باختصار

بقلم
عبدالقادر رالة
دفاع عن العباسة
 من مغالطات المؤرخين القدامى أو مُبالغاتهم واقعة نكبة البرامكة من طرف هارون الرّشيد ، وأنّ ذلك كان بسبب أخته العباسّة، وأنّ الخليفة هارون الرّشيد ما وافق على تزويجها لجعفر بن يحي بن خالد البرمكي إلاّ لأنّه كان في حالة سكر، وهي أيضا عرضت نفسها على جعفر لأنّها كانت فاقدة لعقلها بسبب الخمر، وذلك أغضب الرّشيد، فانتقم منهم أشدّ انتقام !
وهذه الّرواية هي رواية مدخولة للمؤرّخين، لذلك دافع العلامة ابن خلدون عن العباسّة وفنّد تلك الرّواية، إذ كتب :« وهيهات ذلك من منصب العبّاسة في دينها وأبويها وجلالها وأنّها بنت عبد الله بن عبّاس ليس بينها وبينه إلّا أربعة رجال هم أشراف الدّين وعظماء الملّة من بعده. والعبّاسة بنت محمّد المهديّ ابن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمّد السّجّاد ابن عليّ أبي الخلفاء ابن عبد الله ترجمان القرآن ابن العبّاس عمّ النّبيّ ﷺ ابنة خليفة أخت خليفة محفوفة بالملك العزيز والخلافة النّبويّة وصحبة الرّسول وعمومته وإقامة الملّة ونور الوحي ومهبط الملائكة من سائر جهاتها قريبة عهد ببداوة العروبيّة وسذاجة الدّين البعيدة عن عوائد التّرف ومراتع الفواحش»(1) ثم يكتب ابن خلدون متسائلا ً : «فأين يطلب الصّون والعفاف إذا ذهب عنها أو أين توجد الطّهارة والذّكاء إذا فقدا من بيتها أو كيف تلحم نسبها بجعفر بن يحيى وتدنّس شرفها العربيّ بمولى من موالي العجم؟(...) وأين قدر العبّاسة والرّشيد من الناس..» (2)
أما أسباب نكبة البرامكة فهي استبداد بالملك، وثراء وجاه واسع، ومكانة سياسيّة مرموقة مستفيدين من تقريب الخليفة هارون لهم، ونسب أي فضل إليهم بل واتخاذ قرارات هامّة دون الرّجوع اليه، وتلك أسباب فصلها ابن خلدون كما فصلها غيره من المؤرّخين القدامى أو المحدثين ...
غير أنّ دفاع ابن خلدون عن العباسّة لم يُعجب الكاتب والباحث أحمد أمين، فلم يستسغه، فكتب قائلاً في كتابه الممتع «هارون الرشيد»:« ولسنا نذهب إلى ما ذهب اليه ابن خلدون من استبعاد هذا، فهذه عاطفة إنسانيّة يقع فيها الشّريف والوضيع، الغنيّ والفقير، وكم سمعنا بمثل ذلك في كلّ العصور، وسلطان الحبّ فوق كلّ سلطان» (2)
الهوامش
(1)  تاريخ ابن خلدون، الجزء الأول، المقدّمة، ص15
(2) هارون الرشيد ، أحمد أمين،  ص 84