شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
أ.د. وائل حلاق
 ولد «وائل حلاق» بمدينة الناصرة الفلسطينيّة في 22 أفريل 1955م، في عائلة مسيحيّة بسيطة، هاجر إلى كندا في سبعينيات القرن الماضي لمتابعة تعليمه العالي، فحصل على درجة البكالوريوس في العلوم السّياسيّة والاقتصاد، ثمّ انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة ليختص في دراسة الشّريعة، ويحصل  على درجة الماجستير ثمّ على الدّكتوراه في الدّراسات الإسلاميّة من جامعة واشنطن. درّس في جامعات غربيّة وشرقيّة كثيرة، منها: سنغافورا، وإندونيسيا، وعمل كأستاذ كرسي الدّراسات الإسلاميّة في جامعات ماكجيل، ومونتريال، وتورنتو في كندا، وهو يعمل منذ سنوات، أستاذاً للدّراسات الإسلاميّة في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكيّة في قسم دراسات الشرق الأوسط.
لـ «وائل حلاق» العديد من المؤلّفات منها: «الدّولة المستحيلة» و«قصور الاستشراق»، و«الشّريعة: النّظريّة، الممارسة والتحولات»، والثلاثيّة المعنية بمشروعه الفكري وهي بحسب التّرتيب الزّمني: «تاريخ النّظريّات الفقهيّة في الإسلام - مقدّمة في أصول الفقه السّنّي»(1997م)، و«السّلطة المذهبيّة - التّقليد والتّجديد في الفقه الإسلامي»(2001م)، و«نشأة الفقه الإسلامي وتطوره»(2005م). وله عشرات الدّراسات والبحوث والمقالات والمراجعات المتخصّصة حول موضوعات نشوء النّظريّات والمذاهب الفقهيّة وتطورها وتاريخ التّشريع الإسلامي والنّظام القضائي في الإسلام، كما شارك في إعداد وتحرير موسوعات عن الإسلام، وأشرف على عدد كبير من الأطروحات الجامعيّة في جامعات عدّة.
تعُدّ ثلاثيّة «حلاق» مشروع مقاومة ضدّ الاحتلال الفكري الذي تمارسه قوى الاستعمار عبر الكتابات الاستشراقيّة التي انتشرت في القرن التّاسع عشر والتي غذّت الهيمنة الإمبرياليّة الأوروبيّة والأمريكيّة. وهو محاولة لزعزعة الفكر الاستشراقي من داخل معاقله، لذلك سعى «حلاق» من خلال كتابه «قصور الاستشراق.. منهج في نقد العلم الحداثي» إلى تعميق النّقد الموجه للاستشراق، من خلال ابراز جذور الاستشراق التي تسكن بنية «المعرفة الغربيّة» في كلّ تجلياتها من القانون والفلسفة وغيرهما من المجالات التي تجسد هيمنة الغرب وسلطته، وهو ما يسمح للذّات الغربيّة المتّسمة بالعلمانيّة بالتّمدّد وفق منظور مجاف للأخلاق. لذا دعا إلى إعادة النّظر في العلاقة مع «المعرفة» التي أنتجتها أوروبا، وانتشرت بشكل مهيمن في جميع أنحاء العالم في القرون الثلاثة أو الأربعة الماضية. وهي معرفة مرتبطة جوهريّا بالاستعمار، حيث كانت داعما وفق مقاربة جدليّة مع هيمنة الذّات والآخر. 
اعتنى «حلاّق» بالفقه الإسلامي واعتبره منظومة معرفيّة متكاملة لها سماتها، وآليّاتها، ونظامها الدّاخلي الدّينامي، ودافع عن مصطلح الاجتهاد وطوّر من الأدبيّات المتعلّقة بالتّقليد، الذي يعدّ حسب رأيه ظاهرة علميّة لها مراتب، تبدأ بحمل المذهب وتنتهي بالاجتهاد فيه. 
وفيكتابه « أصول الشّريعة الإسلاميّة وتطوّرها»، انتقد وجهة النّظر السّائدة بأنّ الشّريعة الإسلاميّة مستمدّة فقط من الوحي الإلهي وبيّن أنّها نتاج تفسير بشري وتطوّرات اجتماعيّة وسياسيّة، وقد أثار هذا العمل الرّائد جدلا كبيرا وأعاد تشكيل الطّريقة التي يتعامل بها العلماء مع دراسة الشّريعة الإسلاميّة. 
ومن المساهمات البارزة الأخرى التي قدّمها «وائل حلاق» استكشافه لمفهوم السّلطة في الشّريعة الإسلاميّة، حيث تناول في كتابه «الشّريعة: النظريّة الممارسة والتّحوّلات» السّلطة والاستمراريّة والتّغيير في الشّريعة الإسلاميّة، والعلاقة الدّيناميكيّة بين شرعيّة الأحكام الشّرعيّة والسّياقات الاجتماعيّة والسّياسيّة المتغيّرة، كما سلّط الضّوء على التّفاعل المعقّد بين سلطة فقهاء القانون والدّولة. وأحدث كتابه «الدّولة المستحيلة: الإسلام والسّياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي»رجّة كبيرة في السّاحة الإسلاميّة حيث توجّس منه مناصرو تيارات «الإسلام السّياسي»، واتهموه بالسّعي إلى هدم «المشروع الإسلامي»،لكنّ «حلاق» فنّد ذلك موكّدا أنّ مشروعه الفكري الذي يأتي ضمن مجالات معرفيّة متعدّدة ومتقاطعة، تضمّ تاريخ التّشريع والفقه الإسلامي، وأصول الفقه، وفلسفة الأخلاق، والفلسفة السّياسيةّ بعيداً عن الارتباط بأي تجاذبات سياسيّة مباشرة، وأنّ السّعي لـ «الإسلاميّة»، بما هي محاولة لـ «أسلمة» المؤسّسات والنّظم الحديثة، دون تغيير واستبدال الأسس التي تنبني عليها، هو بالضّرورة سعي لـ «المستحيل». وفي حين أنّ مفكّري «الإسلام السّياسي» المعاصرين يعتبرون «الدّولة» مجرّد أداة، يمكن فصلها عمّا يرتبط بها من منظومات وقيم بالضّرورة، يبيّن حلاق أنّ هذا الفصل غير ممكن، وأنّ السّعي لإقامة الدّولة الإسلاميّة لا يمكن أن ينجح؛ إذ لا يمكن فصل الدّولة الحديثة عن المنطلقات الفكريّة والأخلاقيّة الخاصّة بها، كمفاهيم السّيادة، والشّعب، والمواطن.
هذا وقد ظهرت في كتابات «حلّاق» الأخيرة عنايته بالأخلاق، وناقش مطولًا ثنائيّة الأخلاق والإلزام، وبنى على ذلك استنكاره لتقسيم الأحكام الشّرعية إلى عبادات ومعاملات مشيرا إلى أنّ العناية بالأخلاق التي دعا إليها الإسلام في المعاملات هي أمر ديني يبرز عناية الشّريعة والمشرّع بالفضيلة وليس مجرد علاقة بين الفرد وغيره.