نقاط على الحروف

بقلم
عمر الموريف
التفكُّك الأسريّ أزمة نص أم أزمة فرد ؟
 في البدء ... كلمة:
أعاد قرار مراجعة مدوّنة الأسرة بالمغرب النّقاش السّابق حول مآل الأسرة، وما يحاك ضدّها من مؤامرات ومخطّطات من أجل الوصول بها إلى دفّة التّفكّك والانحلال. وهو ما عرفته الفترة السّالفة حين قرّر المغرب إلغاء مدوّنة الأحوال الشّخصيّة، وإخراج مدوّنة الأسرة إلى حيز الوجود، لتعرف انطلاقتها الأولى سنة 2004. فإبّان هذه المرحلة تصاعدت أصوات التّيار المحافظ بالأساس رافضا هذا التّغيير، لأنّ من شأن ذلك المساس بمدونة عمادها الأوّل الشّريعة والفقه الإسلاميّين. وبالموازاة مع هذه المخاوف التي يبني عليها هذا التيار رفضه، زخر الجوّ العام بمجموعة من الافتراضات، والتّوقّعات، والإشاعات حول مدوّنة جديدة كلّ ما يمكن أن توصف بها بأنّها مدونة للمرأة ضدّ الرجل!.
التّاريخ يعيد نفسه اليوم، فبعد تعيين جلالة الملك للجنة المكلّفة بتعديل بعض من بنود المدوّنة الحاليّة للأسرة بعد حوالي عشرين سنة من التّطبيق، تعالت أصوات بالتّنديد والاستنكار، و –بطبيعة الحال- ردّا على تيار أو تيّارات أخرى كانت تنادي بضرورة التّعديل. وكلا التّيارين معا لا يعلمان ما هي هذه التّعديلات تحديدا؟، وما البنود التي ستطالها؟ وما النّص الذي سيخضع للتّعديل؟، وما شكل هذا التّعديل ومضمونه؟. لكن بالرّغم من ذلك، نجد أنّ «التّيار المستنكر» قد أعمل آليّة «التّوقّع» و«فهم التّوجّه» الذي يحكم خلفيّة اللّجنة المكلّفة بالتّعديل(!)، أي أنّ التّوجه العلماني لا محالة سيكرّس نظرياته من «حرّية فرديّة، وتحلّل، وميوعة...» ضمن هذه البنود. ليتلقّف البعض هذه التّكهنات ويضع مجموعة من «المقتضيات القانونيّة المفترضة» والتي من المؤكّد أن تتضمّنها المدونة الجديدة من قبيل « طرد الرّجل من بيت الزّوجيّة بعد الطّلاق، وذهاب نسبة من راتبه إلى المطلّقة حتّى بعد زواجها من آخر، وعموما تقوية مركز المرأة من خلال استفادتها المادّية والمعنويّة تحت ظلّ قيام الرّابطة الزّوجيّة أو انحلالها...»، كلّ هذه القراءات التّوقعيّة ستفضي بنا في نهاية المطاف إلى نتيجة حتميّة وأكيدة وهي العزوف عن الزّواج وتفكّك الأسرة.
النّتيجة التي ينتهي إليها التّيار الرّافض لقرار التّعديل والمتمثّلة في «التّفكّك الأسري»، أو حتّى ما يأمله التّيار الآخر من هذا التّغيير من الحفاظ على الأسرة وطرفها الضّعيف الذي هو الطّفل أوّلا وأخيرا. هو ما أثار اهتمامي بالدّرجة الأولى، فدون الخوض في توجّه أو خلفيّة اللّجنة (فكلّ ما يتمّ الحكم به عليها في مواجهتها لا أساس له من الصّحة)، ودون الخوض في حجج وأدلّة هذا الطّرف أو ذاك، الرّافض أو المرحّب بالتّغيير في المجال النّصيّ الأسري. أضع مسألة أحسبها حاسمة وفاصلة للبحث عن السّبب المؤدّي إلى الحفاظ عن الأسرة أو هدمها. وهو اختيار أظنّه يتمتّع بقدر كاف من الشّموليّة، إذ يمكن إخراجه من قطر محدود كالمملكة المغربيّة موضوع الحدث والنّقاش، إلى أقطار أخرى سيّما وإن كانت لها بينة وتكوين متقاربين من حيث الثّقافة والاجتماع. فمن خلال النّتيجة المتوقّعة من أيّ تغيير يمكن أن نضع إشكال المقال الأساس كالتّالي:
أيّ دور للفرد في حماية اللّحمة الأسريّة؟
هو إشكال أساس يمكن أن نفكّكه إلى أسئلة فرعيّة كالتالي:
* هل للوعي الفردي، وتكوينه، وثقافته أثر على الاجتماع الإنساني الذي يعيش فيه؟
* هل للنّصّ التّشريعي المؤطّر دور أساسي أم مكمّل أم منعدم الدّور؟
* من المتحكّم في الآخر؟ وعي الفرد بأهمّية النّصّ، أم النّصّ من يوجّه وعي الفرد؟
هو إشكال وأسئلة فرعيّة تحتاج، أكيد، إلى تعمّق وتفصيل، لكن حسبنا في هذا المقام الاكتفاء بشذرات ومقتطفات، نأمل أن تفي بغرض فتح باب التّفكّر والتّأمل في هذا الجانب الحاسم في علاقاتنا الإنسانيّة بشكل عام. 
لكن قبل ذلك، لنعرج أولا على المقاصد الكبرى التي ترتكز عليها مدوّنات الأحوال الشّخصيّة بالدّول الإسلاميّة عموما، وبالمملكة المغربيّة بشكل خاصّ.
1 - المرجعيّة الدينيّة للمدوّنة:
اعتمدت مدوّنة الأسرة المغربيّة في سنّ أحكامها الموضوعيّة، مثلها مثل مدوّنة الأحوال الشّخصيّة الملغاة، على المذاهب السّنيّة الأربعة، إلى جانب المذهب الظّاهري، ومن خلال تقريرات الفقيه الكبير ابن حزم، صاحب كتاب المحلى(1). وهكذا تعتبر مدونة الأسرة المغربيّة النّموذج الأبرز الذي يمثّل فيه المصدر الدّيني أساس التّشريع لقانون له سمات وضعيّة حديثة، ضمنها حتّى بعض القواعد والمبادئ الفقهيّة التي درج العمل بها لمئات السّنين على الرّغم من محاولة المشرّع المغربي من خلالهما مسايرة التّطوّرات الاجتماعيّة التي عرفها المغرب في السّنوات الأخيرة من حيث إثبات النّسب ونفيه(2). وكعلم الفرائض، الذي يعدّ جزءا من مدوّنة الأسرة، فهو أيضا يستمدّ أحكامه بصورة أساسيّة من القرآن الكريم، ثمّ بصورة تبعيّة من السّنة النّبويّة والإجماع فالاجتهاد، وإلى جانب هذه المصادر تأتي مصادر الفقه النّظري التي عمل فيها أئمّة المذاهب الأربعة وباقي الفقهاء على شرح  أحكام هذا العلم وتنظيرها في ضوء مصادره التّشريعيّة، ثمّ مصادر الفقه العملي التي اشتغل فيها أصحابها على تخريج المواضيع العلميّة والإفتاء في النّوازل المتعلّقة بهذا العلم(3).
ومن هذا المنطلق، يظلّ النّص المؤطّر للعلاقات الأسريّة يستمّد فلسفته ومضمونه من الإطار «الدّيني»، ذلك أنّ بنية المجتمع لا تزال مرتبطة بالنّبع الدّيني بشكل كبير، ولا يمكن الاستعاضة عن ذلك بنصوص أخرى مخالفة. ولهذا أكّد جلالة الملك في خطابه حول التّعديلات المرتقبة لمدوّنة الأسرة بالقول: «وبصفتي أمير المؤمنين، فإنّني لن أحلّ ما حرّم اللّه، ولن أحرم ما أحلّ اللّه، لاسيما في المسائل التي تؤطّرها نصوص قرآنيّة قطعيّة». وزاد «من هنا، نحرص أن يتمّ ذلك، في إطار مقاصد الشّريعة الإسلاميّة، وخصوصيّات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتّشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسّسات والفعاليّات المعنيّة».
2 -الانحراف عن مقاصد النّص:
بعد أن أشرنا إلى أنّ مدوّنات الأحوال الشّخصيّة لم ولن تبتعد عن التّأطير الدّيني لنصوصها، فهل يمكن أن نصل بها إلى حصر التّفكّك الذي تعاني منه الأسرة داخل مجتمعاتنا؟
لنعد إلى مدوّنة الأسرة الحاليّة التي عرفت مجموعة من التّهم، وكابدت تهجّما كبيرا وهي لا تزال مشروعا، فقد وُصمت ببصمة السّبب الرّئيس الذي أدى بالأسرة إلى حالات من عدم التّماسك، وتعرّضها لموجة من فكّ الرّابطة الأسريّة بسبب ما تضمّنته موادها من بذور ومسبّبات مؤدّية –بالطّبيعة- إلى إنهاء الرّابطة الزّوجيّة، وكأنّها مدوّنة للطّلاق والتّطليق وحسب!!.
إنّ القراءة المنصفة والموضوعيّة لمواد مدونّة الأسرة المغربيّة ستفضي بنا لا محالة إلى الوقوف على الغاية التي لأجلها خرجت للوجود، وهي في المجمل حماية الأسرة ككل، رجلا وامرأة وأطفالا، وبالتّالي فلا هي مدوّنة للمرأة (الاتهام الرّئيس) ولا هي تأتي لغاية الهدم، لأنّ فلسفة أي قانون وطني كيفما كان يأتي قائما على  أسس البناء والصّيانة، لا العكس.
وهكذا، نظّمت المدوّنة لنا الخطبة تمهيدا لزيجة مبنيّة على أسس متينة غايتها التّعرّف السّليم، والمعرفة الشّاملة لظروف وشخصيّة الطّرفين، وأشارت إليها بلفظ «تواعد رجل وامرأة على الزّواج..» (المادة5) بدلا من لفظة «وعد» كما كان مقرّرا في مدوّنة الأحوال الشّخصيّة القديمة، ممّا يعني إقرار المساواة بين الطّرفين اللذين يَعِد كلّ منهما الآخر، وبالتّالي يكون الرّجل والمرأة خاطبا ومخطوبا في الآن ذاته(4).
وبعد الخطبة، يأتي الزّواج، وهي المرحلة الحاسمة التي أولاها النّصّ القانوني أهمّية قصوى، وقد تنبّه المشرّع المغربي إلى خاصّية الزّواج هذه وإلى غاياته فعرّفه تعريفا مثاليّا(5) من خلال المادّة الرّابعة من مدوّنة الأسرة، وقد جاء فيها ما يلي:
«الزّواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدّوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرّة برعاية الزّوجين طبقا لأحكام هذه المدوّنة». ويتّضح من منطوق هذا النّص الذي يعرّف الزّواج من حيث أهدافه أنّنا أمام عقد شرعي يوثق الزّوجين إلى بعضهما البعض برباط معنوي على وجه التّأبيد، ليوفّر لهما الإحصان والعفّة في أحضان أسرة متماسكة ثابتة الدّعائم، ينهضان معا بأعبائها، تسودها الطّمأنينة والودّ والاحترام، تناط رعايتها بالزّوج والزّوجة معا على قدم المساواة.
أمّا فكّ الرّابطة الزّوجيّة فقد نهجت مدوّنة الأسرة نهجا آخر عندما عرّفت الطّلاق بأنّه: «حلّ ميثاق الزّوجيّة، يمارسه الزّوج والزّوجة كلّ بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدوّنة « (المادة 78) ، كما أنّها أكّدت على أنّه : «لا ينبغي اللّجوء إلى حلّ ميثاق الزّوجيّة بالطّلاق أو بالتّطليق إلاّ استثناء، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخفّ الضّررين، لما في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال» (المادة 70).
  ففي بعض الأحيان، يمكن أن تكون العلاقة الزّوجيّة مصدرا للشّقاء والتّشاحن بين الزّوجين وبالتّالي تصبح الحياة بينهما مصدرا للجحيم والنّقمة. فإن احتدم الخلاف بين الزّوج وزوجته واتضح أنّ الحياة أصبحت بينهما مستحيلة، أباحت لهما الشّريعة الإسلاميّة حقّ ممارسة الطّلاق ليتخلّصا من هذه الحياة التّعيسة والمضطربة مصداقا لقوله عزّ وجلّ ﴿إِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ﴾(النساء: 130). وإن كانت الشّريعة الإسلاميّة قد أجازت الطّلاق، فإنّها ضيّقت من دائرته كما أنّ الرّسول ﷺ جعله « أبغض الحلال إلى اللّه» (6) .
بل لا يتمّ البتّ في الطّلاق إلاّ بعد إجراء محاولة الصّلح بين الطّرفين مرّة واحدة في حالة عدم وجود أطفال، ومرّتين في حالة وجودهم. مع التّذكير دوما بالمصلحة الفضلى للأبناء.
وحسبنا في هذا المقام الاكتفاء بهذه المقتطفات النّصيّة القليلة، وما تحمله من مبادئ وقواعد، وتوجيهات الغاية منها صيانة الرّابطة الزّوجيّة لا السّعي إلى هدمها وتكريس صور انحلالها. ومن هذا المنطلق يحضر التّساؤل البسيط التّالي: لماذا القفز على كلّ هذه المبادئ المثاليّة التي حوتها نفس المدوّنة، والعض بالنّواجذ على القواعد الاستثنائيّة المنظّمة لمسطرة التّطليق للشقاق على سبيل المثال؟
لماذا لا نتمسك، بالتّالي، بنيّة الدّوام في الميثاق الزّوجي؟، وندرك حدوديّة واستثنائيّة الطّلاق الذي لا يجب اللّجوء إليه إلاّ عند الضّرورة القصوى؟، ونستشعر بخطورة أمانة الذّريّة وتماسك المجتمع، وإعمار الأرض ببنيان مرصوص، نواته أسرة متماسكة؟... لم التهرّب من كلّ هذا وذاك، والاحتفاء بالمقابل بالنّص القاضي، ولو بالتّحذير والاستثناء، على إمكانيّة حلّ الرّابطة الزّوجيّة؟.
هي تساؤلات لابدّ من مقاربتها لعلّنا نقف على حقيقة هذه الأزمة، هل هو النّص الذي لا حراك فيه، ولا روح إلاّ بالممارسة البشريّة؟ أم أنّ الفرد هو لبّ هذه الأزمة، ولا نملك شجاعة الإقرار بذلك، فنبحث عن شمّاعة النّص القانوني؟ هذا ما سنحاول مقاربته ضمن التّركيب التّالي:
 3 - تركيب واستنتاج
يبقى النّصّ جمادا لا ينطق، وإنّما ينطق به النّاس. ساكنا لا يبثّ فيه الرّوح إلّا الممارسة البشريّة سواء بالسّلب أو الإيجاب. وهنا لا ننكر دور النّصّ وأهمّيته، لكن تظلّ عمليّة التّنزيل هي الفيصل ما دامت التّأويلات والتّفاسير والتّطبيقات تتنوّع وتختلف من فرد لآخر، ومن مؤسّسة إلى أخرى، حتّى ولو كانت هذه المؤسّسات من صنف واحد. ولنا أن نمثّل هنا بأقسام قضاء الأسرة وتعاطيها مع مسألة زواج القاصر (أو تزويج الأطفال حسب رأي المنتقدين)(7). إذ سنجد هذا النّوع من الزّواج منظّما في المواد 20 و21 و23 من مدوّنة الأسرة الأولى التي رخّص فيها المشرّع لقاضي الأسرة المكلّف بالزّواج بأن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سنّ الأهليّة أو دون سنّ الرّشد القانوني، وحدّد فيها القواعد الموضوعيّة والتّدابير الإجرائيّة التي يتعيّن اعتمادها. والثّانية التي اشترطت موافقة النّائب الشّرعي على هذا الزّواج التّزويج بحيث لا يتوقّف زواج الطّفل / القاصر على استصدار إذن بذلك من قاضي الأسرة المكلّف بالزّواج، بل لابدّ له قبل ذلك من الحصول على موافقة نائبه على هذا الزّواج، وذلك بتوقيعه معه على طلب الإذن بالزّواج وحضوره عمليّة إبرام العقد أمام العدلين المنتصبين للإشهاد؛ والثّالثة والأخيرة (المادة (23)) التي رخص فيها المشرّع لقاضي الأسرة المكلّف بالزّواج أن يأذن بزواج الإنسان المصاب بإعاقة ذهنيّة ذكرا كان أم أنثى(8). 
فبالرغم من هذا التّأطير الصّارم الذي يجعل من زواج الصّغير حالة استثنائيّة، فإنّه عُدّ من النّاحية العمليّة قاعدة، وذلك نظرا لارتفاع عدد الزّيجات التي يكون أحد أطرافها أو كليهما صغيرا دون سنّ الأهلية(9). وبالتّالي يضع تساؤلا مشروعا حول المسؤول عن هذه الوضعيّة؟. لنجد في نهاية المطاف أنّها مسؤوليّة مركّبة تشمل المشرّع واضع النّصّ، والمؤسّسة القضائيّة صاحبة التّطبيق، ثمّ وأساسا الأسرة باعتبارها الموضوع.
إنّنا في حاجة ماسّة، وبالدّرجة الأولى، إلى أفراد يقدرون مؤسّسة الزّواج، وينزلونها المنزلة التي تستحق وفقا لتوجيهات الشّارع الحكيم في النّصوص الدّينيّة، وما يرمي من خلاله مشرع الأحوال الشّخصيّة من خلال بنود المدوّنة. نحن في حاجة إلى من يتعامل مع مؤسّسة الزّواج باعتبارها من أكبر المسؤوليّات الملقاة على عاتق الإنسان حتّى يحقّق مهمّة الإعمار في الأرض كما كلّفه بذلك الخالق عزّ وجل، وذلك على أسس الرّحمة والمودّة والتّعاون والتّقدير والصّبر والتّحمّل.
أمّا وأنّنا اليوم نجد، وبنسبة لا يستهان بها، من ينظر إلى مؤسّسة الزّواج بـ «عقليّة المقاولة» التي تبحث عن منافذ للرّبح والإثراء، سواء من جانب المرأة أو الرّجل. فإنّ هذه العلاقة محكوم عليها بالفشل منذ البداية. بل منذ البدايات و«سوء النية» حاضرة عند تعاطينا مع النّصّ القانوني سواء الكائن أو المنتظر، إذ يتمّ التّفكير في الآثار المترتّبة عن إنهاء الرّابطة الزّوجيّة (التي لم تنعقد بعد)، وهذا أمر غريب حقّا. والحال أنّه من النّاحية الدّينيّة والقانونيّة معا، فإنّ نيّة الدّوام عند الإقدام على الزّواج من شروط صحّته. لكن للأسف أصبحنا نفكّر في الطّلاق قبل أن نتزوّج. وهذا ما يضعنا أمام تداعيات أخرى متمثّلة في التّهرّب من مؤسّسة الزّواج للقادرين عليها. وبالتّالي نتساءل هل نحن في مرحلة يتمّ فيها الاستعاضة عن هذه المؤسّسة بسلوكات أخرى؟؟ وأين نقطة الوصول أو السّقوط بالنّسبة للمجتمع ككل؟.
يجب التّفكير جدّيا في بناء الفرد أوّلا، بتعليمه وتثقيفه، وغرس بذور الوعي في ذاته، وتحسين ظروفه المعيشيّة... إذ ذاك سيكون النّص مكملا وداعما. لا الحلّ السّحري للمشكلة الإنسانيّة، والتي تظلّ بطبيعتها إنسانيّة لا يمكن حلّها إلا بتغيير الطّبع الإنساني إلى ما هو أفضل.
فالأزمة أزمة أفراد..لا أزمة نصوص، في نظرنا القاصر.
الهوامش
(1) محمد الكشبور، الوسيط في شرح مدونة الأسرة الكتاب الأول: عقد الزواج وآثاره، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب، ط2، س 2009، ص 27.
(2) عمر بنعيش، تطور قواعد النسب في القانون المغربي، طبعة 1434/2013، ص 3.
(3) الدليل العملي لفقه الإرث توزيع التركات، مجموعة مؤلفين، مطبعة ومكتبة البلابل، فاس المغرب،ط 2، س 2011، ص 2.
(4) محمد الشافعي، الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش المغرب، الطبعة 5، س 2022، ص 25.
(5) محمد الكشبور، المرجع السابق، ص: 150.
(6) محمد الشافعي، المرجع السابق، ص 173.
(7) فريدة بناني، تزوج الطفلات عنف مؤسسي ورق واتجار بالبشر، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش المغرب، س 2023.
(8) فريدة بناني، المرجع السابق، ص: 123.
(9) إذ تصل نسبة الاستجابة إلى 90 بالمئة، وتشكيل الطفلات في هذه الزيجات 99 بالمئة. أنظر الإحصائيات التي أودرتها فريدة بناني، المرجع نفسه، ص 188 وما يليها