شذرات

بقلم
د.محمد عمر الفقيه
إِنَّ اللهَ لاَ يغير ما بِقَومٍ حتى يغيرواْ ما بِأَنفُسِهِمْ
 من الأخطاء المزمنة التي ما زلنا نقع فيها حتّى الآن عن قصد أو عن غير قصد ؛ الخلط بين السّبب والنّتيجة، الخلط بين السّبب والأثر، الخلط بين السّبب والعرض. 
ولعلّ هذا الخلط أو الخطأ المقصود يريحنا، ويعفينا من تحمّل المسؤوليّة ويلقيها على غيرنا، فالإنسان بطبعه إنسان تبريريّ.
علّمونا صغارا وضحكوا علينا كبارا أنّ سبب الفتنة الأولى في الجيل الأول، والتي أدّت إلى جزّ آلاف الرّؤوس في  المعارك الأولى هو عبد اللّه بن سبأ اليهودي..(والأرجح أنّ عبد اللّه بن سبأ هذا شخصيّة وهميّة لا وجود لها في أرض الواقع).
وأنّ سبب مقتل عثمان بن عفان رضي اللّه عنه هم اليهود،
وأنّ سبب مقتل عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه هم اليهود،
وأنّ ما من فتنة حصلت في القرون الأولى إلاّ وسببها اليهود،
والأسئلة التي تطرح نفسها الآن: هل يُعقل أنّ رجلاً يهوديّا واحدا عنده القدرة الخارقة للعبث بالدّولة الإسلاميّة، فيُسقط أعمدتها وينشرُ الفساد في كلّ أركانها؟
كيف لدولة إسلاميّة قائمة على منهاج اللّه ورسوله أن يعبث بها يهوديّ؟
والحقيقة التي لا نريد أن نراها ونبصرها رغم أنّها أمام أعيننا هي أنّ الرّيح لا يمكن بحال من الأحول أن تقتلع الشّجرة القويّة التي أصلها ثابت في الأرض أو تكسرها، إلاّ إذا كانت هذه الشّجرة قد نخرها السّوس وتآكلت جذورها وضعفت ساقها. 
فإذا ليس السّبب في كلّ ما جرى في القرون الأولى عبد اللّه بن سبأ ولا غيره من اليهود، وإنّما السّبب الحقيقي هو السّوس الذي كان يفتك ببنية الدّولة الإسلاميّة من الدّاخل بسبب الفساد والخلافات الدّاخليّة التي كانت تنخر جسم تلك الدّولة، حتّى أصبحت مهيأة وممهّدة ليعبث بها يهوديّ واحد أو عصابة من اليهود؛ وبالتّالي فإنّ عبد اللّه بن سبأ ليس سببا لكلّ مصائب المسلمين في العصر الأول، وإنّما هو نتيجة وعرض من الأعراض النّاتجة عن وهن المسلمين وضعفهم وتراجعهم.
وكذلك ما نعيشه الآن من واقع مرير بكلّ ما فيه من ضياع للأوطان وتدنيس للمقدّسات وانتهاك للأعراض وسفك للدّماء وضياع للحقوق ..... لا زلنا نصرّ أنّ سببه اليهود أو الفرس أو الامريكان أو الطّليان، نريد بذلك أن نبرىء أنفسنا ونعلّق كلّ خطايانا ومصائبنا وجرائمنا على أعداء مفترضين، وأنّنا نحن أبرياء أتقياء أنقياء، والحقيقة غير ذلك ، فما تكالبت علينا أمم الأرض إلاّ بعد أن فتكت بنا كلّ الأمراض الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والأخلاقيّة حتّى أصبحنا مضغة سهلة لكلّ طامع فينا، فاحتلال الصّهاينة لأرضنا ليس سببا لما نحن فيه وإنّما هو نتيجة وأثر لما وصلنا إليه من سوء، وما يجري في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا والصّومال وكلّ منطقتنا من الماء إلى الماء ليس سببه الأمريكان ولا الرّوس ولا الطّليان وإنّما سببه نحن؛ ضعفنا وتآمرنا واختلافنا ....
للأسف إلى متى سنبقى نخلط بين السّبب والنّتيجة والأثر، فالأمّة الضّعيفة التي ينخرها السّوس تجلب الأعداء إليها. هذه هي الحقيقة فالطّبيعة لا تقبل الفراغ. 
ماذا لو أنّ البحر ابتلع «إسرائيل»، فهل سنكون أفضل حالا؟
ماذا لو جاء زلزال مدمّر وأهلك الأمريكان والرّوس والطّليان، هل سنكون أحسن حالا؟
أجزم أنّنا لن نكون أحسن حالا، لأنّ الفايروس الذي ينخر جسدنا هو من داخلنا، ولأنّ السّرطان دمّر خلايانا، ممّا جعل أجسامنا فريسة سهلة لكلّ طامع فينا .
وصدق اللّه العظيم القائل:﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾(الرعد:11).