للتاريخ

بقلم
محمد عبد الشافي القُوصي
«إسماعيل هنيَّة» الشهيد أبو الشهداء
 عندما استُشهِد مؤسّس حركة حماس، خطب الشّيخُ «إسماعيل هنية» الناسَ قائلاً: «لقد حرص شيخنا على الموت فوُهِبت له الحياة الأبديّة ... وأنتم أيها المجاهدون إذا بِعتُم حياتكم للّه، ربحتُم عزّة الدّنيا ومجد الآخرة». وعلى ذات الدرب، مضى «هنيةُ» وباع نفسه للّه، فليستبشِر ببيعِه ... وذلك الفوزُ العظيم!
لقد رحل زعيمُ الأُمة وقائدها، المتحدّث اللَّبق، والخطيب النحرير؛ الذي أشعل جذوةَ الجهاد، وفتح أبوابَ الأمل، وبشّر بالفتح المبين والنصر القريب!
لَم يكن «هنيةُ» فرداً واحداً، بلْ كان جيشاً مُغازيا ! ولَم ولنْ يمُت «هنيةُ»، إنّما الموتى هم الذين في قصورهم وبُروجهم يتنعّمون ... لا العار حرّكهم، ولا ذُلّ المصير!
الحقَّ الحقَّ أقول: إنَّ «هنيةُ» جبلٌ من جبال الصّبر، فقد استُشهِد ستّون من أفراد عائلته وظلَّ شامخاً كالطّود العظيم ... وبذلكَ دخلَ «أبو العبد» التاريخَ من أشرف أبوابه، وسطّر أروع صفحاته، وصار حُجّةً على الأمّة في زمن الخيانات والتّنازلات ... في زمن الكافر والدجّال! 
لا جَرَمَ أنَّ «هنية» سيُذكًر، كلّما ذُكِرت الشّهادةُ والشّهداء!
سيُذكَر كلّما ذُكِر حمزةُ وطلحةُ والزّبير ... بلْ سيُذكًر كلّما ذُكِر يحيى وزكريا وأرمياء وأشعياء؛ الذين قُتِلوا علي يد أولاد الأفاعي ونسْل فاعلي الشر!!
مَن هو إسماعيل هنية؟
إنَّ أوّل موضوع إنشاء كتبه وهو – تلميذ صغير في المدرسة- كان عنوانه: «منازل الشّهداء!»، وعندما الْتحقَ بالجامعة الإسلاميّة في غزّة، كان ناشطاً طلاّبيّاً بارزاً. وقد انضم إلى حماس عند تأسيسها عام 1987، وبعد فترة من الاعتقال والنّفي، أصبح مقرّباً من الشّيخ «أحمد ياسين»، وكان –يرحمه اللّه- من أوائل الذين دافعوا عن دخول حماس في العمل السّياسي، على الرّغم من المعارضة التي كانت بداخل الحركة. وفي عام 1994، قال: «إنَّ تأسيس حزب سياسي سيُمكّن حماس من التّعامل مع المستجدات» ... وقد كان!
ذات مرّة، سُئل «هنية» عمَّا إذا كانت حماس قد تخلّت عن الكفاح المسلّح، أجاب: «بالطّبع لا»، وأكّد أنَّ المقاومة ستستمر «بكلّ أشكالها: الشّعبيّة، والسّياسيّة، والدّبلوماسيّة، والعسكريّة».
وفي عام 2009م، مَنحته إدارةُ الجامعة الإسلاميّة شهادة الدّكتوراه الفخريّة ووسام الشّرف من الدّرجة الأولى -تقديراً لجهوده في خدمة القضيّة الفلسطينيّة- فقال هنيّة: «أنا لا أريد شهادات دنيويّة، إنّما أريد الشّهادة في سبيل اللّه!»
بمجرد سماعهِ نبأ استشهاد أبنائه، قال هنية: «إذا كان العدوّ يظنّ أنَّ استهداف أهلي وعائلتي سيغيّر مواقفنا ومقاومتنا فهو واهم، لأنَّ كلّ شهيد في غزّة وفلسطين هو مِن أهلي ومِن عائلتي».
وعندما قُتِلت شقيقته، في غارة صهيونيّة استهدفت منزل عائلته في مخيم الشّاطىء، قال: «لا يسعني في هذا المقام إلاَّ أن أزفَّ هذه الكوكبة الجديدة من شهداء العائلة، بينهم شقيقتي الكبرى وعائلتها»، حيث قٌتل أحد عشر شخصًا على الأقل!!
أخيراً، لقد ترجَّل الفارس الأشم، ولم يُصالح، ولم يُهادن، ولم يتنازل ... وستظلّ كلماته خالدة، إذْ يقول: «فلسطين من النّهر إلى البحر! والعدوّ ليس له مستقبل على أرض فلسطين المباركة».
سلامٌ على (إسماعيل هنيّة) في الشّهداء الخالدين، وسلامٌ عليه في العالَمين!