تطوير الذات

بقلم
محمد أمين هبيري
مبدأ المشروطية
 تعدُّ نظريّة المشروطيّة(1)(2) إحدى الأسس الرّئيسيّة في فهم سُلوك الإنسان وتفاعله مع البيئة المحيطة به، حيث ترتبط هذه النّظريّة بشكل وثيق بتطوّر الفهم العلمي لكيفيّة تشكّل ردود الفعل والعواطف لدينا وتكوّنها تحت تأثير الظّروف والتّجارب المحيطة. إذ تركّز على فهم كيفيّة تطوُّر السّلوك البشري وتشكّله بناءً على التّفاعلات مع المحفّزات المحيطة. 
تعتمد هذه النّظريّة على فكرة أنّ السّلوك يمكن تعديله من خلال تأثير المحفّزات المحيطة. وتقول باختصار أنّ الفعل الإنساني يُحكم بمجموعة من الظّروف المكوّنة للشّخصيّة الإنسانيّة، والتي تنتج عنها سلوكيّات وليدة لتلكم الظّروف. أي أنّ الظّروف هي المنشأة للسّلوك البشري. 
إذاً، مبدأ المشروطيّة هو مفهوم في السّيكولوجيا يشير إلى تكوين روابط تأليفيّة بين مؤثّرات معيَّنة واستجابات سلوكيّة معيَّنة، والتي يعتمد تعلُّمها على الظّروف التي يتعرَّض فيها الشّخص لهذه المؤثّرات والاشارات المعيَّنة. فهو يسلِّط الضّوء على كيفيّة تشكّل العادات والتّوقّعات السّلوكيّة عند الفرد بناءً على الخبرات والظّروف المحيطة، وهذا يلقي الضّوء على تأثير البيئة والتّعلُّم في تشكيل سلوك الإنسان.
تكمن أهمّية المبدأ في التّأثير المباشر بشكل كبير في السّلوك الإنساني وفهم تفاعلاته. يرتكز هذا المبدأ على فكرة أنّ السّلوك البشري يتأثّر بالمحفّزات المحيطة به، وبالتّالي يتمّ تشكيله وتوجيهه بناءً على تلك المحفّزات. إنّ فهم مبدأ المشروطيّة يساعد في تفسير سببيّة العلاقة بين المحفّزات والسّلوك، ويمكن أن يُطبّق في مجموعة متنوّعة من السّياقات مثل التّعليم، والتّطوير الذّاتي، وعلاج بعض الاضطرابات النّفسيّة.
تُظهر الأبحاث أنّ تعلّم السّلوك واكتساب المهارات يمكن أن يتحقّق بفعاليّة من خلال استخدام تقنيات المشروطيّة. على سبيل المثال، يُظهر التّدريب المشروط الإيجابي أنّ تقديم تعويضات أو مكافآت عند حدوث سلوك معيّن يزيد من احتماليّة تكرار هذا السّلوك. بالمثل، يُظهر التّدريب المشروط السّلبي أنّ تجنّب عواقب غير مرغوبة يمكن أن يقود إلى تجنّب السّلوك المرتبط بهذه العواقب.
الجزء الأول: مبدأ المشروطيّة في ذاته 
يمكن تقسيم الجزء الأول إلى عنصرين: أساس المبدأ (العنصر الأول) ومبرّرات المبدأ (العنصر الثّاني) 
العنصر الأول: أساس المبدأ
وفقًا لنظريّة المشروطيّة الكلاسيكيّة، يمكن تعلُّم الاستجابات السّلوكيّة من خلال ربط الإشارات المحدّدة بمُخرِّجات معيَّنة. وهذا التّعلُّم يستند إلى إنشاء رابط تأليفي بين مؤثّر طبيعي مُحدَّد (مثل طعام) وإشارة مُعيَّنة (مثل صوت الجرس). عندما يتمّ تكرار هذا الارتباط مرارًا وتكرارًا، يمكن للإشارة أن تثير استجابة تلقائيّة تشابه الاستجابة التي يثيرها المؤثّر الطّبيعي.
على سبيل المثال، إذا قام شخص ما بتقديم طعام معيّن كلّما سمع صوت جرس، سيبدأ الشّخص بتكوين ارتباط بين الصّوت والطّعام. فيما بعد، سيصبح الشّخص قادرًا على الاستجابة للصّوت بانتظار الطّعام حتّى إذا لم يكن الطّعام موجودًا، وهذا ما يعرف بالاستجابة المشروطة. 
عالِمان بارزان في مجال المشروطيّة هما «إيفان بافلوف» و«ب.ف. سكينر». بافلوف، الطّبيب الرّوسي وعالِم النّفس، قام بإجراء تجاربه على الكلاب لاكتشاف ظاهرة المشروطيّة الكلاسيكيّة. وجد بافلوف أنّه يمكن تعلّم الكلاب ربط صوت الجرس بتوزيع الطّعام، حيث أصبحت الكلاب تفرز اللّعاب عند سماع الجرس حتّى بدون وجود الطّعام نفسه.  
من ناحية أخرى، أسّس «ب.ف. سكينر»، عالم النّفس الأمريكي، لما يُعرف بالمشروطيّة العكسيّة أو المشروطيّة التّشكيليّة. حيث قام بتطوير آلة معروفة باسم «صندوق سكينر» لدراسة تأثير المحفّزات في السّلوك. تنصّ هذه النّظرية على أنّ السّلوك يمكن تشكيله عن طريق تقديم مكافأة أو عقاب بناءً على الاستجابة. 
العنصر الثاّني: مبرّرات المبدأ
مبدأ المشروطيّة بما هو مفهوم في علم النّفس والفلسفة يُستخدم لفهم السّلوك البشري والفعل الإنساني وتحليلهما. ويتناول الفكرة التي تقول إنّ السّلوك البشري لا يحدث عبثًا، بل يعتمد على مجموعة من الظّروف والمحفّزات التي تؤثّر في اتخاذ القرارات والتّصرّفات.
يعتمد هذا المبدأ على الفكرة الأساسيّة التي تنصّ على أنّ سلوك الإنسان لا يقتصر على استجابة فوريّة لمحفّزات خارجيّة، بل هو نتيجة لتفاعل معقّد بين العوامل البيئيّة والعوامل الدّاخليّة. تعزّز مبرّرات المشروطيّة فهمنا لهذا المفهوم وتشمل العديد من الجوانب الهامّة:
أولًا، نجد أنّ المشروطيّة توفّر لنا فهمًا أعمق لكيفيّة تكوّن السّلوكيّات والعادات لدى الإنسان. فالإنسان ليس مجرّد كائن يولد مع تصرّفات ثابتة، بل يتعلّم ويتكيّف مع تجاربه وبيئته. هذا يعني أنّه يمكن تغيير السّلوك البشري وتحسينه من خلال التّعلّم وتغيير العوامل المحيطة به.
ثانيًا، تشير مبرّرات المشروطيّة إلى أهمّية السّياق الاجتماعي في تشكيل السّلوك البشري. فالعوامل الاجتماعيّة مثل التّربية، والتّعليم، والتّأثيرات الاجتماعيّة تلعب دورًا حاسمًا في تحديد سلوك الفرد وقراراته.
ثالثًا، يساهم مبدأ المشروطيّة في فهم التّغيرات في السّلوك البشري على مرّ الزّمن. يمكن أن تؤثّر تغيرات البيئة والظّروف الاجتماعيّة على تطوّر السّلوك والاستجابات البشريّة.
باختصار، مبدأ المشروطيّة يساعدنا في فهم أنّ السّلوك الإنساني ليس ثابتًا ولا محددًا مسبقًا، بل هو نتيجة لتفاعل معقّد بين العوامل الدّاخليّة والبيئيّة، وهذا يفتح الباب أمام فرص تحسين السّلوك وتطويره من خلال التّدخّل والتّعلّم المستمر.
الجزء الثّاني: مبدأ المشروطيّة في موضوعه
يمكن تقسيم الجزء الثاني إلى عنصرين: نتائج المبدأ (العنصر الأول) وحدود المبدأ (العنصر الثاني)
العنصر الأول: نتائج المبدأ
تتجلّى أهمّية مبدأ المشروطيّة في مجال التّعليم وتكوين السّلوكيّات الإيجابيّة. يُستخدم هذا المبدأ لتعزيز التّعلّم وتطوير المهارات من خلال تقديم مكافآت وتعويضات تشجّع على السّلوك المرغوب. في البيئة التّعليميّة، يمكن استخدام التّقنيات المشروطيّة لتعزيز التّفاعلات الإيجابيّة مع المعرفة. على سبيل المثال، يمكن أن يتمّ تقديم مكافأة أو إعفاء للطّلاب عند تحقيق أهداف دراسيّة محدّدة، ممّا يزيد من تحفيزهم ومشاركتهم. كما يمكن استخدام التّدريب المشروط لتشكيل عادات دراسيّة جيّدة، مثل تخصيص وقت للمذاكرة بناءً على مكافأة مقدّمة بعد اتباع الجدول. بالتّالي، يُظهر مبدأ المشروطيّة فعّاليته في تعزيز السّلوكيّات الإيجابيّة وتحقيق نتائج أفضل في مجال التّعليم.
في العلاج النّفسي، يستخدم مبدأ المشروطيّة لتغيير السّلوكيّات السّلبيّة. يهدف العلاج إلى تعويض السّلوكيّات غير المرغوبة بسلوكيّات إيجابيّة من خلال تقديم مكافآت أو تعويضات للتّحفيز. على سبيل المثال، يُمكن تطبيق التّعويض في السّلوك الإيجابي المرغوب، مثل تقديم تعويضات للمراهقين الذين يتجنّبون تصرفات المخاطرة. هذا المبدأ يساهم في تغيير السّلوكيات المؤذية وتحسين الحالة النّفسيّة بتحفيز اعتماد سلوكيّات أكثر إيجابيّة وصحيّة.
العنصر الثاني: حدود المبدأ
 أثار مبدأ المشروطيّة آراء مناقضة بين العلماء والمختصين في علم النّفس. بعضهم يرى أنّ المشروطيّة تقدّم تفسيرًا دقيقًا لتعلّم السّلوك وتغييره من خلال تأثير المحفّزات، ممّا يؤدي إلى استخدامها بنجاح في العلاج النّفسي والتّعليم. ومع ذلك، يشير البعض الآخر إلى أنّها قد تجاوزت بعض الجوانب البسيطة للسّلوك البشري، مجادلين أنّها لا تأخذ في الاعتبار العوامل العاطفيّة والاجتماعيّة المعقّدة التي تؤثّر في تكوين السّلوك.
من الجدير بالذّكر أنّ وجهات النّظر الحديثة في علم النّفس تنصبّ على التّفكير الشّامل، حيث يُراعى تفاعل العوامل المتعدّدة التي تؤثّر على السّلوك بما في ذلك الوراثة، والبيئة، والخبرات السّابقة. على الرّغم من ذلك، تظلّ المشروطيّة مفيدة في فهم أساسيّات تعلّم السّلوك وتحفيز تغييره، ويمكن تكاملها مع النّظرياّت الحديثة لتقديم رؤى أكثر شمولًا حول تشكّل السّلوك البشري.
الخاتمة
في الختام، تتركز نظريّة المشروطيّة على كيفيّة تكوين السّلوك وتعديله من خلال التّفاعل مع المحفزات. وفهم هذه النّظريّة يساعد على تطوير استراتيجيّات فعّالة لتحفيز السّلوك البشري وتعديله في مختلف المجالات. كما أنّها تساعد على فهم كيفيّة تكوين السّلوك البشري وتعديله من خلال التّأثير على المحفّزات المحيطة، ممّا يمكّن من تحسين العمليّات التّعليميّة والتّربويّة، وتطوير المهارات الشّخصيّة، وتعزيز السّلوكيّات الإيجابيّة. 
الهوامش
(1) لن أتحدث عن مبدأ المشروطية الذي يعبر عن مفهوم في اللغة وعلم اللسانيات يشير إلى الفكرة التي تقول إن المعنى الدقيق لوحدة لغوية (مثل كلمة أو جملة) يعتمد بشكل كبير على السياق الذي يُستخدم فيه هذا المصطلح. يعني ذلك أنه يمكن للمعنى أن يتغير أو يتضح بناءً على السياق الذي يتم فيه استخدام الكلمة أو الجملة. هذا المبدأ مهم في فهم اللغة والتواصل، حيث يلعب السياق دورًا حاسمًا في تفسير معاني الكلمات والعبارات. إلا أن معرض الحديث ليس عن مبدأ لغوي ولكن عن مبدأ يحكم الفعل الإنساني
(2) للمزيد الرجاء الاطلاع على المراجع العلمية التالية: 
« Michael Domjan - «Principles of Learning and Behavior» *
« Paul Chance - «Learning and Behavior» *  
Skinner, B.F. (1938) - «The Behavior of Organisms» Journal of Abnormal and Social Psychology, 33(4), 508-508 s» *  
«Pavlov, I.P. (1927) - «Conditioned Reflexes: An Investigation of the Physiological Activity of the Cerebral Cortex» *  
 London: Oxford University Press
«Watson, J.B. & Rayner, R. (1920) - «Conditioned Emotional Reactions» *  
 Journal of Experimental Psychology, 3(1), 1-14
W* Wolpe, J. (1958) - «Psychotherapy by Reciprocal Inhibition»» -   Stanford University Press