تطوير الذات

بقلم
محمد أمين هبيري
تحرير النفس
 المقدمة
إنَّ تحرير النّفس هو أحد الرّكائز الأساسيّة في سياسة النّفس، فهو يهدف إلى تطوير الذّات وتحسين جودة الحياة النّفسيّة والرّوحيّة. ومن بين أهمّ أبواب التّحرير هو تحرير النّفس من الشّبهات والتّفكير السّلبي، حيث يساعد على تحويل العقل إلى وضعيّة إيجابيّة وصحيحة. وهذا يؤدّي بدوره إلى تحسين الصّحة النّفسيّة والعاطفيّة، وتعزيز الثّقة بالنّفس والإيمان بالذّات. 
يمكن تعريف التّحرير من النّاحية اللّغويّة بكونها مشتقّة من الجذر الثّلاثي (ح، ر، ر،)، حسب معجم اللّغة العربيّة المعاصرة، يقال تحرير بمعنى خلاص أي إزالة الخداع «تحريرٌ من الأوهام». تحرير نصّ: مراجعةٌ نقديَّة لنصٍّ بما في ذلك دمج عناصر موثوقيّة من مصادر مختلفة. وهكذا...
أمّا التّحرير بالمعنى الاصطلاحي فنعني تحرير من شبهات الفكر ومن سلطة العادات والتّقاليد التي تسيطر على الفرد من نشأته، ولذلك فإنّ تحرير النّفس من شبهات الفكر والعادات التي تكبّلها هو أمر ضروري للوصول إلى حياة مستقرة وسعيدة. فالشّبهات تسبّب للإنسان الكثير من القلق والتوتّر، وتعيقه عن اتخاذ القرارات الصّحيحة في الحياة. فعندما يكون الإنسان محاطًا بالشّكوك والتّحفظات حول الأمور المختلفة، يكون من الصّعب عليه اتخاذ القرارات بشكل حاسم وواثق.
لذلك، يجب على الإنسان أن يحرّر نفسه من تلك الشّبهات والعادات السّلبية التي تحكمه. يمكن أن يتحقّق ذلك من خلال تحليل أفكاره ومعتقداته الخاصّة، ومقارنتها مع الواقع ومعرفة ما إذا كانت تعتمد على أساسٍ صحيح أم لا. كما يمكن أن يتمّ ذلك عن طريق الاستماع إلى آراء الآخرين وتبادل الخبرات والمعارف معهم.
وعندما يتمكّن الإنسان من تحرير نفسه من الشّبهات والتّحفظات، سيتمكّن بالتّأكيد من اتخاذ القرارات الصّحيحة والمناسبة لحياته. فهو سيتحلّى بالثّقة بالنّفس والاطمئنان والتّفاؤل، وبالتّالي سيتمكّن من تحقيق أهدافه بشكل أفضل وبطريقة أكثر فعاليّة. وبذلك، يمكن للإنسان أن يحرّر نفسه ويعيش حياةً سعيدة ومستقرة بعيدًا عن الشّكوك والتّحفظات السّلبية.
يمكن تجزئة الموضوع إلى جزئين؛ فمن جهة يمكن النّظر في العوائق الخارجيّة للنّفس (الجزء الأول) ومن جهة أخرى يمكن النّظر في التّحرّر من العوائق الخارجيّة للنّفس (الجزء الثاني)
الجزء الأول: تحديد العوائق الخارجية للنّفس
يمكن تقسيم الجزء إلى عنصرين؛ فمن جهة يمكن النّظر في أنواع العوائق الخارجيّة للنّفس (العنصر الأول) ومن جهة أخرى يمكن النّظر في تأثير العوائق الخارجيّة في النّفس (العنصر الثاني)
العنصر الأول: أنواع العوائق الخارجيّة 
تنقسم العوائق إلى قسمين؛ 
- سلطة الوعي الجمعي: وتُعدُّ من أهم العوامل التي تؤثّر في شكل العادات والتّقاليد وتحديثها، ويعتبر ذلك أمرًا حاسمًا في تكبيل المجتمعات؛ ففي الفكر التّقليدي، يكون الإنسان ملتزمًا بالعادات والتّقاليد القديمة بشكل صارم دون أي محاولة لتحديثها أو تجديدها. ومع ذلك، فإنّ سلطة الوعي الجمعي يمكن أن تؤدّي إلى إدراك الحاجة إلى تغيير هذه العادات والتّقاليد وتحديثها لتلبية احتياجات المجتمع الحديث.
في الفكر التّحديثي، يكون الإنسان أكثر حرّيةً في تحديد العادات والتّقاليد التي يتبعها، حيث يتمّ النّظر إلى كلّ عادة من حيث مدى فائدتها والتّأثير الإيجابي أو السّلبي الذي تمارسه على المجتمع. ويتمكّن الإنسان من اتخاذ قرارات مستنيرة ومنطلقة من التّحديث والتّجديد، وذلك من خلال الاستفادة من الخبرات السّابقة والتّعلّم من الأخطاء الماضية. وبالتّالي، فإنّ نقد الوعي الجمعي يساعد على تحرير النّفس من العادات والتقاليد التي تكبّلها، وتمكِّنها من اتخاذ القرارات المستنيرة بشأن مستقبلها ومستقبل المجتمع الذي تعيش فيه.
- سلطة العلماء : قد تؤدّي سلطة العلماء إلى إنشاء شبهات فكريّة قد تكبّل النّفس وتمنعها من الانفتاح والتّطوّر. فعندما يتمّ اتخاذ قرارات بناءً على ما يقوله العلماء دون البحث والاستقصاء والتّحليل النّقدي، فإنّ ذلك يؤدّي إلى تعميم الفكر والاعتقادات، ومن ثمّ إلى تشكيل مجتمع متشدّد ومغلق على آرائه وثقافته فقط. وبالتّالي، يجب على الفرد الاستقلاليّة في الفكر والبحث والتّحليل النّقدي، وعدم الاستسلام لسلطة العلماء بدون التحقّق من صحّة الأمور بنفسه، حتّى يتمكّن من تحرير نفسه من الشّبهات الفكريّة وتطويرها.
العنصر الثّاني: تأثير العوائق الخارجيّة في النّفس
يؤثّر العلماء والعادات بشكل كبير في الفكر والنّفس، حيث يساعدان في بناء وتطوير الثّقافة والمعرفة والقيم والمعتقدات التي تتحكّم في تصرّفات الإنسان وسلوكه وعقله. فالعلماء يعملون على تطوير المعرفة وتوسيع نطاق الفهم والإدراك لدى الإنسان، بينما تؤثّر العادات على تشكيل سلوكه ومواقفه تجاه الأشياء والظّواهر المحيطة به.
ومن الجدير بالذّكر أنّ العلماء لهم دور كبير في إثراء الفكر الإنساني وتوسيع مداركه وإدراكه، وتحفيزه على التّفكير النّقدي والبحث عن الحقائق والمعرفة الجديدة. وبالتّالي، فإنّ تأثيرهم على الفكر يمكن أن يكون إيجابيًّا إذا كانوا يعملون على نشر الوعي والمعرفة والإسهام في تحقيق التّقدم والتّطوّر في مختلف المجالات.
أمّا بالنّسبة للعادات، فإنّها تؤثّر على النّفس بشكل كبير، حيث يتمّ ترسيخها في العقل والسّلوك بشكل غير مباشر وتصبح جزءًا من شخصيّة الإنسان وهويّته. وقد تكون هذه العادات إيجابيّة أو سلبيّة، وتعتمد على مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع.
ولذلك، يجب على الإنسان أن يكون حذرًا في تحديد العادات التي يتبعها والأشياء التي يعتقد بها، وأن يكون قادرًا على التّفكير النّقدي وتحليل الأمور بشكل مستقل ومنطقي، حتّى يتمكّن من تحرير نفسه من العادات السّلبيّة والأفكار الضّارة، وبالتّالي تحقيق التّطوّر والتّقدّم في جميع المجالات.
الجزء الثّاني: التّحرّر من العوائق الخارجيّة للنّفس
يمكن تقسيم الجزء إلى عنصرين؛ فمن جهة يمكن النّظر في شروط التّحرّر الخارجيّة (العنصر الأول) ومن جهة أخرى يمكن النّظر في خطوات التّحرّر من العوائق الخارجيّة للنفس (العنصر الثاني)
العنصر الأول: شروط التّحرر الخارجي
شروط التّحرير الخارجي للنّفس من العادات والتّقاليد تشمل الآتي:
1 - الاهتمام بالمعرفة: يجب أن يكون الإنسان مهتمًّا بالبحث عن المعرفة والإطلاع على آخر المستجدّات في مختلف المجالات.
2 - الثّقة بالذّات: يجب أن يكون الإنسان متأكدًا من قدرته على تحليل الأمور بشكل مستقل واتخاذ القرارات المناسبة.
3 - الاستماع للآراء الأخرى: يجب أن يكون الإنسان مستعدًّا للاستماع للآراء الأخرى وتقبّلها والتّفكير فيها بشكل جادّ.
أمّا عن شروط التّحرير الخارجي للنّفس من سلطة العلماء فتتمثّل في الآتي:
1 - نشر المعرفة: يقوم العلماء بنشر المعرفة والوعي بالأفكار الجديدة والتّقنيات الحديثة، وهذا يساعد في تحرير النّفس من العادات والتّقاليد القديمة.
2 - الدفاع عن الحرية الفكريّة: يقوم العلماء بالدّفاع عن حرّية الفكر والتّعبير، وهذا يساعد في تحرير النّفس من القيود التي تفرضها العادات والتّقاليد القديمة.
3 - الإسهام في تغيير الأفكار القديمة: يقوم العلماء بإسهاماتهم في تغيير الأفكار القديمة وتحديثها وإيجاد بدائل جديدة تتماشى مع التّقدّم الحديث ولكن لا ينبغي أن نأخذ هذه الأفكار بقدسيّة حتّى لا نقع في سلطة العلماء مرّة أخرى.
العنصر الثّاني: خطوات التّحرير الخارجي
تحرير النّفس من العادات والتّقاليد ومن العلم والفكر التقليدي يتطلّب جهدًا شخصيًّا وإرادة قويّة، ومن الخطوات التي يمكن اتباعها لتحقيق ذلك:
 1 - التّفكير النّقدي: يتعيّن على الإنسان تطوير مهارات التّفكير النّقدي والتّحليلي، وذلك من خلال تمرين العقل على البحث عن الحقائق وتحليل المعلومات بشكل منطقي.
2 - الاطلاع على المعرفة الحديثة: ينبغي على الإنسان الاطلاع على آخر المستجدّات في مختلف المجالات والتّعرف على الأفكار الجديدة والمتطوّرة.
3 - الانفتاح على الآراء الأخرى: يتعين على الإنسان الانفتاح على آراء الآخرين والتّعرّف على وجهات النّظر المختلفة، ومن ثمّ النّقاش والتّفاعل معها.
4 - التّخلّص من التّحيّزات: ينبغي على الإنسان التّخلّص من التّحيّزات الشّخصيّة والثّقافيّة والدّينيّة التي قد تحول دون تحرير النّفس من العادات والتّقاليد القديمة.
5 - التحفيز على التّجربة: يجب على الإنسان التّحفيز على تجربة الأفكار والأساليب الجديدة، ومن ثمّ التّعرّف على نتائجها وتقييمها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للإنسان اللّجوء إلى الاستشارة والتّوجيه من الخبراء في مجالات مختلفة لمساعدته في تحرير نفسه من العادات والتّقاليد القديمة وتحديث الفكر والعلم.
الخاتمة
يمكن القول أنّ تحرير النّفس من العادات والتّقاليد ومن العلم والفكر التّقليدي هو عمليّة حيويّة للارتقاء النّفسي على المستوى الشّخصي والتّطوير المجتمعي على المستوى الوطني. إنّ تحرير النّفس يمنح الفرد القدرة على التّفكير النّقدي والانفتاح على آراء الآخرين، ومن ثمّ يمكنه تحقيق نموّ شخصيّ وتحسين جودة حياته.
على المستوى الوطني، فإنّ تحرير النّفس يمكن أن يؤدّي إلى تطوير المجتمع والارتقاء به، حيث يمكن أن يؤدّي الانفتاح على الثّقافات والأفكار الجديدة إلى تحقيق تطوّر مجتمعي شامل وتقدّم اجتماعي واقتصادي. وبالتّالي، يجب على كلّ فرد أن يسعى جاهدًا إلى تحرير نفسه من القيود الفكريّة والثّقافيّة التي تعيق تطوّره وتنميته.