بحوث

بقلم
لسعد سليم
الكبائر في القرآن الكريم الجزء الأول: الشّرك بالله/قتل النّفس/الفواحش
 تطرّقت في مقالتين سابقتين في هذه المجلّة إلى حدود اللّه (1) والفاحشة(2) في القرآن الكريم. وكما ذكرت كان الدّافع لهاته المقالات التّفاعل مع الحملة التي شهدتها تونس في 2017/2018 المطالبة بتغيير الأحكام المتعلّقة بالميراث بدعوى المساواة بين الجنسين وإباحة الشّذوذِ الجنسي (إبطال الفصل230 من قانون العقوبات) بدعوى الحرّيات الفرديّة خاصّة، وأنّ مواقف الكثير من المحسوبين على التّيار الإسلامي لم تكن واضحة، الأمر الذي أحدث التباسا لدى كثير من النّاس في مسائل الأصل فيها أنّها معلومة من الدّين بالضّرورة. ففي سورة النّساء وصف اللّه سبحانه نسب الميراث بأنّها حدّ من حدوده، الأمر الذي جلب الانتباه خاصّة وأنّ الحدود في موروثنا (الفقهي) الإسلامي، متعلّقة بالعقوبات فقط لا غير: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ (...) تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»﴾(النّساء:11-14).
وقد تبيّن أنّ حدود اللّه المذكورة في القرآن هي ستّة فقط لا غير، لا تتعلّق أيّ واحدة منها بالعقوبات. بل كلّها مرتبطة بالعلاقة الزّوجيّة/الطّلاق، وكلّها نزلت بالمدينة وهي: منع الجماع والأكل والشّرب أثناء الِصّيَام، ومنع أخذ ممتلكات الزّوجة بعد الطّلاق، ولزوم زوج آخر للتّراجع بعد الطّلاق الثّالث، وأحكام الميراث، ومنع إخراج المطلّقة من بيت الزّوجيّة، وكفارة مظاهرة الزّوجة
نفس الأمر ينطبق على مسألة الفاحشة، ففي موروثنا الفقهي وقع «تعويم» مصطلح الفاحشة من القول الفاحش إلى الطّواف حول الكعبة عاري الجسد ألخ، بينما حدّدها اللّه في كتابه الكريم أربعة أنواع لا غير في آيات جلّها مكّية: الزّنا (العلاقة الجنسيّة بين امرأة متزوّجة مع غير زوجها، والعلاقة الجنسيّة بين الرّجال (فاحشة قوم لوط)، والعلاقة الجنسيّة بين النّساء(السّحاق)، ونكاح مَا نَكَحَ الآباء مِنَ النِّسَاءِ (عادة  كانت منتشرة عند العرب).
وخلال البحث في مسألة الفواحش في القرآن الكريم، تبيّن أنّ اللّه سبحانه قرنها بالكبائر عند ذكرها أوّل مرّة في سورة النّجم، وهي من أوّل ما نزل من السّور (السّنة الأولى من البعثة، بعد سورة الإخلاص وقبل سورة عبس)(3) : «﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى* الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾(النجم:32-33)، فكان هذا دافعا لبحث الكبائر كما وردت في كتاب اللّه خاصّة وأنّ كتب الفقه الإسلامي لا تعطي جوابا محدّدا لهاته المسألة، فصارت الكبائر أحيانا «لا يعرف جميعها»(4) عند بعض الفقهاء  بينما تتعدّى السّبعين عند البعض الآخر، يستوي فيها قتل النّفس بسؤال المرأة الطّلاق.(5) (6)
كلمة كبائر في القرآن الكريم
ذكر سبحانه وتعالى كلمة كبائر في كتابه العزيز ثلاث مرّات، حسب ترتيب النّزول(7): 
1) ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى* الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾(النجم:32-33)
2) ﴿فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَىْءٍ فَمَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَٰٓئِرَ ٱلْإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾(الشورى:36-37)
3) ﴿إن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا﴾ (النساء:31)
وقد ورد فقط ذكر الفواحش، ولم يحدّد سبحانه وتعالى في هذه الآيات الثّلاث باقي الكبائر التي جعل تجنّبها شرطا لتكفير السّيئات والفوز بالجزاء الحسن الخالد أي بعبارة أخرى جعلها أساس الدّين أي الحضارة وبالتّالي أساس النّهضة.
ولتحديد هاته الكبائر، وقع تتبّع الآيات التي وردت فيها مختلف صيغ التّحريم/الاجتناب/عدم القرب/النّهي/اللّعن والتّهديد من اللّه عزّ وجل بالعذاب الأليم/الشّديد وبالخلود في النّار. فتبين أنّ الشّرك باللّه جلّ جلاله وقتل النّفس والزّنا هي أوّل كبائر توعّد اللّه مقترفها بالخلود في العذاب في سورة الفرقان ( من أول البعثة، السّنة 3): ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾(الفرقان:68-69).
1 - الشّرك بالله
وهي جعل آلهة مع اللّه، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، وهي أم الكبائر، فهي الكبيرة الوحيدة التي استثناها سبحانه وتعالى من المغفرة وتوعّد مرتكبها بالخلود في نار جهنّم:
1) ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾(الفرقان:68-69)
2) ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَٰنُ لِٱبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَٰبُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾(لقمان:13)
3) ﴿إنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰٓ إِثْمًا عَظِيمًا ﴾(النساء:48)
4) ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ  أُولَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ﴾(البينة:6)
5) ﴿وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱعْبُدُوا ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَىٰهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴾(المائدة:72)
فإن كان إنكار حقيقة وجود اللّه وبالتّالي البعث وما يقتضيه من حساب، ظلم كبير (فنحن البشر وكلّ ما حولنا هو أكبر دليل على وجود خالق) فجعل آلهة مع اللّه جلّ جلاله، ظلم أكبر لأنّه تزييف لحقيقة وحدانيّة الخالق. ولئن كان نبذ الشّرك في يومنا هذا أمرا بديهيّا في البلدان الإسلاميّة وحتّى «المسيحيّة»، فتغيير قناعات راسخة على مدى قرون عند الشّعوب، كإباحة الشّذوذ الجنسي، يمتدّ عبر أجيال ويمرّ بعدّة مراحل(8). ولسائل أن يسأل: إن كان اتّباع الشّهوات (المال/النّساء) هو الدّافع وراء سعي الفئة النّافذة في المجتمع لإباحة الرّبا والفواحش، فما هو الدّافع للعمل على «تبييض» الشّرك ومن ثمّة إباحته كمرحلة انتقاليّة ليصير «أمرا عاديّا» تتقبّله غالبيّة المجتمع؟ (قبل أن يصبح «دين الدّولة» ويفرض بالقوّة على الجميع بمعاقبة المخالف).
الجواب بكلّ بساطة هو سعي الفئة المسيطرة (السّلطان الحقيقي) لإدامة إباحتها للفواحش والاستغلال (الرّبا)، فالعمل على الاستدامة هو هاجس كلّ عمل يرى فيه الإنسان «خلاصه». فكما يأمل (يسعى) الإنسان في «الخلود» جسديّا، فهو في نفس الوقت يسعى لتخليد «إنجازاته»، فيصير تخليد «الفساد/الظلم» ممكنا بظلم أكبر ألا وهو الشّرك باللّه عز وجل، وصدق سبحانه حين وصف الشّرك بالظّلم العظيم. فالحقّ يصير حينئذ متعدّدا كما هو الحال أيضا بالنّسبة للعدل، فبتعدّد الآلهة يصير للحقّ عدّة وجوه وتفرض هذه التّوجّهات على العامّة بطابع التّقديس فلا يمكن حتّى انتقادها وإلا سلّط على من يحاول ذلك تهمة الخروج من الملّة/الجماعة، والتي يعاقب مقترفها أشدّ العقوبة حتّى يكون عبرة.
 وهنا وجب حصر الشّرك في تعدّد الآلهة فقط لا غير، الحالة التي كانت عليها مكّة عند البعثة والتي يمكن مقارنتها حاليّا بالوضع في  بلاد الهند حيث تسيطر الهندوسيّة التي تدعو إلى عبادة عشرات الآلهة. أما التّبرك بالأولياء الصّالحين فلا علاقة له بالشّرك وإن كان مظهرا من مظاهر التّخلّف والانحطاط بتقاعسنا عن الكدّ والجدّ من جهة وطلب الرّزق وكشف الكرب من اللّه عن طريق «وسطاء» من جهة أخرى. نفس الأمر بالنّسبة للخوض في ماهية اللّه و«صفاته» عزّ وجل ووصم المخالف بالشّرك، والذي مثل انحطاط وتخلف الخاصّة (مقابل العامّة بالنّسبة لظاهرة الأولياء)، وما الصّراعات، التي غالبا  ما تقف وراءها السّلطة الحاكمة، التي دارت حول هاته الأمور  بين المسلمين وما نتج عنها من قتل وتنكيل بالعديد منهم إلاّ أكبر دليل على ذلك.
فمحاربة الشّرك والدّعوة للتّوحيد هي المحور الأساسي للقرآن الكريم (وكلّ الرّسالات)، فالآيات في الباب كثيرة والتي يخبرنا فيها اللّه جلّ جلاله بالقضاء على قوم نوح وعاد وثمود لإصرارهم على الشّرك وما يترتب عنه من شرعنة لـ «الظّلم-الفساد-العدوان» ورفضهم لحقيقة التّوحيد وما تقتضيه من «عدل وإصلاح وإحسان» بل إستغرابهم وتعجبهم من هذه الحقيقة الخالدة:
1. ﴿وَعَجِبُوٓا أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَٰفِرُونَ هَٰذَا سَٰحِرٌ كَذَّابٌ (4)أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَٰهًا وَٰحِدًا إِنَّ هَٰذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ﴾(ص:4-5)
1. ﴿قَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * (...) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ * وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * (...) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾(الأعراف:59-72)
1. ﴿وإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ *(...) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ *(...) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ *(...) لَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾(هود:61-95)
2 - الفواحش
الفواحش كما وردت في القرآن الكريم أربعة أنواع لا غير(9): الزّنا (العلاقة الجنسيّة بين امرأة متزوّجة مع غير زوجها) وفاحشة الشّذوذ الجنسي (العلاقة الجنسيّة بين الرّجال) والسّحاق (العلاقة الجنسيّة بين النّساء) والزّواج مِن امرأة الأب (عادة منتشرة عند العرب قبل الإسلام). 
إلاّ أنّه لم يقع التّطرق لفاحشة السّحاق والزّواج مِن امرأة الأب إلاّ في مناسبة واحدة لكلّ منهما: ﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾(النساء:15) و﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا﴾(النساء:22)، بينما وقع التّطرق في العديد من الآيات إلى فاحشة الزّنا (10) وفاحشة الشّذوذ الجنسي بين الرّجال(11).
فالفواحش هي أوّل ما ذكر اللّه من الكبائر، بل قرنها بها في سورة النجم (آية32) التي نزلت في السّنة الأولى من البعثة: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى* الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ والْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾(النجم:31-32). وهي أيضا أوّل ما حرّم اللّه:﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(الأعراف:33).
كما ورد النّهي عن الفواحش ظاهرها وباطنها أي سواء كان في الحياة الخاصّة أو العامّة، وكان التّحريم يتبعه النّهي عن القتل واجتناب الكبائر في دلالة واضحة على شناعة الجريمة حتّى لو استساغتها المجتمعات ودعت الى إباحتها، فالفاحشة تدمّر منظومة الزّواج والأسرة التي هي نواة المجتمع. فقام اللّه سبِحانه بتدمير قوم لوط، الّذين أصرّوا على إباحة إتيان الرّجال شهوة, و توعّد الذين يزنون بالخلود في العذاب مع المشركين والقتلة (الفرقان): ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾(الأعراف:68-69). كما أنّه أمرنا في العديد من الآيات باجتناب الفواحش وعدم الاقتراب منها كلّ صيغ التّحريم والنّهي الّتي ذكرها عزّ و جلّ في كتابه الكريم: (التّحريم، الاجتناب، عدم القرب والنّهي). وقد نزلت كلّ هذه الآيات في مكّة منذ أول البعثة في دلالة واضحة على أنّ تحريم الفواحش من أسس الدّين أي الحضارة وذلك انطلاقا من آدم، مرورا بإبراهيم ولوط وموسى (الوصايا العشر) ومنتهيا بمحمّد ﷺ :
*﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾(الإسراء:32)
*﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وصآكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾(الْأَنْعَامٌ:151)
*﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾(الشّورى:36-37)
*﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(النَّحْل:90)
وعند تتبّع الآيات المكّية، نجد أنّ اللّه جلّ جلاله ذكر قوم لوط11 مرّة، وكيف وقع تدميرهم والقضاء عليهم لإباحتهم العلاقة الجنسيّة بين الرّجال، واصفا من يمارس هاته الفاحشة بشتّى أنواع الصّفات السّيئة: (قَوْمٍ مُسْرِفُونَ، قَوْمٍ عَادُونَ، قَوْم يجْهَلُونَ، قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ، قوم مُجْرِمونَ، مفسدون، ظَالِمِونَ، يعملون السّيئات –الخبائث). وفي هذا التّكرار والعقوبة التي أوقعها اللّه بهم، دلالة على شناعة هذه الجريمة التي كان قوم لوط أوّل من قام بها.
وقد تنزّلت هذه الآيات في أوّل سنة للبعثة (سورة «ق») إلى آخر الفترة المكّية، السّنة الثالثة عشر(«العنكبوت»). وهي حسب ترتيب النّزول: ق، الْقَمَر، ص، الْأَعْرَافِ، الشُّعَرَاءُ، النَّمْلِ، هُودُ، الْحِجْر، الذاريات، الأنبِياءُ والْعَنْكَبُوتِ (12) :
*﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ* وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾(الْأَعْرَافِ:80-84)
* ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾(الذاريات:31-37)
وبعد الهجرة، ينزل الوحي في المدينة المنوّرة في أوّل سورة (البقرة) مذكّرا بأنّ الفحشاء هي أمر من الشّيطان، مبيّنا بعد ذلك (آل عمران) بأنّ باب المغفرة مفتوح لمن يستغفر اللّه إذا فعل فاحشة ولم يصر على ما فعل:
*﴿يا أيها الناس كُلُوا مِمَّا في الأرض حلالا طيبتا وَلَا تَتَّبِعُوا خطوات الشيطان إنه لَكُمْ عدو مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بالسوء والفحشاء وَأَن تَقُولُوا عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(البقرة:168-169)
*﴿والَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾(آل عمران:135)
وتواصل الآيات المدنية التّطرّق إلى الفواحش وخاصّة فاحشة الزّنا (13)، حتّى نزول سورة النّور (السّنة السّابعة بعد الهجرة) فحدّد اللّه جلّ جلاله عقوبة الزّانية والزّاني بمائة جلدة، شرط وجود أربعة شهود مع وجوب التّشهير (إنزال العقوبة بالعلن) وحصر زواج  الزّاني/ة  بينهما أو بمشرك/ة وحرّم ذلك على المؤمنين في إشارة واضحة لشناعة الجريمة بإخراج مقترفها من مجتمع المؤمنين: 
*﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَٰهَا وَفَرَضْنَٰهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ءَايَٰتٍ بَيِّنَٰتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُوا كُلَّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * ٱلزَّانِى لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾(النور:1-3). 
في نفس سورة النّور يقع تغليظ اتهام امرأة بالزّنى بدون وجود أربعة شهود، ويأمر اللّه بجلد من يقوم بذلك ثمانين جلدة، فتوشك أن تكون  كعقوبة الزّنا، مستثنيا زوجها الذي أعطاه حقّ إتهام زوجته حتّى ولم يكن له شهود، مكتفيا بيمين مغلّظة تستوجب اللّعنة عليه إن كان بهتانا، وبالمقابل وعلى نفس المستوى يدرأ عنها العذاب إنكارها بيمين مغلظة أيضا:
*﴿وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَٰنِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَٰدَةً أَبَدًا وَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ  * إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَٰجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمْ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَٰدَٰتٍ بِٱللَّهِ  إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ * وَٱلْخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ * وَيَدْرَؤُا عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَٰدَٰتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ * وَٱلْخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ * وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾(النور:4-10)
ناهيا سبحانه وتعالى عن الخوض والتّحدّث/الإتهام بالفاحشة حتّى لا يصير الأمر «عاديا»، متوعّدا من يحبّ (يعمل على) أن تشيع الفاحشة في صفوف المؤمنين بالعذاب الأليم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ *يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(النور:11-20).
3 - قتل النفس
ويدخل فيه أيضا قتل الأولاد خشية الفقر (أو العار) وقتل الإنسان نفسه (الانتحار): 
*﴿وَقَضَى رَبُّك(...)ولَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (...)ولَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾(الإسراء:23-33)
* ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾(الأنعام:151)
* ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا (...)وَلَا تَقْتُلُوٓا أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَٰنًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا ﴾(النساء:29-30)
فقرن اللّه القتل والزّنا بالشّرك به، متوعّدا من يقوم بهذه الكبائر بالخلود في العذاب في دلالة واضحة على شناعة هذه الجرائم وذلك، كما ذكرنا سلفا، منذ أوّل البعثة :﴿وَٱلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾(الفرقان:68-69). 
فقتل النّفس (مع الزّنا) هما الجريمتان اللّتان يستحيل إصلاحهما، فالقتيل لا يمكن إحياؤه، وكذلك جماع المتزوجة مع غير زوجها إذا وقع. ومع عدم إمكانيّة الإصلاح يضاف فقدان الأمن والأمان، وهما شرطان أساسيّان للحضارة (وظيفة/هدف الرّسل أيّ الدّين) الأمر الذي يستوجب أقصى العقوبة وهي الخلود في العذاب، أيّا كان الفاعل (مسلما كان أو غير ذلك).
وقد ورد النّهي مصحوبا بعبارة « إلاّ بالحقّ» أي مستثنيا حرمة قتل النّفس في حالات معيّنة، بينها سبحانه وتعالى في آيات محكمة كان على المسلمين (وخاصة السّلطان) واجب التّقيد بها بكلّ صرامة، الأمر الذي لم يحصل، فصارت «الاجتهادات» تبيح شتّى أنواع القتل التي حرّمها اللّه في كتابه الكريم بدعوى أنّها ثبتت عن رسول اللّه أو (صحابته بالنّسبة للسّنة /آل بيته-الأئمة بالنّسبة للشّيعة) كإباحة قتل الأسير/المرتد/الزّانية إلخ...والأمثلة في كتب الفقه/التّراث كثيرة. فاستبيحت دماء خاصّة «المعارضين السّياسيّين» بدعوى الخروج عن الجماعة بمباركة «الفقهاء»، «متناسين قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤهُ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(النساء:93)
الهوامش
(1) أنظر  العدد 189 من مجلّة الإصلاح - أفريل 2023
(2) أنظر  العدد 191 من مجلّة الإصلاح - جوان 2023
(3) انظر ترتيب نزول السّور كما ورد في كتاب «التّفسير الحديث» بإذن من مشيخة المقارىء المصريّة والذي يطابق في أغلبه ما أشار إليه الشّيخ الطّاهر بن عاشور  في «التّحرير والتّنوير»
(4) كتاب «العالم والمتعلم» المنسوب للإمام أبوحنيفة
(5) كتاب «الكبائر» للشيخ محمد عبد الوهاب
(6) كتاب «الكبائر وتبيين المحارم» للحافظ الذّهبي
(7) ترتيب نزول السّور (ترتيل القرآن) هو أساس من أسس المنهج في بحوثي في القرآن الكريم مع بيان القرآن بالقرآن والشّموليّة (يبحث ورود المسألة من عدمها ومقارنتها في كلّ سور القرآن الكريم)
(8) انظر مقالنا «فاحشة الزّنا في القرآن الكريم» مجلة الإصلاح عدد 201 - أفريل 2024
(9) أنظر  مقالنا «الفاحشة في القرآن الكريم» العدد 191 من مجلّة الإصلاح - جوان 2023
(10) م.س  مجلة الإصلاح عدد 201 - أفريل 2024
(11) انظر مقالنا «فاحشة الشذوذ الجنسي في القرآن الكريم» مجلة الإصلاح عدد 204 - جويلية 2024
(12)  م.س  مجلة الإصلاح عدد 204 - جويلية 2024
(13) م.س  مجلة الإصلاح عدد 201 - أفريل 2024