فقه المعاملات

بقلم
الهادي بريك
من فقه المعاملات المالية في الإسلام الحلقة 8 : الإرتشاء : فقهه ومقاصده وأحكامه وأحواله
 هذا موضوع له من الحساسيّة الدّينيّة بمثل ما للرّبا. وقد تقدّم في الحلقات المنصرمة أنّ المشكلة ليست في تعاليم الدّين التي يتباهى كتابها دوما بأنّها آيات مفصّلات. ولكنّ المشكلة في الفهم الصّحيح الذي يجعل التّنزيل سقيما إعوجاج ظلّ عود أعوج. 
لا خلاف على أنّ الرّشوة ـ التي فيها حديث صحيح سنعرض إليه هنا بحوله سبحانه ـ هي ضرب واحد من ضروب كثيرة من أكل أموال النّاس بالباطل. لا تجد في الإسلام كلّه عنوانا أوسع من ذلك العنوان المتعلّق بحرمة الإنسان في ماله (أكل أموال النّاس بالباطل) حتّى إنّ بعضهم قال ـ نظرا سياقيّا صحيحا ـ أنّ أكبر الكبائر ـ بعد الشّرك باللّه سبحانه ـ هو أكل أموال النّاس بالباطل بسبب أنّ آية البشرى والرّجاء في سورة النّساء ـ التي أخبرت بأنّ إجتناب الكبائر فحسب مفض إلى مغفرة السّيئات ـ ذكرت أكل أموال النّاس بالباطل في ذلك السّياق نفسه(1). ولكنّ أكل أموال النّاس بالباطل له صور كثيرة لم يذكر منها التّشريع عدا ما هو شائع خاصّة أيّام التّنزيل (2)، ولكنّ العبرة ليست بالصّورة المذكورة أو غيرها. إنّما العبرة بذلك العنوان الأصليّ الحاكم المتبوع الذي يمكن أن يستحدث له النّاس ألف صورة وصورة. 
القرآن الكريم لم يذكر الرّشوة مبنى، ولكن ذكرها معنى في آية مخيفة في سورة البقرة: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(البقرة: 188).  ذكره هنا الحكّام (القضاة ومن في حكمهم) دليل على أنّ المقصود بالأصالة هي الرّشوة. ولكنّ الرّشوة نفسها تتّخذ لها صورا أخرى، ولذلك شدّد التّشريع مرّات بقوله (ظاهر الإثم وباطنه) إذ أنّ باطن الإثم هو ما يوطّأ بإستتار بل ربّما من دون علم المأكول ماله نفسه باطلا. ولذلك تحدّث الفقهاء عن الحكم القضائيّ في الدّنيا وهو نافذ حتّى لو كان ظالما، وعن الحكم الدّيانيّ في الآخرة وهو الذي يبلوه هناك من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور وحده سبحانه. كما عدّ بعضهم كلّ صور التّهادي والتّعاطي في هذا المشهد (بين قاض ومتّهم مثلا أو بين متّهم وشاهد) رشوة. وهو إتّجاه صحيح لسدّ ذريعة أكل أموال النّاس باطلا وبصور ظاهرها البراء وباطنها الإرتشاء. 
أمّا الحديث النّبويّ فهو أنّه ﷺ  لعن الرّاشي والمرتشي والرّائش بينهما. أخرج الحديث ببعض الإختلافات الصّغيرة بعض أهل السّنن (التّرمذيّ وأبو داود) وأحمد وإبن حبّان عن إبن عمر وأبي هريرة (3). ليس الحديث صحيحا لا يطاله سندا أيّ مقال، ولكنّ معناه صحيح كلّ صحّة، إذ هو متناسق كلّ تناسق مع القرآن الكريم الذي حمل حملات ضارية قاسية ضدّ جريمة أكل أموال النّاس بالباطل ومع السّنة نفسها التي شنّعت كلّ تشنيع وتغليظ وتفظيع على الجريمة ذاتها (4) ومع مقاصد الإسلام التي يكون أعلاها البتّة صون الإنسان في ماله(5). بل هو حديث تقبله العقول كلّ قبول حسن بعد أن رحّبت به النّقول كما رأينا والأصول. وهو ينتمي إلى المنطقة التي تشدّد فيها الرّحمان الرّحيم سبحانه كلّ تشدّد، أي حرمة الإنسان في كلّ أبعاده حتّى الماليّة منها والمادّية. 
المشكلة إذن ليست في العنوان الأعظم (أكل أموال النّاس بالباطل) ولا في الإرتشاء عندما يكون إرتشاء يراد منه صورة من صور العدوان على الحرمة الماليّة للإنسان ـ كلّ إنسان ـ، ولكنّ المشكلة هي في أمرين : أوّلهما هو أنّ أكثر النّاس ـ بسبب فقر شنيع في العلم من جهة وتديّن شديد في بعض الأمور من جهة أخرى ـ يظنّون كلّ مشهد فيه أخذ مال بغير رضى هو إرتشاء محرّم (6). الأمر الثّاني هو أنّ الإرتشاء ـ مثل المشهد الرّبويّ نفسه ـ تغشاه حالات الضّرورة، بل هناك هنا متغيّر آخر، وهو أنّ المشهد الإرتشائيّ تغشاه حالات المقاومة الماليّة لمقهور يحسن تفعيل فقه الموازنات. كلّ ذلك نراه بحول اللّه هنا
الأصل اللّغويّ للرّشوة
معرفة الأصل اللّغويّ هنا بصفة خاصّة مهمّ، بسبب أنّ الصّحابة ـ كما سنرى ـ يستخدمون هذا الفعل (رشى) بمعناه اللّغويّ. وليس بمعناه الدّينيّ. والحقّ أنّه ـ وليس لطلبة العلم فحسب لمن يريد تديّنا صحيحا مبناه التّفكير الصّحيح وليس الجارحة القويّة فحسب ـ لا مناص من تغذية الكلمة (كلمات كثيرات) بأبعادها الثّلاثيّة المعروفة: اللّغويّ و العرفيّ  والشّرعيّ (7). 
الرّشوة من فعل (رشى) ومضارعه يكون (يرشي ويرشو) إذ المصدر (رشية ورشوة) ومصادر أخرى لا أرب لنا فيها الآن. الذي يهمّنا هنا هو أنّ من معاني الرّشوة (الرّشاء : الحبل الذي يكون وسيلة أو ذريعة بين شيئين. ويستخدم هذا كثيرا عند البدو الذين يجلبون الماء بدلائهم من الآبار العميقة). الرّشوة هي إذن حبل بين طرفين. من الطّريف هنا ـ وممّا يرسّخ لدى طالب العلم علمه ـ أنّه ورد في بعض كتب الحديث أنّ بعض الصّحابة من أهل المدينة لمّا نزل الأمر في سورة الحجرات بعدم رفع الصّوت عنده ـ ﷺ ـ كانوا يتوسّلون إلى سؤاله عمّا يعنّ لهم برشوة الأعراب الذين يفدون عليه من حين لآخر. قالوا : كنّا نرشيهم بالثّوب. أي نعطيهم الثّوب رشاء وحبلا بيننا وبينهم حتّى يكون ذلك ثمنا لسؤالهم رسول الله ﷺ عمّا نتأخّر عنه. جاء في رواية بعضهم أنّهم يفعلون ذلك خشية الوقوع تحت ذلك النّهي المتقدّم في سورة الحجرات. وجاء في رواية أخرى أنّ بعضهم يستحي أن يسأله ﷺ عن شيء يكون في خطاب أهل المدينة ـ وهم حضر ـ غير مدّثر في سرابيل الحياء المعروفة. ولكنّ الأعراب الذين لا يغشونه إلاّ قليلا لا يستهجنون ذلك. الذي يهمّنا هنا هو إستخدامهم لكلمة الرّشوة، أي معناها اللّفظيّ. هل هذه رشوة محرّمة؟
معنى الرّشوة ومقصدها
الرّشوة في اللّغة ـ كما مرّ بنا ـ هي علاقة ما تبنى بين طرفين لقضاء مأرب. مثل رشاء الدّلاء في حبالها أن تهوي في الآبار العميقة. أمّا معناها الإصطلاحيّ الذي جاء به الدّين (هي إذن من الكلمات التي إهتمّ بها الدّين ليجعل لها معنى شرعيّا) فهي صورة من صور أكل أموال النّاس بالباطل. وهي عادة ما تكون مالا ـ أو خدمة أو ما يمكن أن يكون في محلّ المال والخدمة نفعا ـ يتوسّل به ظالم معتد بغرض تبرئته وعادة ما يدفع ذلك المال المرتشى إمّا إلى من بيده الحكم (قاض عادة) بشكل مباشر (وهذا نادر) أو بشكل غير مباشر (وهو الأكثر). 
كلّ مال ـ أو ما في حكمه إذن ـ يدفع من ظالم معتد ـ وليس من مظلوم كما سنرى في المقصد ـ لأجل إقتطاع مال محرّم ولو بمقدار (شملة دخل بسببها شهيد النّار) بدون إذن صاحب المال هو رشوة محرّمة. ولكن سمّيت رشوة لأنّها حبل رابط وعلاقة واصلة وذريعة بين طرفين. ولكن ما مقصدها؟ 
المقصد الأسنى لتحريمها لم يتردّد الخطاب القرآنيّ طرفة عين واحدة في ذكره بالتّعيين. وذلك عندما قال في رحم الآية ذاتها ﴿ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. 
المشكلة الأخرى ـ عدا ضحالة العلم والزّهد فيه سيما مع جذوات تديّن صادقة عند المسلمين ـ هي إهمال المقصد من أيّ حكم شرعيّ عمليّ. طلبة العلم يعلمون حقّ العلم أنّ إهمال المقاصد ـ كما بيّن ذلك إبن عاشور نفسه في سفره المقاصديّ ـ كارثة. وخاصّة لمن يحشر أنفه من دون علم في مباحث العلم أو من يفتي النّاس. ولذلك حرّر إبن القيم ـ وهو أكثر من حرّر في هذا ـ صفحات طويلات في سفره العظيم (إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين) مبيّنا أنّ من يفتي النّاس خاطئ مخطئ إذا لم يفقه مقاصد الشّريعة، حتّى لو كان علاّمة العلاّمات بالقرآن الكريم والسنّة واللّسان العربيّ وغير ذلك. وهو الذي قال في كتابه : «أحصيت بنفسي مواضع التّعليل والتّقصيد في الكتاب العزيز، فلمّا ناهزت ألفا منها أرخيت الحبل على عواهنه». يعني أنّ الكتاب الكريم يذكر العلّة في مواطن كثيرة، ولكن ليس في كلّ المواطن. ذلك أنّ المقصد هو (روح الحكم) كما قال فيه بحقّ متفكّر مسدّد. حكم عار من علّته ومقصده هو مثل جسد ميّت، وبمثل ذلك مقصد لا حكم منه ولا فيه روح تائهة في الفضاء لا يحيا به إمرئ. هما صنوان شقّان لا ينتكثان بل يتكافلان على نحت الحقّ. 
هنا لمّا شدّد كلّ تشديد على صورة من صور أكل أموال النّاس بالباطل (الرّشوة معنى وليس مبنى في سورة البقرة كما تقدّم معنا)، ذكر المقصد الذي هو ﴿ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾. بل إنّ قوله قبل ذلك ﴿ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ ﴾ فيه إشارة وسائليّة إلى المقصد حتّى يبيّن لنا المشهد الإرتشائيّ كلّ تبيين. كما فعل مع المشهد الرّبويّ كما مرّ بنا في حلقات منصرمة. ذلك أنّ المشكلة عند كثير من المسلمين وعند أكثر المتديّنين ـ سيما من الأحداث الذين لم يتعلّموا ولكن يحشرون أنوفهم فيما لا يعلمون ـ هي معالجة زاوية واحدة من زوايا المشهد سواء كان ربويّا أو إرتشائيّا، أي سياسة الإنتقاء البليدة. 
المقصد من حرمة مشدّدة للرّشوة هو : أكل أموال النّاس بالإثم. ولو كان بعضا من ذلك ﴿ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ أي بعضا منه فحسب. كما خطم كلّ ذلك المشهد الإرتشائيّ بما تباهى به مئات المرّات أنّه مفصّل بقوله ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ وذلك حتّى يكون منسجما كلّ إنسجام مع قيمة أخرى مذكورة في مواضع منها في سورة الأحزاب ﴿...وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ... ﴾(الأحزاب:5). وكذلك في صيد البرّ للمحرم ﴿...وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا...﴾(المائدة:95). 
وقد ورد هذا مرّات حتّى أضحى بالإستقراء الشّامل الصّحيح أنّ الإثم هو على المتعمّد للإثم. وليس على المخطئ من سبيل أو من في حكمه نسيانا أو إكراها بأيّ صورة. الإثم هنا على من أكل أموال النّاس بالإثم باطلا ورشوة وهو يعلم أنّه مال محرّم عليه. معنى ذلك ـ بمفهوم المخالفة كما يقول الأصوليّون بل وعقلا وقياسا ـ أنّ من إبتلي من ذلك بشيء وهو مكره فلا شيء عليه. 
ولكن نعود مرّة أخرى إلى هذا السّؤال المهمّ الكبير ـ كما مرّ بنا في مباحث الرّبا ـ (من يحدّد تلك الإكراهات)؟ وهل يعطي الرّاشي ـ كما سمّاه الحديث أي معطي الرّشوة ـ ماله مكرها؟ وهل هناك من يفعل ذلك راضيا مرضيّا؟ الأمر نفسه كما ورد في الرّبا : آكله آثم مقترف لكبيرة من أعظم الكبائر التي قد لا تغفر حتّى يوم القيامة إلاّ بغفران صاحبها وهو مستبعد سيما في ذلك اليوم. مثل ذلك : آكل الرّشوة آثم مقترف لكبيرة متعلّقة مباشرة بأعظم أركان مغضبات اللّه سبحانه، أي العدوان على الإنسان في ماله. 
الحديث هو دوما ـ هنا وهناك ـ على من أكره على صرف ربا أو صرف رشوة. هذه حالة أخرى لها حكمها الخاصّ لأنّها من الضّرورات، وذلك هو منطق الشّريعة : تبيّن المحرّمات لذاتها ممّا لا يقترفه عدا شقيّ كلّ شقاء حتّى وهو مؤمن. ثمّ تبيّن المحرّمات لغيرها ممّا يضطرّ إليه النّاس. ولكن السّؤال هو : من يحدّد الضّرورة؟. 
ليس المعنى التّحديد الفكريّ الذي حبّر فيه الفقهاء ما حبّروا، ولكنّ المعنى هو من يفتي هذا بأنّه في هذه الحالة (له أو عليه) أن يعطي بعضا من ماله رشوة إعمالا لمقصد تشريعيّ أعظم وهو حفظ المال. وما لا يحفظ إلاّ بإزهاق المال فهو يحفظ بذلك. وهنا ندخل منطقة التّوازنات. ولنا عليها أمثلة تأتي إن شاء اللّه في مظانّها. ولكن دعنا نلتقط منذ الآن أنّ من أكره على بذل جزء من ماله لأجل صون بقيته وحفظه فهو مأمور شرعا بذلك، وليس له أن يعدّ ذلك عملا مستحبّا. ولا بدّ من التّذكير كذلك مرّة من بعد مرّة أنّ حفظ الكلّيات الضّرورية الخمس العظمى المعروفة (8) ، لها وسائل أسموها (إيجابية من مثل عمل كذا لحفظ كذا. وسلبية إنتهاء عن كذا لحفظ كذا). المهمّ هو أنّ كلّ ما يتعلّق بها هو مقدّم في الشّريعة مرفوع معلى، وعند التّعارض يوظّف غيرها لخدمتها، وليس توظّف هي لخدمة غيرها. من ذلك ـ تأصيلا أصوليّا شرعيّا هو الأعلى حتّى لو زهد فيه بعضهم ـ أنّه ﷺ همّ بإعطاء قبيلة غطفان وهي مشركة محاربة وفي حالة حصار حربيّ خانق ثلث تمر المدينة (9) إغراء لها بفكّ الحصار العكسريّ التي تتكافل فيه مع قريش عن المدينة. ماذا يمكن لك أن تسمّي هذا الفعل النّبويّ ـ وهو ماض لولا أنّ الأنصار أبدوا غير ذلك ـ؟ أنّى له أن يعطي قبيلة مشركة كافرة في حالة حرب ضده ثلث ميزانيّة الدّولة؟ هو فقه موازنات وترتيب أولويات. ولك بقالة إبن تيمية خير معتصم هنا «ليس العاقل من يعلم الخير من الشّر. إنّما العاقل من يعلم خير الخيرين وشرّ الشّرين» (10). أي أنّه يمكن ـ بل يجب في حالات الضّرورة ـ بذل المال رشوة لمن لا يستحقّه بغرض حفظ بقيّة المال. إذ لو دخلت قريش وغطفان المدينة في الأحزاب لفعلوا ما يفعله العدوّ الصّهيونيّ اليوم إسما ورسما بغزّة ولبنان. 
ذلك هو الأصل الآصل للرّشوة : إثم كبير جدّا عندما تكون شكلا من أشكال العدوان على الإنسان في ماله ولو من خلال قاض أو حاكم أو (رائش كما جاء في الحديث)، أي وسيط. ولكنّ تلك الرّشوة نفسها تكون واجبا إسلاميّا عندما يكون وسيلة لحفظ المال أو ما بقي من المال أو لحفظ ما هو أغلى من المال. أي الدّين والأمن والبلاد والنّاس وغير ذلك. ذلك هو منطق الشّريعة : ما يفسد النّاس هو محرّم كلّ تحريم، وما يصلحهم هو مطلوب كلّ طلب، ولأهل الذّكر تكييف كلّ تلك الصّور تكييفا صحيحا. وليس الصّمت عندما يرفع الجهلى عقائرهم بالحديث فيما لا يحسنون خلطا بين ما هو محرّم إرتشاء وما هو مطلوب. 
العبرة في الإسلام لم تكن يوما ـ ولن تكون ـ بالأسماء. بل بالمعاني. وخاصّة في مجال المعاملات ماليّا وإداريّا وسياسيّا وشأنا عامّا.
الهوامش
(1) قوله تعالى : ﴿ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾(النساء: 31)
(2)  أكل الرّبا والإرتشاء والسّرقة والتّطفيف والقالات التي تفضي إلى ذلك من مثل شهادة الزّور والكذب وغلول المال العامّ وغير ذلك.
(3) روى الإمام أحمد والأربعة وحسنه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله الراشي والمرتشي في الحكم.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عمر عن النبي ﷺ: الراشي والمرتشي في النار.
(4) في حديث الغلول مثلا حتّى لمن غلّ شملة صغيرة وهو مؤمن مسلم صحابيّ مقاوم مجاهد شهيد، يقول ﷺ: «إياكم والغلول، فإنّه نار وعار يوم القيامة» وعن عمر بن الخطاب  قَالَ: لمَّا كَانَ يوْمُ خيْبرَ أَقْبل نَفرٌ مِنْ َصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلانٌ شهِيدٌ، حتَّى مَرُّوا علَى رَجُلٍ فقالوا: فلانٌ شهِيد. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: كلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّها أَوْ عبَاءَةٍ رواه مسلم.
(5) مع حياته وعقله ودينه وعرضه ونسبه وغير ذلك ممّا أضافه المجتهدون المعاصرون.
(6) كما مرّ بنا في ظنّهم أنّ كلّ إعطاء للرّبا ـ وليس أكلا البتّة ـ تحت بعض صور القهر والضّرورة هو ربا محرّم.
(7) المعنى اللّغويّ وهو الأصل الحاكم ـ المعنى العرفيّ وهو المتغيّر ـ المعنى الشّرعيّ الحادث الذي إختص بكلمات طلاها بطلائه فأصبحت دينية قحّة ولكن لا يغفل مثابر عن معانيها اللّغوية الأولى حتّى يكون طالب علم مسدّد.
(8) وقع الإجتهاد في داخلها ـ وليس في خارجها أي في سلّمها ـ كثيرا فمنهم من توسّع فيها ومنهم من خطمها كلّها بخطام واحد هو الإنسان ومنهم من قدّ بديلا معتبرا مهمّا عن صياغتها الفردية. وكلّ هذا ربّما نعالجه في مواضع أخرى.
(9) أي تقريبا ثلث ميزانية الدّولة النّاشئة بسبب أنّ تمر المدينة هو من أكبر مصادر الميزانية
(10) شيخ الإسلام ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ط مجمع الملك فهد (ج20/ص54)