خواطر

بقلم
شكري سلطاني
«حتى يغيروا ما بأنفسهم»
 للإنسان أبعادٌ ومقوّماتٌ عديدةٌ متنوّعةٌ تُشكّل ذاته وتُحدّد خصوصيّة فردانيّته، إذ أنّها تصبغ أراءه وأفكاره وأحاسيسه ومشاعره وسلوكه بأصباغ نوعيّة ذاتيّة. فهي قد ترسّخت في كينونته وانطبعت في مخياله الشّعوري والإدراكي، وتركّزت كذلك في فطرته، ولذلك يصعب تغيّر النفس وتحوّلها عن عاداتها وأفعالها التّي اعتادت عليها ضمن  غطاء مفاهيمي ومعتقدات آمن بها وتبنّاها كمنهج لحياته.
إنّ السّلوكيّات الشرّطيّة المكتسبة قد إستقرّت وثبتت بتلقائيّتها وآليّتها بالتّعلّم والتّقليد وتكرار الأفعال، فإستحكمت في  النّفس لتوجّهها في خطّ وصيرورة حياتيّة في إتجاه متّصل ببعضها لا انفصال ولا انقطاع. فكيف يستطيع الإنسان فردا أو قبيلة أو قوما بأكملهم تغيير ما بأنفسهم حتّى يُغيّر اللّه حالهم إلى أحسن حال؟
إنّ الثّقل المعنوي الذي يحمله الإنسان طيلة حياته، من اندماج وتعلّق وانتماء والتزام وسعي وحرص وتوجّه للفعل، يجعل من حياته تجربة فريدة لتجاوز العقبات والصّعوبات، ولتحقيق إيجابيّة الفعل أو القعود والسّكون وسلبيّة الفعل والرّكون في منطقة الرّاحة والرّفاهيّة وعدم بذل أيّ جهد للتّغيير.لذلك فإنّ ضرورة الوعيّ الذّاتي كخطوة أولى في مسار التّغيير والتّحوّل، والسّلوك الإنساني الرّشيد والحكيم،  بالإضافة إلى النّقد الذّاتي والخروج من دائرة الوهم، هي وسائل وأدوات عمل قويم لتغيير ما بالنّفس.
لا بدّ من نقد التّصرّفات والسّلوكات الخاطئة الشّاذّة المنحرفة والنّفسيّة والعقليّة غير السّويّة لتجاوز إخفاقات الماضي وتسديد مطايا العزم للعمل الصّالح، إذ ليس كلّ عمل يعتدُّ به ويكتب ويُوثّق رغم نجاح الشّخص. فإنّه فقط بالمخاطرة بالنّفس تتحقّق الحرّية للإنسان، وبالرّغم من أنّ الإنسان الذي لا يخاطر بنفسه قد يعترف به النّاس كشخص ولكن قد لا يتحقّق وجوده الفعلي كذات إلاّ إذا تسلّح بالوعيّ الذّاتي، فالوعيّ الذّاتي والفعل والكدح الجاد المستمر للتغيير والتحوّل من أساسيّات معالجة الذّات من عيوبها ونقائصها ومداواة عللها وأمراضها ا المعنويّة الدّفينة في النّفس.
فما هي ركائز الذّات البشريّة وأعمدتها حتّى يستطيع الإنسان أن يغيّر ما بنفسه؟
1_ القالب الجسدي:
 ويتمثّل في الشّكل والحجم والصحّة الجسديّة وجثمانيّة الإنسان من أعضاء وأجهزة، حيث يحقّق القالب الجسدي البُعد والقطب الوجودي للذّات وتغلّفه وتستهلكه نوازع النّفس. 
2_ القالب النّفسي : 
ويتمثّل في الأحاسيس الشّعوريّة والإنفعالات والتّعلّقات ،فهي دائرة الوجدان والتّعلّق والإنتماء .يحقّق القالب النّفسي البُعد الوجودي-الوجداني للذّات البشرية وقطبها. فمن أحكم رباط نفسه وعالجها، فقد أصلح حاله، «والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على *** حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم»(1).
3_ القالب الذّهني :
يتمثّل في الفكر والثّقافة والخبرة والنّشاط الذّهني، وتشتمل كلّها على العقليّة وعلى مفهوميّة الشّخص ورؤيته .
4_ القالب الحركي : 
تتمثّل في الحركات الإراديّة والانعكاسيّة الفطريّة الغريزيّة والشّرطيّة المكتسبة .
تشتمل على سلبيّة الشّخص وإيجابيّته أثناء ردود أفعاله وبطئه وحركته، ومن ثمّ نشاطه وركوده.ويُغلّف كلّ ذلك العادات والتّقاليد ومعنى الحياة وفلسفتها بالنسبة للشّخص وكذلك الخبرة الحياتيّة، وتستهلك النّفس كلّ ما هو متاح لتوجيه كلّ ذلك لصالحها.
من أراد التّغيير والتّحوّل للأفضل،عليه بمعالجة أبعاده ومجموعة القوالب المتحكّمة في سلوكه بالتّأثير فيها وتغييرها، وبالمثابرة والعمل والكدح الجادّ المستمر المتواصل تتحقّق الأماني.
فدعائم البناء أصعب وأعقد من معاول الهدم، وليتحفّز السّاعي للإصلاح على بذل الجهد وسلوك الطّريق لتغيير ما يجب تغييره، وليبدأ بالنّفس يُغيّر اهتماماتها ويُحوّل تعلّقاتها، فإنّها رأس الدّاء ومفتاح العلاج . ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)﴾(الشمس: 7-10) صدق اللّه العلي العظيم
الهوامش
(1) من قصيد للإمام البوصيري وهو محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري (608 هـ - 696 هـ / 7 مارس 1213 - 1295) شاعر صنهاجي اشتهر بمدائحه النّبويّة. أشهر أعماله البردة المسمّاة «الكواكب الدّريّة في مدح خير البريّة»