شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. منير شفيق
 الدكتور منير شفيق مفكّر عربي إسلاميّ وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وشقيق الشّهيد جورج شفيق عسل. ولد في حي القطمون في مدينة القدس المحتلة لأبوين مسيحيّين عام 1934. وهناك، عاش أجواءً سياسيّةً منذ طفولته، تشكّل خلالها وعيُه في الصّراع مع الصّهاينة الذين غزوا البلاد.
رغم الدّيانة المسيحيّة للعائلة الثّريّة التي ترعرع فيها شفيق، فقد حفّظه والده، الذي نشط كمُحامٍ للثوّار أثناء الثورة الفلسطينيّة الكُبرى (1936 - 1939)، ما تيسّر من القرآن الكريم والشّعر العربيّ، وكشفه على عالم السّياسة وأدبيّات الفكر الماركسيّ. أمّا والدته فعملت لفترةٍ من حياتها كمُعلّمة. لذا، نشأ شفيق وتربّى في بيئةٍ تهتمُ بالتّعليم ومنخرطة بالسّياسة. 
درس المرحلتين الأساسيّة والثّانوية في مدارس القدس، وأنهى الثّانوية العامّة عام 1953، ثمّ التحق بجامعة بيروت العربيّة في لبنان. عمل مدرِّسًا في مدرستي جبل الطّور والرّشيديّة في القدس وفي مدرسة سلواد الابتدائيّة، وعمل مترجمًا للكتب في لبنان، وعمل لعدّة أشهر في الكويت، وأصبح مسؤولًا لمركز التّخطيط في منظمة التّحرير الفلسطينيّة بين عامي (1978-1992)
تخصّص في الفلسفة والعلوم السّياسيّة وعلم النّفس. اعتقل في 1957 وسجن لمدّة عشر سنوات لنشاطه السّياسي؛ أثناء سجنه، كان منير شفيق المنظّر العقائدي للحزب الشّيوعي الأردني. ولكن بعد إطلاق سراحه، وتَغَيُّر منهج الحزب، وتصاعد العمل الكفاحي لحركة فتح، انضم اليها ومَثَل مع نسيبه ناجي علوش وماجد أبو شرار وآخرون التّيار الثّوري اليساري في حركة فتح في السّبعينات وعُرِف كأحد رموز تيارها الثّوري اليساري.
اهتم بالتّاريخ الثّوري المعادي للاستعمار، وتأثّر بتجربة عبدالكريم الخطابى وعبد القادر الجزائري وغيرهم، وازدادت قناعاته بدور إسلامي للثّورة؛ فاعتنق الإسلام في أواخر السّبعينات/ بداية الثّمانينات تحت تأثير الثّورة الإسلامية في إيران وزميله الماركسي، الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي؛ ونتيجة التنقّل بين النّظريّات والأفكار، اتُهم شفيق بالتّقلّب. لكنّ شفيق كان واثقا من نفسه وصرّح في أكثر من مناسبة أنّه لم يندم على مسيرة حياته، وأنّه كان مبدئياً طوال الوقت، باحثاً عن فلسطين، ويرفض «نقل البندقيّة من كتفٍ إلى كتفٍ»، وذلك في كنايةٍ عن المُساومة والتنازل، مُشيراً إلى أنّ تحوّلاتِه تلك كانت بحثاً عن الطرف الذي يريد الاقتراب إلى فلسطين أكثر، ف«الثوريّة ليست في تبنّي النّظريّة، إنّما في تنزيلها على أرض الواقع، أي في كيفية صنع الثّورة»
عمل مع منظمة التّحرير الفلسطينية في تونس في أوائل الثّمانينات في مركز التّخطيط وكان على علاقة قوية بالإسلاميين واليساريين والقوميين، فأجبره نظام بن علي على مغادرة تونس. كما خدم كأمين عام لمؤتمر الشّعب السّوداني لبعض الوقت واشترك مع الجهاد الإسلامي الفلسطيني؛ وأصبح مفكّراً ومبدعاً إسلاميّاً في الشّؤون العربيّة-الإسلاميّة؛  حيث ألّف عدّة كتب عن قضايا حول الثّورة الفلسطينيّة، الوحدة العربيّة والفكر الإسلامي؛ دعا لإعادة التّفكير في العقيدة والممارسة، وتعزيز حرب العصابات والقتال ضدّ الجيش وليس ضدّ المدنيين في مواجهة الاحتلال؛ من بين مؤلفاته: «الإسلام في معركة الحضارة» و«الإسلام وتحديات الانحطاط المعاصر» و«ردود على أطروحات علمانية» و«بين النهوض والسقوط» و«قضايا التنمية والاستقلال» و«في نظريات التغيير» و«النظام الدولي الجديد وخيار المواجهة» و«شهداء ومسيرة» و«تجربة محمد علي الكبير».
عانى شفيق أثناء مسيرته النضالية؛ حيث تهجّر مع عائلته من حي القطمون في القدس أثناء حرب عام 1948، واعتقل على يد السلطات الأردنية أوّل مرّة عام 1952، ثمَّ توالت اعتقالاته، حيث اعتقلته إثر مشاركته في المظاهرات الرّافضة لتزوير الانتخابات البرلمانيّة عام 1954، ونقل إلى سجن الجفر في الصّحراء وقضى فيه عدّة شهور، ثمّ اضطر للاختفاء عن أعين السّلطات الأردنيّة، وفُصل من وظيفته في عام 1957، ثمّ اعتقل في بيت لحم، وبقي في السجن حتى أفرج عنه عام 1965.
«من جَمرٍ إلى جَمر»، هو العنوانُ الذي اختاره منير شفيق (85 عاماً) لمُذكّراته، تتنقّل المُذكرات التي كان صاحبها فاعلاً وشاهداً على فصلٍ مُهمٍّ من تاريخ فلسطين، بين عرضِ جزءٍ من تجربته الشّخصيّة والنّضاليّة، ومواقفه السّياسيّة وتعليقاته على القضايا التي تطرأ، وبين المراجعات التي يُقدِّمها للتّجارب الفكريّة والسّياسيّة المختلفة.
أمّا الجمر الذي تنقّل بينه شفيق، فهو التّحوّلات الفكريّة التي مرّ بها خلال حياته النّضاليّة والفكريّة؛ من الماركسيّة إلى القوميّة، والتأثّر بالماوية، وصولاً للإسلام. لم تكن تحولاته هذه انتهازيّةً أو نفعيّة، ولم يكن مُضطراً لها كما يقول، بل كانت «انتقالاً من الإمساك بجمر، إلى الإمساك بجمر أشدّ تلهّباً»