شذرات

بقلم
د.محمد عمر الفقيه
أرأيت الذي يكذب بالدين
 قال تعالى : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ (الماعون: 1)
فمن هو الذي يكذّب بالدّين ؟؟.
الذي يكذّب بالدّين ليس فقط من يكفر بوجود اللّه، ولا الذي ينكر ركنا من أركان الإيمان أو الإسلام، وليس فقط من ينكر معلوما من الدّين بالضّرورة.
الذي يكذّب بالدّين وفق القانون الإلهي هو الذي يدعّ اليتيم.
 هو الذي يهمّش فئة الأيتام الذين فقدوا من يعيلهم ويرعاهم؛ 
الذي يكذّب بالدّين هو الذي يهمّش الفقراء والمحتاجين، ولم يشرع قوانين تحميهم من الفقر والحاجة؛
الذي يكذّب بالدّين هو الذي يفرض ضرائب ترهق  المواطنين وتزيدهم فقرا وعوزا وحاجة؛
الذي يكذّب بالدّين هو النّظام الذي لا يحمي فئات المجتمع الفقيرة، ولا يؤمّن لهم حقّهم المشروع في المأكل والمشرب والمسكن والتّعليم وفي الدواء.
الذي يكذّب بالدّين هو الذي يكرّس الطّبقيّة في المجتمع ليبقى الفقير فقيرا والغنيّ غنيّا والوزير وزيرا والكادح كادحا.
هذا هو مفهوم الذي يكذّب بالدّين قرآنيّا، فالقرآن الكريم يعتبر العدالة الإجتماعيّة هي المعيار الحقيقي للإيمان، والحدّ الفاصل بين الإيمان والكفر.
ثمّ تأتي الآية الكريمة لتؤكّد هذا المعنى: ﴿فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيــمَ * وَلَا يَحُــضُّ عَلَىٰ طَعــَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُــونَ ﴾ (الماعون: 2-5)، للأسف وفق ثقافتنا الدّينيّة السّائدة، أنّنا نتناول سورة الماعون كسورة مفكّكة الآيات، ولا علاقة لآية بأخرى، ولكنّ الحقيقة أنّ السّاهون في صلاتهم هم الذي غفلوا عن حقيقة عظيمة وهي أنّ الصّلاة لها وظيفة اجتماعيّة تتعلّق بإصلاح المجتمع وحبّ الخير للنّاس أجمعين، وأنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا كلّه مرتبط ارتباطا وثيقا بما استهلت به السّورة الكريمة، فاللّه تعالى يتوعّد السّاهين عن صلاتهم باغفالهم حاجات الأيتام والفقراء والمحتاجين، فالسّاهون هم المراؤون الذين همّهم فقط أداء الصّلاة بصورتها الشّكليّة والمظهريّة، ثمّ تختتم السّورة الكريمة بالتّهديد والوعيد للذين يمنعون الماعون، والماعون يقصد به تقديم العون والمساعدة للآخرين وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بما جاء في مستهل سورة الماعون.
للأسف، لم تتناول معظم  كتب العقائد التّراثية البعد الاجتماعي والاقتصادي في طروحاتها ولم تؤسّس له بصورة عمليّة واضحة، وإنّما استغرقت في قضايا ميتافيزيقيّة طوبائيّة، ودخلت في معارك جانبيّة حول قضايا ليست قرآنيّة، كقضيّة خلق القرآن، وقضيّة أنواع التّوحيد، وقضيّة رؤية اللّه يوم القيامة، وقضيّة التّعامل مع الجنّ، وقضايا السّحر والعين والشّعوذة، وغيرها من القضايا.
لقد آن الأوان لندرك أنّ رسالة اللّه نزلت الى أهل الأرض لتعالج المشاكل الإنسانيّة المباشرة. نزلت من السّماء إلى الأرض لسعادة الإنسان، وتحقيق العدالة ومنع الظّلم والعدوان، هذه هي العقيدة الإلهيّة التي أرادنا اللّه أن نعتقدها لنترجمها فكرا وسلوكا في كلّ تفاصيل حياتنا.