نافذة على الفلسفة
بقلم |
أ.د. عبدالرزاق بلقروز |
نيتشه ومهمة الفلسفة |
لقد كانت الفلسفة مند «أفلاطون» متمركزة حول «اللّوغوس»، وهو المصدر الضامن للمعنى، وبما أنّ «نيتشه» يعتقد بضرورة نزع القناع عن هذا الوهم، بوصفه غطاء تتنكّر به المصالح الوضيعة والأنانيّة، فإنّ هذه الحقيقة التي أطلقها تعدّ إعلانا عن تصدّع جميع الضّمانات التي كانت تسمح بتعقّل العالم، وتطويحا بجميع الماهيات والقيم. بناء على هذا، مثّل «نيتشه» منعطفا نوعيّا في تاريخ الفلسفة بصفة عامّة، والحديثة منها بصفة خاصّة، وتكمن نوعيتها في كون أنّها لم تقدّم رؤية تراكميّة كإغناء وتعميق، أو تواصل لتطوّر الوعي الفلسفي الغربي، بل غيّرت تماما طريقة إدراك المعنى، وآليّة تمثّل الوجود، أو بعبارة أفصح: بدّلت طبيعة العلاقة بين مثلّث الفلسفة: الذّات، الحقيقة، والوجود.
ونظرا لهذه الأهمّية، فقد شهدت فلسفة «نيتشه»، إعادة بعث وتنشيط، خصوصا في الفكر الفلسفي المعاصر، الذي عمل على هدم وتقويض مجمل طوباويات الأنوار، ومشاريع الحداثة بعناوينها المختلفة:كالعقلانيّة، والتّقدم، والتّنوير، وهو ما جعل منها أرضا معرفيّة خصبة للدّرس والتّحليل، أو المساءلة والتّشخيص. وتميّزت مجمل هذه المحاولات التي جعلت من فلسفة نيتشه موضوعا لتأمّلاتها، بصراع التّأويلات، واختلافاتها، بكثافتها وغموضها، وبحضور عريض لأهمّ القضايا التي خمّنها، وكانت طريدة لفكره السّائل، لعلّ من أبرزها: الميتافيزيقا والأخلاق، العود الأبدي، الإنسان الأسمى، مشكلة الحقيقة، التّأويل، إرادة القوّة.
والموضوع الذي نختصّ بدراسته، يسائل مسألة من أهمّ المسائل التي شغلت «نيتشه» تحليلا ونقدا، تدميرا وإعادة بناء، تشخيصا وبرنامجا في الوقت نفسه، إنّها «إشكاليّة التّراتب»، بما هي قضيّة رئيسيّة في نسق اهتمامات العقل الحرّ، لذا احتل التّراتب مكانة هامّة في المنهج الجينيالوجي، فهو من جهة مصدرا للقيم، ومن جهة أخرى مصدرا لاختلافها.
لقد أراد «نيتشه» أن يبرز كيف أنّ صدور القيم متوقّف على هذا العنصر التّراتبي الذي يقسم العالم بمواضيعه ورموزه إلى تعارضات مختلفة: أدنى، أعلى، شرير، طيّب، قبيح، جميل، هذه المقولات في منظور الجينيالوجي ليست رموزا تعبّر، بقدر ما هي معان تحيل وتدلّ، وكلّ ما يعني ويدلّ على معنى هو عبارة عن قناع يغلف تأويلات مستبطنة وسابقة، ومن ناحية أخرى ستكون مهمّة إعادة تقييم القيم، وبناء التّراتب الأصيل، موكّلة لفيلسوف المستقبل، المشرّع والفنان في الوقت نفسه.
ويبدو أنّ نظريّة التّراتب عند «نيتشه» كما فهمها وفكّر فيها، قد أضحت إشكاليّة، ومشهدا يرسم لنا صراع القوى، والنّتائج المترتّبة على السّيطرة، ومن يكون المسيطر في نهاية الأمر.
يلحّ «نيتشه» على ضرورة توظيف الحاسّة البصريّة السّادسة، أي الحسّ التّاريخي، وعلى تجاوز نتائج الصّراع كما وقعت، فسيطرة القوى -أومن يكون المسيطر- ليست مقياسا حقيقيّا يعبّر عن المعنى الأصيل والحيوي لتراتب القيم، فالمسار التّاريخي لسيرورة القوى كان في مآلاته يُسفر عن نتائج ضدّ الفرادة والنبل والتّميّز، لذلك فالتّحدي الأكبر والمطلب الضّروري هو تتبّع مسار القيم في تعرجاتها والتواءاتها في التّاريخ، والاحتفاظ بفرادة الحدث، على نحو يستأصل الميتافيزيقا الهادفة إلى إذابة الحدث في صيرورة نحو غائيّة غامضة.
لذلك لايمكن الحكم على القوى آخذين بعين الاعتبار نتيجة الصّراع والنّجاح فقط، بل الطّريقة الصّحيحة في الحكم هي تعميق السّؤال من المعنى إلى القيمة، لكشف نوعيّة القوى المسيطرة:هل هي فاعلة أم ارتكاسيّة؟ مثبتة للحياة أم نافية لها؟ بهذا المعنى يحارب «نيتشه» أولئك الذين يجعلون القيم بمعزل عن النّقد، ويعتقدون بأنّها مبادئ تقييم، ولا يطرحون السّؤال حول قيمتها وأصلها بالذّات،ومن أمثال هؤلاء كانط وشوبنهاور «عمال الفلسفة» كما يحلو لنيتشه تسميتهم، فاتهم إدراك الأصل بما هو طريقة وجود أو أسلوب حياة لأولئك الذين يحكمون أو يقيّمون، فالتّعالي والسّفالة، أو النّبل والخساسة ليست قيما فحسب، بل هي تمثّل العنصر التّراتبي والاختلافي الذي تشتق منه قيمة القيم بالذّات.
ينتج عن هذا أنّ التّراتب هو المحدّد للمعنى والقيمة، وكلّ ذلك يتمّ تبعا لطبيعة القوى المؤوّلة لنصّ الوجود، فكلّ سيطرة وإخضاع تعادل تأويلا أو تقييما جديدا، وباسم تراتب أفضل وأرفع سوف يراجع «نيتشه» جميع القيم، تتساوى في ذلك التّاريخيّة منها والسّائدة، لكشف مواطن الضّعف والوهن، القوّة والإثبات، في كلّ بنية صراعيّة محكومة بعلاقة السّيطرة.
لقد ساء «نيتشه» فضلا على هذا كلّه أيضا، أنّ قيم الثّقافة الأوروبيّة الحديثة التي ترفع مرتبة أعلى وتمجيدها على حساب قيم أخرى يتمّ إنزالها إلى أسفل، ووصفها بالزّيف ونسبتها إلى الشرّ، إنّما تستمدّ جذورها من إرادة بدائيّة للتّدمير والانتقام، ومن نفسيّة حاقدة، قامت بالتّآمر ضدّ تراتب القيم الحيوي والأصيل وضدّ ثقافة الإنسان النّبيل، إنّها قيم الدّيمقراطيّة وكلّ المقولات الملازمة لها كالمساواة والعدالة التي تملأ سماء العصر الحديث وأرضه.
ومنه فإنّ الأمر يتعلّق في بحثنا هذا بإشكاليّة التّراتب كما اهتم بها «نيتشه»، التّراتب كمرتبة فطريّة أصليّة، وكلحظة قلب لهذا الأصل، ثمّ التّراتب كمخطّط للمستقبل وكتشريع لقيم جديدة، يجسّدها الإنسان الأسمى بما هو معنى الأرض.
أمّا السّؤال المركزي الذي يشمل هذه الإشكاليّة المتشعّبة، والمتّصلة بكلّ فروع الثّقافة فهو كالآتي: كيف قرأ «نيتشه» لغة التّراتب؟ ما هو أصل هذه التّراتبات القيميّة؟ ما حاصلها وحجم تأثيرها على ثقافة الإنسان الحديث؟وإذا كان التّأويل هو مفاضلة، وإعطاء أولويّات لمعنى دون آخر، تلك الأولويّات التي ترجع لإرادات القوى، فهل يملك «نيتشه» قيما أرفع وأفضل يدين بها قيم التّراتب الحديث؟ وما قيمتها؟
إنّ أسئلة متشعّبة كهذه، تتطلّب تركيز جهد، وطول انتباه، بخاصّة في قراءة النّص النّيتشوي المزروع بالألغام المجازية، والمحكوم بسلطة الاستعارة، وكلّ نصّ هذا وصفه يتعذّر فيه القبض على معنى واحد أو تأويل نهائي، فالمقاربة إذن هي الاستراتيجيّة الملائمة لتقديم صورة عن نظريّة التّراتب تعكس لنا حقيقة الفكرة، وتحلّل عناصر الإشكاليّة إلى حدّ ما.
هذا، وتبرز لنا أهمّية موضوع التّراتب من عدّة جوانب يمكن تلخيصها في:
أوّلا: الحضور المكثّف لشخصيّة «نيتشه» المفهوميّة في الدّرس الفلسفي المعاصر، وبما أصبح يمثّله من لحظة انعطاف جذري في تاريخ الفلسفة، حيث صارت النّيتشويّة كنزعة تحيل إلى شكل من أشكال التّفلسف، مثلما كانت الأفلاطونيّة، تحيل هي الأخرى إلى نزعة فلسفيّة، أكثر من إحالتها إلى «أفلاطون» التّاريخي.
ثانيا: كما تكمن أهمّيتها بالنّسبة للباحث في كون أنّها فرصة من فرص المعرفة والإطلاع على حقائق الفلسفة، فالمتمرّس بالاستراتيجيّة النّيتشويّة يكون كالسّائح الجوّال في ربوع الفلسفات والثّقافات المتعدّدة، القديمة اليونانيّة، بلحظتيها طبقا للتّقسيم النّيتشوي:ما قبل السّقراطيّة وما بعدها، ومحاورا للأديان وتعاليمها، ومتعرّفا فوق هذا كلّه على تقنيات التّأويل، التي كانت تمارس من قبل عقول العصر الحديث أمثال: «ديكارت»، «كانط»، «هيجل» وغيرهم، ثمّ مساءلة قيمتها والكشف عن محدوديّة نتائجها وقصور آليّات تأويلها، ثمّ مكتشفا لمعالم فلسفة جديدة تبشّر بتعاليم بديلة، وقيما أرفع.
ثالثا:بالإضافة إلى هذا كلّه، فقليلة هي الدّراسات التي تعرّضت لإشكاليّة التّراتب إذا ما قورنت بدراسات أخرى تناولت جوانب أخرى من فلسفته، كالميتافيزيقا، وإرادة القوّة، أو العود الأبدي، وغيرها، وبالتّالي فهو بحث غير مسبوق، ‑في حدود علمنا‑ كرسالة أكاديميّة متخصّصة.
ومن الدراسات التي سبقت بالتّعرّض لإشكاليّة التّراتب عند نيتشه، بالتّأويل والتّحليل، أو بالمناقشة والتّقييم، ‑في حدود اطلاعنا‑، كتاب «جيل دولوز»، «نيتشه والفلسفة»، الذي صدرت منه ترجمة عربيّة في سنة 1993، حيث أفرد في الفصل الثّاني: الفاعل ورادّ الفعل، عنصرا بعنوان:التّراتب، حلّل فيه تحليلا نفسيّا وأخلاقيّا صفات القوى المسيطرة، والمسيطر عليها في كلّ بنية اجتماعيّة، ومحدّدا فواصل نوعيّة وكمّية، لتمييز طبيعة القوى، هل هي فاعلة أم ارتكاسيّة، والباقي يتفرّع عن ذلك.
ومن بين الدّراسات التي تعرّضت بالنّقد لنظريّة التّراتب عند «نيتشه»، بوصفها إيديولوجيّة الرّأسماليّة في مرحلتها الإمبرياليّة، تلك التي يمثّلها «جورج لوكاكش»، في كتابه «تحطيم العقل»، الجزء الثّاني من ص93إلى 165، ترجمة إلياس مرقص، حيث نظر إلى نيتشه باعتباره مؤسّس لاعقلانيّة الطّور الإمبريالي، وفي نفس الخطّ أيضا يبرز لنا كتاب «على دروب زرادشت»لـ:«ستيبان أودويف»، الذي أبصر في دعوة «نيتشه» إلى البناء الاجتماعي التّراتبي، نموذجا للهروب من النّظريّات العلميّة والحتميّة التّاريخيّة، عن طريق التّحليل النّفسي، والتّجميل الشّعري والفنّي، والتّأويل الأسطوري للواقع، لتبرير عقيدة التّراتب بين البشر، وما يستتر خلف مراجعة جميع القيم‑حسب أودويف‑ هو الانحلال الذي أحسّه «نيتشه» للبرجوازية في تلك المرحلة.
بالإضافة إلى كتاب «نيتشه: مفكر التّراتب، من أجل قراءة توكوفيليّة لنيتشه» لـ : B‑KRULIC «بريجيت كريليك»(2002) الذي يجعل النّصّ النّيتشوي في سجال مع القيم السّياسية لعصره، كالدّيمقراطية ومثيلاتها المساواة، والعدالة، والتّسامح.
كما تجدر الإشارة في هذا السّياق إلى الأطروحة التي أنجزها «جمال مفرج» بعنوان: «قضايا الثّقافة الإنسانيّة في مشروع نيتشه الثّوري»، ففي الفصل المخصّص للأخلاق وأوامرها، يحلّل الثّقافة في تمظهرها الأخلاقي، ومميّزا بين نمطين من أنماط الثّقافة الأخلاقيّة، أخلاق الإنسان النّبيل أو ثقافة التّراتب وتمجيد الذّات، وأخلاق الإنسان الحقودأو ثقافة المساواة وتعذيب الذّات، منتهيا إلى أنّ «نيتشه» في ثقافته المابعد أخلاقيّة، ينقلنا إلى ميدان الثّقافة الرّومانيّة، لنجرّب أخلاقا بلا إلزام ولا قانون ولا ممنوع، وهو بهذا يحدّد لفلسفته الأخلاقيّة مبادئ جدّ قديمة.
إنّ ما يجمع هذه المقاربات كونها تختزل نظريّة التّراتب، في عنصر من عناصر الثّقافة مثلما فعل «دولوز» مثلا، حينما نظر إلى التّراتب بعيون أخلاقيّة، أو«جورج لوكاكش»، و«ستيبان أدوويف»، أين يطغى الهمّ الإيديولوجي والسّجال السّياسي، على حساب التّحليل العلمي والتّأمّل النّزيه.
بخلاف ما تختصّ به هذه الدّراسة، وذلك من جهة كونها توسّع نظريّة التّراتب، على جميع فروع الثّقافة، الدّين، الفنّ، الميتافيزيقا، السّياسة، المعرفة، متقصّية بذلك التّراتب بنظرة متكاملة، ومتداخلة الوظائف والأدوار.
وإذا كانت القاعدة المنهجيّة ترى بأنّ طبيعة الموضوع هي التي تحدّد طبيعة المنهج، وأن إجرائيّة الوسيلة ينبغي أن تكون متناسبة مع مخصوصيّة الموضوع، فسيكون المنهج التّحليلي هو الأنسب لبلوغ الهدف، والإجابة على عناصر الإشكاليّة، بالتّلازم كذلك مع إجرائيّة النقد، حينما يقتضي منّا التّحليل إبراز عناصر التّمايز والاختلاف بين أشكال التّراتب، أو بالتعرّض للتّقييم والمساءلة، لمبادئ التّقييم المابعد أخلاقيّة البديلة.
بالإضافة إلى أنّنا سنلجأ أحيانا إلى المنهج المقارن، حينما يكون المطلب هو المقارنة بين آليّات القراءة وشبكات الفهم، بين «نيتشه» وغيره من الفلاسفة الذين اشتغلوا في نفس الحقل المعرفي، وعلى المواضيع نفسها ،كالنّقد مثلا على طريقة «كانط» أو «هيجل»، واستراتيجية «نيتشه» في النقد، بخصائصها وتقنياتها التّأويليّة المختلفة، وهذا كلّه بغرض الإحاطة بالموضوع، وإعطائه الحقّ في التّحليل كاملا.
وفيما يتعلّق بأهمّ الصّعوبات التي واجهت البحث، فإنّ المشكلة الأولى هي قلّة الدّراسات التي تعرّضت لإشكاليّة التّراتب كموضوع مستقلّ بالتّحليل والمناقشة، ففيما عدا القراءات الاجتماعيّة والسّياسيّة، قد لا نعثر‑في حدود علمنا‑على تناول لهذه الإشكاليّة، والإحاطة بها إحاطة علميّة شاملة.
أمّا الصّعوبة الثّانية: فهي صراع التّأويلات حول معنى النّصّ النّيتشوي، التي كانت حاجبا وعبارة عن منظورات متناقضة وأفاهيم متحيّزة، قد تنعكس بالسّلب على الباحث إذا لم يكن متمرّسا بخلفيّاتها ومحيطا بحقائقها وقيمها المستبطنة.
أما بخصوص أهمّ المصادر والمراجع، فإنّي اعتمدت على بعض مصادر «نيتشه» المترجمة إلى اللّغة الفرنسيّة، والعربيّة أيضا، أذكر منها: «كتاب إرادة القوة»، la volonté de puissance، ترجمة جنفيف بيانكي G ,Bianquie، دار غاليمار، 1948، ونفس العنوان أيضا، ترجمة هنري آلبير H,Albert، منشورات كتاب الجيب الفرنسية، 1991، كذلك كتاب «بمعزل عن الخير والشّر»،Par delà le bien et le malللمترجم نفسه، والدّار أيضا، وكتاب «أفول الأصنام» Lecrépuscule des idole، ترجمة هنري آلبير، منشورات المركور دوفرونس mercvre de France، ولم يسعفني الحظّ في الاعتماد على الشّذرات المخلّفة، بأجزائه الأربعة، سوى اقتباس بعض نصوصه من مراجع مختلفة، كذلك اعتمدت على كتاب، «هكذا تكلم زرادشت»، و«جينيالوجيا الأخلاق»، الترجمات العربية الجديدة الصّادرة عن دار أفريقيا الشرق، سنة 2005.
وبالنّسبة إلى المراجع التي أعانتني على فهم النّصّ النّيتشوي وتحليله، أذكر منها بالفرنسية: نيتشه والميتافيزيقاNietzsche et la métaphysique، لميشال هار M,Haar1993، وكتاب: شارل أندليرCH,Andler، نيتشه: حياته وفكرهNietzsche,sa vit et sa pensée الجزء الثالث الصادر سنة 1958.
وأخيرا، توصّلنا إلى بناء الهيكل المشكّل لموضوع البحث، على النّحو التالي:
مقدمة: وفيها عرّفنا بالموضوع، وأبرزنا أهمّيته، والدّوافع التي حفّزتنا للبحث فيه، والإشكاليّة الرّئيسيّة ثمّ المنهج المعتمد، إضافة إلى الصّعوبات التي واجهتنا، وأهمّ المصادر، والمراجع، ثمّ خطّة البحث.
الفصل الأول: خصّصنا فيه البحث عن الأرضيّة المفاهيميّة والتّاريخيّة لمصطلح التّراتب، عالجنا فيه العناصر التّالية: التّراتب : مساءلة مفاهيميّة وتاريخيّة، ثمّ التّراتب وحقيقته عند «نيتشه»، حيث بدا لنا أنّ التّراتب يتمظهر في معان ثلاثة: التّراتب بمعنى الاختلاف في الأصل، التّراتب بمعنى التّفاضل، التّراتب بمعنى التّرويض والاصطفاء، ثمّ خلاصة تضمّنت أهمّ النّتائج المتوصّل إليها.
أمّا الفصل الثّاني، «من التّراتب الدّيني إلى الفارق الأنطولوجي» فقد خصّصناه لمعالجة الدّين، بوصفه أصل التّراتب، ثمّ امتداد هذه الثّقافة الدّينيّة، واندساسها في لغة الفلسفة، حيث تتداخل الفكرة الانطولوجيّة والتّفاضل الأخلاقي، أمّا المبحث الأخير فهو يعالج التّأويل الاستطيقي للوجود، بما هو المنعرج التّحرري والتّجاوزي للميتافيزيقا بواسطة الفنّ، وخلاصة تضمّنت أهمّ نتائج الفصل الثّاني.
و أخيرا الفصل الثّالث، وفيه تعرّضنا لآراء «نيتشه» في الأخلاق، والتّأويلات المختلفة التي لازمتها:
عالجنا فيه، الأخلاق باعتبارها نظريّة التّراتب بين البشر، ثمّ حلّلنا نوعي التّراتب: بين تراتب الاختلاف والاستمتاع به، ثمّ تراتب الحقد وتشويه الأصل، ثمّ حاولنا أن نحدّد الملامح الكبرى التي سيكون عليها الفاعل البشري الجديد، بما هو نموذج الإنسان الأسمى، وأيضا خلاصة لأهمّ نتائج الفصل.
ثمّ ختمنا البحث بخاتمة تضمّنت قيمة التّراتب القيمي الجديد كما طوّره «نيتشه»، حيث قمنا فيها بتلخيص سريع لأهمّ قضايا البحث، وتعرّضنا لامتداد فلسفة «نيتشه»، عن طريق الإشارة إلى حضورها المكثّف في الدّرس الفلسفي المعاصر، ثمّ إحصاء لأهمّ الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى نظريّة التّراتب والنّتائج السّلبيّة اللاّزمة عنها.
الهوامش
(*) تقديم كتاب «نيتشة ومهمّة الفلسفة، قلب تراتيب القيم والتأويل الجمالي للحياة»، بقلم مؤلفه د. عبد الرزاق بلعقروز، من إصدارات الدار العربية للعلوم، 2009 |