شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د.حسن صعب
 ولد د.حسن صعب في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1922 في مدينة بيروت، عاش يتيما بعد أن توفي أبوه قبل ولادته بأشهر قليلة، ورغم ظروفه الصّعبة فقد شقّ طريقه بنفسه معتمدا على العلم سبيلا. ونتيجة لتميّزه في دراسته، تمّ اختياره في العام 1941 مع مجموعة من الشّباب، للإنتقال إلى القاهرة لمتابعة دراسته في العلوم الإسلاميّة، إلاّ أنّه سرعان ما تخلى عن هذا المسار، واتجه إلى دراسة العلوم المدنيّة، ليحصل في العام 1945 على الإجازة في الآداب وينتقل بعدها إلى فرنسا، لدراسة الحقوق لمدّة عام واحد، حيث خيّر الانتقال بعدها إلى جامعة توشكند في واشنطن، حيث نال في العام 1956 شهادة الدكتوراه في العلوم السّياسيّة .
نجح صعب في اختيار السّلك الدّبلوماسي في وزارة الخارجيّة والمغتربين، حيث تنقل في مناصب عدّة في الإدارة المركزيّة للإدارة في بيروت، وفي العديد من السّفارات اللّبنانيّة في الخارجية منها منصب القائم بالأعمال في السّفارة بواشنطن، وبين عامي 1955و1956 كان عضو البعثة اللّبنانيّة في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، وفي عام 1960 خاض د.حسن صعب الانتخابات البرلمانية عن دائرة بيروت الثّانية، لكنّ لم ينجح. أمّا في المجال الأكاديمي فقد كان متميّزا حيث درّس في العديد من الجامعات اللّبنانيّة وتولّى عمادة كليّة الإعلام بالجامعة اللّبنانيّة (1972-1987)، وفي عام 1990 أصبح أستاذا محاضرا بالجامعة الأمريكيّة لكنّ المنيّة اختطفته في الخامس والعشرين من شهر جويلية/يوليو من نفس السّنة. 
كان الدكتور حسن صعب كاتبا غزير الإنتاج، خاض الكتابة في كل هذه الميادين،  وقد ألف العشرات من الكتب وترجم عشرات أخرى، ومن أبرز مؤلفاته «تحديث العقل العربي»(1969)، و«الإسلام وتحدّيات العصر»، و«لبنان العقل لا لبنان العنف»، و«المفهوم الحديث لرجل الدّولة»، و«الفيدراليّة العربيّة في الإمبراطورية العثمانيّة»، و«المدرسة العقلانيّة في السّياسة اللبنانية»، و«الصهيونيّة والعنصريّة»، و«مقدمة لدراسة علم السّياسة»، و« نظرة جديدة إلى الاتحاد العربي»، و«إسلام الحرية لا إسلام العبودية»، و«الإسلام وتحديات العصر»، و«الإسلام والإنسان»،.. وغيرها في العديد من المجالات الاجتماعية والإنمائيّة.
استهدفت جميع كتاباته غايتين إنسانيتين أساسيتين، شكلتا المحورين الدّائمين لإبداعه: العقل والحرية، فقد آمن د. حسن صعب بالعقل هادياً ومميزاً وقيمة لجميع بنى البشر وأن ‏الطموح الأعظم والأقصى للعقل هو اللّه سبحانه وتعالى. لذلك، كان يعتبر كتابه «تحديث العقل العربي» أهم كتبه على الإطلاق. أما غايته الثّانية وهي الحرّية، فقد جعلته يعتبر أنّ الكينونة الإنسانيّة لا تكون إلاّ بقدر ما هي حرّة. فإما أن يكون الإنسان حراً، أو لا يكون. هذا معنى قوله إنّ الحرّية هي الاسم الآخر للإنسان. وبالتّالي، فلا إنماءً حقيقيّاً بدون تحرّر حقيقي. فالحرّية هي مبدأ الوجود الإنساني، وقاعدة التّشريع البنائي السّياسي. وإنّ تطور الإنسان في طريق الحرّية هو تطوّره الرّوحي نحو الكمال الذّاتي.
ينظر الدكتور حسن إلى معظم القضايا نظرة شموليّة، كونيّة، إنسانيّة، توحيديّة، جامعة. كما يخالجه تطلّع دائم نحو الوحدانيّة في جلّ الأمور، فيحاول إخضاع كل وجه وشأن الى المبدأ الواحد الموحد. والثقافة المرجوة لديه هي ثقافة الإنسانيّة الواحدة، في إطار الحاضرة الكونيّة الواحدة، حيث تسود رؤية وحدانيّة اللّه، ووحدانيّة الحقيقة، ووحدانيّة القيم العلوية، ووحدانيّة الإنسانيّة.
يعتبر د.حسن صعب بوصفه مفكرا عربي الأرض واللّسان قضيّة تحديث العقل العربي، هي قضيتنا الحضاريّة الأولى، إذ تتوقّف عليها مواجهاتنا لقضايانا المصيريّة. والتحديث في نظره تجديد متواصل للفكر والحياة، وبناء على انتمائنا للإسلام فإنّ التّحديث يتطلّب تجديد مفهومنا للقرآن، تجديدا منهجيّا مستندا إلى مبدأ ذاتي إسلامي لا إلى مبادئ منهجيّة حركيةّ حديثة.
والإنسان الذي يفرض علينا القرآن أن ننشده،في نظر د.صعب هو إنسان يؤمن باللّه ‏إيماناً عميقاً ومؤمن بالحقيقة، باحثاً عنها بحثاً باستمرار، تغمر المحبّة علاقته بالكون وبما فيه؛ مؤمن بحرّية كلّ النّاس، يصون كرامته ويقدّس حقّه في الحياة؛ مؤمن بأنّ الإنسانيّة كلّها هي ديمقراطيّة روحيّة كبرى تسودها المحبّة والحرّية والعدالة. 
وحسن صعب من المفكّرين القلائل الذين استوعبوا بعمق جوهر الحداثة من جهة وجوهر الاسلام من جهة أخرى، وخلص من هذا الفهم الى صياغة موقف فكري ملفت في تماسكه وتقدميته، فالدّين، في رأيه، دعوة لا دولة، لأنّ الدّعوة دائمة والدّولة زائلة۔ والدّين عقائد لا أحكام لأنّ العقائد ثابتة والأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان، والدين أخوّة لا عصبيّة، لأنّ الأخوة سبيل النّجاة والعصبيّة سبيل الهلاك، والدّين ايثاريّة خلقيّة لا طائفيّة أنانيّة ولا مذهبيّة استغلاليّة، والدّين عبادات، تسمو بالنّفوس لا طقوس تستهويها.