وبعد

بقلم
عبد الله البوعلاوي
نحو قراءة تدبرية لفقه السنن الكونية من خلال القرآن الكريم (1)
 إن بدء الوحي بكلمة «إقرأ» يوحي بتحول مفاجئ في حياة الإنسان من حيث رعاية اللّه تعالى له ليرشده إلى نور هدايته، وظلال حكمته، وعنايته به حتّى لا يبقى فريسة لأهواء نفسه وتصوّرات منحرفة طارئة عليه، ولتستمر هذه الالتفاتة الرّبانيّة بالإنسان ليقرأ كلّ شيء باسم  الرّب لتتجلّى له معاني العبوديّة للّه تعالى ويتجدّد له في كلّ حين العهد الذي قطعه اللّه عليه وهو عالم الذرّ قبل نزول هذا الإنسان على كوكب الأرض، إذ قال سبحانه : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ﴾ (الأعراف:172)، هذه الحقيقة يحملها كلّ إنسان في كيانه ويشعر بضعفه تجاهها، التي خلقت كلّ شيء وملكته وأتقنت تدبيره، يقول اللّه تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ﴾ (السجدة:17). وكلما صفت روح الإنسان وزكت ووقع فيها شعاع الهداية لمست فطرته الأنوار الربانية لتصبح فضاء لاستقبال كلمات الوحي وإدراك معانيها.
لقد زوّد اللّه تعالى الإنسان بكلّ المؤهّلات الدّافعة لينتج المعرفة ويجعل من الوجود الكوني بكلّ مكوناته فضاء للملاحظة والتّجربة والكسب العلمي ويكتشف السّنن الكونيّة ويسخّرها لصالحه، ويستشرف المستقبل، ويغلب الأقدار بالأقدار ويصحّح الأفكار ويوجهّها لجلب المصالح ودفع المفاسد. والعقل المسدّد بالوحي، هو العقل الذي يرفع الإنسان إلى مستوى الإنسان السّوي الذي يتعامل مع الكون في حدود المصلحة غير المُخلّة به والضّرر بمكوناته، أمّا العقل غير المنضبط بالوحي؛ فهو عقل يدفع صاحبه إلى مستوى ينقلب فيه إلى أداة أو آلة إضرار بالإنسان وبالكون، أو يتحوّل إلى سائمة اجتماعيّة تسعى لتحقيق الذّات والرّغبة في  تلبية الشّهوات والملذّات.
لا يجوز في نظر الشّرع أن يعطّل الإنسان عقله عن النّظر وأن يعيش حالة الكلالة كمثل الأنعام أو أضل، بل حالة الإنسان الطّبيعيّة أن يستبصر الأشياء حوله وأن يجعل من الكون فضاء للملاحظة والتّجربة وأن يناقش الأحداث حوله، ويحلّل ويقوِّم وأن يصل إلى العلاقة التي تربط الفرضيّات بالنّتائج ويطرح الحلول وينتج المعرفة، ليرقى في سلّم الحضارة ويتدافع مع سنن الكون، وهذا ما أشار إليه محمد الغزالي رحمه اللّه قائلا: «وإنّ من أخطر الإصابات التي لحقت بالعقل المسلم فحالت  بينه وبين التّدبّر، وكسر الأقفال، ووضع الأغلال والآصار، والتّحقّق بالفكر القرآني والرّؤية القرآنيّة الشّاملة، والاغتراف منها لعلاج الحاضر، والامتداد صوب المستقبل، واعتماده مصدرا للمعرفة والبعث الحضاري، هو التّوهّم بأنّ الأبنية الفكريّة السّابقة  التي استمدت من القرآن الكريم في العصور الأولى هي نهاية المطاف، وإنّ إدراك أبعاد النّصّ مرتهن بها في كلّ زمان ومكان، وما رافق ذلك من نهي عن القول في القرآن بالرّأي، وجعل الرّأي دائما قرن الهوى، وسوء النّية، وفساد القصد. وفي هذا ما فيه من محاصرة للنّصّ القرآني وقصر فهمه في عصر معيّن، وعقل محكوم برؤية ذلك العصر، وحجر على العقل، وتخويف من التّفكّر، الأمر الذي يحول بين الإنسان والتّدبّر المطلوب إليه بنصّ القرآن»(1) .
يعتبر الإنسان جزءا من التّصميم الكوني الهندسي، الذي انسجمت فيه المخلوقات كلّها بقوانين ثابتة محفوظة من الاضطراب والفوضى. هذه القوانين والسّنن الكونيّة حقائق لا تتبدّل ولا تتغيّر، وكتاب مشهود ومختبر تتجلّى فيه القدرة  الإلهيّة لا يعتريها الخلل أو التّضادّ. وهذه السّنن الفاعلة في الكون تدفع الإنسان ليتفاعل معها وينسجم مع حركتها ويطور من مؤهّلاته في ظلّ مكوناتها، ويفقه جريانها ليحقّق حضارة تليق بالإنسان «المستخلف»، والقيادة والتمكين في الأرض، بمعنى أن يكون قادرا على فقه السّنن الكونيّة وتوجيهها توجيها صحيحا لصالحه.
ويراد بسنن اللّه الكونيّة «القوانين التي تحكم الكون، وحياة النّاس قدرا بمشيئة اللّه وهي تجري بإطراد وثبات، تخضع لها الأمم والمجتمعات والأفراد، ، فهي سنن  لا تتبدّل ، وتأتي في وقتها المناسب تؤثّر بشكل مباشر في  حياة النّاس وسلوكاتهم وتصرفاتهم. وتترتّب عن هذه السّنن نتائج إيجابيّة أو سلبيّة بناء على تعامل النّاس معها نصرا وهزيمة، تخلّفا أو بناء للحضارة، قال اللّه تعالى: ﴿سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادهِ﴾ (غافر:85).
يقول شيخ  الإسلام بن تيميّة على أنّ السّنن الكونيّة : «هي السّنن المتعلّقة بالأمور الطّبيعيّة كسنته في الشّمس والقمر والكواكب وغير ذلك من العادات»(2)، وهذه ظواهر طبيعيّة  ألفها الإنسان في حياته من تغيّر المناخ والفصول واختلاف اللّيل والنّهار. لكنّ الإنسان قد يقع في الغفلة عن هذه السّنن، يقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاِ﴾ (الفرقان :62). فـ «الكواكب تدور في مداراتها لا تتخلّف عن دورانها، ولا يقع بينها التّصادم أثناء حركتها، ولا يخرج الواحد منها عن مداره، ولهذه الكواكب وظائفها وأثارها، كلّ في حدود ما خلق من أجله»(3).
والقارئ المتدبّر للقرآن الكريم يجد أنّه لا تخلو سورة من سور القرآن الكريم إلاّ وتتحدّث عن الكون، بل إنّ معظم القرآن الكريم حديث عن الكون وعن سننه ومكوناته وقوانينه التي تحكمه، و لا يخلو القرآن أيضا من الإشارة إلى النّظر إلى الكون والدّعوة إلى التّعامل مع سننه، كما يجد المتدبر للقرآن الكريم أيضا مدى ارتباط سنن اللّه تعالى الشّرعيّة بسننه الكونيّة، فتكوِّن السّنن الشّرعيّة والسّنن الكونيّة لدى الإنسان وحدة فكريّة منسجمة، كذلك توجد الآيات الشّرعيّة إلى جنب الآيات الكونيّة، وكان لا بد من هذه الصّلة بينهما، لأنّ خالق الكون ومنزّل الآيات الشّرعيّة هو اللّه تعالى، فلا تغيب عند الإنسان الرّؤية الكليّة في الجمع بين آيات اللّه الشّرعيّة  وآياته الكونيّة، لأنّ الآيات الشّرعيّة تساعد على فهم السّنن الكونيّة والنّظر في الكون ينمّي ملكة الفهم لآيات القرآن الكريم.    
لقد ارتبط الحديث عن الآيات الشّرعيّة في القرآن الكريم بالآيات الكونيّة ليشكّل لدى  الإنسان رؤية متكاملة تتيح له إنتاج المعارف، فيقرأ الحاضر ويستشرف المستقبل، فيحقّق بهذه الرّؤية الجَعْل التّكليفي بالشّهادة على النّاس والاستخلاف في الأرض والتّمكين فيها وعمارتها، يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهيدا ﴾ (البقرة:143). وإذا ما حدث تنافر في التّعامل مع آيات اللّه الشّرعيّة أو جعل الآيات الكونيّة من باب نافلة التّعبّد بها تلاوة دون استنطاقها، أو فقدان الأدوات المعينة على فهم سنن الكون وقوانينه، فإنّ ذلك تعطيل للرّؤية القرآنيّة الشّموليّة.    
عندما تغيب عن الإنسان الرّؤية الشّمولية للقرآن الكريم في الجمع بين آيات اللّه الشّرعيّة وآياته الكونيّة، أو تصبح عنايته به واهتمامه الأول ضبط الآيات من حيث الشّكل والتّرتيل دون النّظر فيما توحي به الآيات القرآنيّة في كونها قولا ثقيلا، فإنّ ذلك يؤدّي إلى اعتبار القرآن الكريم نصّا مقدّسا لا أقلّ ولا أكثر. 
لقد تسرّب إلى أذهان كثير من المسلمين اليوم أنّ التّعامل مع الكون أو سننه سلوك يُفقد  الإنسان إيمانه أو يجعله في حالة هيام وانغماس في هموم الدّنيا وزخرفها، وهذا تصرف في نظر من استسلم كليّا لقداسة الغيب وانفصل عن الدّنيا، وارتمى في أحضان التّصوّر الرّوحي، وحرم  ذاته بالتّمتّع بم أحلّ اللّه تعالى من النعم، وعذّب جسده وحرم ذاته من التّمتّع بملذّات الحياة الدّنيا. ويوجد فريق آخر في الاتجاه المضادّ يتنكّر للغيب ويعتبره تعذيبا للذّات وعثرة أمام النّهوض، فيستقلّ بالتّفكير العقلي في بلورة فكر مادّي محض، يسعى من خلاله إلى تحقيق ما يتشهيه ويرغب فيه وفرض السّيطرة على الكون. ولا سبيل للخروج من هذا التّناقض بين باطن الإنسان وظاهره، وبين روحه وطموحه المادّي إلاّ ببناء معرفة متكاملة تجمع بين رغبات الرّوح ومتطلبات الجسد أو بين الجانب الرّوحي والجانب المادّي للإنسان. إنّ هذه المعرفة لا يمكن أن تحصل إلاّ من خلال قراءة تدبريّة للقرآن الكريم الذي ينصّ على النّظر في الآيات الشّرعيّة وعلاقتها بآيات الأنفس والآفاق. إنّنا نحتاج إلى تأسيس منهج تتكامل فيه المعرفة بين العلوم الشّرعيّة والعلوم الكونيّة وقراءة مستوعبة لهما تستنطق أهمّ المحاور القرآنيّة واعتبار الكون وقوانينه فضاء للمعرفة المادّية.
إنّ التّعامل مع السّنن الكونيّة ومظاهر الكون المختلفة والخلق كلّه يساعد الإنسان على الوصول أوّلا إلى القدرة المدبّرة لنظامه ودقّة حركاته، كما يعطيه فرصة الاستفادة من هذا التّسخير ليُشيد حضارة تليق به، فيغدو تفكيره منسجما، يستوعب في كونه مرتبطا بعالم الغيب وما يتعلّق به ومرتبط بالكون وسننه في كونه جزءا منه وفاعلا فيه. لقد خلق اللّه تعالى الإنسان من نفخة روحيّة ومن قبضة مادّية لتناسب وجوده مع الفطرة التي يحملها ومع الكون الذي يعيش فيه.
لو لم يكن لسنن الكون وقوانينه أهمّية في التّعامل معها لما كان الحضور الكبير للكون في القرآن الكريم والدّعوة إلى النّظر فيه والتّأمل في حركته، وهذا يعتبر أسّ تربية القرآن الكريم المتكاملة للإنسان وبناء معرفة متكاملة بين النّص القرآني والكون،  ذلك أنّ ابتكار المعرفة الجزئيّة في غياب حلقة سواء تعلّق الأمر بغياب الرّؤية القرآنيّة أو غياب الواقع البشري الذي يخضع للقوانين الكونيّة، يؤدّي إلى أزمة تتراكم نتائجها السّلبية على الإنسان. 
يعتبر القرآن الكريم المصدر الأساس الذي يحتوي على كلّ المعارف ومنه، فهو- أي القرآن الكريم-يوجه المعرفة التي تليق بالإنسان في جو من التّناغم بين العلوم الشّرعيّة والعلوم الكونيّة، ذلك أنّ القرآن الكريم يبني فكر الإنسان المسلم على الوعي بسنن التّغيير وفقهها ليحقّق غايته من الوجود جيلا بعد جيل في إمكانيّة الاستخلاف في الأرض، أمّا الغرب اليوم فقد تنكّر للدّين و للغيب، واتجه صوب الكون واستفرغ فيه جهدا كبيرا وحقّق للإنسان الرّفاهية في الجانب المادّي، واعتبر العقل المصدر الوحيد للمعرفة، فاختزل الإنسان في كونه أداة استهلاكيّة وآلة إنتاجيّة، يقول الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ ظَٰهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلْآخِرَةِ هُمْ غَٰفِلُونَ﴾ (الروم:6-7)، أي «أنّ هؤلاء لا يعلمون بواطن الأشياء وعواقبها، «وإنّما يَعْلَمُونَ ظَٰهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلْآخِرَةِ هُمْ غَٰفِلُونَ» أي فينظرون إلى الأسباب ويجزمون بوقوع الأمر الذي في رأيهم انعقدت أسباب وجوده ويتيقّنون عدم الأمر الذي لم يشاهدوا له من الأسباب المقتضية لوجوده شيئا، فهم واقفون مع الأسباب غير ناظرين إلى مسبّبها المتصرّف فيها، «وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ» قد توجهت قلوبهم وأهواؤهم وإراداتهم إلى الدّنيا وشهواتها وحطامها فعملت لها وسعت وأقبلت بها وأدبرت وغفلت عن الآخرة...
ومن العجب أنّ هذا القِسم من النّاس قد بلغت بكثير منهم الفطنة والذّكاء في ظاهر الدّنيا إلى أمر يحيّر العقول ويدهش الألباب، وأظهروا من العجائب الذّرية والكهربائيّة والمراكب البريّة والبحريّة والهوائيّة ما فاقوا به وبرزوا وأعجبوا بعقولهم ورأوا غيرهم عاجزا عمّا أقدرهم اللّه عليه، فنظروا إليهم بعين الاحتقار والازدراء وهم مع ذلك أبلد النّاس في أمر دينهم وأشدّهم غفلة عن آخرتهم وأقلّهم معرفة بالعواقب، قد رآهم أهل البصائر النّافذة في جهلهم يتخبّطون وفي ضلالهم يعمهون وفي باطلهم يتردّدون، نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون»(4).
يعرض القرآن الكريم في كثير من آياته، ترابط الآيات الكونيّة مع الآيات الشّرعيّة وانسجامها غاية الانسجام، يقول اللّه تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ، فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة:21-22). فلا ينفصل التّدبّر في الآيات الشّرعيّة عن التّدبّر في آيات اللّه الكونيّة.  هذه الحركة العقليّة والفكريّة في الجمع بين التّدبّر في آيات اللّه الشّرعيّة وآياته الكونيّة تمنح الإنسان معاودة النّهوض الحضاري، والتّمكين في الأرض.
ولا يمكن للإنسان أن يحقّق نهوضا حضاريّا وإنسانيّا أو أن يعالج المشكلات التي تعتري البشريّة اليوم، إلاّ من خلال قراءة تدبريّة للسّنن الكونيّة من خلال تصوّر القرآن الكريم الذي يقدّم الأنموذج المتكامل والصّالح لكلّ زمان ومكان. إنّ المرجعيّة المعرفيّة التي لا تستند إلى الوحي معرفيّة جزئيّة تصلح لتخدم طبقة دون أخرى أو فئة دون أخرى، ولا يمكن لها أن تستمرّ أو تصبح مرجعا للإنسان. 
إنّ الإنسان الفاعل؛ يتعامل مع السّنن الكونيّة ويسخّرها لصالحه ويستثمرها، ولا يتركها تؤثّر فيه، ذلك أنّ ما ينصّ عليه القرآن الكريم إدراك تلك القوانين المطردة من أجل توجيهها بما يجلب له المنافع ويدفع عنه المفاسد، أمّا الذي يعيش الكلالة ويستسلم للسّنن الكونيّة بدعوى أنّه لا يستطيع التّفاعل معها لأنّها فوق طاقته من جهة أو أنّ التّعامل معها ابتداع في الدّين من جهة أخرى فلا خير فيه.
إنّ الغرب تعامل مع الكون وسخّر كلّ ما فيه لصالحه، وهذه رؤية القرآن الكريم نحو الكون، لكن المسلمين تنكّروا للكون وأهملوا العلوم الكونيّة، ولم يتدبّروا الآيات الشّرعيّة المرتبطة بالآيات الكونيّة من حيث أنّهما تشكّلان وحدة متجانسة، بل الكون يعتبر من أهم محاور القرآن الكريم بدءًا من أوّل سورة نزلت من القرآن الكريم.
الهوامش
(1) كيف نتعامل مع القرآن الكريم، الشيخ محمد الغزالي،  ص: 22
(2) جامع الرسائل لتقي الدين أبو العياس أحمد بن عبد الحليم  بن تيمية المتوفى سنة 728 هـ  المجموعة الأولى  الصفحة 52 ، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، دار المدني للنشر و التوزيع  الطبعة الثانية 1405 هـ / 1984 م 
 (3) السنن الإلهية في الأمم والأفراد في القرآن الكريم أصول وضوابط، د.مجدي محمد عاشور، ص 37 دار السلام للطباعة والنشر ط2 - 2007 م.
 (4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي(1307-1372هـ) منتدى الثقافة، الطبعة الأولى 1435هـ 2014م