خواطر

بقلم
شكري سلطاني
القيمة الأساسيّة والقيمة المُضافة
 قيمتان هامّتان لا تُفارقان المؤمن ولا تخلو حياته منهما، إذ هما كالرِّجلين أو الجناحين الذّين يستحيل السّير بدونهما أوالتّحليق باتّزان. وهما قيمتان معنويتان تثبتان في وجدان كلّ مؤمن وضميره وعقليّته، وتنعكسان وجوبا في مسلكه الخُلقي وفي سلوكه إجمالا. فكيف يُمكن فهم هاتين القيمتين في الوجود البشري وفي صيرورة الحياة وسياقها؟
1 - القيمة الوجوديّة : valeur existentielle
إنّ قيمة الشّكر هي قيمة أساسيّة ذات بُعد وجودي ترتبط بوجود الإنسان خلقا ورزقا، إيجادا وإمدادا من اللّه عزّ وجلّ. فلا بدّ إذن أن يقابل العبد ربّه بالشّكر والحمد والرّضا بقضائه وقدره والإستسلام لأمره وحُكمه، ويتجلّى هذا كلّه في العبادة بما أنهّا عرفان ومحبّة خالصة وعبوديّة للّه وحده سبحانه.
ولن يُثمر الشّكر في النّفوس والضّمائر والأفئدة والعقول ويستقرّ إلاّ بأداء فروض الطّاعة للملك الديّان سبحانه وتعالى. إذ الشّكر يتغذّى من عبوديّة العبد الصّادقة لربّه، كما يُحفّز عبادة العبد لربّه ويُغذّي قيمة الشّكر، فهي حلقة تآزريّة جاذبة دافعة للخير ( عبادة--شكر--عبادة ) .
الشّكر قيمة أساسيّة متوافقة منسجمة مع الفطرة البشريّة السّليمة. فلا يولد الإنسان شاكرا لربّه حامدا لنِعمه، ولكن البيئة الإيمانيّة تُحفّز قيمة الشّكر وتُظهرها في نفس الإنسان وعقله ووجدانه عبر مراحل حياته. كما تتطلّب قيمة الشّكر فهما قويما صحيحا وذوقا سليما تجعل الشّخص يُقِرُّ مُعترفا بفضل مولاه مالكه وربّه ومننه وإكرامه ونِعَمه.
إنّ النّهج الأساسي الفطري الإلهي الباطني الذّي تنبع منه قيمة الشّكر لدى الفرد ليس له تأثير وقُوّة وفائدة إلاّ من خلال تجربة الحياة والنّهج السّياقي الظّاهري البشري الذّي تبرز من خلاله للعيان قيمة الصّبر في مغالبة المحن والأزمات والفتن والبلايا.
2 - القيمة السّياقيّة:    valeur contextuelle 
الصّبر قيمة سياقيّة ترتبط بسياقات وصيرورة الإنسان، أحداثا وأحوالا وأزمانا وعقبات وعراقيل وتحدّيات وقواطع. ففي سياق صيرورة الإنسان وسيره في دروب الحياة تظهر جليّا قيمة الصّبر التي ترتبط وجوبا بتفاعل وردود أفعال الإنسان في مواجهة الآخرين وتجاه محيطه وزمانه ونفسه. ولن يُثمر الصّبر ويسكن في النّفوس والضّمائر والعقول والأفئدة ويستقرّ فيها إلاّ بالزُهد والورع والمعرفة، وكلّها حقائق معنويّة تُكتسب بالعلم والعمل والسّعي. فلا شيء يأتي في حياة البشر من فراغ وعدم ولكن لا بدّ من جهد وعمل. كما لا يولد الإنسان صابرا محتسبا، فلا بدّ أن يكتسب قيمة الصّبر بالتدرّب والتّعلّم حتّى تّصبح له كفاية ومهارة.
إذن الصّبر قيمة مُضافة يكتسبها الإنسان بالتّعلّم والتّدرّب لتصبح آليّة وتلقائيّة كردّ فعل إنعكاسي شرطي في مواجهة التّحديّات والأزمات ومصاعب الحياة ومصائبها. وإن كانت أيضا تبدو كموهبة لدى قلّة من البشر (أنبياء، رسل، أولياء صالحين وحكماء) وذلك لسعة علمهم وإدراكهم ورُقيّ فهمهم وإلمامهم بما تجري به الأقدار من خير وشرّ، فتراهم صامدين صابرين على البلاء والفتن، راسخة أقدامهم ثابتة، لا ترتعد فرائصهم ولا يحيدون عن مبادئهم ولا يُغيّرون قناعاتهم، إذ أنّهم يستعينون بالصّبر والصّلاة على نوائب الدّهر وما ألمّ بهم من إبتلاءات، أولئك سادة البشر أولي الألباب والعزم والأكياس أخيار البشر.
إنّ النّهج السّياقي يرتكز على البيئة وإحاطة الإنسان بظروفه وأحواله وزمانه حيث يتكشّف الصّبر كعنوان بارز وذخيرة وقيمة معنويّة يغالب بها صاحبه ظروفه القاهرة والضّاغطة.. وتتكامل القيمة الوجوديّة الأساسيّة مع القيمة السّياقيّة المُضافة ليتجاوز بهما الإنسان المؤمن المستوى المنخفض الطّيني البشري المتعلّق أساسا بالطّبيعة البشريّة.