في الصميم
بقلم |
![]() |
نجم الدّين غربال |
أثر النّظرة المُعتمدة للإنسان على مستوى الفقر |
عرضنا، من خلال ما نشرناه على أعمدة مجلة «الإصلاح»(1) ، مُستوى الفقر من خلال تمثيله بدالة مفادُها أنّ مُستوى الفقر يتغيّر بتغيّر ثلاثة عوامل وهي مضمون المُقاربة المُعتمدة والنّظرة للإنسان وكذلك سُلوك هذا الأخير كمُتغيِّرات، وبتغيّرها يتغيّر مُستوى الفقر.
وقد كان المتغيّر الأول موضوع ما نشرنا سابقا في مجلة «الإصلاح»(2)وفيه عرضنا مضمون ثلاث المقاربات، الأولى ذات بعد واحد اقتصادي والثّانية متعدّدة الأبعاد واقعا والثّالثة متعدّدة الأبعاد أيضا لكنّها تتميّز ببعدين الأول غيبي والثّاني وجودي.
والمقصود بالمُقاربة، طريقة التّفكير المعتمدة والمبنيّة على مجموعة مبادئ ومسلمات تمنح الجهد التّحليلي إطارا قيميّا ومفاهيميّا عامّا، وتُمكّن من تحديد اختيارات نظريّة وسلوكيّة يُقارب المعتمد عليها عبرها نحو شاطئ المعرفة وصولا الى إدراك حقيقة الشّيء، في ظنّه ومُلحقا لا محالة أثرا على ذلك الشّيء.
وما توصّلنا اليه من خلال المقال السّابق هو الحاجة لمقاربة إيمانيّة إنسانيّة بالأساس، متعدّدة الأبعاد نظرا لما أكّدته، مع مرور السّنين النّتائج واقعا، من فئويّة المقاربة التّقليديّة وفقدانها للإنسانيّة، من حيث المقصد وإطار نفعيتها، المفتقر لقيم تجعل كلّ النّاس على قدم المساواة، والذي عكسه واقع الفقر عالميّا، رغم تطوّر تلك المقاربة لإقرار تعدّد أبعاد الفقر.
وقد توصّلنا الى إدراك حاجة البشريّة، أكثر من أيّ وقت مضى، الى مقاربة جديدة فيها، أوّلا من الرّحمة ما يُخفّف عن النّاس ما ألحقته بهم السّياسات المنبثقة عن المقاربة التّقليديّة من عسر في الحياة وذات بُعد عالمي، ثانيا بما يضمن تحقيق ما توصّل اليه العقل الإنساني وتمّ التّعبير عنه بالتّمكين الاقتصادي ليُوضع التّفاوت الاجتماعي والجهوي والدّولي السّائد موضع تساؤل وليسعى، إلاّ من أبى، لإقامة الوزن بالقسط بين الفاعلين في المجتمع وفي السّوق وفي المنظمات الدّوليّة والمؤسّسات العالميّة، السّياسيّة والاقتصاديّة منها وكذلك الماليّة بحثا عن توفير شروط حياة طيبة للنّاس وللحيلولة دون أن يعيشوا ضنكا.
وقد بلورت البشريّة تصوّرات متعدّدة للإنسان اعتبرتُهَا مُتَغَيِّرًا ثَانيا في دالّة الفقر، التي سبق أن بلورتها وعرضتها، وشكّلت مُحدّدا آخر لمستوى الفقر، وذلك بما أفرزته تلك التّصوّرات من أثر على مستواه، وفيما يلي إبراز لذلك الأثر لنظرتين للإنسان نصطلح على تسميّة الأولى بالاستعباديّة والثّانية بالتّكريميّة.
1 - النّظرة الاستعباديّة للإنسان وأثرها في مستوى الفقر
بتتبّع العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي سادت سابقا ولا تزال قائمة في العصر الحالي، تتجلّى للمُتتبّع ما يُمكن وصفه بـ «النّظرة الاستعباديّة للإنسان»، نظرة كانت ولا تزال، كما سنبيّن لاحقا، محدّدة الى حدّ بعيد، لمستوى معيشة الأغلبيّة من البشر ونمط حياتهم، الى جانب كلّ من المتغيّرين، مُتغيّر المقاربة المعتمدة والّذي عرضناه في المقال السّابق ومُتغيّر سلوكيّات البشر ذاتهم والّذي سنعرضه في المقال القادم، إن شاء اللّه.
وقد تجلّت هذه النّظرة الاستعباديّة للإنسان منذ حوالي 10 آلاف سنة في بلاد ما بين النّهرين وعُرِفت بالاسترقاق حيث يُستعبد العبيد من طرف السّيد المالك لرقابهم، فيصيرون محرومين من الحرّية ومن ثمّة محرومين من القدرة على تطوير شروط حياتهم ومعاشهم ومحرومين من الملكيّة ومن ثمّة من التّصرف، كما تُستباح الأمة أو العبدة، وكلّ ذلك من أبعاد الفقر.
وقد قامت «حضارات» عديدة على أكتاف العبيد، دون أدنى حقّ وبشروط حياة مجحفة ومستويات عيش مزرية، ممّا جعل مستويات الفقر لديهم مرتفعة جدّا.
وقد مارست جلّ الدّول الغربيّة، إن، لم تكن كلّها، منذ القرن الخامس عشر ميلادي تجارة الرقّ الأفارقة، وأوكلت إليهم الخدمة الشّاقّة في المستعمرات، ومع التّوسع الزّراعي في منتصف القرن 17 ازداد عددهم ولا سيما في الجنوب الأمريكي، وقد سجّل الفقر في صفوفهم مستويات عالية الى أن حدثت الثّورة الأمريكيّة ومن بعدها أصبح للعبيد بعض الحقوق المدنيّة المحدّدة. وفي عام 1792 كانت الدانمارك أوّل دولة أوروبيّة تلغي تجارة الرّقّ وتبعتها بريطانيا وأمريكا بعد بضعة سنوات ثمّ بقية البلدان تباعا.
ورغم قيم الكرامة والحرّية والمساواة التي جاء الإسلام ليُثبّتها واقعا، فإنّ الرّق قد عمّر طويلا في البلاد الإسلاميّة وفي مختلف الدّول وسجّل مستوى الفقر لدى الرّقيق ارتفاعا لافتا. ولم يتم إلغاء الرّق الاّ بعد ضغوطات غربيّة، حيث ألغي الرّق في الدّولة العثمانيّة سنة 1924 وفي إيران سنة 1929 وكانت المملكة السّعوديّة وعمان آخر الدّول التي ألغت الرّقّ وذلك سنتي 1962 و1970. وقد تكون تونس الاستثناء الوحيد بين الدّول الإسلاميّة حيث سبقت الجميع في التّعامل مع هذه الظاهرة(3)
وقد برزت النّظرة الاستعباديّة للإنسان أيضا في ظِلِّ ما أطلق عليه اصطلاحا بالإقطاعيّة عبر استغلال الفلاّح من طرف السّيد الإقطاعي، صاحب الأرض، المالك للفلاّح، وقد ارتبط مصطلح الإقطاعيّة في الغالب بأوروبا في العصور المظلمة من القرن التّاسع ميلادي الى القرن الخامس عشر.
أمّا الإقطاع في العالم الإسلامي فلم يكن مقبولا في عهد الخلفاء الرّاشدين ولا في عهد عمر بن عبد العزيز، أمّا بقيّة الخلفاء الأمويين فقد توسّعوا في عصرهم في الإقطاع، والذي أدى إلى ملكيّة تامّة للأرض مع دفع العشر. وتعزّز هذا الاتجاه بعد قيام الدّولة العباسيّة فقد أستغلّ العباسيّون ضعف الأمراء الأمويّين لصالحهم، وأنشؤوا ديوانا خاصّا للخلافة الأمويّة السّابقة التي كانت ممتدّة على مساحات شاسعة من الأنهار، والبحار، والثّروات الغنيّة بالموارد، ومن المهمّ التّأكيد على وجود فروقٍ بين الإقطاع لدى الأمويين والعباسيين والإقطاع الأوروبي، «ففي عهد الخلافة الأمويّة وكذلك العباسية لم يكن الفلاح ملكا لصاحب الإقطاع، إضافة إلى أنّ صاحب الإقطاع لم يكن يورثه»(4)مِمَّا يُمَكِّن الفلاح من حرّيته وما لذلك من إمكانيّة امتلاك القدرة على تحسين مستوى عيشه ونمط حياته على عكس القنّ في النّظام الإقطاعي الغربي، ومن جهة أخرى يحرم صاحب الإقطاع الفلاّح من الميراث والحال أنّه ساهم مساهمة أساسيّة في تكوين حجمه وقيمته.
أمّا في القرنين الأخيرين فقد برزت تلك النّظرة الاستعباديّة للإنسان من خلال أنماط ثلاثة:
1 - نمط استعبادي هيمني للدّول من خلال التّقسيم الدّولي للعمل، واستعبادي تأجيري للعملة من خلال استغلالهم من طرف صاحب رأس المال.
2 - نمط استعبادي ائتماني عبر استعباد الدّائنين للمدينين: وقد اعتمد كلّ من النّمطين الأخيرين على ضغط الحاجة لدى النّاس واستعملوا الخداع والاحتيال، المقنّن، بوسائل وتقنيات حديثة، وباعتبار أن هذين النّمطين تمظهرات لسلوكيّات الإنسان وما يضعه من سياسات نُرجئ بيان أثرهما على مستوى الفقر حين نتحدث عن المتغّير الثّالث لهذا المستوى لاحقا.
3 - نمط استعبادي لأصحاب الأرض واستعمارها من خلال الاحتلال العسكري، فاحتلال الأراضي يهدف لتحويل الانتفاع بخيراتها للمحتلّ وجعل أهلها تحت هيمنة المحتلّ كحال الشّعوب المحتلّة خلال القرون الماضية واستمرار احتلال الكيان الغاصب لفلسطين تحت رعاية أمريكيّة ودعم غربي وقد خلّفت هذه الآليّة ولا تزال مستويات فقر مرتفعة للغالبيّة العظمى للسّكان.
فعلى سبيل المثال، كان يخصّص في نيجيريا لوحدها في مرحلة الاستعمار الفرنسي لها في أربعينات القرن الماضي 12 مستشفى لأربعة آلاف محتلّ من البيض (أي مستشفى واحد لكلّ 333 محتل) في حين يخصّص 52 آخرين لأربعين مليون إفريقي(أي مستشفى واحد لكلّ 76923 إفريقي) (5) أي ما يتمتّع به محتل واحد من خدمات صحيّة يتمتع به 231 إفريقيّا أي أنّ النّظرة للإنسان المحتلّ تعادل النّظرة لـ231 إنسانا إفريقيّا، فقيمة الإنسان الغربي المحتلّ تعادل 231 مرّة قيمة الإنسان الإفريقي.
وحسب Walter Rodney فإنّ للاحتلال الغربي لإفريقيا على سبيل المثال آثارا إيجابيّة على التّنمية الرأسماليّة وآثار كارثيّة على إفريقيا(6)، ورأى آخرون(7) أنّ كلّ التّقدّم الاقتصادي الحاصل في الجهة المحتلّة كان بأثمان باهضه وغير عادلة للأفارقة من أعمال شاقّة وتهجير للعمالة وزراعة جبريّة قسريّة لنباتات بعينها، وتحويل للسّكان، ونسب وفيات مرتفعة في المناجم، كما اصطبغت المرحلة الاستعماريّة باستغلال اقتصادي كبير لإفريقيا لم يحقّق البتّة تنمية لها.
وكنتيجة للاحتلال الصّهيوني للأراضي الفلسطينيّة ازدادت نسب الفقر لدى الفلسطينيين، وقد عمّقته سياسة الحصار التي انتهجها الكيان وعمّمته الحرب الأخيرة على قطاع غزّة.
ما يمكن استنتاجه ممّا سبق أن هذه النّظرة للإنسان تتّسم بالازدواجيّة القائمة على تسلّط القوي على الضّعيف وعدم المساواة بين بني آدم، ولئن هيمنت هذه النّظرة على مستوى الممارسة على أرض الواقع وبشكل واسع ومتكرّر على امتداد الزّمن البشري، وحملت ولا تزال وزر فقر أغلبيّة سكان المعمورة، فإنّ هناك نظرة ثانية تستمدّ جذورها من آيات القرآن الكريم، ظهرت منذ البعثة المحمّدية ولاتزال تتفاعل مع واقع بعض النّاس وتغيّر في مستوى فقرهم الى الأدنى، وهي نظرة يمكن أن نطلق عليها اصطلاحا «النّظرة التّكريميّة للإنسان»، فماهي هذه النظرة؟ وما أثرها على مستوى الفقر؟
2 - النّظرة التكريميّة للإنسان وأثرها في مستوى الفقر
تسليما بخلق الوجود ومن فيه من لدن اله واحد، وإيمانا به وبهديه، ننظر إلى الإنسان على أنّه كائن مخلوق، للّه وحده وإليه يَرجع، وله دور في الوجود حُدِّد من خلال قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات: 56)، كما نلمس هديا ضمنيّا لدوره من خلال الإيحاء بأنّ العبادة فعل اختياري من طرف الإنسان ناتج عن مشيئة حرّة ﴿...فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...﴾(الكهف: 29)، بل بعيد كلّ البعد عن الإكراه فما بالك بالقسر ﴿...أَفَأَنتَ تُكْرهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾(يونس: 99) ممّا يجعل العبادة تختلف جوهريّا عن الاستعباد الّتي هي كمصطلح يُحيل على فعل إنسان بإنسان قسرا، فالنّظرة التي يُمكن لنا أن نبلورها من خلال الآيات تقوم على مبدأ المساواة بين بني آدم ابتداء ﴿...رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..﴾(النساء: 1)، وعلى قيمة التّكريم كما تُبيّنه الآية﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾(الإسراء: 70). فتدبّر القرآن الكريم يُمكّننا من بلورة نظرة تكريميّة للإنسان خاصّة إذا استحضرنا أيضا ما قاله اللّه مُخاطبا النّاس جميعا: ﴿...سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...﴾(لقمان: 20) وكذلك ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾(النحل: 18) .
وبتدبّر آية أخرى ندرك مقصد خلق النّاس ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...﴾(الحجرات: 13) والتّعارف يدلّ على اعتراف النّاس بعضهم ببعض، اعتراف بالحقوق حتّى لا يعتدي أحد على آخر، واعتراف بالكرامة لكلّ إنسان حتّى لا ينتهكها أحد، ومن هنا ينتفي الاستعباد بمختلف أشكاله وأنماطه ويصبح سعي الإنسان فردا أو جماعات سعيا حرّا بتوفّر شروطه وانتفاء شروط القهر والتّبعيّة والهوان، فيتراجع الحرمان وتلبّى الحاجات ويتمتّع السّاعي بثمار سعيه ويتصرّف فيها حسب إرادته ومن ثمّة تتراجع حتما مستويات الفقر لدى الشّعوب والقبائل.
ويشترط التّعارف الانفتاح، مِمّا يُمَكِّن المنفتحين على بعضهم البعض من التّفاعل الواعي والنّقدي مع إنتاج كلّ منهما، على مختلف الأصعدة وفي مختلف المجالات، فيحدث التّطور نحو الكمال ومِن ثمّة تتحسّن شروط الحياة حتما وأنماط الحياة أيضا ليتراجع مستوى الفقر متعدّد الأبعاد.
كما يفترض التّعارف الاختلاف الذي جعله الخالق آية للعالمين ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾(الروم: 22)والذي يمثّل تنوّعا يولد ثراء لا فقرا، ومن ثمّة تنتفي عقليّة الغزو الثّقافي أو عولمة قيم المهيمن، وتحلّ محلّها عقليّة التّنافس في ما ينفع النّاس، ويسلك الفاعلين آليّة التّدافع حماية للنّاس أيضا ممّا يضرّهم، فتتراجع تبعا لذلك مستويات الفقر.
فإن كانت هذه هي نظرة القرآن الكريم للإنسان فما نظرة المسلمين له تاريخيّا؟
أوّل من تبنى النّظرة التّكريميّة للإنسان هو الرّسول محمد عليه السّلام فهو القائل «إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»(8) وأوّل عمل يعكس النّظرة للإنسان لأول مؤمن بالرّسول محمد وبصدق رسالته، دشّنه أبو بكر الصّديق حين حرّر بلال بن رباح وأعتق رقبته من أمية بن خلف، وأوّل قول تثبيتا لتلك النّظرة التّكريميّة للإنسان ما قاله عمر بن الخطاب رافضا استعباد النّاس «متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وأوّل سياسة لإشاعة تلك النّظرة، رفض عمر بن الخطاب إقطاع أرض السّواد لقادة الفتح حفظا لحقّ أصحاب الأراضي ومنعا لحدوث ما من شأنه أن يؤدّي إلى ضعف النّسيج الاجتماعي، وكذلك رفض الخليفة علي بن أبي طالب نظام الإقطاع لما يشكّله من مدخل للأطماع بين الإقطاعيّين ممّا يؤدّي إلى الانقسامات والترهّلات داخل الدّولة وضعفها.
وبعد أن بيّنا كيف أنّ النّظرة للإنسان هي مُتغيّر مُحدّد الى حدّ بعيد لمستوى الفقر، من خلال عرضنا لأثر كلّ من النّظرة الاستعباديّة للإنسان والنّظرة التّكريميّة له على مستوى الفقر، ولو بطريقة طغى عليها البعد النّظري، نبحث في العدد القادم- إن شاء اللّه - المُتغيّر الثّالث المُحدّد أيضا لمستوى الفقر والمتمثّل في سلوكيّات الإنسان ذاته سواء على المستوى الفردي الشّخصي أو على المستوى العام الكلّي وكذلك على المستوى الدّولي وذلك من خلال ما يضعه من سياسات وآليّات ومؤسّسات.
الهوامش
(1) راجع مجلة الإصلاح العدد 203 من الصفحة 44 الى الصفحة 47
(2) راجع مجلة الإصلاح العدد 204 من الصفحة 32 الى الصفحة 37
(3) قبل إلغاء الرّق وعتق العبيد بالمملكة أصدر أحمد باي الأول في 6 سبتمبر 1841 أمرا يقضي بمنع الإتجار في الرّقيق وبيعهم في أسواق المملكة كما أمر بهدم الدّكاكين التي كانت معدّة في ذلك الوقت لجلوس العبيد بالبركة (سوق الصّاغة حاليا)، ثمّ أصدر أمرا في ديسمبر 1842 يعتبر من يولد بالتّراب التّونسي حرّا ولا يباع ولا يشترى.
(4) عبد العزيز الدوري «نشأة الاقطاع في المجتمعات الإسلامية» مجلة المجمع العلمي العراقي العدد 1970، بغداد
(5) https://fr.wikipedia.org/wiki/Bilan_économique_de_la_colonisation_en_Afrique
(6) Walter Rodney, How europe underdeveloped africa -lire en ligne [archive], Histoire générale de l’Afrique, vol. 7, p. 850
(7) Albert Adu Boahen, chap. 30 « Le colonialisme en Afrique : impact et signification », dans Histoire générale de l’Afrique, vol. 7 : L’Afrique sous domination coloniale, 1880 -1935
(8) حديث أخرجه البيهقي وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه
|