مقالات مترجمة
بقلم |
التحرير الإصلاح |
ستخسر إسرائيل بلا ريب، نعم، وهذا هو السبب |
حرصت وسائل الإعلام الغربية الرّئيسيّة منذ فيفري/شباط 2022، على التأكيد بأنّ روسيا لن تستطيع الفوز في حربها في أكرانيا، ومن المؤكّد أنّ زيلينسكي، بدعم بمئات المليارات من الدّولارات من الغرب، سوف تكون له الغلبة. وأنّ روسيا عانت ومازالت تعاني من خسائر لا تطاق. وأنّ نهاية بوتين باتت قريبة. ولا يزال النّصر السّاحق لأوكرانيا في متناول اليد وسيزيده تأكيدا تسلّمها الجديد للأسلحة الأمريكيّة المعجزة(1).
ولأنه لم يكن في تصوّر الخبراء الغربيين خسارة أكرانيا للحرب، فإنّهم لم يشعروا بأنّها كانت بصدد الخسارة. ولم يفهموا بأنّ اللّحظة التي رفضت فيها أغلبية الدّول غير الغربيّة قبول العقوبات الأميركيّة ضدّ روسيا، هي اللحظة التي انتهى معها كل شيء فعلياً. لقد دارت الحرب بأكملها تقريبًا في ظلّ النّصر الرّوسي الحتمي. إنّها مسالة وقت لا غير. فهل يمكن أن يسود وضع مماثل في الحرب من أجل فلسطين؟
لقد تحوّلت أغلبيّة العالم غير الغربي بشكل حادّ ضدّ إسرائيل، وبشكل أكثر عنفاً من تحوّلها ضدّ الولايات المتّحدة في حربها ضدّ روسيا عبر أوكرانيا. ومع ذلك، تستمر وسائل الإعلام الغربيّة في خلق فقّاعة منفصلة تمامًا عن الواقع الأخلاقي والاستراتيجي. وهي لا يمكنها حتّى أن تتصوّر أنّ إسرائيل مخطئة، رغم وضوح الصّورة وبيان الأمر بشكل واضح. فهي لا تستطيع (لا تريد) أن تتصوّر أنّ الحمساويّين مقاتلون نبلاء وشهام، وأنّ الإسرائيليين إرهابيّون جبناء يقتلون الأطفال، رغم أنّ هذه هي الحال بوضوح. ولا يمكنها أيضا أن تدرك أنّ الغالبيّة العظمى من العالم تختلف معها في قراءة المشهد لأسباب وجيهة للغاية، وليس بسبب «معاداة السّامية». وفوق كلّ شيء، لا يمكن لوسائل الإعلام الغربيّة أن تتخيّل أن إسرائيل، بسبب هجومها على المدنيّين وقيامها بإبادة جماعيّة لهم، تخسر الحرب.
وكما كان من الضّروري قراءة المصادر «الموالية لروسيا» (مثل العقيد دوجلاس ماكجريجور) لمعرفة الحقيقة حول الحرب في أوكرانيا، يجب على المرء أن يبقى على اطلاع على رأي الأغلبيّة العالميّة المؤيّدة للمقاومة حتّى يحصل على صورة واضحة ودقيقة عن الحرب في غزّة.
يعمل القادة الإسرائيليّون على تهيئة الشّعب الإسرائيلي المتوتّر والمحبط لمواجهة مفاجآت غير متوقّعة في حربهم على غزّة، حيث يصفونها عادة بأنّها حرب طويلة ومكلفة وقاسية. لكنّ التّوقّعات الكبيرة التي وضعوها لهذه الحرب سيكون من الصعب تحقيقها، لأنّها تفتقر إلى خطّة عسكريّة وسياسيّة واضحة.
يقول رئيس الأركان الإسرائيلي «هيرزي هاليفي»: «نحن نشن حربًا ضدّ عدوّ قاسٍ، وهذه الحرب لها ثمن مؤلم وباهظ»، ويلخّص وزير الدّفاع «بيني غانتس» صعوبة الحرب البرّية بقوله:«إنّ صور القتال على الأرض تؤلمنا، وتسيل دموعنا عندما نرى جنودنا يسقطون».
لقد شنّ القادة الإسرائيليّون حربهم على غزّة في وقت اهتزّت فيه ثقة الجمهور الإسرائيلي بهم وفي الجيش الذي يقودونه حيث لم تتجاوز نسبة الثقة بهم 27 % وبالجيش الإسرائيلي 51 %. يضاف إلى ذلك العبء الذي يتحمّله 250 ألف شخص يبحثون عن ملجأ في منطقة غلاف غزّة والمناطق الشّماليّة القريبة من لبنان، فضلاً عن أكثر من 240 إسرائيليّاً بين جنود ومدنيين محتجزين لدى المقاومة في غزّة.
ولذلك فإنّ هذه الحرب ليست مثل الحروب السّابقة. فإسرائيل تعاني بالفعل من خسائر يوميّة فادحة وتآكل لمواردها من جنود وعتاد ووقت ومال وشرعيّة (دعم داخلي وخارجي). وسوف تستمر التّكلفة في الارتفاع مع استمرار الحرب أو توسّعها.
وتعلّق صحيفة معاريف على أوضاع الحرب البرّية التي تجري على مشارف غزّة قائلة: «إن قوى المقاومة بعيدة كلّ البعد عن الكسر. وعلى الرّغم من عمليّات التّصفية والاغتيالات، فإنّ حماس تنجح في معظم الأحيان في الحفاظ على أسلوب قتالي منظّم، يعتمد بشكل رئيسي على القتال في الأنفاق، والخروج من المخابئ، وإطلاق الصّواريخ على مدرّعاتنا».
هناك عاملان رئيسيّان يحرّكان الحرب الشّرسة التي تشنّها إسرائيل على غزّة: الأول صدمة الهزيمة العسكريّة المدويّة، والفشل الأمني والاستخباراتي الذي منيت به إسرائيل عشيّة عمليّة طوفان الأقصى التي شنّتها المقاومة الفلسطينيّة في السّابع من أكتوبر/تشرين الأول. وثانيا محنة العدد الكبير من الأسرى لدى كتائب القسام والفصائل الفلسطينيّة الأخرى. وبالتّالي فإنّ العمل العسكري يتمحور حول هذين الهدفين.
تحت التّأثير النّفسي لأحداث «السّبت الأسود»، تحرّك الإسرائيليّون مباشرة نحو الهدف النّهائي لكلّ حرب، وهو «تدمير العدوّ». بالرغم من أنّهم ربّما كانوا يعلمون، بناءً على خبرتهم السّابقة، بأنّ هذا السقف مرتفع وأنّه لا يمكن الوصول إليه إلاّ بثمن لا يستطيعون دفعه.
وفي هذا السّياق، قال وزير الدّفاع يوآف غالانت: «لا مكان لحماس في غزّة. وفي نهاية معركتنا، لن يكون هناك المزيد من حماس». هذا هدف غير واقعي، بناء على تجارب الماضي والحقائق الحالية على الأرض.
فإذا نظرنا إلى الحروب السّابقة، ولا سيما حربي 2008 و2014، نرى أنّ «تدمير حماس» كان دائما هدفا أساسيّا وضروريّا.... ولا يوجد سبب للاعتقاد بإمكانيّة تحقيق ذلك هذه المرّة، خاصّة وأنّ الحركة أصبحت الآن أقوى بكثير وأكثر تجذّرا في قطاع غزّة من ذي قبل. لقد تعزّزت دفاعاتها العسكريّة وترسانتها إلى درجة أصبح من الصّعب اختراقها، وفي نهاية المطاف، فحماس ليست دولة أو جيش نظامي قد تعلن استسلامها، بل هي حركة مقاومة شعبيّة واسعة النّطاق على طريق حرب فلسطينيّة طويلة الأمد.
الحرب التي لا تريدها إسرائيل
إذا كانت الحرب عبارة عن عمليّات قتاليّة تتطلّب تعبئة موارد الدّولة وإمكانيّاتها للقيام بحملة عسكريّة محدّدة من أجل تنفيذ أهداف عسكريّة وسياسيّة تتراوح بين تحريك الجبهة إلى تحقيق النّجاح التّكتيكي وفرض شروط معيّنة أو تنفيذ قرار ما، فإنّ المعركة القادرة على كسر إرادة «العدو» تتطلّب قيادة متّفق عليها تستفيد من درجة معيّنة من الإجماع. وهذا يتطلّب جهازًا عسكريًّا مدرّبًا ومجهّزًا ومهيّئا نفسيًّا على الأقل للقتال وخطّة مناسبة للمواجهة وجبهة سياسيّة واجتماعيّة داخليّة موحّدة ومتماسكة موجّهة نحو نفس الهدف. كما تتطلب تعبئة اقتصاديّة تحتضن ظروف الحرب وتكشفها، ومفاجآتها، وجبهة دوليّة وإقليميّة داعمة أو متفهّمة على الأقل.
ومن الصّعب تحقيق النّصر في حال غياب أحد هذه الشّروط أو جميعها، خاصّة في حالة المعارك الطّويلة التي تتطلّب التّعبئة المستمرّة. وترتبط النّتائج أيضًا بردّ فعل العدوّ ومدى قوّته والتّكتيكات التي يختارها.
هل كانت إسرائيل مستعدة؟
من حيث القدرات العسكريّة، لا تزال إسرائيل تبدو مستعدّة لشنّ حرب على جبهات متعدّدة. لكن القدرات العسكرية التّقنية والأسلحة ليست كافية لأخذ قرار الحرب، خاصّة إذا لم تكن من نوع الحرب الخاطفة التي تفضّلها إسرائيل. ومن النّاحية العمليّة، تعاني إسرائيل من عيوب كبيرة في جميع العناصر المذكورة أعلاه تقريبًا لتحقيق النّصر في هذه الحرب.
على مستوى القيادة:
لا يوجد في إسرائيل زعيم يتمتّع بالإجماع أو بالكاريزما اللاّزمة. فرئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو» لا يحظى بشعبيّة كبيرة، ففي استطلاع حديث للرّأي العام الإسرائيلي أجرته صحيفة معاريف الإسرائيلية، تبين أنّ 27 % فقط من الإسرائيليّين يؤيّدون بقاء «نتنياهو» السّياسي، وأنّ قراراته السّياسيّة والعسكريّة غير مقبولة وهي موضع الكثير من الانتقادات. كما أثبت مسار الحرب أنّه غير حاسم ويفتقر إلى خطّة عمل عسكريّة وسياسيّة واضحة ومقنعة.
ويرفض «نتنياهو» تحمّل المسؤوليّة عن الفشل الأمني الذي حدث في 7 أكتوبر، والذي عرضه لانتقادات داخليّة قاسيّة. فقد حذّر زعيم المعارضة الإسرائيليّة «يائير لابيد»، على سبيل المثال، من أنّ محاولات «نتنياهو» التّنصل من مسؤوليّاته وإلقاء اللّوم على السّلطات الأمنيّة، وبالتّالي إضعاف الجيش الإسرائيلي، هي بمثابة «تجاوز للخطوط الحمراء».
الجبهة الداخلية:
يبدو أنّ الجبهة الدّاخليّة قد تفكّكت، حيث يعيش الإسرائيليّون حالة من الانقسام العميق على المستويات الحزبيّة والشّعبيّة والسّياسيّة. وتثير مسألة الأسرى لدى المقاومة جدلاً خاصّاً، نظراً لمخاطر الحرب البرّية والخسائر الكبيرة التي ستنتج عنها.
نتنياهو وأعضاء متطرّفون في حكومته متّهمون بتقسيم المجتمع الإسرائيلي، حيث جاء على لسان زعيمة حزب العمل المعارض «ميراف ميخائيلي» أنّ رئيس الوزراء متّهم بـ «محاربة الجيش وشعب إسرائيل». وأثارت أيضا قضيّة الأسرى انقسامات داخليّة، خاصّة بعد أن دعا وزير التّراث «عميحاي إلياهو» إلى قصف غزّة بالسّلاح النّووي، قائلا: «ماذا يعني رهينة؟ في الحرب نحن ندفع الثّمن [بالدّم]. لماذا حياة الرّهائن أغلى من حياة الجنود؟»، وقد اعتبر الإسرائيليّون ذلك بمثابة «تخلّي الحكومة عن التزامها بإعادة الرّهائن».
الجبهة العسكريّة:
أظهرت أحداث «طوفان الأقصى»، وخاصّة السّاعات الستّ الأولى من يوم 7 أكتوبر، أنّ الجيش الإسرائيلي وأجهزته الأمنيّة المتعدّدة يعانون من نواقص خطيرة. واليوم، أصبحت الخسائر اليوميّة التي تتكبدها خلال عمليّاتها البرّية المستمرّة موضع شكّ داخل المجتمع الإسرائيلي، الذي كان يعتمد دائما على جيشه للحفاظ على هالة من الأمن والاستقرار.
الوضع الاقتصادي :
أمّا الوضع الاقتصادي الإسرائيلي فقد أصبح في أسوأ مستوياته، حيث أصيبت قطاعات رئيسيّة مثل السّياحة بالشّلل، وتراجع السّفر بشكل حادّ، وتعرّض القطاع الزّراعي لأضرار جسيمة. وأصبح الاقتصاد يعاني من نقص حادّ في العمالة في مختلف المجالات خاصّة بعد تعبئة نحو 360 ألف جندي احتياطي، تمّ إخراج معظمهم فجأة من القوى العاملة، وإجلاء حوالي 250 ألف مستوطن. وأعلنت إسرائيل مؤخّراً أنّ الأسابيع الثّلاثة الأخيرة من الحرب كلّفت نحو 7 مليارات دولار، من دون احتساب الأضرار المباشرة.
هل يتآكل الدّعم الأميركي لإسرائيل؟
وعلى النّقيض من الدّعم المباشر المبكّر، بدأت إدارة الرّئيس «جو بايدن» في إعادة تقييم دعمها الصّريح لنتنياهو، خشية أن تتصاعد الأمور إلى حرب إقليميّة أوسع. وتخشى واشنطن السّيناريوهات المجنونة التي قد يطوّرها «نتنياهو» لمحاولة إنقاذ مستقبله على حساب أمريكا.
وبعد نحو شهر، أدرك الأميركيّون أنّ الثّابت الوحيد في الخطّة الإسرائيليّة هو استخدام القوّة التّدميريّة الهائلة التي تستهدف المدنيّين والبنية التّحتية في قطاع غزّة. ويبدو أنّ «نتنياهو» كان ينتظر مخرجاً من الوضع الصّعب في رمال غزّة، وكان يخدع نفسه في وهم استسلام المقاومة الذي لن يحدث. وبدأت تساور الأميركيّين الشّكوك حول الإدارة الإسرائيليّة للحرّب ونتائجها. وقد ذكرت شبكة «سي إن إن» أنّ الرئيس الأمريكي «جو بايدن» ومسؤولين كبار في الإدارة الأمريكيّة حذّروا إسرائيل من أنّ الدّعم الموجّه لها يتآكل مع تصاعد الغضب العالمي بشأن حجم المعاناة الإنسانيّة الناجمة عن جرائمها في غزّة.
ماذا يحدث على الأرض؟
خلال حوالي شهر من الحرب، لا يبدو أنّ إسرائيل قد حقّقت أيّ تقدم جدّي على الأرض. وتشير التّصريحات المتضاربة إلى ارتباك حول كيفيّة إدارة المعركة وتحديد الأهداف النّهائيّة في مواجهة المقاومة الشّديدة. إنّ صدمة معركة 7 أكتوبر التي تمّت إدارتها بشكل سيّء والنّدوب النّفسيّة التي خلّفتها على المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة برمّتها لا تزال تلقي بثقلها على مسار الحرب.
هذا الجوّ النّفسي يخيّم أيضاً على الجنود الذين يدركون أنّ عودتهم من رمال غزّة ستتطلّب معجزة. ويستذكرون تجارب زملائهم وذكرياتهم المريرة عن حرب 2014 وهم يشاهدون نخبة لواء جفعاتي يغرقون في رمال غزّة في معركة لا تزال في بداياتها. وبالفعل، تقدّم الجيش الإسرائيلي بضعة أمتار في أرض مفتوحة شمال قطاع غزّة وخسر هناك 30 جندياً - بحسب التّقارير - ممّا يعني أنّه من الممكن فقدان مئات الجنود إذا تقدّم الجيش ببضعة كيلومترات، وسط سياق معقّد، وشبكة من الأنفاق والتّحصينات، وحقول للألغام، والقنّاصة، والعبوات النّاسفة، والقتال المباشر في الشّوارع في مواجهة الإرادة القتاليّة غير المحدودة للمقاومة.
ومع افتقار إسرائيل إلى خطّة واضحة للحرب، فإنّها تتّجه نحو تقدّم بطيء ومدروس داخل غزّة. وبالتّالي، فإنّ تحقيق الهدف النّهائي المشكوك فيه قد يستغرق وقتا طويلا، على حساب خسائر لا تطاق. وفي هذه الأثناء، يمكن أن تحدث تحوّلات عسكريّة أو سياسيّة كبيرة تعيث فساداً في الخطّة بأكملها.
وفي عمليّاتها الحاليّة، تخسر إسرائيل على مشارف غزة بمعدّل خمسة جنود يومياً دون تحقيق تقدم عسكري واضح وفعّال. وفي هذا الصدد قال «ناحوم برنيع»، الصّحفي الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرونوت: «إنّ حرب الاستنزاف على مشارف غزّة هي آخر ما يريد الإسرائيليّون تجربته».
ويدرك المسؤولون العسكريّون الإسرائيليّون أنّه من المستحيل إطلاق سراح الأسرى عسكريّا، لكنّهم رغم ذلك يسيرون تحت ضغط سياسي، على الرّغم من أنّ عائلات الأسرى، وكذلك الدّول التي لديها رعايا بين الأسرى، تريد اتفاق تبادل. ويعتقد «نتنياهو» أنّ مثل هذا الاتفاق سيكون بمثابة اعتراف نهائي بالهزيمة الصّهيونيّة، ومن ثمّ انتصار لحماس والمقاومة الفلسطينيّة.
تماسك المقاومة واللاّخطة الإسرائيليّة
ويخشى الرّأي العام الإسرائيلي من خسارة الحرب على جبهتين أو أكثر، من خلال الفشل في تحرير أو إطلاق سراح الأسرى (حوالي ستّين منهم قتلوا خلال الغارات الإسرائيليّة) ومن خلال الفشل في تفكيك قدرات حركة حماس والقوّات المسلحة للمقاومة الفلسطينية. والأسوأ من ذلك أنّ أعداداً كبيرة من الجنود ستقتل، ربّما بالمئات.
على النّقيض من اللاّخطّة الإسرائيليّة، وفي أعقاب الضّربة العسكريّة المؤلمة التي وجّهت إلى إسرائيل صبيحة السابع من أكتوبر، تبدو خطّة حماس والمقاومة واضحة وتهدف إلى إجبار إسرائيل على وقف الحرب، وإجراء تبادل عالمي للأسرى، ورفع الحصار عن غزّة. وتخوض المقاومة حرب استنزاف ضدّ الجيش الإسرائيلي، وتكبّدها خسائر يوميّة متزايدة، ويبدو أنّها مستعدّة لحرب طويلة تهدف إلى تآكل عناصر القوّة الإسرائيليّة. الوقت ليس في صالح إسرائيل التي ستخسر المزيد من المال والرّجال والشّرعيّة، وستتعمّق أزمتها الدّاخليّة وستتزايد الضّغوط والشّكوك المحيطة بها، مع احتمال انفجار الوضع على المستوى الإقليمي. بل على العكس من ذلك، فإنّ الوقت يقف في صفّ المقاومة الفلسطينيّة التي تعتقد أنّ كلّ هذه الضّغوط العسكريّة والسّياسيّة الدّاخليّة والخارجيّة ستؤدّي في النّهاية إلى استسلام إسرائيل وقبول شروط المقاومة. وفي هذه الحالة فإنّ الحرب لن تنتهي بهزيمة نتنياهو فحسب، بل أيضاً بهزيمة حكومة اليمين المتطرّف وأجندتها العنصريّة.
ويتزايد رفض المجتمع الإسرائيلي لسياسات هذه الحكومة على كافّة المستويات، وقد أثبتت الحرب عدم قدرتها على فرض الاستسلام على الشّعب الفلسطيني رغم المآسي التي خلّفتها الجرائم الإسرائيليّة في غزة، والتي جعلت تداعياتها المجتمع الدّولي يشكّك الروايات الإسرائيلية ويميل إلى رفضها
مأزق نتنياهو
بدأ المجتمع الدّولي يدرك أنّ حملة «بنيامين نتنياهو» ضدّ غزّة ليست إلاّ سلسلة من المذابح اليوميّة المروّعة ضدّ المدنيّين، والتي لم تسفر عن أيّ اختراق عسكري كبير. وكلّ التّوقعات تؤكد أنّ إسرائيل ستضطر إلى الاستسلام للهزيمة تحت ضغوط داخليّة وخارجيّة. وقد بدأت بالفعل تحرّكات جادّة داخل المجتمع الدّولي لإنهاء الحرب بعد هول المجازر الإسرائيليّة المتواصلة. ويؤكّد «نداف إيال» في مقال نشره بصحيفة يديعوت أحرونوت أنّ الجيش الإسرائيلي لا يمكن أن يكتفي بـ«صورة النّصر» في حربه على غزّة، وأنّ عصر سياسة «جزّ العشب» (خفض التّهديدات إلى مستوى مقبول) شيء من الماضي. وإنّما تحتاج إسرائيل إلى «نصر حقيقي». لكن هذا يترك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في وضع صعب للغاية.
المعضلة الأساسيّة تتعلّق بنتنياهو نفسه، الذي لا يريد النّزول من أعلى الشّجرة التي صعد إليها بنفسه عشيّة السابع من أكتوبر. يدرك أنّه انتهى سياسيّاً (بسبب عمليّة طوفان الأقصى)، لكنّه يحلم بعودة قويّة مرتبطة بنتائج حملته في غزّة. نتنياهو وحكومته الحربيّة يتصرّفان باندفاع تحت تأثير صدمة السّابع من أكتوبر، من دون خطّة عسكريّة واضحة للحرب، التي تُشن بالأساس كردّ فعل عاطفي لا معنى له على مقاومة مجهّزة جيّداً في غزة.
ليس لدى إسرائيل خطّة واضحة لتحرير أسراها لدى حماس واسترجاعهم، أو مواجهة الاحتجاجات الدّولية الضّخمة التي لا تزال تتصاعد، لدرجة أنّ نتنياهو أصبح يستعمل مقتبسات من الكتاب المقدّس ليخاطب بها الجنود الإسرائيليّين في غزّة، قائلاً لهم «تذكّروا ما فعل عماليق ضدّكم» (يمثل عماليق ذروة الشرّ في التّقاليد اليهوديّة). وقد استخدم نتنياهو الإشارة إلى عماليق عدّة مرّات لتحفيز الجيش الإسرائيلي في حربه ضدّ المقاومة الفلسطينيّة في غزّة.
نتنياهو يتكبّد الخسائر على كافّة الجبهات، ويحاول محو «السّبت الأسود»، متجاهلاً أنّ قيادته لا تحظى بالقبول الشّعبي، ويتظاهر بعدم الاكتراث بالجيش الإسرائيلي المنكسر، والاقتصاد المتآكل، والسّمعة الدّولية المهترئة، والجبهة الدّاخلية المفكّكة. والأهمّية العسكريّة للخسائر اليومية، إضافة إلى إدانة الأمم المتحدة لجرائمه.
الهوامش
(*) العنوان الأصلي للمقال: «Israel Will Lose. Here›s Why» منشور بالانقليزية يوم 08 نوفمبر 2021 بالموقع الالكتروني الأمريكي:
https://www.unz.com/kbarrett/israel-will-lose-heres-why
(**) كيفن باريت : Kevin Barrett (مواليد 4 فيفري 1959) محاضر جامعى أميركي سابق مسلم، وهو عضو في الفريق العلمي للتّحقيق في أحداث سبتمبر، وعضو مؤسّس للتّحالف الإسلامي اليهودى المسيحي الذي أُنْشِئ سنة 2004 بهدف تحسين «الحوار بين الأديان والتعايش، والتفاهم» في ضوء أحداث 9/11.
(1) أنظر المقابلة مع العقيد دوجلاس ماكجريجور: «إسرائيل تخسر في كل مكان. وفي نهاية المطاف سوف يخسرون الدعم من الولايات المتحدة!» إسرائيل تخسر في كل مكان، بل وربما تفقد الدعم الأمريكي الرؤية الداخلية، https://youtu.be/UZrPj-vdYqg?t=123
|