نبذة عن كتاب

بقلم
د.علي رابحي
قراءة في رسالة الكندي في الفلسفة الأولى التي وجهها إلى المعتصم بالله
 يعدّ الكندي أوّل مترجم ومصحّح مسلم للفلسفة اليونانيّة، وأوّل فيلسوف وضع في الحضارة الإسلاميّة رسالة في الفلسفة الأولى وجّهها إلى المعتصم باللّه، يدافع فيها عن الفلسفة، مبرزا غاياتها التي لا تتعارض مع الدّين من خلال العناصر التّالية:
- حدّ الفلسفة وموضوعها ومطالبها ومناهجها.
-  فضل القدماء والدّفاع عن الفلسفة.
- مفهوم الوجود والأزلي وتناهي الكون.
1 - حد الفلسفة وموضوعها ومطالبها ومناهجها.
  تعريف الفلسفة:
   يعرف الكندي الفلسفة كما عرفها أفلاطون ويميز فيها بين معنيين:
أ - المعنى العام: 
« علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان» أي أنها علم إنساني نسبي بمجهود شخصي وبقراءة ما قاله السّابقون وإضافة الجديد.
ب -  المعنى الخاص: 
وهي « الفلسفة الأولى» و«علم الحق الأول» الذي هو علّة كلّ حقّ « أي علم الدّين أو ما وراء الطّبيعة».
 موضوع الفلسفة
   وانسجاما مع تعريفه للفلسفة، يجعل الكندي للفلسفة موضوعين هما:
- موضوع عام هو الأشياء.
- موضوع خاصّ هو الحقّ الأول يعني اللّه.
مسائل الفلسفة 
ويحصر مسائل الفلسفة، التي هي علم علل الأشياء، في أربعة مسائل، هي:
- العلّة الفاعلة: أي الصّانع.
- العلّة المادّية: كالماء والتّراب والهواء....
- العلّة الصوريّة: أي الشّكل.
- العلّة الغائيّة: أو التّماميّة أي الغاية التي يؤدّيها الشّيء.
المطالب العلمية للفلسفة 
   أما المطالب العلميّة للفلسفة فيجملها في أربعة هي:
- هل؟ التي تحمل على الوجود.
 - ما؟ التي تحمل على الجنس.
- أي؟ التي تفصل وتحمل على النّوع.
- لم؟ التي تبحث عن العلّة المطلقة.
 2 -  فضل القدماء والدّفاع عن الفلسفة.
وبعد رسمه لمعالم الفلسفة، انتصر الكندي للقدامى، واعترف لهم بما جاؤوا به من علم منذ زمن اليونان، مؤكّدا أنّ العلم يتقدّم بمساهمة العصور السّابقة، وأنّ الحقّ يطلب من أيّ جهة كانت. ثم انطلق إلى مناقشة بعض الفقهاء الرّافضين لكلّ ما هو أجنبي، فبيّن بعدهم عن أساليب طلب الحقّ، وكشف أهدافهم الشّخصيّة في ما ذهبوا إليه، فأنكر عليهم، ودافع عن الفلسفة دفاعا عقليّا منطقيّا يفحم كل عاقل.
3 -  مفهوم الوجود والأزلي وتناهي الكون.
تمهيدا للاستدلال على وجود اللّه والخلق من لا شيء، وإثبات أنّ العقل لا يتدافع والنّقل، شرح الكندي مفهومه حول الوجود والأزلي وتناهي الكون على الشّكل التّالي:
أ- الوجود:   
ميّز الكندي بين نوعين من الوجود، المحسوس والمعقول، حيث إنّ الأشياء إمّا كليّة وإمّا جزئيّة، فالكليّة هي الأجناس بالنّسبة للأنواع، وهي الأنواع بالنّسبة للأفراد، والأفراد تقع تحت الحواس، أمّا الأجناس والأنواع فلا تقع تحث الحسّ، وليس لها وجود محسوس،  بل تقع تحت العقل. 
نتيجة لهذا، فإنّ للموجودات المحسوسة علما يخصّها هو العلم الطّبيعي، وللموجودات المعقولة علما يخصّها هو الفلسفة الأولى.
أمّا المنهج الواجب إتباعه في البحث في الفلسفة الأولى فهو البرهان، ولا يصلح لها المنهج المستخدم في العلم الطّبيعي لأنّه غير يقيني.
ب- الأزلي:
يقول الكندي أنّ الأزلي هو الذي لم يكن معدوما وليس يحتاج في قوامه إلى غيره، وهو الذي لا علّة له، وما لا علّة له فهو دائم. ويذكر له خصائص أربعة هي:
1 - الأزلي لا جنس له: فإذا هو ليس جسم لأنّ الجسم له جنس ونوع.
 2 - الأزلي لا يفسد: لأنّ الفساد يعتبر تغيير في المحمول.
 3 - الأزلي لا يستحيل: لا يتغير
 4 - الأزلي لا ينتقل إلى التّمام: لأنّه لا يمكن أن يكون ناقصا.
ج- تناهي الكون:
يثبت الكندي أنّه لا يوجد جسم لا متناه، وبالتّالي لا يوجد مقدار متناه بالفعل. ثمّ إنّ الزّمان كمّية إذن لا يمكن أن يوجد زمان لا متناه بالفعل، ممّا يعني أنّ للزّمان بداية وسيكون له نهاية. وبما أنّ ما يوجد في متناه يجب أن يكون متناهيا أيضا، فإنّ جرم الكلّ، أي جسم العالم متناه هو وكلّ ما يوجد فيه 
خلاصة القول
إنّ المشروع الفلسفي للكندي هو الانفتاح على الآخر المختلف، وإتمام علوم السّابقين بدون حرج، باعتبار أنّ الفلسفة صناعة إنسانيّة لا يونانيّة فقط. واليونان قدّموا لنا علما فاضلا يجب أن نشكرهم عليه لأنّهم أتوا بحقّ كثير، حقّ لا يتعارض مع ما أتت به الرّسل.