المقابر وأَسِرَّة المرضى، واقتصرت تلاوته على الموتى والجنائز»(9).
القرآن الكريم هو كتاب يتناول الكون بكلّ جوانبه، ويشكّل أساسًا للتّمكين الحضاري، حيث أودع اللّه فيه حرارة التّفكير والبحث العلمي، ممّا يعزّز منفعة الإنسان على الأصعدة المادّيّة والرّوحيّة. لقد كسّر القرآن الكريم الحواجز الجغرافيّة التي تفصل بين البشر، وجعل التّفوّق والرّفعة مرتبطين بالتّنافس في القيم الأخلاقيّة وتقديم النّفع للإنسانيّة. كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (البقرة: 177).
أسّس القرآن الكريم فكرًا متكاملًا يجمع بين عالم الغيب وعالم الشّهادة، موحدًا بين المصدرين من خلال قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾. جعل القرآن النّهوض الحضاري متّصلاً بكلا العالمين، حيث لا ينفصل الإيمان بالغيب عن التّفاعل مع الواقع، بل يتكاملان لتحقيق التّقدّم والازدهار. «ذلك أنّ القرآن الكريم وضع المبادئ العامة، وبيّن السّنن التي تحكم الحياة والأحياء؛ تلك القيم القرآنيّة هي التي تشكّل المرجعيّة والمنطلق، وتضبط المسار وتوجّهه، وترسم الفضاء الكبير لحركة الإنسان والاضطلاع بوظيفته في الاستخلاف وإقامة العمران وتعمير الأرض وفق هذه القيم»(10).
إنّ التّطبيق العملي لآيات القرآن الكريم وفهم سنن الكون وقوانينه والتّعامل مع متغيّراته هو السّبيل لتحقيق النّهوض الحضاري وتمكين الإنسان من عمارة الأرض والاستخلاف فيها. ولا يمكن لأمّة تؤمن بقدسيّة النّصّ القرآني وبقدرته على التّأثير الإيجابي أن تكتفي برفع شعار «القرآن هو الحلّ» للخروج من أزمة التّخلّف وتحقيق النّهوض الحضاري دون أن تبذل جهدًا حقيقيًّا في استكشاف الكون المادّي وتوظيف القدرات العقليّة والفكريّة لفهم سنن التّمكين واستخراج العلوم الكونيّة المختلفة التي تعود بالنّفع على البشريّة.
والذي «يعزّز الإيمان بالتّكامل بين النّصّ القرآني والكون كثرة الآيات التي تدعو للتّعامل مع الكون والاستفادة من تسخيره. فإنّه من المناسب الاستفادة ممّا تكشفه البحوث العلميّة عن دقّة النّظام الكوني، والتّناسق المطلق بين أجزائه، وضبط حركته في المجالات الفلكيّة والطّبيعيّة والحيويّة، لتوسيع نطاق فهمنا لدلالات هذه النّصوص القرآنيّة»(11).
تتجلّى الحكمة في تقدير المخلوقات وفق نظام الكون بدقّة متناهية، حيث تتناغم حركة الكون وضبطه وفق قدر معلوم. وهذه الدّقّة في التّقدير تمنح الإنسان القدرة على فهم سنن الكون، ممّا يجعله مؤهّلاً لأداء مهمّة الاستخلاف في الأرض. إنّ التّوافق بين منهج القرآن الكريم الشّمولي وأساليب تبيانه وجمال الكون وجزئيّاته المنتظمة يُظهر كيف أنّ النّصّ القرآني والكون في تناغم وتكامل لتحقيق النّهوض الحضاري، ذلك أنّ «المنهج القرآني يُوجِّه الأنظار إلى ضرورة «التّفقّه» في خلق الكون وطبيعته»(12)، وما يحمله من دلالات. هذا التّوجّه يُمكِّن الإنسان من الاستفادة من جمال الكون وكنوزه، ويعزّز فهمه لجمال الأسلوب القرآني، الذي يدمج بين الرّوح والمادّة في حياة الإنسان. لقد بُني المنهج القرآني وفق نظام الكون، حيث يظهر التّناسق بين آيات الكتاب التّشريعي وآيات الكون المادّي. وكلّما تدبّر الإنسان القرآن الكريم وتفاعل مع آياته، زادت قدرته على تسخير آيات الكون واكتشاف زواياه المختلفة وإدراك سننه المنتظمة وفق المشيئة الإلهية.
لقد بُني المنهج القرآني وفق نظام الكون، حيث يتجلّى التّناسق بين آيات الكتاب التّشريعي وآيات الكون المادّي. وكلّما تأمّل الإنسان في القرآن الكريم وعمّق تدبّره لآياته، زادت قدرته على تسخير آيات الكون واكتشاف أبعادها المختلفة. هذا التّوافق بين النّصّ القرآني والكون يُمكّن الإنسان من فهم سنن الكون المنتظمة وفق المشيئة الإلهيّة.
الهوامش
(1) كيف نتعامل مع القرآن، محمد الغزالي، ص: 24
(2) نفسه ، ص: 25
(3) كيف نتعامل مع القرآن ، محمد الغزالي، ص: 282
(4) ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ،وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (القصص: 76-77).
(5) ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ،إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ،أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (الشعراء: 176-183).
(6) ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ (النمل: 54-55). والاستفهام في « ﯡ» إنكاري، وجملة«أتاتون الذكران» حل زيادة في التشنيع، أي تفعلون ذلك علَنا يبصر يعضكم بعضا، فإنّ التّجاهر بالمعصية معصية لأنّه يد على استحسانها، وذلك استخفاف بالنّواهي(التّحرير والتّنوير، محمد الطاهر بن عاشور، ج 19/ ص،: 288).
(7) الإنسان والكون في العلوم المكتسبة وفي الإسلام، للدكتور راغب محمد النّجار زغلول،ص: 52-53، مقدمة الكتاب، دار المعرفة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى،1430 هـ /2010م ، بتصرف جدّ يسير
(8) التحرير والتنوير، للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، 20/230،الدار التونسية للنشر، الطبعة الأولى، 1984م
(9) التي هي أقوم، عمر عبيد حسنه، ص: 67، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1431ه/2010م
(10) التي هي أقوم ، عمر عبيد حسنه، ص: 79
(11) مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب، ص: 328 بتصرف
(12) نفسه ، ص: 242.بتصرف
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾(الأنعام : 98-100)
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾(يونس : 5-6).
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾(الفرقان : 47-49)
|