نبذة عن كتاب

بقلم
د.علي رابحي
قراءة في كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال لابن رشد
 يعتبر كتاب «فصل المقال فيما بين الحكمة والشّريعة من الاتصال» من أبرز كتب الفيلسوف والفقيه والطّبيب ابن رشد، خاصّة في مجال التوفيق بين الدّين والفلسفة. ولهذه الغاية يدعو ابن رشد في هذا الكتاب إلى التّوفيق بين الحكمة (الفلسفة) والشّريعة (الدّين) من خلال بسط العناصر التّالية:
- الفلسفة والمنطق والشّريعة
- فضل القدامى
- موافقة الشّريعة لمناهج الفلسفة
- التّوافق بين المعقول والمنقول
- استحالة الإجماع العام
-  تكفير الغزالي لفلاسفة الإسلام
-  أقسام العلوم الدّنيوية والأخرويّة
1 - الفلسفة والمنطق والشّريعة
فما هو التعريف الذي يقدمه ابن رشد للفلسفة؟وما هو حكم الشرع على فعل التّفلسف في تقدير ابن رشد؟ وما هي الأساليب الحجاجيّة التي استخدمها للدّفاع عن الفلسفة وتبيان موافقتها للدّين؟
يجبب ابن رشد أن:
 - الفلسفة هي نوع من النّظر العقلي في الموجودات من أجل أخذ العبرة والاهتداء من خلالها إلى معرفة الصّانع /اللّه.
 - وأنّ الشّرع يدعو إلى ممارسة التّفلسف باعتباره نظرا عقليّا في الموجودات لمعرفة الصّانع.
 - واعتمد ابن رشد من أجل تأكيد مشروعيّة الممارسة الفلسفيّة من و جهة نظر الدّين على:
* أدلة نقليّة تتمثّل في الاستشهاد بآيات قرآنيّة. فإذا لم تكن الفلسفة سوى نظر عقلي  في الموجودات لأخذ العبرة، فإنّ القرآن يدعو إلى ذلك في الكثير من الآيات منها  قوله تعالى:(فاعتبروا يا أولي الأبصار) و(أو لم ينظروا في ملكوت السماوات و الأرض و ما خلق الله من شيء). 
* أسلوب الاستدلال المنطقي من تعريف فعل الفلسفة، حيث قام ابن رشد بتحليل عناصرها الجزئيّة، منتهيا باستنتاج منطقي يمكن التّعبير عنه بالشّكل التالي:                        
 -  الفلسفة نظر في الموجودات لدلالتها على الصّانع.
 -  الشّرع يدعو إلى النّظر في الموجودات لدلالتها على الصّانع.
 -  إذن الشّرع يدعو إلى الفلسفة.
2 - فضل القدامى
وابن رشد يدعو إلى البحث عن الحقيقة بصرف النظر عن مصدرها، سواء كانت عربية أو يونانية. بل يقول إننا في كل العلوم يجب أن نستعين بمجهودات مَن سبقونا، يجب أن يطّلع كل باحث على مجهودات وإنجازات من سبقوه وذلك حتى يُمْكنه التوصل إلى جوانب جديدة في بحثه.
3 - موافقة الشريعة لمناهج الفلسفة
ويورد ابن رشد الكثير من الأمثلة التي يبين من خلالها أنّ الدّين الإسلامي يدعو إلى التّعرّف على علوم مَن سبقونا. وإذا كنّا نجد بعض النّاس قد وقعوا في بعض الأخطاء نتيجة لاطّلاعهم على كتب القدامى ومن بينها كتب المنطق والفلسفة، فإنّ هذا يعدّ أمراً عارضاً لا نستطيع بناءً عليه أن نمنع النّاس من البحث في كتب القدماء.  وينبغي أن نعتقد أنّ النّظر البرهاني لا يؤدّي إلى مخالفة ما ورد بالشّرع، إذ إنّ الحقّ لا يضادّ الحقّ بل يوافقه.. يجب علينا البحث في علوم القدامى وأن ننظر فيما قالوه، فإن كان كلُّه صواباً قبلناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصواب نَبَّهنا عليه.
4 - التوافق بين المعقول والمنقول
ويدعو ابن رشد إلى التّأويل، ويشير إلى قواعد هذا التّأويل، ويبين أنّ الفقيه إذا كان يقوم بالتّأويل في كثير من الأحكام الشّرعيّة، فإنّ صاحب العلم بالبرهان يجب عليه اللّجوء إلى التّأويل. و يقول مؤكّداً على هذا المعنى: « نحن نقطع قطعاً أنّ كلَّ ما أدّى إليه البرهان، وخالفه ظاهر الشّرع، أنّ ذلك الظّاهر يقبل التّأويل على قانون التّأويل العربي. وهذه القضيّة لا يشكّ فيها مسلم ولا يرتاب بها مؤمن. وما أعظم ازدياد اليقين بها عند من زاول هذا المعنى وجرّبه، وقصد هذا القصد من الجمع بين المعقول (الفلسفة) والمنقول (الدين) بل نقول إنّه ما من منطوق به في الشّرع مخالف بظاهره لِما أدّى إليه البرهان...ولهذا أجمع المسلمون على أنّه لا يجب حمل ألفاظ الشّرع كلّها على ظاهرها، ولا خروجها كلّها عن ظاهرها بالتّأويل».
5 - استحالة الإجماع العام
وينبّه ابن رشد إلى أنّه من الضّروري عدم إذاعة التّأويلات على الجمهور الذي لا يعرف أسس البرهان وقواعد التّأويل، وهذا يتّفق مع تمييز ابن رشد بين الطّريق الخِطابي (الجمهور) والطّريق الجدلي (المتكلّمين) والطّريق البرهاني (الفلاسفة).
6 -  تكفير الغزالي لفلاسفة الإسلام
وإذا كان الغزالي في المشرق العربي قد لجأ إلى الهجوم على بعض الآراء التي قال بها الفلاسفة والتي تتعلّق بموضوع قِدَم العالم وخلود النّفس والعلم الإلهي، فإنّنا نجد ابن رشد حريصاً على أن يبيّن لنا أنّ المعنى الذي قصَده الفلاسفة، غير ما قصده الغزالي حين روى آراءهم، وكان قصد ابن رشد من ذلك أن يبين لنا إمكانيّة التّوفيق بين الدّين والفلسفة.
7 -  أقسام العلوم الدّنيوية والأخرويّة
إنّ مقصود الشّرع إنّما هو تعلّم العلم الحقّ والعمل الحقّ. والعلم الحقّ هو معرفة اللّه وسائر الموجودات على ما هي عليه وخاصّة الشّريعة، ومعرفة السّعادة الأخرويّة والشّقاء الأخروي. والعمل الحقّ هو الالتزام بالأفعال التي تسمّى العلم العملي. وهذه تنقسم قسمين:
* أحدهما: أفعال ظاهريّة بدنيّة، والعلم بهذه هو الذي يسمّى الفِقه.
* والقسم الثّاني: أفعال نفسانيّة مثل الشّكر والصّبر وغير ذلك من الأفعال التي دعا إليها الشّرع أو نهى عنها، والعلم بهذه هو الذي يسمّى الزّهد وعلوم الآخرة.
 خلاصة القول:
لقد ذكر ابن رشد هذه العلوم جميعاً، ليبيّن لنا أنّه لا خلاف بين الدّين والفلسفة، ولا تعارض بينهما، بل ينبغي التّوفيق بينهما. إنّ الشرع إذا كان يعلّمنا العلم والعمل، فإنّنا نجد الفيلسوف يبحث في العلوم النّظريّة (العلم) والعلوم العمليّة أيضا (العمل). إنّها دعوة من ابن رشد للتّوفيق بين الحكمة (الفلسفة) والشّريعة (الدين). إنّ الحكمة هي صاحبة الشّريعة والأخت الرّضيعة، وهما المصطحبتان بالطّبع المتحابّتان بالجوهر والغريزة، وذلك ما يؤكّده ابن رشد في آخر كتابه «فصل المقال فيما بين الحكمة والشّريعة من الاتصال».