بالمناسبة

بقلم
عبدالعزيز التميمي
ثقافة المقاومة والمقاومة الثقافية
 ثقافة المقاومة والمقاومة الثّقافيّة هي جبهة أخرى واستراتيجيّة للمقاومة تدعم المقاومة الصّلبة والميدانيّة. فإلى جانب تحرير الأرض من العدوان الاستعماري والامبريالي والصّهيوني تتولّى المقاومة الثّقافيّة إسناد التّحرّر الوطني للأرض بتحرير أهمّ وهو تحرير العقل من الزّيف والتّبعيّة والأمّية الثّقافيّة والسّياسيّة، وتحرير الرّوح من الهزيمة والانهزاميّة. ولا غنى للشّعوب المنتفضة دعما لثورتهم من تحرير العقل وتحرير الرّوح الجامعة الموحّدة للوطن والشّعب والأمّة.
المقاومة الثّقافيّة هي إحدى أهمّ الوسائل العمليّة تعبيرا عن الصّراع السّياسي والاجتماعي للمجتمع ضدّ الظّلم والاستبداد وضدّ الاحتلال والقمع، وتحرص المقاومة الثّقافيّة على الدّفاع عن الهويّة الوطنيّة والثّقافيّة وعن الكرامة الإنسانيّة وحقوق الإنسان.
وتتولّى المقاومة الثّقافيّة حمل الرّسالة الايجابيّة في التّحريض والدّعاية والتّعبئة العامّة على القوّة والصّبر والمصابرة والتّحدّي في وجه الظّروف الصّعبة وذلك بلغة وتعبيرات فنّية وصناعات ثقافيّة تحمل في طيّاتها العاطفة والشّجاعة والصّدق والأمل وتحريك السّواكن والوجدان الشّعبي العام. وكم انتجت لنا ثقافة المقاومة من أدباء وشعراء مثل «درويش» و«أمل دنقل» و«معين بسيسو» و«أبو القاسم الشّابي» و«راشد حسين » ورسّامين مثل «ناجي العلي» وسينمائيين مثل «هاني جوهرية»، وأجيال الفنّانين من فصائل المقاومة ومنظّمة التّحرير الفلسطينيّة الذين  هزجوا بنشيد الثّورة الفلسطينيّة الى جانب فنّانين من طراز «الشيخ أمام عيسى» و«مارسيل خليفة» و«أميمة الخليل»و«جوليا بطرس»والشّاعر الكبير أستاذ العلوم السّياسيّة «تميم البرغوثي» و«فيروز» الصّادحة بالقدس والعودة.
ولن ننسى قصّة الأغنية السّويديّة الفلسطينيّة التي اكتسحت السّاحات والمظاهرات العالميّة المساندة للقضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة بشعارها المدوّي «..تحيا تحيا فليسطينا وتسقط الصّهيونيّة...»(1). 
تروي الأغنية قصّة كفاح الشّعب الفلسطيني ضدّ الاحتلال الصّهيوني، وتروي كيف بدأ الفلسطينيّون الكفاح بالحجارة أوّلا ثمّ أطلقوا الصّواريخ على أعدائهم الغاصبين حتّى سمعهم كلّ العالم وانتبه إليهم، وعرف كفاحهم لتحيا فلسطين حرّة أبيّة على وصف الأغنية.
والأغنية في الأصل من إنتاج اللاّجىء الفلسطيني «جورج توتاري»(2)، ورغم منعها من التّداول في السّويد خصوصا وفي أوروبا عموما، ظلّت تتردّد في شوارع أوروبا وكلّ العالم. أسّس«جورج توتاري» رفقة فنّانين من 10بلدان مختلفة من العالم، زملاء له في الجامعة من السّويد سنة 1972 فرقة موسيقيّة سمّيت (كوفية/KOFIA) بهدف نقل حقيقة القضيّة الفلسطينيّة الى جمهور لم يكن يعرف شيئا عن فلسطين، وفي وقت لم تكن فيه السّفارات العربيّة تفعل شيئا من أجل القضيّة الفلسطينيّة. أنتجت الفرقة زمن اندلاع الانتفاضة الأولى (1987) أربعة ألبومات وثلاث إسطوانات وشريطا واحدا، دون الاعتماد على أيّة شركة إنتاج. وهكذا تصنع ثقافة المقاومة الحدث وتقرع طبول العالم إيذانا بالتّحرّر والتّحرير تواصلا ذكيّا مع شباب الحركة الإسلاميّة حماس التي أيقظت العالم على هول فجور الفاشيّة الامبرياليّة الصّهيونيّة.
وثقافة المقاومة والمقاومة الثّقافيّة هي وحدها التي تصنع الحاضنة الشّعبية والعالميّة، وترسم الهدف وسبل الصّبر والقوّة والمصابرة على وعثاء الطّريق.
وهذا يكشف بشكل جليّ أنّ وراء المقاومة الثّقافيّة فلسفة ثقافيّة للمقاومة وسوسيولوجيا ثقافيّة للمقاومة توحّد المجتمع وتحرّكه وروحا للمقاومة يسري في مفاصلها قرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهودا، بشيرا ونذيرا بالنّصر والتّحرير.
الهوامش
(1) الأغنية السّويدية تسمّى leve palestina
(2) جورج توتاري، بالغ من العمر 77 عاما، من مواليد حي الناصرة بفلسطين، أراد بعد هجرته إلى السويد عام 1967، أن ينشر قضيته بين الشّعب السّويدي، لذلك قرّر كتابة أغان عن مذبحة كفر قاسم، وعن دير ياسين، وطرد الشّعب الفلسطيني